صب بكى وجرى للبين مدمعه

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

أبيات قصيدة صب بكى وجرى للبين مدمعه لـ حسن حسني الطويراني

اقتباس من قصيدة صب بكى وجرى للبين مدمعه لـ حسن حسني الطويراني

صب بكى وجرى للبين مدمعُهُ

رام التصبرَ لو أغنى تصنعُهُ

باللَه رفقاً كفاه ما يروّعُهُ

لا تعذليه فإن العذل يولِعُهُ

قَد قُلت حقاً ولكن ليس يسمعُهُ

له فؤاد هَوى بَلوى مُعذِّبِهِ

لا يستطيع خلاصاً من تصبِّبِهِ

فما الَّذي فيه يرجى من تقلُّبهِ

جاوزت في لومه حدّاً أضرَّ بهِ

من حيثُ قدرتِ أن اللوم ينفعُهُ

أَما كفى ما يقاسي من جَفا وقِلا

من بعد صفو ليالي أنجز الأملا

قد باتَ يشكو من الأيام ما احتملا

فاستعملي الرفق في تأنيبه بدلا

من عنفه فهو مُضنى القلبِ موجعُهُ

عبدٌ هواك وعزُّ الحب ذلَّلَهُ

وكان خال فصار الوَجد يشغلُهُ

لا تسألي ما جرى فالدَمعُ سائلُهُ

قد كانَ مضطلعاً بالخطب تحملُهُ

فضُلِّعت لخطوب الدهر أضلُعُهُ

الدهر عانده والحال حَوَّلَهُ

والخلُّ باعده والعزُّ ذلَلهُ

إن كنتِ لم تعلمي وجدي وأجهله

يكفيه من لوعة التشتيت أنَّ له

من النوى كل يوم ما يروِّعه

في حاله عجب قد ردَّ منهجَهُ

عن السرور فما همٌّ وفرَّجَهُ

فوالذي في فؤادي الوَجد أجَّجَهُ

ما آب من سفر إلا وأزعجَهُ

رأيٌ إِلى سفرٍ بالرغم يزمعُهُ

يرجو التواصل لولا أنْ تُحَرِّمَهُ

عليه أيامُه ظُلماً وتَحرِمَهُ

ولم يَزل مستهامَ القَلب مغرمَهُ

تأبى المطامع لَولا أن تُجشِّمَهُ

للرزق كدّاً وكم مِمَّن يودعُهُ

وكم يودع من خلٍّ ومن أَهَلِ

وَكَم يضيّع بين السهل والجبلِ

لا يشتكي وجلاً إلا إِلى أَملِ

كأنما هو في حل ومرتحلِ

موكلٌ بفضاء الأرض يذرعُهُ

معذبٌ يلتقي من دهره مِحنا

ولم يَزل جَلِداً في الخَطب ما غبنا

كأنه من نوىً قد صيغ أَين دَنى

إذا الزَمان أَراه في الرحيل عَنى

وَلو أتى السد أَضحى وهو يزمعُهُ

كم سارَ ليلاً وعين النجم غافيةٌ

وداس غيلاً وعينُ الليث راعيةٌ

فما أَفاد ولا أَجدَتْ مغالبةٌ

وما مجاهدة الإنسان واصلةٌ

رزقاً ولا دعةُ الإنسان تقطعُهُ

وَكَم فَتى شانه الإقدام والهممُ

قد أخطأت حظَّه من دَهره القسمُ

لا تبتئس جف بالمقدورة القلمُ

قد قسَّم اللَه بين الخَلق رزقَهمُ

لم يَخلق اللَه من خلق يضيّعُهُ

وكم فتى حُفَّ بالنعمى وما شعرا

وآخرٍ فاته ما كانَ منتظرا

وكل ذاكَ مضى في علمه وجرى

لكنهم مُلِئوا حرصاً فلستَ تَرى

مسترزقاً وسوى الغايات يقنعُهُ

وتلك أَقدارُنا في اللوح قد رُقمت

وما لنا في أُمور اللَه إذ خُتمت

والفكرُ كدٌّ إذا ما غايةٌ حُتِمت

والحرصُ في الرزق والأرزاق قد قُسمت

بَغيٌ ألا إنَّ بغيَ المرء يصرعُهُ

والأمر لِلّه مبديه ومرجعُهُ

والسر إن لا يقي المجهود مزمعُهُ

وإنما أمل الإنسان يدفعُهُ

والدهر يأتي الفَتى من حيث يمنعُهُ

دأباً ويمنعُهُ من حيثُ يطمعُهُ

فكم جهدت على أمرٍ وما قدرا

وكم سعيتُ وخالستُ القَضا فَدرى

وصرت من بعد ما جر النَوى وجَرى

أستودعُ اللَه في بغدادَ لي قمرا

بالكرخ من فلك الأزرارِ مطلعُهُ

كان الوصالُ شهيّاً ليس يقنعُني

منهُ البقا وغرورُ الدَهر يُطمعُني

وقد وحقك والأيام تمنعُني

ودّعتُه وبودي لو يودِّعُني

طيبُ الحياة وأنّي لا أودّعُهُ

وكم وقفنا نناجي كي أسارقَهُ

درّاً وقد بتُّ قبل اليوم ناسقَهُ

وكم يعانقني كيما أعانقَهُ

وكم تشفّع لي أن لا أُفارقَهُ

وللضرورات حالٌ لا تُشفِّعُهُ

لم أنسَ والعينُ سَكرَى والفؤادُ صحا

وأبلغُ الدَهر ما لم تَدرِهِ النُّصَحا

كم رام يكتمُ وجداً جدَّ فافتضحا

وكم تشبَّثَ بي يَوم الرحيل ضُحى

وأدمعي مستهلاتٌ وأدمعُهُ

وبنتُ عنه وطرفي جاد يندفقُ

ومهجتي فيه بالأحزان تحترقُ

حالي عجيب فلي وجدٌ وبي أَرَقُ

لا أَكذِبُ اللَه ثَوبُ العذرِ منخرقُ

عني بفرقته لكن أرقّعُهُ

أَبيتُ أَذكرُ للأقمار طلعتَهُ

وأشتكي لغصون البان قامتَهُ

كَأَنني بعد ما أَدركتُ غايتَهُ

رُزِقتُ ملكاً فلم أُحسن سياستَهُ

كذاك من لا يسوسُ الملكَ يخلعُهُ

فاصبر لها واترك التعليلَ والمللا

واقنع فلن تستطع أن تبلغ الأملا

واترك فمن سره ودٌّ دهاهُ قِلى

ومن غدا لابساً ثَوب النعيم بلا

شكرٍ عليه فإن اللَهَ ينزعُهُ

يا رب كن ليَ عوناً في رعايتِهِ

وردَّ غايةَ وَصلي في بدايتِهِ

لعل يوماً يفي حظي بغابتِهِ

إني أوسّع عذري في جنايتِهِ

بالبين مني وجرمي لا يوسِّعُهُ

إن التباعدَ أعيى فيكَ حاملَهُ

فلا يَزال عَلى وَجدٍ به وَلَهُ

كم عاذلٍ ساءَني ما كُنت عاذلَهُ

كَم قائل لك ذنب البين قلت لَهُ

الذَنبُ واللَه ذنبي لَستُ أَدفعُهُ

ما لي أجوز مضلاً غال مهيعُهُ

مالي أَجوب الفَضا يعتزُّ بلقعُهُ

ألا أَبيتُ ظَلامَ الليل أَهجعُهُ

ألا أقمتُ فكانَ الرشدُ أَجمَعُهُ

لو أَنني حين بانَ الرُشدُ أتبعُهُ

وَلم أُجبها بِلا أَهلٍ وَلا وَلَدِ

مروَّعَ الرُوحِ صبَّ القَلبِ ذا كَمَد

وهذه حالَتي ما كانَ ذا بيدي

واللَه ما وَقعت عَيني عَلى بَلَد

في سفرتي هذه إلا وأَقطعُهُ

أَبيت واللَيل يشجيني بطرّتِهِ

وأَصبح اليَوم يغريني بغرّتِهِ

إني وَإِن كُنتُ لا أَحظى بوصلتِه

ما اعتضتُ عن وَجه مَن لي عندَ فرقتِه

كأسٌ أُجرَّعُ منها ما أُجرَّعُهُ

سقاتها طائفٌ فينا منبّذُها

والعَينُ تشتاقها والكَفُّ يَنبذُها

كَم قُلت من بعد ما اغتصت لذائذُها

يا مَن أَقطِّع أَيامي وأُنفِذُها

حُزناً عليه وَليلي لست أَهجعُهُ

إني لأعلمُ ما لي عندهم وعذا

بُ الحُبِّ عَذبٌ وإن مرُّ الفراق أذى

بيني وبين حبيبي خلةٌ ولذا

لا يطمئنُّ لجنبي مضجعٌ وكذا

لا يطمئن له مذ بنتُ مضجعُهُ

بالله يا سادة ما كان يقنعُني

منهم وصالٌ ولا واشٍ فيمنعُني

عصرٌ تَولّى بكم واللَه كان هني

ما كُنتُ أَحسب أَن الدَهرَ يفجعني

به ولا خلت بي الأيام تفجعُهُ

وَلم أَزل بهمُ في الأغيدِ الرغدِ

لا أَمسَ أَبكي وَلا أَخشى افتراقَ غد

والقَلب خالٍ من الأحزان والكَمدِ

حتى جَرى الدَهرُ فيما بيننا بيدِ

عسراءَ تمنعُني حظّي وتمنعُهُ

وكم لَنا كانَ من أُنسٍ وَحُسنِ لقا

يَردى العَواذل فينا حسرةً وَشَقا

لَكنني كُنت أَدري ليسَ ثمَّ بقا

وَكُنت من ريب دَهري خائفاً قَلقا

فلم أَوقَّ الَّذي قَد كُنتُ أَجزعُهُ

لَكنّني لم أصاحب عبرةً حُبِست

على البِعاد ولا لي مهجةٌ أَنِست

بلى وَلا فكرةٌ في سلوةٍ هَجَست

بِاللَه يا منزلَ القَصفِ الَّذي دَرَست

أَعلامُهُ وعَفَت مُذ بنتِ أَربعُهُ

أَو يا ملاعب آمالٍ لوصلتنا

أَو يا مجال التهاني من أَحبّتنا

أَو يا منازل من لم يدر حالتَنا

هل الزَمان معيدٌ فيك لذتَنا

أم الليالي التي أَمضته ترجعُهُ

قد كُنتَ تُرجَى لِمن وافى به وَلَهُ

وكان فيكَ به أنسُ الصفا وَلَهُ

واليَوم بانوا فمن ترضى تجملَهُ

في ذمة اللَه من أَصبحت منزلَهُ

وجاد غيثٌ عَلى مغناك يمرعُهُ

باللَه لو تبدي بدراً أَو تكون سما

أَو تجري غصناً وتنشي جثةً إرما

هيهات تدرك مثل السادة القُدَما

من عنده ليَ عهدٌ لا يضيع كما

لي عنده عهدُ صدقٍ لا أضيِّعُهُ

ومن يعزُّ عليه أن يقال أَذى

قلبَ المشوق فراقٌ قد أَجاد أَذى

ومن بحبة قلبي في الهوى أخذا

ومن يصدِّعُ قلبي ذكرُه وإذا

جرى عَلى قلبه ذكري يصدِّعُهُ

أَقولُ حقاً ومن في الكَون يسمعني

وخلني عن أَمانيّ تطمِّعُني

إني وَحق الهَوى في يَوم وَدَّعني

لأصبرنَّ لدهرٍ لا يُمتِّعني

به ولا بيَ في حالٍ يمتِّعُه

أَخوضُ من أَدمعي فيما جرى لُجَجا

وأَقحمُ النار من وَجدي بهم وَهَجا

فإن أَعظم ما يبدي إلى رَجا

علمي بأن اصطباري معقبٌ فرجا

فأضيق الأمر إن فكرتَ أَوسعُهُ

ولا تغيّرَ عهدٌ من مودتنا

ولا يَرى عاذلٌ آثار ذلَّتِنا

ونكتم الوَجد حزماً في أَكنَّتنا

عَسى اللَيالي التي أَمضت بفرقتِنا

قلباً ستجمعني يوماً وتجمعُهُ

هذا إِذا الدَهر لم تسبق سجيتُهُ

أَو لم تَطُل إذ رجوناه رَويَّتُهُ

فإن أَبى لم تفد ذا الحَزم حكمتُهُ

وإن ينل أَحداً منا مينتُهُ

فما الَّذي بقضاء اللَه يَصنعُهُ

شرح ومعاني كلمات قصيدة صب بكى وجرى للبين مدمعه

قصيدة صب بكى وجرى للبين مدمعه لـ حسن حسني الطويراني وعدد أبياتها مائةعشرون.

عن حسن حسني الطويراني

حسن حسني باشا بن حسين عارف الطويراني. شاعر منشئ، تركي الأصل مستعرب، ولد ونشأ بالقاهرة وجال في بلاد إفريقية وآسية، وأقام بالقسطنطينية إلى أن توفي، كان أبي النفس بعيداً عن التزلف للكبراء، في خلقته دمامة، وكان يجيد الشعر والإنشاء باللغتين العربية والتركية، وله في الأولى نحو ستين مصنفاً، وفي الثانية نحو عشرة. وأكثر كتبه مقالات وسوانح. ونظم ستة دواوين عربية، وديوانين تركيين. وأنشأ مجلة (الإنسان) بالعربية، ثم حولها إلى جريدة فعاشت خمسة أعوام. وفي شعره جودة وحكمة. من مؤلفاته: (من ثمرات الحياة) مجلدان، كله من منظومة، و (النشر الزهري-ط) مجموعة مقالات له.[١]

تعريف حسن حسني الطويراني في ويكيبيديا

حسن حسني الطويراني (1266 - 1315 هـ / 1850 - 1897 م) هو حسن حسني باشا بن حسين عارف الطُّوَيْراني.صحافي وشاعر تركي المولد عربي النشأة. ولد بالقاهرة، وطاف في كثير من بلاد آسيا وأفريقيا وأوروبة الشرقية. كتب وألف في الأدب والشعر باللغتين العربية والتركية، وأنشأ في الأستانة مجلة «الإنسان» عام 1884، ومن ثم حولها إلى جريدة ، لخدمة الإسلام والعلوم والفنون؛ وظلت إلى عام 1890 باستثناء احتجابها عدة أشهر. جاء إلى مصر واشترك في تحرير عدة صحف. تغلب عليه الروح الإسلامية القوية. ومن كتبه: «النصيح العام في لوازم عالم الإسلام»، و«الصدع والالتئام وأسباب الانحطاط وارتقاء الإسلام»، و«كتاب خط الإشارات» وغيرها. له ديوان شعر مطبوع عام 1880.[٢]

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي