من يوميات رجل مجنون

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

أبيات قصيدة من يوميات رجل مجنون لـ نزار قباني

-1-
إذا ما صرختُ :
"أحبك جـدا "
" أحبك جـدا "
فلا تسكتيني .
إذا ما أضعت اتزاني
وطوقت خصرك فـوق الرصيف ، فـلا تـنهريني ..
إذا ما ضربت شبابيك نهديك كالبرق ، ذات مساءٍ
فلا تطفـئـيـني ..
إذا ما نزفت كديك جريح على ساعديك فلا تسعفيني ..
إذا ما خرجت على كل عرف ، وكل نظام فلا تقمعيني ..
أنا الآن في لحظات الجنون العظيم
وسوف ُتضيعين فرصة عمرك
إن أنت لم تستغلي جنوني .

-2-
إذ ما تدفـقت كالبحر فـوق رمالك ..
لا توقـفيني..
إذا ما انكسرت فتافيـت ضوءٍ على قدميك ، فلا تسحقيني ..

-3-
إذا ما ارتكبت جريمة حبٍّ ..
وضَــيَّـع لون البرونز المعتق في كتفيك .. يقيني
إذا ما تصرفت مثل غلام شقي
وغطـّـست حَـلـْــمَـة َ نهدك بالخمر ...لا تضربيني .
أنا الآن في لحظات الجنون الكبير
وسوف تضيعين فـرصة عمرك ، إن أنت لم تستغلي جنوني .

-4-
إذا ما كتبت على ورق الورد ، أني أحبك ..
أرجوك أن تقرأيني ..
إذا ما رقـدت كطفل ، بغابات شعرك ، لا توقـظيني .
إذا ما حملت حليب العصافـير .. مهرا فلا ترفـضيني ..
إذا ما بعثت بألف رسالة حب
إليك ...
فلا تحرقـيها . ولا تحرقـيني ..

-5-
إذا ما رأوك معي ، في مقاهي المدينة يوما ، فلا تنكريني ..
فكل نساء المدينة يعرفن ضعفي أمام الجمال ..
ويعرفن ما مصدر الشعر والياسمين ..
فكيف التخفي ؟
وأنت مصورة في مياه عيوني .
أنا الآن في لحظات الجنون المضيء
وسوف تضيعين فرصة عمرك ، إن لم تستغلي جنوني .

-6-
إذا ما النبيذ الفرنسي ، فك دبابيس شعرك دون اعتذار
فحاصرني القمح من كل جانب
وحاصرني الليل من كل جانب
وأصبحت آكل مثل المجانين عشب البراري ..
وما عدت أعرف أين يميني ..
وما عدت أعرف أين يساري؟

-7-
إذا ما النبيذ الفرنسي ، ألغى الفروق القديمة بين بقائي وبين انتحاري فأرجوك ، باسم جميع المجاذيب ، أن تفهميني
وأرجوك ، حين يقول النبيذ كلاماً عن الحب ..
فوق التوقع .. أن تعذريني .
أنا الآن في لحظات الجنون الــبَـهيّ
وسوف تضيعين فرصة عمرك
إن أنت لم تستغلي جنوني ..

-8-
إذا ما النبيذ الفرنسي ، ألغى الوجوه ،
ألغى الخطوط ،
ألغى الزوايا .
ولم يبقى بين النساء سواك .
ولم يبقى بين الرجال سوايا .
وما عدت أعرف أين تكون يداك ..
وأين تكون يدايا
وما عدت أعرف كيف الفرق بين النبيذ ، وبين دِمـايا ..
وما عدت أعرف كيف أميز بين كلام يديك وبين كلام المرايا ..
إذا ما تـناثرت في آخر الليل مثل الشظايا
وحاصرني العشق من كل جانب
وحاصرني الكحل من كل جانب
وضيعت اسمي .. وعنوان بيتي ..
وضيعت أسماء كل المراكب
فأرجوك ، بعد التناثر ، أن تجمعيني
وأرجوك ، بعد انكساري ، أن تـُـلصقيني وأرجوك بعد مماتي ، أن تبعثيني
أنا الآن في لحظات الجنون الكبير
وسوف تضيعين فـرصة عمرك
إن أنت لم تستغلي جنوني .

-9-
إذا ما النبيذ الفرنسي ، شال الـكـيـمـونُـو عن الجسد الآسيوي
فأطلع منه بهاراً ..
وأطلع منه محاراً ..
وأطلع منه نحاساً , وشاياً ، وعاجا
وأطلع أشياء أخرى ..
إذا ما النبيذ الفرنسي ، ألغى اللغات جميعاً .
وحول كل الثقافات صفراً ...
وحول ثغرك بستان ورد
حول ثغري خمسين ثغراً ..
إذا ما النبيذ الفرنسي أعلن في آخر الليل ، أنك أحلى النساء .. وأرشقهن قواما وخصرا
وأعلن أن الجميلات في الكون نثـرٌ
ووحدك أنت التي صرت شعرا
فباسم السكارى جميعا
وباسم الحيارى جميعا
وباسم الذين يعانون من لعنة الحب ، أرجوك لا تلعنيني ..
وباسم الذين يعانون من ذبحة القلب ، أرجوك لا تذبحيني ..
أنا الآن في لحظات الجنون العظيم...
وسوف تضيعين فرصة عمرك ، ...
إن أنت لم تستغلي جنوني .....

عن نزار قباني

نزار قباني (1342 - 1419 هـ / 1923 - 1998 م) شاعر سوري معاصر من مواليد مدينة دمشق.

تعريفه من ويكيبيديا

نزار بن توفيق القباني (1342 - 1419 هـ / 1923 - 1998 م) دبلوماسي وشاعر سوري معاصر، ولد في 21 مارس 1923 من أسرة عربية دمشقية عريقة. إذ يعتبر جده أبو خليل القباني من رائدي المسرح العربي. درس الحقوق في الجامعة السورية وفور تخرجه منها عام 1945 انخرط في السلك الدبلوماسي متنقلًا بين عواصم مختلفة حتى قدّم استقالته عام 1966؛ أصدر أولى دواوينه عام 1944 بعنوان "قالت لي السمراء" وتابع عملية التأليف والنشر التي بلغت خلال نصف قرن 35 ديوانًا أبرزها "طفولة نهد" و"الرسم بالكلمات"، وقد أسس دار نشر لأعماله في بيروت باسم "منشورات نزار قباني" وكان لدمشق وبيروت حيِّزٌ خاصٌّ في أشعاره لعلَّ أبرزهما "القصيدة الدمشقية" و"يا ست الدنيا يا بيروت". أحدثت حرب 1967 والتي أسماها العرب "النكسة" مفترقًا حاسمًا في تجربته الشعرية والأدبية، إذ أخرجته من نمطه التقليدي بوصفه "شاعر الحب والمرأة" لتدخله معترك السياسة، وقد أثارت قصيدته "هوامش على دفتر النكسة" عاصفة في الوطن العربي وصلت إلى حد منع أشعاره في وسائل الإعلام.—قال عنه الشاعر الفلسطيني عز الدين المناصرة : (نزار كما عرفته في بيروت هو أكثر الشعراء تهذيبًا ولطفًا).

على الصعيد الشخصي، عرف قبّاني مآسي عديدة في حياته، منها مقتل زوجته بلقيس خلال تفجيرٍ انتحاري استهدف السفارة العراقية في بيروت حيث كانت تعمل، وصولًا إلى وفاة ابنه توفيق الذي رثاه في قصيدته "الأمير الخرافي توفيق قباني". عاش السنوات الأخيرة من حياته مقيمًا في لندن حيث مال أكثر نحو الشعر السياسي ومن أشهر قصائده الأخيرة "متى يعلنون وفاة العرب؟"، وقد وافته المنية في 30 أبريل 1998 ودفن في مسقط رأسه، دمشق.

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي