محمد بن عبد الله بن أبي مدين شعيب العثماني

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

محمد بن عبد الله بن أبي مدين شعيب العثماني

الفقيه الكاتب محمد بن عبد الله بن أبي مدين شعيب العثماني:

[كنيته:]

يكنى أبا الحسن، وأدركته، ورأيته، وكتب للملوك من بني مرين بحضرتهم.

وكان أبوه عبد الله هو الذي نجم في بني أبي مدين في خدمة الملوك من بني مرين. قلدوه الحجابة ورياسة الكتاب، وكان أحد الموصوفين بالكرم الفائق، كانت عطاياه هنيدات أخبرني بفاس غير واحد ممن رآه أن عطاياه كانت من خمسين دينارا ذهبا، إلى مائة دينار مثلها، إلى أكثر من ذلك.

ومولده بقصر كتامة، ونشأ بمكناسة الزيتون ، وبها قرأ القرآن وتفقّه؛ فتعلق بخطة التوثيق، وسكنها مدة. ثم ارتحل عنها إلى فاس فأقام بها موثقا بسماط شهودها، وكان أصل قربه من دار السلطان أن الوزير أبا علي عمر بن الوزير السعود بن خرباش الحشمي طلب من قاضي مكناسة في حينه كاتبا لنفسه يكون حسن الحظ، فعرفه بعبد الله هذا؛ فاستكتبه. وانتقل بعد وفاة الوزير عمر بن السعود لقراءة الحزب بدار أمير المسلمين أبي يوسف يعقوب بن عبد الحقّ. ثم تعلق بخدمة السلطان أبي يوسف يعقوب بن عبد الحقّ على يد من كتاب الحضرة السلطانية اليعقوبية على يد صاحب قلمها الأعلى أبي عبد الله محمد الكناني. فلما توفى الكناني قدمه السلطان أبو يوسف للعلامة فكان يعلم، وأبو الطيب الكناني أخو المتوفى يعلم، وأبو عبد الله محمد بن الربيب الكتامي يعلم، وأبو عبد الله محمد العمراني يعلم؛ من حضر منهم علم. فمات السلطان أبو يوسف، وولي بعده السلطان أبو يعقوب يوسف فبقي كاتبا كما كان، إلى أن استبد بأمور أبي يعقوب كلها، وقلده الحجابة ورياسة الكتاب، ولم يزل كذلك إلى أن توفي أبو يعقوب، وولي بعده حفيده ابن ابنه، أبو ثابت عامر. فبقي على ذلك إلى أن مات أبو ثابت وولي أخوه لأبيه أبو الربيع سليمان، فبقي على ذلك إلى أن قتله أبو الربيع في عام عشرة وسبع مئة.

وأبو مدين شعيب والد عبد الله كان منخرطا في سلك المتصلحين، فصيح اللسان، وكان يصلي في بعض الأوقات بالسلطان أبي يوسف يعقوب بن عبد الحق. وليس هو أبو مدين شعيب بن الحسين الأنصاري الاشبيلي الأندلسي

وليّ الله تعالى، الذي دفن بالعبّاد (عباد تلمسان عند وادي يسر قرب تلمسان، موضع معروف، مشهور بالحسن وجمال الطبيعة، واشتهر بعد ذلك بضريح سيدي بومدين، ثم أقيم إلى جانبه مسجد مشهور) من مدينة تلمسان؛ وإنما اتفق الاسمان.

وهو من بني عثمان، قبيلة، يسكنون بقصر كتامه. وأبو الحسن هذا كتب في حضرة أمير المسلمين أبي الحسن ملك المغرب المريني. وكتب أيضا في حضرة أمير المؤمنين المتوكل على الله أبي عنان.


حاله-رحمه الله-:

كان قد تابع والده في هديه، ولم يتخطه في أمره ونهيه. وحاكاه في بذل العطايا، ولم يحد عن تلك السّجايا. وكان للقرآن حافظا، وعلى أوقات قراءته محافظا. لا تراه إلا تاليا، كما كان للفواحش قاليا. وأبوه عبد الله هو الذي أشاد المعالي في قومه، وأيقظ لهم جفن الفخار من نومه. وساد بما أشاد من المفاخر، ونشر بعطائه رداء السيادة الفاخر. أعطى وما أبطأ، وأصاب في ذلك وما أخطأ. وسطا في حجابته بالظلام، ورفع في رياسته من وضعته الأيام. وكان مكرما بالشرفاء ، رفيقا بالضعفاء. عظيم الصدقات، حليما في السكون والحركات. كثير التواضع، قليل التصانع.

أنشدني أبو الحسن المذكور لنفسه-رحمه الله تعالى-يتشوق:

يا سقى الله دهرنا المستقضّي ... من شآبيب دمعي المرفض

لو بملك العراق أسعف دهري ... ما رضيت المقام في غير أرضي!

يا رسول الهوى تحمّل سلامي ... للذي حال بين جفني وغمضي

وإذا ما أتيته فتأدّب ... فعلى الحسن حاجب غير مغض!

بديار الحبيب قلبي مقيم ... وبدار النّوى القصيّة بعضي

شيمة الدّهر فرقة وتلاق ... كلّ ما فيه مؤذن بتقضّ

إن مضى عهد قربنا وتولى ... فزمان البعاد لا شكّ يمضي!

وأنشدني أبياتا كتب بها لأبيه الفقيه الكاتب صاحب القلم الأعلى أبو محمد صالح بن حجاج كاتب العلامة الفقيه أبو محمد صالح بن حجاج اللخمي السبتي، كاتب علامة السلطان عثمان بن يعقوب بن عبد الحق المريني ملك المغرب. وقد وصله ابن الأحمر في مستودع العلامة بأسرة بني حجاج الذين كان لهم نفوذ بإشبيلية أيام الدولة المروانية. وهي:

يا سيّدي لم أنم البارحه ... من فكرة سانحة بارحه

إذ باتت النّفس لأوطانها ... شيّقةّ، ونحوها جانحه

وكان في صحبة من قد مضى ... لي أمل وهمّة طامحه

حتّى إذا ولّوا وأضحت بهم ... ركابهم غادية رائحه

قنطت حتّى لم أجد سلوة ... إلا بتلك الغرّة الواضحه

كذاك حالي إن نأت سلوتي ... بكم أردّ سلوتي النازحه

وإنّما المقصود يا سيّدي ... جوابكم فكن إذن مانحه

بالنّظم أو بالنّثر إن شئتم ... تلك فعال كلّها صالحه

فأخبرني أن أباه جاوبه بقوله:

شممت من ريحانها رائحه ... لمسك دارين غدت فاضحه

أبيات شعر أشعرت أنّها ... لذي وداد خالص مادحه

قد نفثت سحرا ولكنّها ... صادحة بالبثّ بل بائحه!

وراعني خطّ يراع غدا ... مقلّما زند الأسى قادحه

لا أهل بالبين ولا مرحبا ... جراحه ما غادرت جارحه

يا فارقا من فرقة غربة ... أمست لها سلوته نازحه

هوّن على نفسك ما هالها ... فإنّ عتبى صبرها ناجحه

ستحمد الحالة يا صالح ... عمّا قريب وترى صالحه

بفضل رب قادر لم تزل ... ألطافه غادية رائحه


أعلام المغرب والأندلس في القرن الثامن - إسماعيل بن يوسف الخزرجي الأنصاري النصري المعروف بابن الأحمر.

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي