شرح القصائد السبع الطوال الجاهليات/قصيدة عنترة بن شَدَّاد

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

قصيدة عنترة بن شَدَّاد

قصيدة عنترة بن شَدَّاد - شرح القصائد السبع الطوال الجاهليات

قصيدة عنترة بن شَدَّاد

بسم الله الرحمن الرحيم

قال عنترة، ويكنى أبا المغلس، بن معاوية بن شداد بن قراد.كذا قال يعقوب بن السكيت في نسبه.وقال أبو جعفر أحمد بن عبيد في نسبه:عنترة بن شداد بن معاوية بن قراد، أحد بني مخزوم بن عوذ بن غالب.وكان أبوه من عبس، وكانت أمه حبشية، وكان له اخوة من أمه عبيدا، وكان من أشد الناس بأسا وأجوده بما ملك، فجلس يوما في مجلس، بعد ما أبلى واعترف به أبوه وكان قبل ذلك ينكره أبوه لسواده ودناءة أمه، فسابه رجل من بني عبس فذكر سواده وأمه واخوته، فسبه عنترة حتى قال له: أن الناس ليترافدون بالعطية فما حضرت مرفد الناس أنت ولا أبوك ولا جدك قط، وإن الناس ليدعون فيفزعون، فما رأيناك في خيل مغيرة في أوائل الناس قط، وان اللبس ليكون بيننا فما حضرت أنت ولا أحد من أهل بيتك بخطة فصل قط، فلو كنت فقعا نبتت بقرقرة، وكنت في مرزك الذي أنت به الآن فما جدتك لمجدتك.فلو سألت أمك وأباك عن ذلك لأخبراك أن نصحا لك.الفقع: ضرب من رديء الكمأة.والقرقرة: الصحراء الواسعة.والمرز: الموضع الذي ولد فيه.وقال له عنترة: إني لأحتضر البأس، وأوفى المغنم، وأعف عن المسألة، وأجود بما ملكت، وأفصل الخطة الصمعاء.قال له الرجل: أنا أشعر منك.قال: ستعلم ذلك !وقال قطرب: عنترة يكون مشتقا من العنتر، وهو الذباب، فيكون فعلة من ذلك.وقد يجوز أن يكون عنترة فنعلة من العتيرة، وهي التي تنحر للآلهة أول ما تنتج.يقال: عتر الرجل يعتر: فعل ذلك.قال زهير:

فزلّ عنها وأوفَى رأسَ مرقبةٍ. . . . . . . .كناصب العِتْر دمَّي رأسَه النسكُ

ويروى عن النبي صلى الله عليه وسلم إنه قال: ( لا فرعة ولا عتيرة ).فالفرعة: ذبيحة كانوا يذبحونها في رجب للأصنام، والعتيرة هي التي قدمنا تفسيرها.وقال قطرب: يجوز أن يكون عنترة مشتقا من العتر، وهو الذكر، ويكون مشتقا من العترة، وهي شجرة صغيرة تكون بنجد وتهامة، كثيرة اللبن.فقال عنترة أول ما قال من الشعر يذكر قتل معاوية بن نزال وغيره، وكان عنترة يومئذ لا يقول من الشعر إلا البيت والبيتين في الحرب، فقال:

( هَلْ غَادَرَ الشُّعَراءُ مِنْ مُترَدَّمِ. . . . . . . .أَمْ هَلْ عَرَفْت الدَّارَ بَعدَ تَوَهُّمِ )

قال يعقوب: سمعت أبا عمرو يقول: لم اكن أروى هذا البيت لعنترة حتى سمعت أبا حزام العكلي ينشده له.وقوله ( غادر ) معناه ترك.يقال: بقى لساعي بني فلان غدر، أي شيء من الصدقة لم يقبضه.وقال الله عز وجل: ( وحَشَرناهمْ فلم نُغادِرْ منهم أحداً ).أراد: فلم نترك.وإنما سمى الغدير غديرا لأن السيل غادره، أي تركه.ويقال إنما سمى غديرا لأنه يغدر بأهله.والغدائر: الذوائب، واحدتها غديرة.و ( الشعراء ): جمع شاعر، وسمى الشاعر شاعرا لفطنته.وهو الفقيه أيضا، والفقه عندهم: الفطنة.قال بعض الأعراب ليونس بن حبيب وأحمد جوابه: قضيت لك بالفقه، أي بالفطنة.والشاعر، من قولهم: ما شعرت بهذا الأمر، أي فطنت له.قال الشاعر:

ليت شعري إذا القيامةُ قامت. . . . . . . .ودُعِي بالحساب أين المَصِيرَا

أراد: ليتني أشعر المصير أين هو ؟وقوله ( من متردم )، قال الأصمعي: يقال ردم ثوبك، أي رقعه.ويقال ثوب مردم، أي مرقع.يقول: هل ترك الشعراء شيئا يرقع.وإنما هذا مثل.يقول: هل تركوا مقالا لقائل، أي فنا من الشعر لم يسلكوه.وقال أبو جعفر: معناه هل ترك الشعراء شيئا إلا وقد قالوا فيه فكفوك المؤونة، ثم قال: ( أم هل عرفت الدار بعد توهم ) يقول من تغيرها، أي لم أعرفها إلا توهما إنها هي الدار التي كنت أعهد.وشبيه هذا قول الكميت:

أطلال مُحْلِفة الرسو

مِ بألوتَيْ بَرٍّ وفاجرْ

أي أطلال دار محلفة.والمحلفة: التي يشك فيها فيقف عليها الرجلان قد كانا يعرفانها، فينكرها هذا ويعرفها الآخر، فيتلاجان في الشك حتى يحلف أحدهما إنها ليس الدار التي كان يعهد، ويحلف الآخر إنها هي.وسرقة الكميت من أوس بن حجر في قوله:

كأنّ جديدَ يُبْليك عنهم. . . . . . . .تَفيُّ اليمين بعد عهدك حالفُ

يبليك معناه يحلف لك.وهل حرف استفهام لا موضع لها.والشعراء يرتفعن بغادر.والمتردم خفض في اللفظ بمن، وموضعه في التأويل نصب، والتقدير: هل غادر الشعراء متردما.وتما تدخل من مع الجحد وما يضارعه من الاستفهام والجزاء وما أشبهه، فإذا جاءت الأفعال المحققة لم تدخل معها، كقولك: أكرمت رجلا وكسبت مالا، لا يجوز أكرمت من رجل وكسبت من مال.وأم نسقت ما بعدها على ما قبلها، والتاء رفع بفعلها، والدار مفعوله، وبعد صلة الفعل.

( يا دارَ عَبْلَةَ بِالجِوَاءِ تَكَلَّمِي. . . . . . . .وعِمِي صَبَاحاً دارَ عَبْلَةَ واسْلَمِي )

( الدار ): منزل القوم مبنيا وغير مبني.و ( الجواء ): بلد يسميه أهل نجد حواء عدنة.والجواء أيضا: جمع جو، وهو البطن من الأرض الواسع في انخفاض.وقوله ( تكلمي )، معناه اخبري عن أهلك وسكانك.قال:

وقفتُ يوماً به أسائله. . . . . . . .والدَّمعُ منى الحثيثُ يستبِقُ

يا ربعُ أنَّى تقولهم سَلكوا. . . . . . . .بأيِّ وجه تراهم انصفقوا

وقال جرير:

يا دارُ لا تستعجمي يا دار. . . . . . . .وأخبرِي ما فعل الأحرارُ

وقوله ( وعمي صباحا ) أراد: انعمي واسلمي في الصباح من الآفات.ومعنى ( أسلمي ) سلمك الله تبارك وتعالى من الآفات.يقال: انعم صباحا وعم صباحا، وانعم ظلاما وعم ظلاما.قال الشاعر:

أتَوْا ناري فقلت مَنُون قالوا. . . . . . . .فإنَّا الجنُّ قلت: عموا ظلاما

فقلتُ: إلى الطعام فقال منهم. . . . . . . .زعيمٌ: نحسُدُ الإنسَ الطعاما

ودار عبلة منصوب على النداء، وعبلة مخفوضة بإضافة الدار اليها، ونصبت لأنها لا تجرى للتعريف والتأنيث.والباء التي في الجواء صلة الدار.وإنما جاز للدار أن توصل وهي مضافة إلى معرفة لأن تأويلها يا دارا لعبلة بالجواء.ومثله قول النابغة:

يا دارَ ميَّةَ بالعلياء فالسَّنَدِ. . . . . . . .أقْوَتْ وطال عليها سالفُ الأبدِ

وقوله ( وعمي صباحا ) عمى جزم على الأمر، علامة الجزم فيه سقوط النون والصباح منصوب على الوقت.وقال أبو عمرو بن العلاء: عمى، من قولهم: عمت السماء تعمى.وهذا عندنا خطأ، لأنه لو كان كذلك لكان واعمي على مثال واقضي، لأن عمت تعمى على مثال قضت تقضي، فينبغي أن يكون أمر المؤنث منه اعمي على مثال أقضي.وكان أصحابنا ينكرون قول أبي عمرو ويحتجون بهذا الذي وصفناه، وقالوا: الصحيح عندنا أن يكون عمى من وعمت تعم، على مثال وعدت تعد، فيكون الأمر منه عمى على مثال عدى.وكان الأصل في المستقبل يوعد ويوعم فحذفت الواو لوقوعها بين الكسرة والياء.

( فوَقَفْتُ فِيها ناقَتِي وكأَنَّها. . . . . . . .فَدَنٌ لأَقضِيَ حَاجَةَ المتَلَوِّمِ )

( الفدن ): القصر، قال الشاعر:

فلمَّا أن جَرَى سِمَنٌ عليها. . . . . . . .كما بطَّنت بالفَدَن السَّيَاعا

معناه كما بطنت الفدن بالسياع.والفدن: القصر.والسياع: الصاروج.و ( المتلوم ): المتمكث.فيقول: لأقضي حاجتي التي تلومت لها، أي تمكثت.وعنى بالمتلوم نفسه.ويقول الرجل لصاحبه: تلوم عليَّ، أي تحبس وتمكث.والهاء التي في قوله تعود على الدار، والهاء التي في كأنها تعود على الناقة، وأقضى في قول الكوفيين منصوب بلام كي، وهو في قول البصريين منصوب بإضمار أن، كأنه قال: لأن أقضي.وقال الكوفيون: معناه لكي أقضي.

( وَتَحُلُّ عَبْلةُ بالجِواءِ وأَهْلُنا. . . . . . . .بِالحَزْن فالصَّمَّانِ فَالمتَثَلِّمِ )

( الجواء ): بلد.وقال أبو جعفر: الجواء بنجد، والحزن لبني يربوع، والصمان لبني تميم.وعبلة مرفوعة بفعلها، والباء في البجواء صلة لتحل، والأهل يرتفعون بفعل مضمر، والباء الثانية صلته، والتقدير: ويحل أهلنا بالحزن.

( حُيِّيتَ مِنْ طَلَل تَقادَمَ عَهْدُه. . . . . . . .أَقْوَى وأَقْفَرَ بَعْدَ أُمِّ الهَيْثَمِ )

قوله ( حييت ) دعاء له بالتحية.والتحية: السلام.والتحية: الملك أيضا ؛ من ذلك قولهم: التحيات لله، معناه الملك لله تبارك وتعالى.قال عمرو بن معد يكرب:

أسير به إلى النعمان حتَّى. . . . . . . .أُنيخَ على تحيَّته بجُنْدِ

أي على ملكه.ويقال: التحيات لله، معناه السلام على الله.قال الكميت:

ألاَ حُيِّيتِ عنَّا يا مَدِينا. . . . . . . .وهل بأسٌ بقولِ مسلِّمينا

وتكون التحية البقاء.قال زهير بن جناب الكلبي:

ابَنَّي أن أهلك فإ. . . . . . . .ني قد بنيتُ لكم بنَيَّه

وتركتكم أولادَ سا

دات زنادُكمُ وريَّه

مِن كلِّ ما نال الفتى. . . . . . . .قد نلتُه إلاّ التحيه

معناه إلا البقاء فإنه لا ينال.ويقال حياك الله وبيَّاك، فمعنى حياك ملكك، ومعنى بياك أضحكك.ولهذا تفسير طويل قد مضى في ( كتاب الزاهر ).ومن قال: حياك الله، بمعنى أبقاك الله، فحياك بمنزلة قولهم: كرمك الله وأكرمك.و ( الطلل ): ما شخص من آثار الدار من أثفية أو نؤى ومن غير ذلك.و ( الرسم ): ما كان له أثر ولا شخص له.ويقال: الدعاء في الظاهر للطلل، وفي المعنى لمن كان يسكنه من أهله.وقوله ( تقادم عهده ) معناه قدم عهده بسكانه الذين نزلوه.وقوله ( أقوى ) معناه خلا.يقال منزل قواء، إذا كان خاليا.قال الشاعر:

خليليّ من عُليا هوازن سلِّما. . . . . . . .على طللٍ بالصَّفحتين قَوَاءِ

ويقال: أقوى الرجل، إذا ذهب زاده.قال الله عز وجل ( مَتَاعاً للمُقْوين )، أي للمسافرين الذين ذهبت أزوادهم.و ( أقفر ) معناه كمعنى أقوى، فلما اختلفت اللفظتان نسق إحداهما على الأخرى كما قال عدى بن زيد:

وقدّدتِ الأديمَ لراهشيه. . . . . . . .وألفى قولها كذباً وميْنا

أراد بالمين الكذب فنسقه عليه لما خالف لفظه.وقال الحطيئة:

ألا حبَّذا هندٌ وأرضٌ بها هند. . . . . . . .وهندٌ أتَى من دونها النأي والبعدُ

والتاء موضعها رفع لأنها اسم ما لم يسم فاعله.ومن دخلت على المفسر، معناه حييت طلل.وتقادم صلة الطلل.وأقوى خبر مستأنف، وأقفر نسق عليه، وبعد صلة أقوى، وان شئت جعلته من صلة أقفر.

( حَلَّتْ بأَرْضِ الزَّائرينَ فأَصْبحَتْ. . . . . . . .عَسِراً عَلَّى طِلاَبُكِ ابْنَةَ مَخْرَمِ )

( الزائرون ): الأعداء يزئرون عليه من أجلها، وأصله من زئير الأسد.ويروى: ( شطت مزار العاشقين ).يعنى شطت عبلة مزار العاشقين.أي بعدت من مزارهم.يقال شط فلان، أي بعد مني.ويقال: شطت داره وشطنت، وتنعنعت، وتراخت.قال عمر بن أبي ربيعة:

تشُطُّ غداً دارُ جيراننا. . . . . . . .وللَدَّارُ بعد غد أبعَدُ

ويقال شطنت الدار، إذا اعوجت.فإن قال قائل: كيف قال حلت بأرض الزائرين فذكر غائبة، ثم قال طلابك ابنة مخرم فخاطب ؟ قيل له: العرب ترجع من الغيبة إلى الخطاب، ومن الخطاب إلى الغيبة.فالموضع الذي رجعوا فيه من الغيبة إلى الخطاب قول الله عز وجل: ( وسَقَاهم ربهم شراباً طَهُوراً.إن هذَا كان لكم جزاءً )، فرجع من الغيبة إلى الخطاب، قال لبيد:

باتت تَشَكَّي إلى النَّفسُ مجهشَةً. . . . . . . .وقد حملتُك سبعاً بعد سبعينا

فرجع من الغيبة إلى الخطاب.والموضع الذي رجعوا فيه من الخطاب إلى الغيبة قوله تعالى: ( حتَّى إذا كنتم في الفُلْكِ وجَرَينَ لهم )، معناه: وجرين بكم، فرجع من الخطاب إلى الغيبة.قال أوس بن حجر:

لا زال مسك وريحانٌ له أرج. . . . . . . .على صَداكَ بصافي اللون سلسالِ

يسقى صَدَاه ومُمساهُ ومُصْبَحه. . . . . . . .رِفهاً ورمسُك محفوفٌ بأظلالِ

واسم ( أصبحت ) مضمر فيه من ذكر عبلة، ولفظ عسر خبر أصبحت، والطلاب مرتفع بمعنى عسر.

( عُلِّقْتُها عَرَضاً وأَقْتُلُ قَومَها. . . . . . . .زَعَماً لَعَمْرُ أَبيكَ ليس بمَزْعَمِ )

( علقتها ) معناه أحببتها.يقال: بفلان علق من فلانة وعلاقى، أي حب قد نشب بقلبه وعلق به.قال المرار:

أعَلاقةً أمَّ الوليِّد بعدما. . . . . . . .أفنانُ رأسكَ كالثَّغام المُخْلِسِ

وقوله ( عرضا )، معناه كانت عرضا من الأعراض اعترضني من غير أن أطلبه.وقوله ( وأقتل قومها ) معناه علقتها وأنا أقتل قومها فكيف أحبها وأنا أقتلهم، أم كيف أقتلهم وأنا أحبها.ثم رجع مخاطبا لنفسه فقال: ( زعما لعمر أبيك ليس بمزعم )، أي هذا فعل ليس بمثل فعلي.و ( الزعم ).الكلام.ويقال: هذا أمر فيه مزاعم أي فيه منازعة.ومثله قول الآخر:

أبى القلب إلاّ حبَّهُ حارثيةً. . . . . . . .تُجاوِر أعدائي وأعداؤها معي

والعرض منصوب على المصدر.والزعم أيضا.واسم ليس مضمر فيها من ذكر الزعم، وبمزعم خبرها.

( ولقد نَزَلْتِ فلا تَظُنِّي غيرَهُ. . . . . . . .مِنِّى بمنْزلةِ المحَبِّ المُكْرَمِ )

قوله ( فلا تظني غيره ) معناه غير ذلك، أي غير نزولك في قلبي.أنشد الفراء:

وليس المال فاعلمْه بمالٍ. . . . . . . .وإن أغناك إلاّ للنديّ

أراد: فاعلم ذلك.وقوله ( بمنزلة المحب ) يقال رجل محب ومحبوب.فمن قال محب أخرجه على القياس وقال: هو مبنى على أحب يحب فهو محب.ومن قال محبوب بناه على لغة الذين يقولون حببت الرجل أحبه.قال الشاعر:

حَبَبْتُ أبا مروان من حُبِّ تمره. . . . . . . .وأعلمُ أن الرّفق بالعبد أرفَقُ

و واللهِ لولا تمرُه ما حَبَبْتُه. . . . . . . .وما كان أدنَى من عُبيدٍ ومُشرِقِ

وقرأ أبو رجاء: ( فاتَّبعوني يَحْبِبْكم الله ) على لغة الذين يقولون: حببت الرجل.وقال البصريون: لا يقال حببت الرجل.وقالوا في قولهم: رجل محبوب: هو مبني على حببت، وحببت غير منطوق به، كما قالوا رجل مجنون فبنوه على جنه الله تعالى، وجنه غير منطوق به، إنما يقال أجنه الله سبحانه.واللام في لقد لام اليمين، وتظني مجزوم بلا على النهى، علامة الجزم فيه سقوط النون، وغيره منصوب بالظن، وهو كاف من الاسم والخبر، ومن والباء صلتان لنزلت.

( كَيْفَ المَزارُ وقَدْ تَربَّعَ أَهْلُهَا. . . . . . . .بِعُنيزَتَيْنِ وأَهْلُنَا بالغَيْلَمِ )

ويروى:

شطّ المزار إذا تربَّعَ أهلُنا. . . . . . . .حَضَناً وأهلُكِ ساكنٌ بالغَيْلَمِ

وقوله ( شط ) معناه بعد.والمزار: مكان الزيارة.ويقال زرته مزارا وزورا.والزيارة معناها الميل.ويقال زرت الرجل، إذا ملت إليه ونزلت عليه.أنشد أبو عبيدة:

فينا كراكرُ أجوازٌ مُضَبَّرة. . . . . . . .فيها دُروء إذا شئنا من الزَّوَرِ

أراد: من الميل.وقال الآخر:

أيُوعدني إذ ما غبتُ عنه. . . . . . . .ويَصرف رُمحهَ والزُّرقُ زورُ

أراد: والزرق مائلة.وقال الآخر:

ودونَ ليلى بلدٌ سَمَهْدرُ. . . . . . . .جَدبُ المندَّى عن هَوانا أزْورُ

وقال الله تبارك وتعالى، وهو أصدق قيل: ( وتَرَى الشَّمسَ إذا طَلَعَتْ تَزَاوَر عن كَهفِهِمْ ذاتَ اليمين )، أي تمايل.ويقال: فلان زور فلان، أي زائره.فلانة زور فلان، أي زائرته.ورجال زور ونساء زور.ولا يثنى ولا بجمع ولا يؤنث.وأنشد يعقوب لبعض الرجاز وذكر ملات بيضاً:

كأنَّهنّ فَتياتٌ زَوْرُ. . . . . . . .أو بَقَراتٌ بينهنّ ثَور

وقوله ( تربع أهلها ) معناه نزلوا في الربيع.يقال: قد تربع بنو فلان وارتبعوا مكان كذا وكذا، إذا نزلوه في الربيع ورعوه.وحضن: جبل بنجد، يقال في مثل: ( أنجد من رأى حضنا )، أي من بلغ من هذا الأمر هذا المبلغ فقد بلغ معظمه.والغيلم: موضع.وعنيزتان أيضا: موضع.والمزار رفع بكيف، والأهل رفع بتربع، والأهل الآخرون يرتفعون على معنى وحل أهلنا بالغيلم، والباء صلة الفعل وكذلك الثانية.

( إِنْ كُنْتِ أَزْمَعْتِ الفِراقَ فإِنَّما. . . . . . . .زُمَّتْ رِكَابُكُمُ بلَيْلٍ مُظْلِمِ )

قوله ( أزمعت الفراق ) معناه عزمت على الفراق.ويقال: أزمع على كذا وكذا، وأجمع عليه، وعزم عليه، إذا أراد أن يفعله.يقول: أن كنت قد عزمت على الفراق فقد كان ذاك في نفسك قبل.يقال للأمر الذي أحكمه أهله قبل أن يظهروه: ( هذا أمر أسرى عليه بليل )، أي فرغ منه.ومثله قول الكميت:

زَحرتَ بها ليلةً كلَّها. . . . . . . .فجئتَ بها مُؤْيِداً خَنْفقيقا

قوله: زحرت بها ليلة، معناه دبرت بها ليلتك، تأنح وتزحر لتدبيرها حتى فرغت منها، فجئت بها داهية.و ( الركاب ): الإبل.وقوله ( زمت ) مثل، يريد أمرا فرغ منه بليل.وقال أبو جعفر: معنى البيت: أن كنت كتمتني هذا الرحيل فقد بان لي.والتاء اسم الكون، والخبر ما عاد من التاء في أزمعت، والفراق منصوب بأزمعت.والمعنى أزمعت على الفراق، فلما أسقط الصفة نصب الفراق بالفعل.انشد الفراء:

نُغالي اللَّحمَ للأضياف نِيّاً. . . . . . . .ونبْذله إذا نضج القدورُ

أراد: نغالي باللحم ؛ فأسقط الصفة ونصب.وأنشد الفراء أيضا:

وأيقنتُ التفرّقَ يوم قالوا. . . . . . . .تُقُسّم مالُ أربَدَ بالسهامِ

أراد: وأيقنت بالتفرق.والركاب اسم ما لم يسم فاعله، والباء صلة زمت.

( مَا رَاعَنىِ إِلاَّ حَمُولةُ أَهْلِهَا. . . . . . . .وَسْطَ الدِّيارِ تَسَفُّ حَبَّ الخِمْخِمِ )

( راعني ) أفزعني.يقال: راعني الشيء يروعني روعا، وارتعت له ارتياعا.ويقال: وقع ذلك في روعي، أي في خلدي.ويقال: رجل رائع وامرأة رائعة، إذا كانا يروعانك من جمالهما إذا فاجأتهما بالنظر.و ( الخمخم ) واحدتها خمخمة، وهو آخر ما يبس من النبت.فيقول: لم يبق شيء إلا الرحيل إذا صارت تأكل حب الخمخم.وذلك انهم كانوا مجتمعين في ربيع أقاموا كله حتى ذهب ويبس البقل فارتحلوا وتفرقوا.والاقتماع والاستفاف واحد، يقال: سففت الدواء أسفه، واستففته استفافا، إذا اقتمحته.ويروى: ( وسط الديار )، وروى أبو جعفر: ( حب الحمحم ) بالحاء غير معجمة، وقال: هو آخر ما يبس من النبت، وهو الذي راعه لأنه يبس في أول الهيج.و ( الحمولة ): الإبل التي أطاقت أن يحمل عليها.قال الله عز وجل: ( ومن الأنعامِ حَمولةً وفرشاً )، فالحمولة: الإبل التي تطيق أن يحمل عليها.والفرش: الصغار التي لا تطيق الحمل عليها.وقال بعض المفسرين: الحمولة: الابل ؛ والفرش: البقر والغنم.وأهل اللغة على القول الأول.أنشد يعقوب وغيره:

له إبلٌ فَرشٌ ذواتُ أسنَّة. . . . . . . .صُهَابية ضاقت عليها حقوقُها

فهذا يشهد للقول الأول.والحمولة يرتفع براعني، ووسط الركاب صلة تسف، وتسف حال للحمولة، والحب منصوب بتسف.

( فِيهَا اثْنَتانِ وأَرْبَعُونَ حَلُوبَةً. . . . . . . .سُوداً كَخَافِيةِ الغُرَابِ الأَسْحَمِ )

وقال يعقوب: يروى ( خلية ).ويقال اثنتان وثنتان ؛ ومنهم من يسقط النون فيقول ثنتا.قال الشاعر:

لنا أعنز لُبنٌ ثلاث فبعضها. . . . . . . .لأولادها ثنتا وفي بيتنا عَنْزُ

وقد يقال حلوب.انشد الفراء:

يبيت النَّدى يا أمَّ عمرو ضجيَعهُ. . . . . . . .إذا لم يكن في المُنْقيات حَلوبُ

والخلية: أن تعطف ثلاث نوف أو اثنتان على حوار واحد، وتنحر أولادها، فيدررن عليه، فيلمظ من ثنتين ويتخلى الراعي بواحدة لنفسه، وأهل البيت لأنفسهم.وإنما تعطف هذه الخلية عليه ثم يتخذونها لأنفسهم لأنهم لو لم يعطفوها على ولد لم تدرر.وقال يعقوب عن الأصمعي: أخبرني أعرابي من بني وائل من باهلة قال: مر رجل من بني ضبة - يعني قتيبة - وقد عطفوا الثلاث والأربع على حوار واحد وذبحوا البقية من أولادها وأكلوها، ليفضل اللبن للخيل فتسقى فتسمن ويغار عليها، وهي الغارة التي أغاروا فيها على بني تغلب فأصابوا النوار بنت عمرو بن كلثوم، وذلك اليوم يسمى يوم ذي طلح.وقوله ( سودا )، ما كان للحلب فالسواد فيه أبهى وأملأ للفناء.وهم يستحبون الحمر والصهب للركوب.والخوافي: الريش دون الريشات العشر من مقدم الجناح.والأسحم: الأسود.والحلوبة يقال في جمعها حلائب، والخلية يقال في جمعها خلايا.قال أبو النجم:

يدفعُ عنها الجوعَ كلَّ مَدفَعِ. . . . . . . .خمسون بُسْطاً في خلايَا أربع

والاثنتان يرتفعان بفيها، والأربعون نسقٌ عليهما.والحلوبة منصوبة على التسفير عن العدد، وسُوداً نعت للحلوبة.فإن قال قائل: كيف جاز لسُودٍ وهو جمع أن يكون نعتاً لحلوبة وهي واحدة ؟ قيل له: إنما صلَح هذا لأن سُوداً في تقطيع الواحد، وهو على مثال قُفل وبُرد وخُرج.ويجوز في العربية: أربعون حَلوبةً سودٌ، على أن يكون نعتاً للعدد المرفوع.أجاز الفراء: عندي عشرون درهما جيادا وجياد، وقال: النصب على النعت للدرهم، لأن جيادا في تقطيع كتاب وحمار، والرفع على النعت للعشرين.ومن قال هذا قال عندي عشرون رجلا صالحون، ولم يقل صالحين على النعت لرجل، لأن صالحين لم يخرج على تقطيع الواحد.أنشد الفراء:

ألاَ أن جيراني العشيَّةَ رائحُ. . . . . . . .دَعَتْهم دواعٍ من هوىً وَمنادحُ

فقال جيراني ثم قال رائح بالتوحيد، لأن جيرانا في تقطيع عمران.والكاف التي في الخافية في موضع نصب على النعت لحلوبة، والخافية مضافة إلى الغراب، والأسحم نعته.

( إِذْ تَسْتَبيكَ بِذِي غُرُوبٍ وَاضحٍ. . . . . . . .عَذْبٍ مُقَبَّلُهُ لذيذِ المَطْعَمِ )

قوله ( تستبيك ): تذهب بعقلك.وقولهم: سباه الله تعالى، معناه غربه الله جل وعلا.ويقال: جاء السيل بعود سبى.وقوله بذي غروب، معناه: بثغر ذي غروب.وغروب الأسنان: حدها، واحدها غرب، وغرب كل شيء: حده.وقوله ( واضح ) معناه أبيض.والوضح: البياض.والوضح: اللبن، سمى وضحا لبياضه.قال الشاعر:

عقَّوا بسهم فلم يشعُر به أحدٌ. . . . . . . .ثم استفاءوا وقالوا: حبَّذا الوضَحُ

أي حبذا اللبن نشربه ولا نقاتل.عير قوما قبلوا الدية.ويروى: ( إذ تتقيك بذي غروب )، أي تريك ثغرها وتجعله بينك وبلينها، كانها تضحك في وجهك.يقال اتقاه بحقه وتقاه بحقه، أي جعله بينه وبينه.قال الأصمعي: أنشدني عيسى بن عمر:

جلاها الصيَّقلونَ فأخلَصوها. . . . . . . .خِفافاً كلُّها يَتَقِي بأثرِ

وقال الآخر:

تقاك بكعبٍ واحدٍ وتلذُّه. . . . . . . .يداك إذا ما هُزّ بالكفّ يعسلُ

وقال الآخر:

فلا أتَقِى الغَيورَ إذا عَراني. . . . . . . .ومثلي لُزَّ بالحمِس الرَّبيسِ

الحمس: الشديد القتال.والربيس: الداهية.وقوله ( عذب ) معناه بارد.ويقال: لذيذ بين اللذاذة، وقد لذ الشراب يلذ لذة.ويقال رجل لذ وقوم لُذ، إذا كان ظريفا كثير الأحاديث والنتف.وإذ من صلة راعني.وفاعل تستبيك مضمر فيه من ذكر عبلة، والباء صلة تستبيك، وواضح وعذب نعتان لذي، والمقبل رفع بمعنى عذب، ولذيذ نعت لذي ايضا، وهو مضاف إلى المطعم، والمعنى لذيذ الذوق.وقال الله عز وجل: ( وَمَنْ لم يَطْعَمْه فإنه منِّي )، أراد: ومن لم يذقه، أي ومن لم يذق الماء.

( وكأَنَّ فارةَ تاجِرٍ بقسيمةٍ. . . . . . . .سبَقَتْ عَوارِضَها إِليكَ من الفمِ )

قوله ( وكأن فارة تاجر ) معناه كان فأرة مسك.و ( التاجر ) هاهنا: العطار.أي كأن فارة تاجر، بامرأة ( قسيمة ) أي حسنة.يقال: فلان قسيم الوجه، أي حسن الوجه.والقسم: الحسن.والمقسم: المحسن.والقسامي: الحسن.والقسمة الوجه، وجمعه قسمات.أنشد الفراء:

كأنّ دنانيراً على قَسِماتهمْ. . . . . . . .وإنْ كان قد شَفْ الوجوهَ لِقاءُ

ويقال: رجل بشير وامرأة بشيرة، إذا كانا حسنى الوجه.ويقال: جمل بشير وناقة بشيرة، إذا كانا حسنين.قال الشاعر:

يا بِشرُ حُقَّ لوجهك التبشير. . . . . . . .هَلاّ غضبتَ لنا وأنت أميرُ

أي حق لوجهك الحسن.ويقال: وجه مخطط ورجل مخطط، إذا كان جميلا تام الحسن.ورجل أروع: يروعك جماله إذا رأيته.ورجل منصف، إذا كان كل شيء منه حسنا.وقد تناصف وجه فلان، إذا كان فوه حسنا وعيناه حسنتين وأنفه حسنا، يشاكل بعضه بعضا، فهو متناصف.قال الشاعر:

مَن ذا رسولٌ مرسَلٌ فمبلِّغٌ. . . . . . . .عنّي عُلَيَّةَ غيرَ قِيلِ الكاذبِ

أنِّى غَرِضْتُ إلى تناصُفِ وجهها. . . . . . . .غَرَض المحبِّ إلى الحبيب الغائب

أي اشتقت إلى وجهها.ويروى: ( وكأن ريا فارة هندية ).يقول: كأن فارة مسك أتتك ريحها من فم هذه المرأة، قبل أن تدنو منها فتقبلها أو تدنو من عارضها.والريا: الريح الطيبة، وهي النشوة أيضا.قال الشاعر:

كأنَّما فوها لمن يُساوفْ. . . . . . . .نَشوة ريحانٍ بكَفَّيْ قاطِفْ

وصوار المسك: نفحة من ريحه.والأصورة: نفحات ريح المسك.وقال أبو جعفر: الصوار القطعة من المسك.قال: ومن جعله الريح أراد ريح الصوار.وذاك إنه ينعت فيقال صوار أحسب، والريح لا ينعت بأحسب.وانشد لكثيِّر:

دَعينا ابنةَ الكعبيّ والمجدَ والعُلا. . . . . . . .وراعى صِواراً بالمدينة أحسبَا

أي دعينا نحن وأقبلي على الطيب والمسك وما يصلح للنساء.وقال غيره: التضوع: ريح كل شيء طيب وتهيجه.قال: وأنشدني غير واحد للأسدي:

تضوَّع مسكا بطن نَعمان أن مشت. . . . . . . .به زينبٌ في نسوةٍ خفراتٍ

ويروى: ( عطرات ).وقال الآخر:

تضوَّعَ منها المسكُ حتى كأنما. . . . . . . .تَرَجَّلُ بالرَّيحان رطباً ويابسا

والريدة: الريح اللينة الطيبة.واللطيمة: العير تحمل المسك والطيب.قال الباهلي: إنما سميت لطيمة لأن التجار إذا اشترى بعضهم من بعض تماسحوا بالأكف، أي أن البيع قد وجب.وقال يعقوب: بقسيمة، معناه بامرأة جميلة.وقال أبو جعفر: بقسيمة، معناه بسوق فيها العطارون، فقد فاح ريحها، فكأن ريح فمها ريح تلك الفارة.قال: وقوله سبقت عوارضها، معناه صارت إليك رائحتها قبل أن تقبلها فكيف إذا قبَّلتها.وقال أبو محمد الرستمي: القسيمة عندي الساعة التي تكون قسما بين الليل والنهار، وفي تلك الساعة تغير الأفواه.فيقول: من طيب رائحة فمها في الوقت الذي يتغير فيه الأفواه إذا استنكهتها سبقت عوارضها إليك برائحة المسك، أي أول ما تشم منها رائحة المسك.و ( العوارض ): ما حلف الرباعية من الأسنان.ويقال: العوارض: ما خلف الضواحك من الأسنان من ذا الشق ومن ذا الشق.أنشدنا أبو العباس:

إذا وردَ المِسواك ظمآنَ بالضُّحى. . . . . . . .عَوارضَ منها ظلَّ يَخصِرُه البردُ

وقال جرير:

أتذكرُ يومَ تصقُل عارضَيْها. . . . . . . .بفَرع بَشَامةٍ سُقِىَ البَشَامُ

وقال الآخر:

وعارضٍ كعارض العراقِ. . . . . . . .أنبتَ بَرَّاقاً من البُرَّاقِ

أراد: أنبت ثغرا.وقال أبو جعفر: العوارض هي الضواحك، وأراد الأسنان كلها لم يرد العوارض وحدها.وقال غيره: في الفم اثنتان وثلاثون سنا: ثنيتان من فوق وثنيتان من تحت، وضاحكان من فوق وضاحكان من تحت، وثلاث أرحاء من فوق وثلاث أرحاء من تحت في الجانب الايسر، وناجذ من فوق وناجذ من تحت في الجانب الأيمن ؛ وهكذا في الجانب الأيسر.والفارة اسم كأن، وخبر كأن ما عاد من سبقت، والعوارض مفعول بها.

( أَو رَوْضَةً أُنُفاً تَضَمَّنَ نَبتَها. . . . . . . .غَيثٌ قَلِيلُ الدِّمْنِ ليس بِمَعْلَمِ )

معناه: كأن ريحها المسك أو ريح روضة.و ( الروضة ): المكان المطمئن يجتمع السه الماء فيكثر نبته.ولا يقال في الشجر روضة.والروضة في النبت، والحديقة في الشجر.ويقال روضة ورياض وروض.وقد أراض هذا المكان واستروض، إذا كثرت رياضه.وحكى أبو عمرو الشيباني قال: الروضة البقية من الماء يبقى في الحوض.وأنشد:

وروضة في الحوض قد سقيتها. . . . . . . .نضوِى وأرضاً قفرةً طويتها

وقوله ( أنفا ) معناه لم يرعها أحد فهو أطيب لريحها.ويقال: كأس أنف إذا كانت لم يشرب بها قبل ذلك.وقال أبو جعفر: كأس أنف، أي أول ما بزلت من دنها فهو أطيب لرائحتها.والكأس: الإناء الذي فيه الشراب، فان كان فارغا قيل إنه قدح أو إبريق ولم يقل له كأس.وقوله ( تضمن نبتها غيث ) معناه تضمن إنبات نبتها غيث.والغيث هاهنا: المطر والماء.يقال: أرض مغيثة ومغيوثة، إذا أصابها الغيث والمطر.قال ذو الرمة: ( قاتل الله أمة بني فلان ما أفصحها، سألتها عن المطر فقالت: غثنا ما شئنا ).وقوله ( قليل الدمن ).الدمن والدمنة: السرجين والبعر.فأراد أن هذه الروضة في مكان حر الطين خال.وقال أبو جعفر: قوله ( تضمن نبتها غيث قليل الدمن ) قليل اللبث لم يدمن عليها، والمعنى: أصابها مطر خفيف لم يكثر، فهو أحسن لها وأطيب لرائحتها ؛ ولو كان كثيرا لم تفح رائحتها ولم تحسن.وقال غيره في قوله ( ليس بمعلم ): معناه ليس بمكان معروف، إنما هي فياف، فهو أطيب لرياضها.والروضة منسوقة على قوله: وكأن فارة تاجر بقسيمة.والألف نعت الروضة، وتضمن نبتها غيث كلام مستأنف، والغيث رفع بتضمن، والنبت منصوب به، وقليل الدمن نعت الغيث، واسم ليس مضمر فيها من ذكر الغيث، ويجوز أن يكون في ليس ذكر النبت وبمعلم خبر ليس.

( جادَتْ عَليهِ كلُّ بِكرٍ ثَرَّةٍ. . . . . . . .فتَرَكْنَ كُلَّ حَدِيقةٍ كالدِّرهمِ )

ويروى:

جادت عليه كلُّ عينٍ ثَرَّةٍ. . . . . . . .فتركن كلَّ قَرارة كالدِرهمِ

وقوله ( جادت عليه ): أصابته بالجود، أي بالمطر الجود.يقال قد جيدت الأرض تجاد جودا.والجود من المطر: الذي يروى كل شيء ويرضى أهله.ويقال مطر جود بين الجود.وقوله ( عليه ) معناه على المكان.وقال أبو جعفر: إنما قال هاهنا جادت عليه وقال قبل هذا: غيث قليل الدمن، لا المعنى جادت عليه حتى أنبتته وبلغت به، ثم جلاه بعد ذلك هذا الغيث القليل الدمن، أي اللبث، فحسن وطاب ريحه.وكذلك صفات العرب كلها.وقال غيره: قوله كل بكر، معناه أنها من أول المطر.والباكورة: أول الفاكهة.وقوله ( ثرة معناه كثيرة المطر دائمته.والثرارة: سعة الشخب.يقال ناقة ثرة وشاة ثرة، إذا كانتا واسعتي الإحليل.والإحليل: مخرج اللبن.ويقال سحابة ثرة، إذا كانت عظيمة القطر كثيرة الحلب.والعين: مطر أيام لا يقلع، خمسة أو ستة أو نحو ذلك.يقال: أصابتنا عين غزيرة.ويقال: بنو فلان تحت عين، إذا دجنت السماء عليهم أياما.و ( الحدائق ): الحيطان التي فيها الشجر والنخل.وقال يعقوب: كل روضة مستديرة فيها نبت فهي حديقة.وقوله ( كالدرهم ) معناه إنها امتلأت كلها فكأن استدارتها بالماء استدارة الدرهم، وليس إنها كقدر الدرهم في السعة.والعرب تشبه الشيء بالشيء ولا تريد به كل ذلك الشيء، إنما تشبهه ببعضه.من ذلك قولهم: ( بنو فلان بأرض مثل حدقة الجمل ) والأرض واسعة، إنما يريدون إنها كثيرة الماء ناعمة العشب مخصبة، ولم يذهبوا إلى سعة العين ولا ضيقها.ويقولون: بنو فلان في مثل حولاء الناقة، وهي هنة مثل المرآة تسقط مع السلى فيها ماء صاف.و ( القرارة ): مستقر الماء في بطن الوادي.وكل رفع بفعلها.وثرة نعت للبكر.ويجوز رفع ثرة على النعت لكل.وما في تركن يعود على كل بكر، لأن كلا في معنى جمع.قال الله عز وجل: ( وعلى كلِّ ضامرِ يأتين )، فجمع الفعل على معنى كل.وكل والكاف منصوبتان بتركن.

( سَحًّا وتَسكاباً فكُلَّ عَشِيّةٍ. . . . . . . .يَجري عليها الماءُ لم يَتَصرَّمِ )

معناه: جادت عليه كل بكر سحا وتسكابا.والسح: الصب.يقال: سحت السماء تسح سحا، إذا صبت المطر.ويقال: غنم ِسُحاح: يسيل دسمها إذا شويت.و ( التسكاب ) والسكب والسح: الصب.وإنما جمع بين التسكاب والسح وكلاهما واحد لاختلاف لفظهما.والعرب تفعل ذلك اتساعا وتوكيدا.وكل ما كان من المصادر على هذا المثال فهو مفتوح الأول، نحو التطواف، والتمشاء، والترداد، والتأكال، الا حرفا جاء نادرا وهو التبيان.وما كان على هذا المثال من الأسماء فهو مكسور، نحو التمساح، والتجفاف، والتقصار، وهي القلادة اللاصقة بالحلق.قال عدي بن زيد:

عندها ظبيٌ يؤرَّثها. . . . . . . .عاقدٌ في الجِيد تِقصارا

يؤرثها: يوقدها.وقوله ( كل عشية ) يقال: أتيته عشية وعشاء، وعشيانا وعشيشيانا، وعشيشانا، وعشيشية.وإنما خص العشي لأن الزهر والنبات إلى الماء بالعشي أحوج ؛ لأن الشمس قد أذهبت نداه وجففت أرضه.وقوله ( لم يتصرم ) معناه لم ينقطع.والصرم: القطيعة، ومنه صرام النخل، ومنه الصرائم من الرمال، وهي قطع تنقطع منه.وقال يعقوب: ويروى: ( سحا وساحية )، فالساحية: التي تقشر وجه الأرض.والسح منصوب على المصدر، والتسكاب نسق عليه، وكل عشية منصوبة على الوقت، والناصب لها يجري، والماء رفع بيجري.

( وخَلاَ الذُّبابُ بِها فليَس ببارحٍ. . . . . . . .غَرِداً كفِعِل الشَّاربِ المترنِّمِ )

قوله ( وخلا الذباب ) معناه: قد خلا هذا المكان له، فليس فيه شيء يزاحمه ولا يفزعه، فهو يصوت في رياضه.أي خلا بذا المكان.والذباب بمعنى الجمع.والذباب أيضا: واحد الأذبة.والذباب أيضا: طرف كل شيء وحده.وقوله ( فليس ببارح ) معناه بزائل.يقال ما برحت قائما، أي ما زلت.قال الله عز وجل: ( لا أبرح حتَّى أبلُغَ مجمعَ البَحريَن )، أراد: لا أزال.وقال أوس بن مغراء:

وأبرحُ ما أدامَ الله قومي. . . . . . . .بحمد اللهِ منتطقا مُجِيدا

أراد: ولا أبرح.أي ولا أزال، فأضمر لا.ويقال: ما زال فلان قائما، وما برح فلان قائما وما فتئ، بمعنى واحد.قال الله عز وجل: ( تَالله تَفْتؤُ تذكرُ يوسفَ ) أراد: لا تزال تذكره.وقال الشاعر:

وما فتئت خيلٌ تثوب وتدَّعي. . . . . . . .ويَلحق منها لاحقٌ وتَقطَّعُ

والتغريد: التطريب.يقال: غرد الحادي في حدائه يغرد تغريدا، فهو مغرد، وغريد، وغرِد، وغرْد، إذا طرب في حدائه.قال الشاعر:

وقد هاجني للشوق نَوحُ حمامةٍ. . . . . . . .هَتوفُ الضُّحى هاجت حماماً فغرّدا

قال أبو جعفر: التغريد: مذ الصوت بالغناء والحداء.وروى أبو عبيدة والأصمعي: ( وترى الذباب بها يغني وحده هزجاً ).فالهزج: السريع المتدارك صوته.وقوله ( كفعل الشارب المترنم ) أراد مغردا كتغريد الشارب، أي كغنائه.والمترنم: الذي يطرب قليلاً قليلا لا يرفع صوته.والهزج: خفة وتدارك.ويقال: فرس هزج، إذا كان خفيف الرفع والوضع سريع المناقلة.والهزج من الشعر: الخفيف منه.والذباب رفع بفعله، واسم ليس مضمر فيها من ذكر الذباب، وببارح خبر ليس واسم بارح مضمر فيه، وغردا خبره.وقال الفراء: ما برح وما زال وما فتئ بمنزلة ما كان، يرفعن الأسماء وينصبن الأخبار.

( هَزِجاً يحُكُّ ذِراعَه. . . . . . . .قَدْحَ المُكِبِّ على الزِّنادِ الأَجذَمِ )

قوله ( هزجا ) معناه سريع الصوت متدراكه.وروى الأصمعي: ( غردا يسن ذراعه بذراعه ).الغرد: المطرب في صوته.وقوله ( يحك ذراعه بذراعه ) معناه يريد: قدح المكب الأجذم على الزناد فهو يقدح بذراعه، فشبه الذباب به إذا سن ذراعه بالأخرى.وقال بعضهم: الزناد هو الأجذم، فهو قصير، فهو أشد لإكبابه عليه.فشبه الذباب إذا سن ذراعه بالأخرى برجل أجذم قاعد يقدح نارا بذراعيه.والأجذم: المقطوع اليد، جاء في الحديث: ( من حفظ القرآن ثم نسيه لقي الله تعالى أجذم )، أي مقطوع اليد.والهزج منصوب بالرد على الغرد، والذراع منصوب بيحك، والقدح منصوب على المصدر، والأجذم نعت للمكب في قول قوم، ونعت للزناد في قول قوم آخرين.وعلى الزناد صلة المكب، أي قدح الذي أكب على الزناد.

( تُمْسِى وتُصْبحُ فوقَ ظَهْرِ حِشيَّةٍ. . . . . . . .وأَبِيتُ فوقَ سَراةِ أَدهَمَ مُلجَمِ )

قوله ( تمسى وتصبح )، أراد: تمسى عبلة وتصبح هكذا، أي هي منعمة موطأ لها الفرش والحشايا، وأبيت أنا على ظهر فرسي.وسراته: أعلاه.وسراة النهار: أوله.وسرو حمير: أعلى بلادهم.و ( الأدهم ): الأسود.يقال قد دهِم ودهُم وإدهام.ويروى: ( أجرد ملجم )، والأجرد: القصير الشعر من الخيل ؛ وطول الشعر هجنة.وقال أبو جعفر: معنى البيت اني تغيرني الخطوب والحروب والسمائم وهي لا تتغير ؛ لأنها في كن ونعمة.واسم تمسى وتصبح مضمر فيهما من ذكر عبلة، والخبر فوق ظهر حشية، وأدهم موضعه خفض إلا إنه لا يجرى، للزيادة التي في أوله وهي الألف.وملجم نعت الأدهم.

( وحَشِيَّتى سَرجٌ على عَبْلِ الشَّوَى. . . . . . . .نَهْدٍ مَراكِلُه نَبيلِ المَحْزِمِ )

( حشيته ): فراشه.وقوله ( على عبل الشوى ) معناه على فرس غليظ القوائم والعظام، كثير العصب.ويقال: رجل عبل وامرأة عبلة ؛ وقد عبل عبالة، إذا غلظ.و ( الشوى ): القوائم ؛ والشوى في غير هذا الموضع: جمع شواة، وهي جلدة الرأس، قال الله تعالى: ( نَزَّاعةًٌ للشَّوَى ).وأنشدنا أبو العباس للأعشى:

قالت قُتَيلة مالَه. . . . . . . .قد جُلِّلت شيباً شَواتُه

أم لا أراه كما عهدْ

تُ صحا وأقصرَ عاذلاتُه

وقال: أنشده أبو الخطاب الأخفش ( شواته ) فقال له أبو عمرو بن العلاء: صحفت، وذلك أن الراء كبرت فظننتها واواً، إنما هي ( سراته ) ؛ وسراة كل شيء: أعلاه.فقال أبو الخطاب: كذا سمعته.قال أبو عبيدة: فلم نزل دهرا نظن أن أبا الخطاب صحف حتى قدم أعرابي محرم فقال ( اقشعرت شواتي )، يريد جلدة رأسي، فعلمنا أن أبا عمرو وأبا الخطاب أصابا جميعا.والشوى في غير هذا: إخطاء المقتل.يقال: رماه فأشواه، إذا أخطأ مقتله.والشوى: رذال المال.قال الشاعر:

أكلنْا الشَّوَى حتَّى إذا لم ندَعْ شَوىً. . . . . . . .أشرنْا إلى خيراتها بالأصابع

و ( النهد ): المجفر الجنبين الغليظ ؛ يقال: إنه لمجفر الجنبين، ونابى المعدين ومجرئش الجنبين، ونهد المراكل.والمجفر: الممتلئ، وكذلك المجرئش.والنابي: المرتفع.والمعد: موضع عقبى الفارس من جنبى الفرس.و ( المراكل ): جمع المركل ؛ والمركل بمنزلة المعد.و ( المحرم ): موضع الحزام.وقال أبو جعفر: النهد: المشرف الصدر والمقدم.والحشية مرفوعة بسرج، وسرج بها، والنهد نعت لعبل، والمراكل مرتفعة بمعنى نهد، ونبيل المحزم نعت لعبل.

( هَلْ تُبْلِغَنِّي دارَها شَدَنيَّةٌ. . . . . . . .لُعِنَتْ بمحرومِ الشَّرابِ مُصَرَّمِ )

دار العرب: مكانها الذي تنزله.يقال: دار ودارة.و ( شدنية ): ناقة نسبت إلى أرض أو حي باليمن.وقوله ( لُعنت ) دعى عليها في ضرعها لا تلقح ولا تحمل فهو أشد لها.وقوله ( بمحروم الشراب ) معناه لعنت في محروم الشراب، والمعنى لا شراب فيها، أي لا لبن بها.وقال أبو جعفر: لعنت بمحروم الشراب، كأنه دعى عليها بأن يُحرم ضرعها الشراب.قال: وقال خالد بن كلثوم: لُعنت: نحيت عن الإبل لما عُلم إنها معقومة، فجعلت للركوب الذي لا يصلح له إلا مثلها.و ( المصرم ): الذي أصاب أخلافة شيء فقطعه، من صرار أو غيره.وقال الآخر:

ملعونة بعُقُرٍ أو خادج

أي دعا عليها أن تكون عاقرا أو تخدج فلا يتم لها ولد.وقال أبو جعفر: المصرم: الذي يكوى رأس خلفه حتى ينقطع لبنه.وهو هاهنا مثل لاكى.يريد أنها معقومة لا لبن بها، كما قال الأعشى:

عن فرج معقومة لم تتَّبعْ رُبَعا

والشدنية مرتفعة بتبلغني، والدار منصوبة به، والنون دخلت في تبلغني من أجل الاستفهام، كما تقول: هل يقومن عبد الله ؟ فتدخل النون مع هل لتوكيد المستقبل، واسم ما لم يسم فاعله مضمر في لعنت، أي لعنت الشدنية.والمصرم نعت لمحروم الشراب.

( خَطّارةٌ غِبَّ السُّرَى زَيّافةٌ. . . . . . . .تَطِسُ الإِكامَ بذات خُفِّ مِيثمِ )

قوله ( خطارة ) يعنى تخطر بذنبها تحركه وترفعه تضرب به حاذيها.وقد خطر الفحل يخطر خطرا، إذا رفع ذنبه فضرب به عجزه.قال ذو الرمة:

. . . . . . . . .بعدما. . . . . . . .تقوّب عن غربانِ أوراكها الخِطْرُ

والحطر لا يتقوب، إنما يتقوب أثر الخطر الذي على غربان أوراكها.وقوله ( غب السرى ) معناه تخطر بعدما أسرت ليلها ثم أصبحت، لأن السير لا يكسرها.وغب كل شيء: بعده.يقال في مثل: ( زر غبا تزدد حبا )، أي زر يوما واترك يوما، لا تملهم بالزيارة.وجاء في الحديث: ( ادهنوا غبا )، أي يوما ويوما لا.و ( السرى ): سير الليل.ويقال سرى وأسرى، إذا سار ليلا.وقوله ( زيافة ) معناه تزيف في سيرها، أي تسرع.و ( الوطس )، والوطث، واللثم: الضرب الشديد بالخف ؛ ومثله الوثم.يقال وثمت الناقة الأرض بإخفاقها، إذا ضربتها بها.ويروى: ( تقص الإكام ) أي تدقها.يقال: وقصه يقصه وقصا، إذا كسره.و ( الآكام ): جمع أكمة، وهي كل رابية مرتفعة عن وجه الأرض.يقال أكمة، وإكام، وأكم، وآكام، وأُكم، وأكم.وقوله ( بذات خف ) معناه بقوائم ذات أخفاف أو بوظيف ذات خف.ويروى: ( بوقع خف ).وقال أبو جعفر في قوله بذات خف: معناه بيد أو برجل ذات خف.والخطارة والزيافة نعتان لشدنية، وغب السرى منصوب على مذهب الصفة، وتطس موضعه رفع بالتاء، ومعناه أيضا الرفع على النعت لخطارة، كأنه قال: واطسة الإكام، والباء صلة تطس.ومعنى قول ذي الرمة: تقوب: تقشر.وغربان أوراكها: جمع غراب، وهو طرف الورك.

( وكأَنّما أَقِصُ الإِكامَ عَشِيَّةً. . . . . . . .بقريبِ بَيْنَِ المَنْسِمَينِ مُصَلَّمِ )

( أقص ) معناه أكسر، أي كأنما أكسر الإكام بظليم قريب بين المنسمين يقول: ليس بأفرق.والصلم: قطع كل شيء من أصله.والظليم مصلم، لأنه ليست له إذن ظاهرة.ومنسماه: ظفراه المقدمان في خفه.فإذا كان بعد ما بينهما قيل منسم أفرق.وروى الأصمعي: ( وكأنما أقرو الحزون )، أي أتبع شيئا بعد شيء.و ( الحزون ): جمع جزن ؛ والحزن والحزم: ما غلظ من الأرض.يقال: قد أحزنا من الأرض، إذا صرنا إلى الحزن ؛ ولا يقال أحزمنا.وقال أبو جعفر: إنما قال بقريب بين المنسمين لأنه إذا كان كذلك كان أصلب لخفه ولم يكن أفرق، أي مفتح الرأسين ليس بمجتمع.وكأنما حرف واحد، والإكام منصوبة بأقص، وعشية منصوب على الوقت، والباء صلة أقص.

( تَأْوِي له قُلُصُ النَّعامِ كما أَوَتْ. . . . . . . .حِزَقٌ يَمَانيَةٌ لأَعْجَمَ طِمْطِمِ )

قوله ( تأوي له ) معناه تأوي إليه، أي ينقنق لهن فيأوين اليه، كما أوت هذه الحزق اليمانية لراع أعجم لا يفهم كلامه.و ( الحزق ): الجماعات، وهي الحزائق أيضا من الإبل وغيرها.يقال أعجم طمطم وأعجم طمطماني، إذا كان لا يفهم الكلام.و ( الحزق ): الفرق من الإبل، واحدتها حزقة، ويقال حزيقة وحزيق وحزائق، ويقال أيضا حازقة.و ( القلص ): أولاد النعام حين يدففن ويلحقن ولم يبلغن المسان، واحدتها قلوص.والبكر بمنزلة الفتى من الرجال، والقلوص بمنزلة الفتاة.ويقال في جمع القلوص أيضا قلائص.قال الشاعر:

ألا أيُّهذا القانص الخِشْفَ خَلّهِ. . . . . . . .وإن كنت تأباه فعَشرُ قلائِصِ

ويروى: ( تبرى له حول النعام كما انبرت ).والحول: التي لا بيض لها.فيقول: إذا نقنق هذا الظليم اجتمع إليه النعام كما تجتمع فرق الإبل لإهابة راعيها الأعجمي الطمطماني.يقال: أهاب الراعي بإبله إهابة، إذا زجرها لتجتمع.ومن رواه ( تبرى ) أراد تعرض له.يقال: تبريت لفلان، أي تعرضت له.أنشد الفراء:

وأهْلَةِ وُدٍّ قد تبريَّتُ وُدَّهمْ

أي تعرضت لودهم.والقلص ترتفع بتأوى، والكاف منصوبة به، وأعجم مخفوض بالالم، وطمطم نعته.

( يَتْبَعْنَ قُلَّةَ رَأَسِهِ وكأَنّهُ. . . . . . . .حَرَجٌ علَى نَعْشٍ لهنَّ مُخَيَّم )

قوله ( يتبعن ) يعنى النعام، إنها تتبع الظليم.يقول: إنها قد اتخذت عنقه ورأسه خيالا يتبعنه.يقال تبعته وأتبعته بمعنى واحد.ويقال: ما زلت أتبعه حتى أتبعته، أي حتى تقدمته فصار يتبعني.ويقال: فلان تبع نساء، إذا كان يتبعهن ويحب محادثتهن.والتبع: الظل.قال الشاعر:

يَرِد المياهَ حضيرةً ونفيضةً. . . . . . . .وِردَ القطاةِ إذا اسمألَّ التُّبَّعُ

يقول: إذا تقلص الظل في الهاجرة.وقلة كل شيء: أعلاه.وجمع القلة قلال.وقوله: ( وكأنه حرج ) معناه: وكأن الظليم حرج.والحرج: مركب من مراكب النساء، قال: وأصله النعش ثم صاروا يشبهون به المركب.وقوله ( مخيم ) معناه جعل له خيمة.فيقول: كأن الظليم حرج قد خيم لهن عليه، ثم أظهر الهاء التي في عليه فقال نعش، لأن الحرج هو النعش، والنعش هو الحرج.ولذي الرمة:

يُخيِّلُ في المرعَى لهنّ بنفسه. . . . . . . .مُصَعْلَلُ أعلى قُلَّة الرأسِ نقِنقُ

أي يجعل نفسه لهن خيالا يتبعنه لأنه يصطع في السماء ويمد جناحيه فيتبعنه.ورواها المفضل: ( وكأنه حرج على نعش ).والحرج: الخيال.وأنشد:

وشرُّ الندامى من تظلُّ ثيابهُ. . . . . . . .مجففَّة كأنَّها حِرجُ خَائلِ

وروى الأصمعي: ( كأنه زوج على حرج لهن ) يعنى النعام، أنهن يتبعن الظليم.و ( الزوج ): النمط.فيقول: كأنه نمط بنى على مركب من مراكب النساء.قال لبيد:

من كلِّ محفوفٍ يُظِلُّ عِصِيَّه. . . . . . . .زَوجٌ عليه كِلَّةٌ وقِرامُها

ورواه أبو جعفر: ( وكأنه حرج ) لأن الحرج هو النعش، فلا يجوز أن يقول: وكأنه نعش على نعش، وإنما المعنى كأنه خيال للنعام على نعش مخيم.جعل جسمه كالنعش، ورأسه وعنقه كالخيال.وفي يتبعن ضمير النعام، والقلة منصوبة به، والهاء اسم كأن، وحرج خبرها، ومخيم نعت للنعش، وعلى صلة حرج، ولهن صلة مخيم، ومخيم نعت معناه الصلة.

( صَعْلٍ يَعودُ بِذِي العُشَيرةِ بَيضَهُ. . . . . . . .كالعبدِ ذِي الفَروِ الطَّويلِ الأَصْلَم )

( الصعل ): الصغير الرأس الدقيق العنق.و ( يعود ) معناه يأتي ويرجع إلى بيضه.يقال: تعود إتياننا واعتاد إتياننا.وكل ما عاودك من مرض أو حب أو غيره لوقته فهو عيد.قال الشاعر:

عاد قلبي من الطَّويلة عِيدُ. . . . . . . .واعتراني من حبِّها تسهيدُ

وقال تأبط شرا:

يا عيد مالك من شوقٍ وإبراقِ. . . . . . . .ومرّ طيفٍ على الأهوالِ طرّاقِ

يريد: يأيها المعتادي مالك من شوق وإيراق، كأنه يتعجب منه، أي إنك أتيت بالشوق والأرق.قال العجاج:

واعتاد أرباضاً لها آريُّ. . . . . . . .كما يعود العِيدَ نصرانيُّ

و ( ذو العشيرة ): موضع.وقوله ( كالعبد )، شبه الظليم براع أيود مجتاب فروة.و ( الأصلم ): المقطوع الأذنين.والظلمان كلها صلم، أي لا آذان لها.فشبه الظليم بأسود مقطوع الأذنين.قل ابن الأعرابي: أضل أعرابي ذودا له فخرج في بغائها، فمر برجل من بني أسد يحتلب ناقة له فقال: أحسست ذودا لي شردت ؟ فقال: ادن فاشرب من اللبن ثم أدلك على ذودك.فلما شرب قال: ماذا رأيت حيث خرجت من منزلك ؟ قال: كلبا ينبح.قال: نواه تنهاك، وزواجر تزجرك.قال: ثم ماذا ؟ قال: رأيت شاة تثغو.قال: ثم ماذا ؟ قال: رأيت نعامة.قال: طائر حسن، هل في منزلك مريض يعاد ؟ قال: نعم.قال: ارجع فإن ذودك في أهلك.فرجع فأصاب ذوده.ويقال: إنه استدل بهذا البيت:

صعلٍ يعود بذي العُشَيرة بيضَه. . . . . . . .كالعبد ذِي الفَرْو الطَّويل الأصلمِ

وصعل مخفوض على النعت لقريب بين المنسمين، والكاف موضعها خفض على النعت لصعل، والطويل والأصلم نعتان للعبد.

( شَرِبتْ بماءِ الدُّحرُضَينِ فأَصبَحتْ. . . . . . . .زَوْراءَ تَنفِرُ عن حِياضِ الدَّيلَمِ )

قوله ( شربت بماء الدحرضين ) أراد: من ماء الدحرضين، فالباء بمعنى من.حكى عن العرب: سقاك الله بحوض الرسول، أي من حوض الرسول صلى الله عليه وسلم.و ( الدحرضان ): ماءان يقال لأحدهما دحرض، وللآخر وسيع، فلما جمعهما غلب أحد الاسمين، كما قال الآخر، أنشده الفراء:

فبصرة الأزد منَّا والعراقُ لنا. . . . . . . .والموصلان ومنَّا مصر فالحرمُ

أراد: والموصل والجزيرة، فغلب الموصل على الجزيرة فقال الموصلان.وقال الفرزدق:

أخذنا بآفاق السَّماء عليكم. . . . . . . .لنا قَمَراها والنُّجومُ الطوالعُ

أراد: لنا شمسها وقمرها، فغلب القمر على الشمس فقال قمراها.وقال الآخر:

فقرُى العراقِ مَقيلُ يومٍ واحدٍ. . . . . . . .فالبصرتان فواسطٌ تكميلهُ

أراد: فالبصرة والكوفة، فغلب البصرة على الكوفة فقال: فالبصرتان.وقال الآخر:

نحن سبينا أُمَّكمْ مُقْرباً. . . . . . . .يومَ صَبَحْنا الحِيرتَين المنونْ

أراد: الحيرة والكوفة، فغلب الحيرة.وقال العجاج:

وبالنِّبَاجَينِ ويَوْمَ مَذْحجا

أراد: النباج وثيتل، فغلب النباج.ومعنى البيت: شربت بماء الدحرضين فهي به آمنة ريا تنفر عن حياض الديلم، أي مياه الديلم.والديلم عند الأصمعي: الأعداء وإن كانوا غرباء.وهذا كما يقال للأعداء: كأنهم الترك والديلم.يريد أن عدواتهم كعداوة أولئك.وأنشد الأصمعي:

كأني إذْ رهنتُ بَنىَّ قومي. . . . . . . .دفعتُهم إلى صُهب السبِّالِ

أي كأني دفعتهم إلى الأعداء.وقال أوس بن حجر:

نكَّبتُها ماءَهمْ لمَّا رأيتهمُ. . . . . . . .صُهبَ السِّبال بأيديهم بيازيرُ

البيازير: جمع بيزارة، وهي العصا الغليظة.وحكى أبو العباس عن أبي محلم إنه قال: حياض الديلم مياه معروفة للأعراب، وحكى ذلك عنهم وقال: غلط الأصمعي في قوله: الديلم الأعداء.وقال أبو جعفر في قوله تنفر عن حياض الديلم: معناه سقيتها بهذين الماءين فأرويتها لمعرفتي ؛ أي أني أمر بحياض الديلم، وهم الأعداء، فأجيزها إياها ولا ألتفت إلى الأعداء.فجعل الخبر لها والمعنى له.وقال غير أبي جعفر: الديلم: الداهية.وقال بعضهم: قرى النمل.وقيل: الديلم ماء من مياه بني سعد.فيقول: تزاورت وتجانفت عنها لأنها تخافها.وقوله ( زوراء ): تجانف عن الحياض أي تمايل.والباء صلة شربت، واسم أصبحت مضمر فيه من ذكر الناقة.وزوراء خبر أصبحت، وتنفر موضعه في التأويل نصب على الاتباع لزوراء، كأنه قال: فأصبحت زوراء نافرة عن حياض الديلم.

( وكأَنمّا تنأَى بِجانبِ دَفِّها ال

وَحشيِّ من هَزِجِ العشِيِّ مُؤَوَّمِ )

يقول: بها من الحدة والنشاط ما كأن هرا بها تحت دفها ينهشها.و ( تنأى ): تبعد.و ( الدف ): الجنب.قال الراعي:

ما بال دَفِّك بالفِراش مَذِيلا. . . . . . . .أقَذىً بعينك أو أردتَ رحيلا

والدف: الذي يلعى به، تفتح الدال منه وتضم.والوحشي من البهائم: الجانب الأيمن.والإنسي: الجانب الأيسر ؛ لأنها تؤتى في الركوب والحلب والمعالجة منه قال الراعي:

فجالت على شِقِّ وحشيِّها. . . . . . . .وقد رِيعَ جانبُها الأيسرَ

روى أبو عبيدة عن الأصمعي أن الوحشي الجانب الذي يركب منها الراكب ويحتلب منها الحالب.وقال الرستمي: بيت عنترة هذا يصدق هذا القول.وقال يعقوب: إنما قالت الشعراء: فجال على شق وحشيه، وانصاع جانبه الوحشي، لأنه يؤتي في الركوب والحلب والمعالجة منه، فإنما خوفه منه.وفيه قول آخر: إنها تقي على جانبها الوحشي وهو الجانب الأيسر على ما حكاه أبو عبيدة ؛ لأن القلب في الجانب الأيسر وهي تحذر عليه وترتاع له.و ( المؤوم ): العظيم القبيح من الرءوس.يقال: رأس مؤوم ومعدة مؤومة.قال أبو نجم:

يَحُضْنَ من مِعدته المؤوّمه. . . . . . . .ما قد حَوى من كِسرةٍ وسَلْجمَه

وإنما جعله هزج العشي لأنه إذا هزج هزجت الناقة لهزجه.وجعله بالعشي لأنه ساعة الفتور والإعياء.فأراد إنها أنشط ما تكون في الوقت الذي يفتر فيه الإبل، فكأنها من نشاطها يخدشها هر تحت جنبها.ومثل هذا كثير.قال الشماخ:

كأنّ ابنَ آوى مُوثَق تحت نحرها. . . . . . . .إذا هو لم يَخدِش بنابَيه ظفَّرا

وقال الأعشى:

بجُلالةٍ سُرُحٍ كأنَّ بغرزها. . . . . . . .هراًّ إذا انتعل المطيُّ ظلالها

وقال أوس بن حجر:

والتفّ ديكٌ برجليها وخنزيرُ

وقال أبو جعفر: المعنى في خصه الوحشي أن السوط بيمينه، فهي تميل على ميامنها وهو الوحشي، مخافة السوط، كما قال الأعشى:

تًرى عينَها صَغْواءَ في جنب مأقها. . . . . . . .تراقِبُ كفىِّ والقطيعَ المحرَّما

وتنأى تبعد، كأنها تنحى ميامنها أن يضربها بالسوط، فلذلك قال: كأن بدفها حرا.ومن صلة تنأى، كأنه قال: تنأى بدفها من هر يخدشها هزج العشي ؛ لأن السنانير أكثر صياحها بالعشيات وبالليل.وقوله ( مؤوم ) مثل معوم، مفعل من الآمة ؛ والآمة: العيب ؛ فيقول: هو مشوه الخلق.فأما الموأم مثل الموعم فهو الذي قد زيدت فيه وئيمة، وهي البنيقة.وليس هذا موضعه.وكأنما حرف واحد لا موضع لها من الإعراب.والباء صلة تنأى، ومؤوم نعت الهزج، والجانب مضاف إلى الدف، والوحشي نعت الدف.

( هِرٍّ جَنِيبٍ كُلَّما عَطَفَتْ لهُ. . . . . . . .غَضْبَي اتَّقاها باليدَينِ وبالفَم )

بيَّن ما الهزج فرد عليه ( هر جنيب ).و ( الهر ): السنور.و ( الجنيب ): المجنوب ؛ كأنه جنب إلى هذه الناقة.وإنما يعني إنها من نشاطها وحدة نفسها كأن هرا يخدشها.ومثله قول الشماخ:

كأنّ ابنَ آوى مُوثَقٌ تحت غَرزها. . . . . . . .إذا هو لم يَكدِمْ بنابَيه ظَفَّرا

أي إذا لم يجرح بنابيه خدش بظفره.وقوله ( غضبي اتقاها ) يقول: إذا عطفت إليه غضبي لتعضه تلقاها بيده وبفمه.ويقال: اتقاه بحقه يتقيه، وتقاه يتقيه، إذا تلقاه به وجعله بينه وبينه.قال الشاعر:

ولا أتَقِي الغَيور إذا دعاني. . . . . . . .ومثلي لُزَّ بالحمِس الرَّبيسِ

وأنشد الفراء:

زيادتَنا نُعمانُ لا تحرِمَنَّها. . . . . . . .تَقِ الله فينا والكتابَ الذي تتلو

وقال الآخر:

تَقُوه أيُّها الفتيانُ إني. . . . . . . .رأيت اللهَ قد غَلبَ الجدودا

وقال أوس بن حجر:

تَقاك بكعبٍ واحدٍ وتَلَذُّه. . . . . . . .يداك إذا ما هُزّ بالكفِّ يَعسِلُ

وصف رمحا، يقول: إذا هززته اهتز من أوله إلى آخره حتى كأنه كعب واحد.وقال أبو جعفر: إنما جعله كالكعب الواحد، يصفه إنه مقوم إذا هز اهتز اهتزازا واحدا مستويا.ويقال: هذا فَم، وهذا فُم، وهذا فِم.وهر من نعت هزج العشي، وغضبى موضعه نصب على الحال مما في عطفت، واتقاها جواب كلما، والباء صلة اتقاها.وقال أبو جعفر في قوله ( كلما عطفت له غضبى ): معناه إنها تفعل هذا اتقاء السوط، من حدة نفسها.وقال غيره: يقال هي الهر والهرة، والقط، والسنور والسنورة، والضيون، بمعنى واحد.

( أَبقَى لها طُولُ السِفّارِ مُقَرمَداً. . . . . . . .سَنَداً ومثلَ دعائم المتخيَّمِ )

قال الرستمي: لم يرو هذا البيت أحد إلا الأصمعي.وقال أبو جعفر: لم يرو هذا البيت الأصمعي ولا غيره.وقوله ( مقرمدا ) معناه: سناما لزم بعضه بعضا.وأصل المقرمد المبني بالآجر.وقال أبو جعفر: المقرمد: الأملس المطلي، كما قال النابغة:

بالعَبير مُقَرمَدِ

ويروى: ( طول السفار ممردا )، أي سناما طويلا.يقال لكل شيء طويل مشرف: ممرد.يقال قصر ممرد، أي طويل، وهو المارد ايضا، ومنه سمى المارد ماردا لطوله، وهو حصن بوادي القرى.قالت الزباء وغزته فلم تقدر على فتحه: ( تمرد مارد وعزَّ الأبلق ).وهما حصنان.قال الراجز:

بنَى لها العُلَّفُ قصراً ماردا

يقول: إنها سمنت عن رعى العلف وطال سنامها.فشبهه بالقصر المارد، وهو الطويل.فيقول: أبقى طول السفر لها بعد أن سوفر عليها سناما طويلا.وهذا مثل قوله:

أبقى الحوادثُ من خلي

لك مثلَ جَندلةِ المَراجِمْ

ومثله قول المثقب العبدي:

فأبقى باطلي والجدُّ منها. . . . . . . .كدُكَّان الدَّرابنة المَطِينِ

وقال يعقوب: هذا ضد قول الراعي:

فأبتُ بنَفْسها والآلِ منها. . . . . . . .وقد أطعمتُ ذروتَها السِّفارا

وقوله ( سندا ) أراد عاليا.ويقال: ناقة سناد، إذا كانت مشرفة.ويقال: قد سندوا في الجبل يسندون، إذا ارتفعوا.قال فيه أعشى همدان:

عَهدي بهم في النَّقب قد سَنَدوا. . . . . . . .تَهدِى صِعَابَ مطيِّهم ذُلُلُهْ

وقوله ( ومثل دعائم ) معناه أن قوائمها قوية صلاب طويلة بعد الجهد والسفر.و ( المتخيم ): الشيء الذي يتخذ خيمة.والمتخيم: الرجل الذي يتخذ الخيمة.وطول السفار مرفع بأبقى، ولها صلة أبقى، ومقرمداً منصوب بأبقى، وسنداً من نعت المقرمد، ومثل نسق على المقرمد، وهي مضافة إلى الدعائم.

( بَرَكَتْ عَلى ماءِ الرِّداعِ كأَنمّا. . . . . . . .بَرَكَتْ على قَصَبٍ أَجَشَّ مُهَضَّمِ )

ويروى: ( بركت على جنب الرداع ).يقول: كأنما بركت على زمر.والمعنى إنها بركت فحنت، فشبه صوت حنينها بصوت المزامير، أي كأن حنينها مزامير.ومنه قول الهذلي:

ماذا يُغِير ابنَتَيْ رِبعٍ عَويلُهما. . . . . . . .لا ترقُدان ولا بُؤْسَى لمن رقَدا

كلتاهما أبطنتْ أضلاعُها قَصَبا. . . . . . . .من بَطن حَلْيةَ لا رطباً ولا نَقِدا

و ( الأجش ): الذي فيه بحوحة ؛ يقال: رحى جشاء وغيث أجش، إذا كان في صوته بحوحة.قال الشاعر:

ولا زال من نَوء السِّماك عليكما. . . . . . . .أجشُّ هزيمٌ دائمُ الوكَفانِ

وقال أبو جعفر: الجشة: غلظ حسب، ولو كان أبح لم يسمع صوته.و ( المهضم ): الذي قد غمز حتى انفضح، وهو النرمناي.والنرمناي: ضرب من آلات الزمر.وإنما قيل له مهضم لأنه يكسر ويضم طرفه.وقال أبو عبيدة: إنما أراد القصب المخرق الذي يزمر به الزامر.فشبه صوت حنينها بصوت المزمار.وقال ابن الأعرابي: أراد إنها بركت على موضع قد نضب ماؤه وجف أعلاه وصار له قشر رقيق، فإذا بركت عليه سمعت له صوتا، لأنه ينكسر تحتها.وكان أبو جعفر يقول بالقول الأول وينكر الثاني وقال: لا أعرفه في قول ابن الأعرابي.وحكاه الرستمي عن ابن الأعرابي.وبركت فاعله مضمر فيه من ذكر الناقة، وعلى صلة بركت، وكأنما حرف واحد لا موضع لها، وعلى الثانية صلة الفعل الثاني، وأجش موضعه خفض على النعت للقصب ونصب في اللفظ لأنه لا يجري، وما لا يجري ينصب في موضع الخفض.

( وكأَنَّ رُبًّا أو كُحَيلاً مُعْقَداً. . . . . . . .حَشَّ الوَقودُ به جَوانبَ قُمقُمِ )

شبه العرق بالرب أو القطران، والقطران أسود.وعرق الإبل أول ما يخرج أسود، فإذا يبس اصفر.قال العجاج:

يصفرُّ لليُبْس اصفرارَ الورْسِ

وعرق الخيل أول ما يخرج أسود، فإذا يبس اصفر.قال بشر:

تَراها من يَبِيس الماء شُهباً. . . . . . . .مُخالِطَ دِرّةٍ منها غِرارُ

ويقال: سقاء مربوب، إذا طيب بالرب.وقال أبو جعفر: عرق الخيل أول ما يبدو أصفر إلى الحمرة، ثم يبيض عند اليبس.قال بشر:

مُهارِشةِ العِنانِ كأنَّ فيه. . . . . . . .جرادةَ هَبوةٍ فيها اصفرارُ

وقال غير أبي جعفر: الكحيل: هناء يهنأ به الإبل من الجرب شبيه بالنفط يقال له الخضاض.و ( المعقد ): الذي قد أوقد تحته حتى انعقد وغلظ.يقال: أعقدت العسل والدواء، بألف ؛ وعقدت الحبل والعهد، بغير ألف.وقال أبو جعفر: الكحيل: رديء القطران يضرب إلى الحمرة وليس بخالص السواد، ثم يسود إذا أعقد.وقوله ( حش الوقود ) الوقود بفتح الواو: الحطب ؛ وبضم الواو: الاتقاد.وقال جرير:

أهَوىً أراكَ بِرامتَيِن وَقودا. . . . . . . .أمْ بالجُنَينة من مَدافِع أودا

وقال أبو جعفر: ( حش الوقود ) معناه اتقاد النار، وهو أجود وأحسن من الحطب، كأنه قال: أغلى الاتقاء جوانب القمقم وهذا الرب والكحيل فيه.ويقال: شبه ملاسة ناقته بملاسة القمقم.وقال غيره: ( حش الوقود ) معناه أحمى الوقود، يقال للرجل: إنه لمحش حرب.ويروى: ( حش القيان به ).يقال للأمة قينة.وقوله ( به ) الباء حال، معناه وهو في القمقم.يقال: أوقدت القدر باللحم، أي أوقدت القدر وفيها اللحم.والرب اسم كأن، والكحيل نسق عليه، ومعقدا نعت لكحيل، وخبر كأن ما عاد من الهاء في به، والجوانب منصوبة بحش.

( يَنْباعُ مِنْ ذِفْرَى غَضُوبٍ جَسْرةٍ. . . . . . . .زَيّافةٍ مِثْلِ الفَنيقِ المُكْدَمِ )

قال أكثر أهل اللغة: ينباع معناه ينبع على مثال يفعل، من نبع الماء ينبع، فزاد الألف على الاتباع لفتحة الباء، لأنهم ربما وصلوا الفتحة بالألف، والضمة بالواو، والكسرة بالياء.قال الراجز:

لا عَهدَ لي بنِيضالْ. . . . . . . .أصبَحْتُ كالشَّنِّ البالْ

أراد: بنضالٍ، من المناضلة.وقال الآخر:

كأنِّي بفتْخاء الجناحين لِقوةٍ. . . . . . . .على عَجَل منّى أطاطئ شِيمالي

أراد: شيمالي.وقال الآخر:

اللهُ يعلم أنَّا في تلَفُّتنا. . . . . . . .يومَ الفِراق إلى إخواننا صُورُ

وأنَّني حيثُما يَثنى الهَوَى بَصَرِي. . . . . . . .مِن حيثُما سَلَكوا أدنو فأنظورُ

أراد: فانظر، فوصل الضمة بالواو.و ( الذفرى )، والذفريان: الحيدان المشرفان وراء الأذنين، وهما عن يمين النقرة وشمالها.وأول شيء يعرق من البعير الذفريان.وأول ما يبدو فيه السمن لبانه وكرشه، وآخر ما يبقى فيه السمن عينه وسلاميتاه وعظام إخفاقه.والدليل على ذلك قول الراجز:

بناتُ وَطَّاء على خَدِّ اللَّيلْ. . . . . . . .لا يَشْتكينَ عَملاً ما أنقَيْنْ

ما دامَ مُخٌّ في سُلامَي أو عَيْنْوآخر ما يبقى منه فيما يظهر منه تليله وفائلة.والدليل على ذلك قول النابغة:

شوازب كالأجلام قد آلَ رِمُّها. . . . . . . .سَماحيقَ صُفراً في تليلٍ وفائلِ

الشوازب: الضوامر.والأجلام: ضرب من الشاء.وقال الآخر:

إنّ لنا خَيْلاً فديناهُنَّهْ. . . . . . . .قد بَسَأتْ بالحرب حتَّى هُنَّهْ

صَواليَ الموتِ هواديهنَّهْو ( الغضوب ) والغضبى واحد، وهي المتزغمة.و ( الجسرة ): الطويلة.ويقال رجل جسر، أي طويل.قال الشاعر:

ديار خَودٍ جَسْرة المخدَّمِ

ويقال الجسر: الجسور التي لا يهولها شيء.قوله ( زيافة ): تزيف في مشيها: تسرع.وقال أبو جعفر: قال أبو عمرو: الجسرة الحسنة.وقال أبو جعفر في قول النابغة: ( شوازب كالأجلام ). . .البيت: قد آل: قد رجع.والرم: المخ والشحم.والسماحيق: رقيق الشحم كسماحيق الغيم، وهو مارق منه.وسماحيق الشجاج، الواحد سمحاق وهي التي قد بقى منها لطخ لحم لم توضح عن العظم.فيقول: كان شحمها سماحيق فرجع فاصلا حتى بلغ الغاية، وهو الفائل في الفخذ، كما قال الراعي:

فلمَّا أدركَ الرَّبَلاتِ منها. . . . . . . .إلى الكاذَات باتَ بها وقالا

الكاذة: لحم باطن الفخذ.وقال أبو جعفر: الزيف والزيفان: أن تجمع قطريها من النشاط وتثب.وقال في ينباع: هو ينفعل من باع يبوع، إذا مر مرا لينا فيه تلو، كقول الآخر:

ثُمَّت ينباع انبياعَ الشُّجاعْ

وأنكر أن يكون الأصل فيه ينبع، وقال: ينبع يخرج، كما يخرج الماء من الأرض ؛ ولم يرد هذا، إنما أراد السيلان وتلويه على رقبتها كتلوي الحية.و ( الفنيق ): الفحل الذي ودع من الركوب والحمل عليه.و ( المكدم ): الغليظ، أراد أنها مذكرة.والغضوب مخفوضة لإضافة ذفرى إليها، والجسرة نعتها، وكذلك الزيافة ومثل، والفنيق مختفض بإضافة مثل إليه، والمكدم نعته.

( إِنْ تُغْدِفِي دُونِي القِنَاعَ فإِنّني. . . . . . . .طَبٌّ بأَخْذِ الفارِس المُسْتلئِمِ )

معناه: أن نبت عينك عني فأغدفت دوني قناعك فإني حاذق بقتل الفرسان وأخذ الأقران.والإغداف: إرخاء القناع على الوجه والتستر.يقال: أغدف سترك، أي أرخه.وقال أبو جعفر: معناه أن تستري مني فإني أنا الحامي مثلك أن تسبى، فلم تسترين عن مثلي ؟ يرغبها في نفسه.وقال غيره: قوله: ( فإنني طب ) معناه حاذق بأخذه.فحل طب، إذا كان حاذقا بالضراب.ويقال رجل طب وطبيب، إذا كان حاذقا بالأمور.والطب: الجنون ؛ يقال رجل مطبوب، أي مجنون.ويقال في مثل: ( اعمل في حاجتي عمل من طب لمن حب )، أي من حذق لمن أحب.وقال علقمة بن عبدة:

فإنْ تسألوني بالنِّساء فإنَّني. . . . . . . .خبيرٌ بأدواء النِّساء طبيبُ

و ( الفارس ): واحد الفرسان ؛ يقال فارس بين الفروسة.و ( المستلم ): اللابس اللأمة.والملأم: الملبس اللأمة.واللأمة: الدرع، وجمعها لؤم.قال العجاج: ووصف جيشا أتاهم:

إذا أناخ أو أنّى مُستطعَمهُ. . . . . . . .باتَ وبَوَّاتُ المَخَاذِ بُرَمُه

وَحشُو مَحشُوّ العِياب لُؤَمهالمعنى: إذا أناخ، أي نزل، أو أنى له أن يفعل ذاك.و ( بوات المخاض برمه )، كانوا ينحرون الجزور إذا أرادوا الغزو ثم يطبخون لحمها، ثم يخشون جلد الجزور ويحملونه معهم يستعينون على السفر، فمتى أرادوا لحما أكلوا منه.فجعله كالبو إذ كان يحشى باللحم، وجعل ذلك الجلد كالقدر له، وهو الذي يقال له الخلع.وقوله ( حشو محشو العياب لؤمه )، معناه: وحشو ما حشي من العياب دروع لا غير.وتغدفي مجزوم بإن علامة الجزم فيه سقوط النون، والفاء جواب الجزاء، والنون والياء اسم إن، وطب خبر إن، والباء صلة طب، والأخذ مضاف إلى الفارس، والمستلم نعته.

( أَثْنِى عليّ بما عَلِمْتِ فإِنّنِي. . . . . . . .سَمْحٌ مُخَالَطَتي إذا لم أُظْلَمِ )

الثناء في المدح لا غير، والنثا مقصور يكون في الخير والشر.وقوله ( سمح مخالطتي ) معناه سهل مخالطتي.يقال: سمح سماحة، إذا سهل.يقول: أنا سهل مخالطتي إذا لم أظلم.وأصل الظلم وضع الشيء في غير موضعه.وقال أبو جعفر: قد قال قبل هذا: أن تغدفي دوني القناع، ثم قال: أثنى عليّ بما علمت ؛ لأن المعنى: إذا رآك الناس قد كرهتني وأغدفت دوني القناع توهموا أنك استقللتني واسترذلتني، وأنا مستحق لخلاف ما صنعت، فأثنى عليّ بما علمت.وموضع أثنى جزم على الأمر، والنون والياء اسم إن، وخبرها ما عاد من الياء في مخالطتي، وسمح مرتفع بالمخالطة، والمخالطة مرتفعة به، وإذا منصوبة على الوقت.

( فإِذا ظُلِمتُ فإِنَّ ظُلمِي باسِلٌ. . . . . . . .مُرٌّ مَذَاقَتُهُ كطَعْم العَلْقَمِ )

معناه: أن ظلمني ظالم فظلمي إياه باسل لديه كريه عنده.ويقال رجل باسل وبسيل، إذا كرهت مرآة ومنظره.وقد بسل بسالة ؛ وتبسل تبسلا.قال الشاعر:

فكنتُ ذَنوبَ البئر لمَّا تَبسَّلَتْ. . . . . . . .وسُرْبلتُ أكفاني ووُسِّدتُ ساعدي

وقال الراجز:

بيِس الطعام الحنظل المبسَّلُ. . . . . . . .تَيْجع منه كَبدِي وأكسلُ

ويقال: قد مر الشيء مرارة، وأمر يمر إمرارا.وقوله ( مذاقته ) معناه ذوقه.يقال ذقت الشيء وتذوقته، إذا تطعمت منه.و ( العلقم ): الشديد المرارة.يقال طعام شديد العلمقة.وإذا وقت فيها طرف من الجزاء، وظلمي اسم إن، وباسل خبر إن، ومر نعت باسل، والمذاقة رفع بالكاف، والتقدير: مذاقته مثل طعم العلقم.ويجوز أن ترفع المذاقة بمعنى المرارة وتجعل الكاف نعتا للباسل.

( ولقَدْ شَرِبتُ مِنَ المُدامةِ بَعَدَ ما. . . . . . . .ركَدَ الهواجرُ بالمَشُوفِ المُعْلَم )

المدام والمدامة: الخمر، وإنما سميت المدامة لأنها أديمت في الدن، أي أطيل مكثها.فيقول: شربت من الخمر بعد ركود الهواجر، أي حين ركدت الشمس ووقفت وقام كل شيء على ظله.يقال: ركد، إذا سكن.وقال أبو جعفر: إنما سميت الخمر مدامة لأنها أديمت في الدن حتى أدركت فسكن غليانها وصفت.ومنه يقال: أدم قدرك، أي اكسر غليانها بتحريك أو بماء.واللام في لقد جواب اليمين.وقال أبو جعفر: إنما خص ركود الهواجر لأنه أراد كنت منعما، وهذا الوقت وقت النعمة في شدة الحر.وقوله ( بالمشوف ) معناه بالدينار المشوف.أي المجلو.يعنى إنه اشترى خمرا بدينار مجلو.يقال: شاف درعه، إذا جلاه.قال النابغة الجعدي:

في وجوه شُمِّ العرانين أمثال. . . . . . . .لِ الدنانير شُفْن بالمثقالِ

أي زين بالتمام، لسن بمقطعات ولا نواقص.وكل جلاء وتحسين فهو شوف.وقال أبو جعفر: قوله شفن معناه جلين من الكيس ليوزن بالمثقال، أي بالوزن.ومثله قول عدي بن زيد.

وعند الإله ما يَكيد عبادَه. . . . . . . .وكُلاًّ يوفِّيه الجزاءَ بمثقالِ

أي بوزن.وقال الشاعر في الشوف:

دنانير مما شِيفَ في أرض قيصرٍ

أي جلى.و ( المعلم ): الذي فيه كتاب، يعنى الدنانير.وقال ابن الأعرابي: عنى بالمشوف المعلم بعيرا مطليا بالقطران.فأراد إنه شرب خمرا ببعير.ومن وبعد والباء صلات لشربت، والهواجر ترتفع بركد.

( بِزُجاجةٍ صَفْراءَ ذاتِ أَسِرَّةٍ. . . . . . . .قُرِنتْ بأَزهرَ في الشِّمالِ مُفدَّم )

قوله ( ذات أسرة ) معناه ذات طرائق وخطوط وتكسر.ويقال للخطوط التي في باطن الكف أسرة.أنشدنا أبو العباس:

فقلت لها هائي فقالتْ براحةٍ. . . . . . . .تُرِى زعفراناً في أسرَّتها وَردا

ويقال للتكسر الذي في الجبين أسرة.قال الشاعر:

وإذا نظرتَ إلى أسِرّة وجهه. . . . . . . .برقَتْ كبَرقِ العارضِ المتهلِّلِ

وواحد الأسرة سر وسرر.ويقال في الجمع القليل أسرة وأسرار.قال الأعشى:

فانظر إلى كفٍّ وأسرارها. . . . . . . .هل أنتَ أن أوعدتَني ضائري

ويقال في الجمع الكثير أسارير.جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم: ( دخل على عائشة رضي الله عنها تبرق أسارير وجهه ).وقوله: ( قرنت بأزهر )، معناه جعلت مع إبريق أزهر، وهو الأبيض، يعنى إبريق فضة أو رصاص.وقوله ( مفدم ) معناه مشدود فمه بخرقة.قال عدي بن زيد:

والأباريقُ عليها فُدُمٌ. . . . . . . .وعِتاق الخيل تَرِدى في الجِلالِ

وقال أبو جعفر في قوله: ( مفدم ): معناه عليه الفدام يصفى به، كما تشرب الملوك.ويروى: ( ملثم )، أي عليه لثام.والباء في الزجاجة صلت للشراب، وصفراء نعت الزجاجة، وذات نعت الزجاجة أيضا، والباء الثانية صلة قرنت، وأزهر مختفض بالباء إلا إنه نصب لأنه لا يجري، ومفدم نعته، وفي صلة قرنت.

( فإِذا شَرِبْتُ فإِنَّنِي مُسْتهلِكٌ. . . . . . . .مالِي وعِرضي وافرٌ لم يُكْلَمِ )

يقول: إذا شربت أنفقت مالي وأهلكته في السخاء.وقال أبو جعفر في قوله: ( فإنني مستهلك مالي ): معناه وهبت وأعطيت وأكلت وشربت.أحب أن يعلمها إنه سخي كريم في الحالين جميعا: في صحوه وسكره، وأن الخمر لا تحل منه شيئا كان ممنوعا.وقال غيره: العرض موضع المدح والذم من الرجل.والعرض أيضا: البدن.جاء في الحديث: ( إن أهل الجنة لا يتغوطون ولا يبولون، إنما هو عرق يجري من أعراضهم مثل رائحة المسك ).وقال بعضهم في قوله ( وعرضي وافر ): معناه نفسي كريمة.قال: فالعرض النفس.واحتج بقول حسان:

فإنّ أبي ووالدَه وعرضي. . . . . . . .لعِرض محمدٍ منكم وِقاءُ

أراد: نفسي: و ( الوافر ): التام.يقال وفر الشيء يفر وفورا ووفرا.والفاء الأولى تصل ما بعدها بما قبلها، والفاء الثانية جواب إذا، والنون والياء اسم إن، ومستهلك خبرها، ومالي منصوب بمستهلك، وعرضي مرتفع بوافر، والواو التي في العرض واو الحال، كما تقول: أنا ضارب زيدا وعبد الله قاعد.ويكلم جزم بلم.

( وإِذا صَحَوتُ فما أُقصِّرُ عَنْ ندىً. . . . . . . .وكما عَلمتِ شمائلي وتكرُّمي )

قوله ( صحوت ): ذهب سكرى.يقال: صحا السكران من سكره، والمحب من حبه، يصحو صحوا فهو صاح.وأصحت السماء فهي مصحية.وقوله ( فما أقصر عن ندى ) معناه عن خبر ومعروف.ويقال: فلان أندى كفا من فلان، أي أسخى منه.ويقال: إنه ليتندى على أصحابه.وقوله، وكما علمت شمائلي ) معناه كعلمك شمائلي، أي ومثل علمك، فالكاف هاهنا بمعنى مثل.وتكون ( كما ) في غير هذا الموضع بمعنى كي.أنشد هشام وغيره:

وطرفَكَ أما جثتنا فاصرفنَّه. . . . . . . .كما يَحسِبوا أن الهَوَى حيث يُصرَفُ

و ( الشمائل ).الأخلاق، واحدها شمال.يقال: فلان حلو الشمائل والغرائز والنحائز.والواو عطفت ما بعدها على ما قبلها، والفاء جواب إذا، وما جحد لا موضع لها، والكاف في موضع رفع، والعلم مرتفع بها، والتكرم نسق على الشمائل، وما خفض بالكاف، وعلمت صلة ما، ولا عائد لها لأنها بمعنى المصدر.

( وحَليلِ غلنيَةٍ تَرَكْتُ مُجدَّلاً. . . . . . . .تمكُو فريصتهُ كشِدقِ الأَعْلَمِ )

قوله ( وحليل غانية ) معناه وزوج غانية.يقال: فلان حليل فلانة، وفلانة حليل فلان.وأصل الغانية ذات الزوج، أي المستغنية بزوجها، ثم قيل للشابة غانية، ذات زوج كانت أو غير ذات زوج.قال يعقوب: انشد أبو عبيدة:

أزمانَ ليلى كَعابٌ غير غانيةٍ. . . . . . . .وأنت أمردُ معروفٌ لك الغزَلُ

وأنشد ابن الأعرابي:

أحِبُّ الأيامَى إذ بثينةُ أيِّمٌ. . . . . . . .وأحببتُ لَمَّا أن غَنيتِ الغوانيا

أي لما أن تزوجت.وقال يعقوب: قال عمارة: الغواني الشواب اللواتي يعجبن الرجال ويعجبهن الرجال.وقال آخرون: الغواني: اللواتي استغنين بجمالهن عن الزينة.وقوله ( مجدلا ) معناه مصروعا، وأصله إنه لصق بالجدالة، وهي الأرض.قال الشاعر، انشده أبو زيد:

قد أركب الحالةَ بعد الحالهْ. . . . . . . .وأترك العاجزَ بالجداله

أي بالأرض.قال أبو جعفر: ( وأترك العاجز بالجدالة )، معناه: وأترك الأمر العاجز، أي آخذ بالحزم وأترك العجز.وقوله ( تمكو فريصته ) معناه تصفر فريصته.والمكاء: الصفير.قال الله عز وجل: ( وما كان صَلاتُهم عِند البيت إلاّ مُكَاءً وتَصْديةً )، أراد بالمكاء الصفير، وبالتصدية التصفيق.قال الأصمعي: قلت لمنتجع بن نبهان: ما تمكو فريصته ؟ فشبك بين أصابعه ثم وضعها على فمه ونفخ.و ( الفريصة ): المضغة التي في مرجع الكتف، ترعد من الدابة إذا فزع.وإنما خص الفريصة لأنها إذا طعنت هجمت الطعنة على القلب فمات الرجل.فأخبر عن حذقه بالطعن وإنه لا يطعن إلا في المقاتل وقلبه معه، ولو كان مدهوشا لم يدر أين يضع رمحه.وإنما يصفر الجرح إذا ذهب الدم كله، لأنه يخرج منه ريح بعد الدم.وقوله ( كشدق الأعلم )، يريد سعة الطعنة، أي كأن هذه الطعنة في سعتها شدق الأعلم.والأعلم: الجمل.وكل بعير أعلم ؛ لأن مشفره الأعلى مشقوق.وأنشد:

من كلِّ نجلاءَ كشِدق الأعلمِ

وليس قول من قال: الأعلم: الرجل، بشيء ؛ لأن العلم إنما يكون في الشفة، فشدق الأعلم والصحيح سواء.ويقال: رجل أعلم، إذا كان مشقوق الشفة العليا ؛ ورجل أفلح ؛ إذا كان مشقوق الشفة السفلى.قال الشاعر:

وعنترةُ الفَلْحاءُ جاءَ مُلأَّماً. . . . . . . .كأنَّكَ فِنْد من عَمَاية أسْودُ

وقال أبو جعفر: الأعلم في هذا البيت: البعير ؛ ولا يجوز أن يكون الرجل، لأن كل بعير أعلم، فهو أشهر، وليس كل إنسان أعلم.والحليل خفض بإضمار رب، وتركت صلة الحليل، والهاء المضمرة تعود على الحليل ومجدلا منصوب بتركت، وتمكو موضعه نصب في التأويل على الحال، والتأويل: ماكية فريصته.والفريصة رفع بتمكو، والكاف في موضع النصب على المصدر.

( سَبقَتْ يَدَايَ له بِعاجلِ طعْنةٍ. . . . . . . .ورَشَاشِ نافذةٍ كلْونِ العَنْدَمِ )

( سبقت يداي )، أي عجلت إليه بالطعنة.و ( الرشاش ): ما تطاير وتفرق من الدم.والرشاش، بالكسر: جمع رش.و ( النافذة ): التي نفذت إلى الجانب الآخر.ويقال: النافذة: التي نفذت إلى الجوف.و ( العندم ): صبغ أحمر، يقال إنه البقم.

( هَلاَّ سَأَلتِ الخيلَ يا ابنةَ مالكٍ. . . . . . . .إِنْ كنتِ جاهلةٍ بما لم تَعلَمِي )

قال الفراء: هلا، ولولا، ولوما، إذا دخلت على ماض كانت توبيخا ولم يكن لها جواب، كقولك، خلا قمت ! هلا قعدت ! هلا اتقيت ربك ! وإذا دخلت على مستقبل كان جوابها بلا وبلى، كقولك: هلا تقوم ؟ هلا تقعد ؟ هلا تجلس ؟ جوابه لا، وبلى.وقوله ( سألت الخيل ) معناه ركاب الخيل، فحذف الركاب وأقام الخيل مقامهم.يقال: ( يا خيل الله اركبي )، على معنى: يا أصحاب خيل الله اركبوا، فحذف الأصحاب وصرف الفعل إلى الخيل فقال اركبي ولم يقل اركبوا.والتاء اسم الكون، وجاهلة خبر الكون، وتعلمي صلة ما، والهاء المضمرة تعود على ما: والتقدير فيه: بما لم تعلميه، وعلامة الجزم في تعلمي سقوط النون.

( إِذْ لا أَزالُ علَى رِحالةِ سابحٍ. . . . . . . .نَهْدٍ تَعَاوَرُه الكُماةُ مُكَلَّمِ )

( الرحالة ): سرج كان يعمل من جلود الشاء بأصوافها، يتخذ للجري الشديد.و ( السابح ) من الخيل: الذي يدحو بيديه دحوا ولا يتلقف.و ( النهد ): الغليظ.( تعاوره الكماة )، أي يطعنه ذا مرة وذا مرة.ويقال: تعاورنا فلانا ضربا، إذا ضربته ثم جاء صاحبك ثم الذي يليك ثم الذي يليه.و ( الكماة ): جمع كمى، وهو الشجاع، سمى كميا لأنه يقمع عدوه.يقال: كمى شهادته، إذا قمعها ولم يظهرها.وقال أبو عبيدة: الكمى: التام السلاح.وقال ابن الأعرابي: سمى كميا لأنه يتكمى الأقران، أي يتعمدهم.وقوله ( مكلم ) معناه مجرح، معناه قد جرح ثم جرح.ويروى: ( نقذ تعاوره الكماة )، أي تنقذ من خيل قوم آخرين.وإذ صلة لسألت، والكماة يرتفعون بفعلهم، والمكلم نعت السابح.والأصل في تعاوره تتعاوره، فاستثقلوا الجمع بين حرفين متجانسين متحركين، فحذفوا أحدهما.

( طَوراً يُجَرَّدُ للطِّعان وتارةً. . . . . . . .يَأْوِي إلى حَصِدِ القِسِيِّ عَرَمْرَمِ )

قوله ( طورا ) معناه مرة ؛ وجمعه أطوار.وقال قوم: الطور: الحال، قال الله عز وجل: ( وقد خَلقَكُم أطواراً ) أراد على حالات وضروب مختلفة.وأنشدنا أبو العباس لكثيِّر:

فطوراً أكُرُّ الطَّرفَ نحوَ تِهامةٍ. . . . . . . .وطوراً أكُرُّ الطَّرفَ كراًّ إلى نجدِ

قوله ( يجرد ) معناه يبرز له ويجد فيه ؛ وهو مأخوذ من قولك: تجرد فلان لذلك الأمر، أي جد فيه وبرز له.فيقول: يبرز للطعان ساعة ثم يقف إذا ترك من أن يقاتل عليه.وقوله ( يأوي إلى حصد ) معناه إلى جيش كثير القسي.يقال غيضة حصدة وحصداء، إذا كانت كثيرة النبت ملتفة الشجر.ويقال: وتر محصد، أي متدان بعض أسونه من بعض.والأسوان: قواه التي يفتل عليها.وهو من الوتر الأسون، ومن الحبل القوي.وقوله ( عرمرم ) معناه شديد.قال رجل من غسان:

فذوقوا من الوجد الذي ليس بارحاً. . . . . . . .فإنّ لكم يوماً عبوساً عرمرما

وقال أبو عبيدة: العرمرم: الكثير.وقال أبو جعفر: قوله يجرد للطعان، معناه إذا أغير علينا جردنا الخيل للطعان، ونغزو إذا غزونا في جيش، فلسنا نخلو من أحد هذين.والتجريد: الا يكون مع الخيل راجل.يقال: خرجوا في خيل جريدة، أي ليس فيها راجل.ونصب طورا بيجرد، واسم ما لم يسم فاعله مضمر في يجرد، واللام صلة يجرد، وتارة منصوب بيأوى، والى صلة يأوى، وعرمرم نعت لحصد القسي.

( يُخْبِرْكِ مَنْ شَهِدَ الوَقيعةَ أَنّني. . . . . . . .أَغْشَى الوَغَى وأَعِفُّ عِند المَغْنَمِ )

الوقيعة والوقعة سواء.ويقال في مثل: ( الحذر أشد من الوقيعة ).والوغى والوعي والوحي: الصوت في الحرب.وأنشد:

وليلٍ كساج الحمْيريِّ ادّرعتُه. . . . . . . .كأنّ وعَى حافاته لغَطُ العُجْمِ

فيقول: آتى الحرب ولى فيها غناء، فإذا كانت الغنيمة كففت وعففت ؛ أي ليست الغنيمة بدهري.يقال: عف يعف عفافا وعفة وعفافة.وقال أبو جعفر في قوله ( وأعف عند المغنم ): معناه لا تشره نفسي إلى الغنيمة، ولكني أهب نصيبي للناس.ويخبرك موضعه جزم على جواب الجزاء المقدر، كأنه قال: هلا سألت الخيل، أن تسألي يخبرك.وموضع أن نصب بيخبرك، وخبر أن ما عاد من أغشى، وأغشى مرتفع بالألف، وأعف نسق عليه.

( ومُدَِجَّجٍ كَرِهَ الكُماةُ نِزَالَه. . . . . . . .لا مُمْعِن هَرَباً ولا مستَسْلِمِ )

المدجَّج والمدجِّج: الذي قد توارى بالسلاح، بكسر الجيم وفتحها.وقد جاءت أحرف في لفظ الفاعل والمفعول هذا أحدها، ومنها قولهم: مخيَّس ومخيِّس، ورجل ملفَج وملفِج للفقير، وعبد مكاتَب ومكاتِب.وقوله ( نزاله )، معناه منازلته، وهو مصدر نازلته منازلة ونزالا.وقوله ( لا ممعن هربا )، معناه لا يمعن هربا فيذهب ويبعد، ولا هو مستسلم فيؤسر، ولكنه يقاتل.ويقال: معناه لا يفر فرارا بعيدا، إنما هو متحرف لرجعة أو لكرة يكرها.وقال أبو جعفر في قوله لا ممعن هربا: معناه ليس له ثمة هرب إلا التحرف والتمكن للطعن والضرب، كما قال قيس بن الخطيم:

إذا ما فَرَنا كان أسوا فِرارِنا. . . . . . . .صُدودَ الخدودِ وازورارَ المناكبِ

والمدجج خفض بإضمار رب، وكره الكماة نزاله صلة المدجج، وممعن ومستسلم مخفوضان على النعت لمدجج، ولا في معنى غير، كأنه قال غير ممعن هربا.

( جادَتْ يدايَ لَهُ بعاجِل طعْنَة. . . . . . . .بمثَقَّف صَدْق الكُعوبِ مُقَوَّمِ )

قال أبو جعفر في قوله ( بعاجل طعنة ): معناه سبقته بالطعن، كنت أحذق به منه.و ( المثقف ): المصلح المقوم.و ( الكعوب ): عقد الأنابيب.و ( الصدق ) الصلب.ويداي رفع بجادت، والباء صلة جادت، والعاجل خفض بالباء، والباء الثانية صلة عاجل، ومثقف خفض بالباء: وصدق الكعوب نعته: ومقوم نعت لصدق الكعوب.وروى الأصمعي بعد هذا البيت بيتا لا نعلم أحدا رواه غيره، وهو:

( بِرَحيبةِ الفَرْغَينِ يَهدِي جَرْسُها. . . . . . . .باللَّيْل مُعْتَسَّ الذِّئابِ الضُّرَّمِ )

( الرحيبة ): الواسعة ؛ يقال مكان رحب ورحيب، أي واسع.وقولهم: مرحباً وأهلا وسهلا، معناه أتيت سعة وأتيت أهلا كأهلك ؛ فاستأنس.ويروى عنه: ( برغيبة الفرغين ) فالرغيبة: الواسعة، يقال جرح رغيب.وما بين كل عرقوتين من الدلو فهو فرغ، ومدفع الماء إلى الأودية فرغ، والجمع فروغ.فضرب هذا مثلا لمخرج دم هذه الطعنة، فجعله مثل مصب الدلو.و ( الجرس ) والجرس: الصوت، وهو حس الشيء وصوته.ويقال: أجرس الطائر، إذا سمعت مرصوته.فيقول: حس سيلان دم هذه الطعنة يدل السباع إذا سمعن خرير الدم منها، فيأتينه فيأكلن منه.و ( المعتس ) من الذئاب وغيرها: المبتغى الطالب.يقال: خرج يعتس، أي يطلب فريسته يأكلها.و ( الذئاب ): جمع ذئب، وهي الذؤبان.وذؤبان العرب خبثاؤهم.و ( الضرم ): الجياع.يقال: لقيت فلانا ضرما، ولا يقال هو ضارم.وضرم جمع ولم يتكلم بضارم.والباء صلة لجادت، والرحيبة خفض بالباء، والفرغان مخفوضان بإضافة رحيبة إليهما، والجَرْس رفع بيَهدِى، ومعتسَّ الذئاب منصوب بيهدي، والضرَّم نعت الذئاب.

( فشكَكْتُ بالرُّمح الأَصمِّ ثِيابَه. . . . . . . .لَيسَ الكريمُ على القَنَا بمحرَّمِ )

قوله ( شككت ) معناه انتظمت.يقال: شككته أشكه شَكَّا، إذا انتظمته.ويقال: شاكٌّ في السلاح وشاكٍ في السِّلاح، إذا كان سلاحُه ذا شوكه.وأصل شاكٍ شائك فقُلب، كما قالوا: جُرف هارٍ وأصله هائر.ويروى: ( كمشت بالرمح الأصم ثيابه ).يقول: طعنته طعنة شمرت ثيابه وضمتها إلى صدره.هذا قول يعقوب.وقال الطوسي: قوله ثيابه، معناه قلبه.قال الله عز وجل: ( وثيابَكَ فطَهِّرْ ).أراد: وقلبك فطهر.وقوله: ( ليس الكريم على القنا بمحرم )، معناه لم يمنعه من أن يقتل بالقناة كرمه.قال الجعدي:

وما يشعرُ الرُّمحُ الأصمُّ كعوبُه. . . . . . . .بثروةِ رهط الأبلج المتظِّلم

وقال أبو جعفر في قوله ( ليس الكريم على القنا بمحرم ): معناه ليس بمحرم على القتل، أي منيته القتل ليس يموت على فراشه.ومثله قول الآخر:

وإنْ يُقْتَلوا فيُشتَفَى بدمائهم. . . . . . . .وكانوا قديماً من منَاياهم القتلُ

والباء صلة شككت، والثياب منصوبة بشككت، والكريم اسم ليس، وبمحرم خبر ليس.

( فتركتُه جَزَرَ السِّباعِ يَنُشْنَه. . . . . . . .ما بينَ قُلَّةِ رأَسِه والمِعْصمِ )

( الجزر ): جمع جزرة.والجزرة: الشاة والناقة تذبح وتنحر.فيقول: صار للسباع جزرة.ضربه مثلا.وقوله ( ينشنه )، أي يتناولنه بالأكل.يقال: نشت الشيء أنوشه نوشا، إذا تناولته.قال الله الأعز الأعظم: ( وأنى لهم التَّناوُشُ مِن مكان بعيد ) أي التناول، أي كيف لهم بأن يتناولوا التوبة.قال الشاعر:

كغِزلانٍ خَذَلن بذات ضالٍ. . . . . . . .تَنُوش الدانياتِ من الغُصونِ

أي يتناولن.وقال الآخر:

فهي تنوش الحوضَ نَوشاً من علا. . . . . . . .نَوشاً به تقطع أجواز الفلا

ومن قرأ: ( لتَّناؤُش ) بالهمز أراد التأخر، من قولهم: نأش، إذا تأخر.ويروى: ( فتركته جزر السباع يعدنه )، أي يأتينه.يقال: تعود إتياننا واعتاد إتياننا بمعنى.قال العجاج:

واعتاد أرباضاً لهَا آريُّ. . . . . . . .كما يعود العيدَ نصرانيُّ

و ( قلة رأسه ): أعلى رأسه، فكذلك قلة الجبل: أعلاه، والجمع قلل وقلال.قال ذو الرمة:

كضَوء البرقِ يَختلسُ القِلالا

ويروى: ( يقضمن حسن بنانه والمعصم )، فيقضمن معناه يأكلن.يقال: قضمت الدابة شعيرها، ولا يقال قضمت.والضم: أكل كلِّ شيء يابس، والخضم: أكل كل شيء رطب.و ( المعصم ): موضع السوار، وهي المعاصم.و ( البنان ): الاصابع، واحدته بنانة.والأنامل: أطرافها، واحدتها أنمَلة وأنمُلة.قال الله تبارك وتعالى: ( واضربوا منهم كل بنان ).قال الشاعر:

كم لكَ من خَصلة مباركة. . . . . . . .يَحسبِها بالبنان حاسُبها

قال أبو جعفر: البنان الأصابع بكمالها.وجزر السباع نصب بتركته، وما في موضع نصب بينشنه، أي فيما بين.

( ومَسَكِّ سابغةٍ هَتَكتُ فروجَها. . . . . . . .بالسَّيف عن حامي الحقيقةِ مُعْلِمِ )

و ( مسكها ): سمرها.وروى الأصمعي: ( ومشك سابغة ).قال: ومشكها: حيث يجمع جيبها بسير قال الأصمعي: كانت العرب تجعل سيرا في جيب الدرع يجمع جيبها، فإذا أراد أحدهم الفرار جذب السير فقطعه واتسع الجيب فألقاها عنه وهو يركض.والسابغة: الدرع الفاضلة الواسعة التامة.وقوله: ( هتكت ) معناه قطعت وخرقت.وقوله ( حامي الحقيقة )، معناه يحمي ما يحق عليه أن يمنعه.قال حمى أنفه حمية، ومحمِية، ومحميَّة.قال الفرزدق:

دافعْ إذا ما كنت ذا محميَّةْ. . . . . . . .بدارِ ميٍّ أمُّه ضبِّيَّهْ

صَمَحْمح مِثلِ أبي مَكّيَّهيعنى نفسه.وذلك إنه ولدت له جارية من سوداء فسماها مكية وتكنى بها.وقوله ( معلم ) معناه قد اعلم نفسه، أي هو معروف.وقال أبو جعفر في قوله ( ومشك سابغة ): مشكها: نسجها.والمسك مخفوض بإضمار رب، وهتكت فروجها صلة سابغة، والباء وعن صلتان لهتكت، والحامي خفض بعن، والمعلم نعت لحامى الحقيقة.

( رَبِذٍ يَدَاهُ بالقِداحِ إذا شَتا. . . . . . . .هَتّاكِ غاياتِ التِّجارِ مُلَوَّمِ )

( الربذ ): السريع الضرب بالقداح ؛ والربذ المصدر.يقول: هو حاذق بالقمار والميسر، خفيف اليد بضرب القداح.وهذا كان مدحا عند العرب في الجاهلية.وقوله ( إذا شتا ) قال يعقوب: إنما يضربون بالقداح في شدة الزمان وكلب البرد.وقوله ( هتاك غايات التجار )، الغاية: الراية راية الخمارين.وأنشد قول أبي ذؤيب ووصف الخمار:

له رايةٌ تَهدى الكرامَ عُقابُها

وقوله ( هتاك غايات التجار )، معناه إنه يأتي الخمارين فيشتري كل ما عندهم من الخمر فيقلعون راياتهم ويذهبون، فذلك هتكه.وقال أبو جعفر: كان أصحاب الخمر إذا نزلوا رفعوا راية ليُعرفوا بها.والراية هي الغاية، فلا يقلعونها حتى تشتري خمرهم جمعاء.وقوله ( ملوم ) معناه معذّل يلام على إنفاق ماله في الفتوة.يقال: ألام الرجل، إذا أتى بما يلام عليه.وقد ألأم، إذا أتى باللؤم.وربذ وهتاك وملوم نعوت لحامي الحقيقة، واليدان مرتفعان بمعنى ربذ.

( لمَّا رآني قد نزلْتُ أُريدُه. . . . . . . .أَبْدَى نَواجذَه لغير تبسُّمِ )

قوله ( أبدى نواجذه ) معناه كلح في وجهي فبدت أضراسه.والناجذ: آخر الأضراس.ومن ذلك قولهم: عض على ناجذه.وقال الأعشى:

ولسوفَ تَكلَح للأسِ

نَّةِ كَلْحةً غيرَ افترَارَهْ

يقول: ليس إبداؤه نواجذه للضحك، إنما ذاك لكراهة منه وخشية من الموت.وفاعل رآني مضمر فيه من ذكر حامي الحقيقة، وأريده موضعه رفع في اللفظ بالألف، وموضعه نصب في التأويل على الحال، كأنه قال: قد نزلت مريدا له.وأبدى جواب لما.وقال أبو جعفر في قوله ( أبدى نواجذه لغير تبسم )، معناه استبسل للموت.وأخرى استبسل.

( فَطَعنتُه بالرُّمْحِ ثُمَّ عَلَوتُه. . . . . . . .بمهنَّدٍ صافِي الحَديدةِ مِخْذَمِ )

( المهند ): المعمول بالهند.قال يعقوب: سمعت أبا عمرو الشيباني يقول: التهنيد: شحذ السيف.و ( المخذم ) من السيوف: الذي ينتسف القطعة، أي يرمى بها.قال الشاعر:

عَقِيلا سُيوفٍ مِخذَمٌ ورسوبُ

والرسوب: الذي يرسب، وهو الغامض القطع.وصافي الحديدة نعت للمهند ؛ لأن صافي الحديدة نكرة في التأويل، إذ كانت الألف واللام تحسنان فيه، فيقال الصافي الحديدة.

( عَهْدِي به مَدَّ النَّهارِ كأَنَّما. . . . . . . .خُضِبَ البنانُ ورأسُه بالعِظلَمِ )

( مد النهار ): أوله، أي حين امتد النهار.يقال: أتيته مد النهار، وشد النهار، ووجه النهار، وشباب النهار، أي أوله.ويروى: ( شدَّ النهار ) أي ارتفاعه.و ( العظلم ): الوسمة.ومد النهار منصوب على الوقت، وخبر عهدي ما عاد من الهاء، والتقدير: كأنما خضب بنانه ورأسه، فأقام الألف واللام في البنان مقام الهاء، كما قال الله عز وجل: ( ونَهَىَ النَّفْسَ عن الهوى )، أي عن هواها.

( بَطَلٍ كأَنَّ ثيابَهُ في سَرحَةٍ. . . . . . . .يُحْذَى نِعالَ السِّبْتِ لَيْسَ بتَوْأَمِ )

ويروى: ( كأن سلاحه في سرحة )، يقول: هو طويل من الرجال تام، فكأن ثيابه التي هي عليه، إنما هي على سرحة من طوله.والسلاح يذكَّر ويؤنَّث، قالت الدبيرية: سمى جدنا دبيرا لأن السلاح أدبرته.والمسالح: المواضع يستعمل فيها السلاح.ومعنى قوله ( في سرحة )، أي على سرحة، فأقام ( في ) مقام ( على ).قال الله عز وجل: ( ولأصَلِّبنَّكم في جذوع النَّخْل )، أي على جذوع النخل.قال الشاعر:

نصبنا رأسَه في رأس جذع. . . . . . . .بما جَرَمت يداه، وما اعتدينا

أي على رأس جذع.وقوله ( يحذى نعال السبت ) معناه ليس براعي إبل فيلبس الجلد الفطير.والسبت: جلود البقر إذا دبغت بالقرظ، فإن لم تدبغ بالقرظ فليست بسبت.وقوله ( ليس بتوأم )، يقول: لم يزحمه آخر في الرحم فيخرج ضاويا ضعيفا.يقال: هو توأم، إذا ولد معه آخر.والجميع توائم وتؤام.وأنشدنا أبو العباس:

قالت لها ودمعُها تؤام. . . . . . . .على الذين ارتحَلُوا السَّلامُ

وقد أتأمت المرأة فهي متئم، إذا ولدت اثنين في بطن، فإذا كان ذلك عادتها فهي متآم.وقال أبو جعفر: توائم جمع توأمة للمؤنث، وتوأمن جمع توأم للمذمر.و ( السرحة ): الشجرة الطويلة ؛ وجمعها سرح.وبطل مخفوض لأنه نعت لحامي الحقيقة، والثياب اسم كأن، وفي سرحة خبر كأن ويحذى مرفوع بالياء وموضعه في التأويل خفض لأنه نعت لبطل، ولورد إلى الدائم لقيل فيه بطل محذو نعال السبت، واسم ما لم يسم فاعله مضمر في يحذى، والنعال خبر ما لم يسم فاعله، واسم ليس مضمر فيها، وتوأم خبرها.

( يا شاةَ ما قَنَصِ لمنْ حَلَّتْ له. . . . . . . .حَرُمَتْ عَليَّ وليتَها لم تَحْرُمِ )

قوله ( يا شاة ) كناية عن المرأة.والعرب أيضا تكنى عن المرأة بالنعجة، قال الله عز وجل: ( إن هذا أخي له تسع وتسعونَ نعجةً ولي نعجةٌ واحدة ).أراد بالنعجة المرأة.وأراد: يا شاة قنص، أي صيد.والقنيص والقنص: الصيد ؛ والقانص والقنيص: الصياد.وقوله ( لمن حلت له )، أي لمن قدر عليها.وقوله ( حرمت عليَّ ) معناه هي من قوم أعداء له.وقال الأثرم في قوله ( حرمت عليَّ ): معناه هي في جواري فقد حرمت عليّ.ويروى: ( حرمت عليه ).وأنكر أبو جعفر قول الأثرم وقال: العرب لا تشبب بجاراتها، والمعنى فيه مدح، أراد: يا شاة قنص، أي من اقتنصها فقد غنم.يقال: إنه أراد امرأة أبيه، وهي سُمية التي يقول فيها:

أمِن سُميَّةَ دمعُ العين تذريفُ. . . . . . . .لو أن ذا منكَ قبل اليوم معروفُ

وقال الفراء: أنشدني الكسائي بيت عنترة: ( يا شاة من قنصٍ لمن حلَّت له ).قال: وزعم الكسائي إنه إنما أراد يا شاة قنص، وجعل من حشوا في الكلام كما تكون ما حشوا.وأنكر الفراء هذا وقال: إنما أراد يا شاة من مقتنص، لأن من لا تكون حشوا ولا تلغى.وأنشد الكشائي والفراء:

آل الزبير سَنامُ المجدِ قد علمتْ. . . . . . . .ذاك القبائلُ والأثَروْن مَنْ عددا

فقال الكسائي: من صلة والمعنى الأثرون عددا.وقال الفراء: عددا صلة لمن كأنه قال: من معدودا.والشاة منصوبة على النداء، وما صلة للكلام.ويجوز أن تكون ما خفضا بإضافة الشاة اليها، وقنص مختفض على الاتباع لما، كما تقول في الكلام: نظرت إلى ما معجب لك، على معنى ؛ نظرت إلى شيء معجب لك، واللام صلة قنص، وحلت له صلة من، والهاء تعود على من، وفي حلت ضمير الشاة، والهاء والألف اسم ليت، والخبر ما عاد من تحرم.

( فبعثْتُ جَاريتيِ فقلتُ لها اذْهَبِي. . . . . . . .فتَحسَّسِي أَخبارَهَا لي واعْلَمِي )

الفاء تصل ما بعدها بما قبلها، وقلت نسق على بعثت، والجارية نصب ببعثت، وعلامة الجزم في اذهبي سقوط النون، وكذلك تحسسي واعلمي، والأخبار نصب بالتحسس.

( قالتْ رأَيتُ مِنَ الأَعادِي غِرَّةً. . . . . . . .والشَّاةُ ممْكِنَةٌ لمن هو مُرْتَم )

قوله ( مرتم ) معناه لمن أراد أن ينظر ويلتمس.وقال أبو جعفر: معناه لمن أراد أن يصطادها ويأخذها.وقوله ( غرة ) معناه إمكان واغترار وغفلة.قال الراجز:

أمَّا تريْني أذَّرِي وأدَّري. . . . . . . .غِرّاتِ جُمْل وتَدَرّي غِرَري

قوله ( أذري ) هو أفتعل من ذرى يذري.وقوله وأدرى، معناه أختلها بالنظر إذا غفلت.ومعنى البيت أن هذا الشاعر كان يجيء فيلعب بالتراب كأنه يذريه.فإذا أصاب غفلة نظر إلى هذه المرأة.والغرة نصب برأيت، والأعادي: جمع أعداء، والأعداء: جمع عدو، والأصل فيه من الأعادي، فاستثقلوا الكسرة فأسقطوها، والشاة رفع بممكنة، والواو واو الحال، كأنه قال: في حال إمكان الرمي.

( وكأَنَّها التفتَتْ بِجيدِ جَدَايةٍ. . . . . . . .رَشأٍَ مِن الغِزلان حُرٍّ أَرثَمِ )

( الجيد ): العنق، وجمعه أجياد.قال الشاعر:

أيام أبدتْ لنا جيداً وسالفةً. . . . . . . .فقلت إنَّي لها جيدُ ابنِ أجيادِ

معناه فقلت لها: أنى لها عنق هذا الظبي الذي يكون في هذا الجبل.وأجياد: جبل بمكة.ويقال: رجل أجيد وامرأة جيداء، للطويلة العنق.يقول: فكأن جيدها الذي التفتت به جيد جداية، وهي من الظباء بمنزلة الجدي من الغنم أتت عليه خمسة أشهر أو ستة.وقال الآخر:

يُريح بعْدَ النَّفَس المحْفوزِ. . . . . . . .إراحَةَ الجَدَاية النَّفوزِ

النفوز: القفوز.و ( الحُرّ ): الحسن العتيق.و ( الأرثم ): الذي على أنفه بياض.والجيد خفض بالباء، وهو مضاف إلى الجداية، والرشأ والحر والأرثم نعوت الجدابة

( نُبِّئتُ عَمْراً غَيَر شاكِرَ نِعْمتي. . . . . . . .والكُفْرُ مَخْبثَةٌ لنفْس المُنْعِم )

قوله: ( لنفس المنعم ): عليه.فيقول: إذا كفره خبث ذلك نفس المنعم الذي له عليه نعمة.ويقال: طعام مطيبة للنفس، ومخبثة لها ؛ وشراب مبولة.وعمرا اسم نبئت، وغير شاكر خبر نبئت، والكفر رفع بمخبثة، والنفس خفض باللام وهي مضافة إلى المنعم.

( ولقد حَفِظْتُ وَصَاةَ عَمِّي بالضُّحَى. . . . . . . .إِذْ تَقْلِصُ الشَّفَتانِ عنْ وضَحِ الفَمِ )

( الضُّحى ) مؤنثة ؛ والضَّحاء، بالمد والفتح مذكر، والضَّحاء للإبل بمنزلة الغداء.أنشدنا أبو العباس:

أعجَلَها أقدحي الضَّحاء ضُحىً. . . . . . . .وهي تُناصِي ذوائبَ السَّلَمِ

وقوله ( تقلص ) إذا فزع الرجل تقلصت شفتاه.( عن وضح ) الفم، أي عن بياض الأسنان، كما قال العجاج:

إذا العَوالي أخرجتْ أقصى الفمِ

والوضح: اللبن، سمى وضحا لبياضه.قال الهذلي وذكر قوما انهزموا:

عقَّوْا بسهم فلم يشعُر به أحد. . . . . . . .ثمَّ استفاءوا وقالوا حبَّذا الوضحُ

أي رجعوا وقالوا: حبذا اللبن نشرب منه.والتعقية: أن يرمى بسهم في السماء.واللام في لقد لام اليمين، وإذ وقت لما مضى، والشفتان رفع بتقلص، وعن صلة تقلص، والوضح مضاف إلى الفم.

( في حومِة الموتِ التي لا يتَّقِي. . . . . . . .غَمَراتِها الأَبطالُ غيرَ تَغمْغُمِ )

حومة كل شيء.معظمه.ويقال نعم حوم، أي كثير.و ( غمراتها ): شدائدها.قال الشاعر:

الغمراتُ ثمَّ ينجلينا

و ( الأبطال ): الأشداء.( والتغمغم ): صوت تسمعه ولا تفهمه.وقال أبو جعفر: يقال نعم حوم، إذا كان كثيرا لا يدرك عدده.وفي حومة الموت من صلة تقلص.ويجوز أن يكون من صلة حفظت، والتي نعت للحومة، والأبطال رفع بيتقي، والغمرات نصب بيتقي، واختفضت التاء لأنها غير أصلية، وغير نصب على المصدر.

( إِذْ يتَّقُونَ بي الأَسِنّةَ لم أَخِمْ. . . . . . . .عَنْها ولكنِّى تَضَايقَ مُقدَمي )

قوله ( يتقون بي الأسنة ): معناه يجعلونني بينهم وبينها.يقال اتقاه بحقه، وتقاه بحقه، أي جعله بينه وبينه.والأسنة: جمع سنان.وهو الذي يطعن به.والسنان والمسن هو الحجر الذي تحدد به السكاكين.قال ذو الرمة:

وزُرقٍ كسَتهنَّ الأسنَّةُ هَبوةً. . . . . . . .أرقَّ من الماء الزُّلال كليلُها

وقوله ( لم أخم )، معناه لم أنكل ولم أضعف.يقال خام يخيم، إذا ضعف وجبن.وقد أخام يخيم، إذا أصاب رجله كسر أو علة فلم ينبسط في المشي.قال الشاعر:

رأوا وقرةً في عظْم ساقي فحاولوا. . . . . . . .جُبوريَ لمَّا أن رأوني أُخيمُها

قوله ( ولكني ضايق مقدمي ) معناه ضاق المكان الذي اقدم فيه، فصرت في مضيق من الأرض لا أستطيع أن أقدم فرسي فيه.يقال: إنه لجريء المقدَم، أي عند الإقدام، كقولك: حلفت بجهد المقسم، أي بجهد القسم.ولا يجوز جري المقدِم بكسر الدال، لأن المقدِم لا يكون مصدرا ؛ إنما المقدِم الرجل الذي يقدم، ولا معنى له هاهنا.ويقال: نحر فلان مقدمة إبله، وهي التي تبكر باللقاح.والعرب تقول للشيء معناه فعل: قد تفاعل، كقولك: قد تباعد ما بين القوم، تريد بعدما بينهم.وكقولك: تطاول الليل، أي طال ؛ وتعالى النهار، أي علا.وإذ وقت للماضي، وأخم جزم بلم، علامة الجزم فيه سكون الميم، والياء سقطت لسكونها وسكون الميم، والياء اسم لكن، والخبر ما عاد من الياء في مقدمي، وموضع مقدمي رفع بتضايق، والمقدم بمعنى الإقدام، كما تقول: الحمد لله ممسانا ومصبحنا، أي في إمسائنا وإصباحنا.

( لَمّا رأَيتُ القومَ أَقْبلَ جَمعهمْ. . . . . . . .يتَذامَرونَ كرَرتُ غيرَ مذَّممِ )

قوله ( يتذامرون ) معناه يحرض بعضهم بعضا ويزجر بعضهم بعضا.يقال: ذمره يذمره ذمرا، إذا حضه.والذمر: الرجل الشجاع، وجمعه أذمار.والمذمر: الذي يدخل يده في حياء الناقة فيلمس ذفري السليل وعنقه، فيعلم أذكر هو أم أنثى.والمذمر: الموضع الذي يلمسه المذمر.ولما وقت فيها طرف من الجزاء، والجمع يرتفعون بأقبل، ويتذامرون موضعه رفع في اللفظ بالياء وموضعه في التأويل نصب على الحال ؛ والتقدير: أقبل جمعهم متذامرين.وكررت جواب لما، وغير مذمم نصب على الحال من الباء، وأقبل جمعهم حال للقوم، معناه: قد اقبل جمعهم.

( يَدعُونَ عَنتَر والرَّماحُ كأَنَّها. . . . . . . .أَشطانُ بِئرٍ في لَبانِ الأَدهَمِ )

معناه: كأن الرماح حين أشرعت إليه في طولها حبال.و ( اللبان ): مجرى اللبب.والرماح رفع بما عاد من الهاء، والهاء والألف اسم كأن، وخبرها أشطان، والواو في الرماح واو الحال.

( ما زِلْتُ أَرميهِمْ بِغُرَّةِ وجهِهِ. . . . . . . .ولَبَانه حَتَّى تَسرْبَلَ بالدَّمِ )

قوله ( تسربل ) معناه صار له سربال من الدم.والسربال: القميص.قال امرؤ القيس:

ومثِلِك بيضاءِ العوارض طَفْلةٍ. . . . . . . .لعَوبٍ تُنَسِّيني إذا قمتُ سِربالي

أراد: قميصي.والتاء اسم زلت، والخبر ما عاد من أرمى، والباء صلة أرمى.ورواه ثابت: ( ما زلت أرميهم بثغرة نحره )، قال: ثغرة النحر: الهزمة التي بين الترقوتين.

( ولقد شفَى نفسِي وأَبرأَ سُقْمها. . . . . . . .قِيلُ الفَوارس وَيْكَ عنترُ أَقدِمِ )

يقال سُقم وسَقم، وعُدم وعَدم، وبُخْل وبَخَل.وقال أبو جعفر: معنى البيت: كنت أكثرهم، فلذلك خصوني بالدعاء.وقوله ( ويكأنه ) معناه ويلك، فأسقط اللام.ومعناه في غير هذا: ألم تر.قال الله عز وجل: ( وَيْكأنَّه لا يُفلِحُ الكافرون ).قال الفراء: يجوز أن يكون المعنى ويلك اعلم أنه، فأسقط اللام من ويلك وأضمر قبل إنه أعلم.ويجوز أن يكون ويك ألم تر.قال الشاعر:

سألتاني الطَّلاَقَ أن رَأتاني. . . . . . . .قَلَّ مالي قد جئتماني بهُجْرِ

ويك أن من يكن له نشبٌ يُح

بَبُ ومن يفتقرْ يَعِشْ عيشَ ضُرِّ

قال يعقوب بن السكيت: أنشدني هذا البيت محمد بن سلام الجمحي عن يونس وقال: معناه ألم تر.ومعنى ( شفي نفسي ) أي اشتفيت حيث قالوا لي أقدم فأقدمت.وقال أبو جعفر: أصل هذا الفرح إنه أقر به أبوه، فلما قالوا ( ويك عنتر أقدم )، والذي قال له أقدم أبوه، قال له: ويك عنتر أقدم فاذهب بالحرم والمال ! فقال: ( العبد لا يحسن الكر، إلا الحلب والصر ) فأعاد عليه مرارا، فلما تخوف أن يذهب الحرم قال: أي بني أما ترى ؟ قال: الآن نعم.فعندها قال: ( وأبرأ سقمها ).! فركب فرسه عريانا وأخذ قناته فرد الظعن وقتل من قتل.والقيل مرتفع بشفى.وأبرأ نسق على شفى.وعنتر فيه وجهان: فتح الراء وضمها.من فتحها قال: أراد الترخيم يا عنترة ثم أسقط التاء وترك الراء على فتحها ؛ لأنه يطالب التاء.ومن قال عنتر ضم الراء لأنه منادى مفرد.وموضع اقدم جزم على الامر، والياء صلة لكسر الميم، كما قال امرؤ القيس:

ألاّ أيها الليل الطويلُ ألاَ انجلِي

( وازورَّ مِنْ وقْعِ القَنا بلَبانِهِ. . . . . . . .وشَكَا إِليَّ بَعَبْرةٍ وتَحَمحُمِ )

( العبرة ): الدمعة، وجمعها عبر.أنشدنا أبو العباس:

ولا تنفَّستُ إلاّ ذاكراً لكُم. . . . . . . .ولا تبسَّمتُ إلاّ كاظماً عِبَرا

وقال أبو جعفر: العبرة تنزل الدمعة، وهي ارتفاع الغم من الصدر حتى يخنق فيكاد يقتل.فيقال: خنقته العبرة.والدمعة لا تقتل.وانشد لذي الرمة:

أجَلْ عَبْرةً كادتْ لعِرفانِ منزلٍ. . . . . . . .لميَّة لو لم تُسهِلِ الماءَ تَذْبحُ

و ( ازور )، معناه تمايل، وهو مأخوذ من الزور، والزور: الميل، يقال: ازور يزورّ، وتزاور يتزاور، وازوار يزوار، وازَّاور يزَّاور.قال الله تبارك وتعالى: ( وتَرَى الشَّمسَ تزَّاور عن كهفهم )، معناه تمايل، والأصل فيه تتزاور، فأدغمت الزاي الأولى في الثانية.وتقرأ ( تزاور ) بتخفيف الزاي، والاصل فيه تتزاور، فحذفوا إحدى التاءين، وقرا قتادة: ( تزورُّ ) على مثال تحمر، وهذا مستقبل تزورّ.وقرأ أبو رجاء: ( تزْوارُّ ) على مثال تحمارُّ وتصفارُّ، وهذا مستقبل ازوار.و ( اللبان ): الصدر وموضع اللبب، وقد يستعار للناس.وقوله: ( وشكا إليَّ بعبرة ) مثل، معناه فعَل فعِل مستعبر، أي لو كان ممن يتكلم لشكا بلسانه.والتحمحمم نسق على العبرة.

( لو كانَ يَدْرِي ما المحاورةُ اشتكَى. . . . . . . .أَو كانَ لو عَلِمَ الكلامُ مُكلِّمي )

اسم كان مضمر فيها، والخبر ما عاد من يدري، والمحاورة رفع بما وما بها، واشتكى جواب لو، واسم كان الثانية مضمر فيها، ومكلمي خبرها، والنصب لا يتبين فيه ؛ لأن الياء لا يكون الذي قبلها إلا مكسورا.

( والخَيلُ تَقتحِمُ الخَبَارَ عوابساً. . . . . . . .من بين شَيظمةٍ وأَجردَ شَيظَمِ )

الاقتحام: الدخول في الشيء بسرعة.و ( الخبار ): الارض اللينة ذات الجحرة والجرفة، والركض يشتد فيها.و ( العوابس ): الكوالح من الجهد.و ( الشيظم ): الطويل.و ( الأجرد ): القصير الشعرة.أنشد اللحياني في الخبار:

أمِن جَرَّى بني أسدٍ غضبتُم. . . . . . . .ولو شئتم لكان لكم جِوارُ

ومن جَرّائنا صرتمْ عَبيداً. . . . . . . .لقومٍ بعد ما وُطئ الخَبارُ

جرى معناه اجل، وهي مما يمد ويقصر.والخيل ترتفع بما عاد من تقتحم، وعوابسا نصب على الحال، ومن معناها التفسير، والاجرد موضعه خفض بالنسق على شيظمة، الا إنه نصب لأنه لا يجري.والشيظم نعت الاجرد.

( ذُلُلٌ رِكابي حيثُ شِئتُ مُشايِعِي. . . . . . . .لُبِّى وأَحفِزُهُ بأَمر مُبْرَمِ )

ويروى: ( مشايعي همي واحفزه برأي مبرم ).الذلول من الإبل وغيرها: الذي هو ضد الصعب ؛ والجمع ذلل.ويقال: ذلول بين الذل.ويقال رجل ذليل وهو ضد العزيز، والجمع أذلاء، بين الذل والمذلة والذلة.و ( الركاب ): الإبل.يقول: هي معتادة للرحيل قد فارقت الافها وأوطانها مرة بعد مرة، فاللفظ للركاب والمعنى له، أي لا أبالي فراق من تعرض لفراقي.وقوله ( مشايعي لبي ).يقول: عقلي لا يعزب عني، و ( أحفزه ) معناه ادفعه وأقويه.والحفز: أن تدفع الشيء وتدنو منه.وقال أبو جعفر: أراد وأحفز الأمر المبرم بعقلي، أي أنفذ الأمر المبرم بعقلي.وقال: معنى أحفزه أدفعه وأمضيه.وقوله ( بأمر مبرم ) أي برأي ليس بمتنقض و ضعيف.واصله من الفتل المبرم، وهو أن تفتل الطاقتين حتى تصيروا طاقة واحدة.ويروى: ( مصاحبي عقلي ).وركابي مرتفعة بذلل، وذلل بها، ولبى رفع بمشايعي.واحفزه فعل مستأنف، والباء صلة أحفزه.

( ولقدْ خَشِيتُ بأَنْ أَمُوتَ ولم تكُنْ. . . . . . . .للحربِ دائرةٌ على ابنَيْ ضَمضَمِ )

ابنا ضمضم: هرم وحصين ابنا ضمضم الذي قتله ورد بن حابس العبسي، وكان عنترة قتل أباهما ضمضما، فكانا يتواعدانه، ويروى: ( ولم تدر للحرب دائرة )، أي لم تدر عليهم دائرة السوء من القتل.واللام في ( لقد ) لام اليمين، والباء موضعها نصب بخشيت، وهي مؤكدة للكلام ؛ لأن سقوطها لا يخل بالمعنى.ألا ترى إنك لو قلت: ( ولقد خشيت أن أموت ) كان سائغا حسنا.والدائرة رفع بتكن، واللام خبر الكون، وعلى صلة دائرة، والواو في قوله: ( ولم تكن ) واو الحال.

( الشَّاتِمَيْ عِرضِي ولم أَشْتُمْهُما. . . . . . . .والنَّاذِرَينِ إذا لقِيتُهما دَمِي )

قوله ( والناذرين إذا لقيتهما دمى ) معناه والقائلين والله لئن لقيناه لنقتلنه.وإنما قال إذا لقيتهما ولم يقل إذا لقياني، وهو أبين في الكلام، لأن ما لقيك فقد لقيته وما لقيته فقد لقيك.قال الله عز وجل: ( فتلقَّى آدمَ من ربِّه كلماتٍ )، وقرأ ابن عباس رضي الله عنه: ( فتلقَّى آدمَ من ربِّه كلماتٌ ) فمعنى القراءتين واحد لأن ما لقيك فقد لقيته وما لقيته فقد لقيك.وقال الله تبارك وتعالى: ( لا ينالُ عَهدي الظالمين )، وفي قراءة عبد الله: ( لا ينالُ عهدي الظَّالمون )، قال الفراء: معنى القراءتين واحد، لأن ما نلته فقد نالك وما نالك فقد نلته.وموضع الشاتمين والناذرين خفض على النعت لابني ضمضم، وموضع عرضي خفض بإضافة الشاتم إليه.ويجوز أن يكون في موضع نصب بالشاتمي، ومعناه الشاتمين، إلا أن النون حذفت من التثنية بناء على حذفها من الواحد، والاختيار الخفض ؛ لأن النصب إذا أريد دخلت النون.يقال: رأيت الضاربَي زيد، ورأيت الضاربِي زيد، فتختار خفض زيد على نصبه.ويجوز أن تقول: رأيت الضاربَيْ زيداً، ورأيت الضاربِي زيداً على التفسير الذي مضى ؛ فإذا أدخلت النون لم يجز إلا النصب كقولك: رأيت الضاربين زيداً ورأيتُ الضاربِين زيدا.قال الله عز وجل: ( والمقيمي الصلاةِ )، فقراءة العوام خفض الصلاة.وروى العباس بن الفضل عن أبي عمرو: ( والمقيمي الصَّلاةَ )، بنصب الصلاة على ما مضى من التفسير.وقال الفرزدق:

أسَيِّدُ ذو خُرَيِّطة نهاراً. . . . . . . .من المتلقِّطي قَرَدَ القُمامِ

ويجوز أن يكون موضع الشاتمي والناذرين نصبا على الذم، ويجوز أن يكون رفعا على الذم، بإضمار هما الشاتما.

( إِنْ يَفعَلاَ فلقَد تَركْتُ أَباهما. . . . . . . .جَزَرَ السِّباعِ وكُلِّ نَسْرٍ قَشْعَمِ )

قوله ( جزر السباع ) معناه هو مقتول لها تأكله.و ( القشعم ): الكبير من النسور.والفاء جواب إن، والأب اسم تركت، وجزر السباع خبره، وكل نسق على السباع.وقال أبو محمد الرستمي: روى هذا البيت الذي فسرناه الأصمعي ولم يروه أبو عمرو:

( إِنِّي عَدَاني أن أَزورَكِ فاعلمِي. . . . . . . .ما قد عَلمِتْ وبَعضُ ما لم تَعْلمي )

( عداني ) معناه شغلني.وما مرتفعة بعداني، وبعض نسق على ما.

( حالتْ رِماحُ ابنَيْ بَغيضٍ دُونكمْ. . . . . . . .وزَوتْ جَوانِي الحربِ مَنْ لم يُجرِم )

( ابنا بغيض ): عبس وذبيان، يعني قتالهم في حرب داحس والغبراء.وقوله ( وزوت جواني الحرب ) يقول: من لا جرم له زوته جريرة من أجرم.ومعنى زوته: حازته إلى ناحية لا يقدر أن ينفرد من قومه، مخافة أن يقتل، كقول رؤبة:

وأزمعَتْ بالشرِّ أن تَلفَعَّا. . . . . . . .حَربٌ تضمُّ الخاذلِينَ الشُّسَّعَا

وأصل الانزواء والتقبض والاجتماع، من ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( زويت لي الأرض فأريتُ مشارقها ومغاربها )، أي جُمعت.ويقال: انزوت الجلدة في النار، إذا تقبَّضت واجتمعت.قال الأعشى:

يزيدُ يغضُّ الطَّرف دوني كأنَّما. . . . . . . .زَوَى بين عينَيه عليَّ المحاجمُ

فلا ينبسطْ من بين عينيَكِ ما انزوَى. . . . . . . .ولا تلقَني إلا وأنفُك راغمُ

والجواني رفع بزوت، ومن منصوبة به، والأصل في جوان جواني، فاستثقلت الضمة في الياء فأسقطت، وأسقطت الياء لسكونها وسكون اللام.وقال الرستمي: قرئ هذا البيت والذي قبله على الأصمعي.وقال أبو جعفر: لا أعرفهما ولم أقرأهما على أحد البتة.تمت القصيدة وهي تسعة وسبعون بيتا^

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي