شرح القصائد السبع الطوال الجاهليات/قصيدة زهير بن أبي سلمى

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

قصيدة زهير بن أبي سلمى

قصيدة زهير بن أبي سلمى - شرح القصائد السبع الطوال الجاهليات

قصيدة زهير بن أبي سلمى

بسم الله الرحمن الرحيم

قال أبو بكر محمد بن القاسم الأنباري النحوي: قال يعقوب بن إسحاق السكيت:كان من حديث زهير بن أبي سلمى وأهل بيته أنهم كانوا من مزينة، وكان بنو عبد الله غطفان جيرانهم وقد ولدتهم بنو مرة، وكان من أمر أبي سلمى - واسمه ربيعه بن رياح، وخاله أسعد بن الغدير بن سهم بن مرة بن عوف بن سعد بن ذبيان بن بغيض - وإن أسعد خرج هو وابنه كعب بن أسعد في ناس من بني مرة يغير على طيئ، ومعه أبو سلمى، فأصابوا نعما وأموالا فرجعوا حتى انتهوا إلى أرضهم، فقال ربيعة بن رياح وهو أبو سلمى، لخاله أسعد بن الغدير وابنه كعب: أفردا لي سهمي.فأبيا عليه ومنعاه حقه، فكف عنهما حتى إذا كان من الليل أتى أمه فقال: والذي يحلف به لتقومن إلى بعير من هذه الإبل فلتقعدن عليه أو لأضربن بسيفي ما تحت قرطك ! فقامت أمه إلى بعير منها فاعتنقت سنامه، فقال أبو سلمى يرتجز:

ويلٌ لأجمال العجوز منِّي. . . . . . . .إذا دنَوتُ ودنونَ مني

كأَنَّني سَمَعْمعٌ من جِنِّالسمعمع: الخفيف.فخرج بها وبالإبل حتى انتهى بها إلى مزينة، فلذلك حيث يقول:

لتَغْدواً إبل مجنَّبة. . . . . . . .من عند أسعدَ وابنه كعب

الآكلين صَريح قومهما. . . . . . . .أكل الحُبارَى بُرعُمَ الرُّطْبِ

البرعم: وعاء الزهر، يقال برعم وبراعيم.فلبث فيهم حينا، ثم إنه أقبل بمزينة مغيرا على بني ذبيان، حتى إذا مزينة أسهلت وخلفت بلادها، ونظروا إلى أرض غطفان، تطايروا راجعين وتركوه وحده، فذلك حيث يقول:

من يشتري فرساً كخير غزوُها. . . . . . . .وأبت عشيرةُ ربِّها أن تُسِهلا

وأقبل حين رأى ذلك من مزينة حتى دخل في أخواله بني مرة، فلم يزل في بني عبد الله بن غطفان إلى اليوم.وكان ورد بن حابس قتل هرم بن ضمضم المزني الذي يقول فيه عنترة:

ولقد خشيتُ بأن أموتَ ولم تكنْ. . . . . . . .للحرب دائرةٌ على ابَنْي ضمضمِ

قتله في حرب عبس وذبيان قبل الصلح، ثم اصطلح ولم يدخل حصين بن ضمضم أخوه في الصلح، فحلف ألا يغسل رأسه حتى يقتل ورد بن حابس أو رجلا من بني عبس ثم من بني غالب، ولم يطلع على ذلك أحدا، وقد حمل الحمالة الحارث أبو عوف بن أبي حارثة، وهرم بن سنان بن أبي حارثة.فأقبل رجل من بني عبس ثم أحد بني مخزوم حتى نزل بحصين بن ضمضم، فقال: ممن أنت أيها الرجل ؟ قال: عبسي.قال: من أي عبس ؟ فلم يزل ينتسب حتى انتسب إلى غالب، فقتله حصين، وبلغ ذلك الحارث بن عوف، وهرم بن سنان، فاشتد ذلك عليهما، وبلغ بني عبس فركبوا نحو الحارث، فلما بلغ الحارث ركوب بني عبس وما قد اشتد عليهم من قتل صاحبهم، - وإنما أرادت بنو عبس أن يقتلوا الحارث - بعث إليهم بمائة من الإبل معها ابنه وقال للرسول: قل لهم: آللبن أحب إليكم أم أنفسكم ؟ فأقبل الرسول حتى قال لهم ما قال، فقال ربيع بن زياد: أن أخاكم قد أرسل إليكم الإبل أحب إليكم أم ابنه تقتلونه ؟ فقالوا: بل نأخذ الإبل ونصالح قومنا فيتم الصلح، فذلك قول زهير حيث يمتدح الحارث بن عوف وهرم بن سنان.قال زهير بن أبي سلمى، وهو ربيعة، بن رياح بن قرة بن الحارث بن مازن بن ثعلبة بن برد بن لاطم بن عثمان بن مزينة بن أد بن طابخة بن الياس بن مضر.وآل أبي سلمى حلفاء في بني عبد الله بن غطفان بن سعد بن قيس بن عيلان بن مضر:

( أَمِنْ أُمِّ أَوفَى دِمنةٌ لم تَكلمِ. . . . . . . .بحَوْمَانة الدَّرَّاجِ فالمتثَلِّمِ )

قال الأصمعي: قوله ( أمن أم أوفى )، معناه أمن دمن أم أوفى دمنة لم تكلم، أي أمن منازل أم أوفى.وهذا على التفجع، كما قال الهذلي:

أمنك برقٌ أبيت اللَّيلَ أرقبه. . . . . . . .كأنَّه في عِراص الدار مصباحُ

ومعنى لم تكلم: لم يتكلم أهلها.و ( الدمنة ): آثار الناس وما سودوا بالرماد وغير ذلك.وإذا اسود المكان قيل: قد دمن هذا المكان.والد من: البعر والسرجين.أنشدنا أبو العباس:

وقد ينبت المرعى على دِمَن الثرى. . . . . . . .ويبقى حزازات النفوس كما هيّا

والد منة في غير هذا الحقد، وجمعها دمن.قال الشاعر:

ومن دِمَن داويتها فشفيتها. . . . . . . .بسَلمك لولا أنت طال حروبُها

والحومانة جمعها حوامين: أماكن غلاظ منقادة.وقال أبو العباس: يروى ( الدُّراج ) بضم الدال.وقال يعقوب: قال الأصمعي: الدَّراج بفتح الدال.وقال: حومانة الدراج والمتثلم: موضعان بالعالية منقادان.قال الشاعر:

زقَا ثم قَوقَا بعد ما لعبت به. . . . . . . .حوامينُ أمثالُ الذّئاب السوافدِ

والدمنة رفع بالصفة، ولم تكلم صلة الدمنة، والباء حال للدمنة، وكسرت الميم لأن الجزم إذا حرك حرك إلى الخفض، واحتيج إلى كسرها إصلاحا للقافية، وجعلت الياء صلة لكسرة الميم.

( دِيارٌ لها بالرَّقْمَتَيْن كأَنَّها. . . . . . . .مَراجعُ وَشْمٍ في نَواشِرِ مِعصَمِ )

قال الأصمعي: الرقمتان إحداهما قرب المدينة والأخرى قرب البصرة، وإنما صارت هاهنا حيث انتجعت.وقال يعقوب: قوله بالرقمتين معناه بينهما.وقال الكلابي: الرقمتان بين جرثم وبين مطلع الشمس بأرض بني أسد، وهما أبرقان مختلطان بالحجارة والرمل.والرقمتان أيضا: حذاء ساق الغرو، وساق الغرو: جبل في أرض بني أسد.والرقمتان أيضا بشط فلج أرض بني حنظلة.وقوله ( مراجع وشم )، أي معاطف، أي رجع الوشم وأعيد.وكلما رجعت شيئا فقد رددته.يقال فلان يرجع صوته بالقرآن وغيره.فشبه وشوم الديار، أي الآثار التي فيها بمراجع الوشم.والوشم: أن يثقب ظاهر الذراع بإبرة أو غيرها ثم يحشى بالكحل والنؤور ليخضر.وقال أبو جعفر: واحد المراجع رجع، وهو على غير القياس.وقال يعقوب: النواشر عصب الذراع من ظاهرها وباطنها، واحدتها ناشرة.وقال أبو جعفر: النواشر عروق ظاهر الذراع خاصة.والهاء والألف اسم كأن، و ( المعصم ): موضع السوار وهو أسفل من الرسغ، والرسغ: موصل الذراع بالكف.والديار يرتفع بإضمار هي، واللام صلة الديار، والمراجع خبر كأن، وفي صلة الوشم.ويروى: ( ودار لها بالرقمتين ).

( بِهَا العِينُ والآرَامُ يَمْشِينَ خِلفةً. . . . . . . .وأَطلاؤُها يَنْهضْنَ من كلِّ مَجْثَمِ )

العين: البقر، واحدها أعين وعيناء، وإنما سميت عيناء لسعة عينها.والآرام: ظباء بيض خوالص البياض، واحدها ريم وريمة، ومساكنها الرمل.وقال يعقوب: العفر ظباء تعلو بياضها حمرة، قصار الأعناق والقوائم، ومساكنها القفاف والجلد، وهي معزى الظباء، ومراعيها العضاه، لأنها أخف الظباء لحوما.قال: والأدم ظباء بيض البطون سمر الظهور طوال الأعناق والقوائم، ومساكنها الجبال، وهي إبل الظباء، وهي أغلظ الظباء ممضغة لحم، وهي مشرفة القطوات مجدولة المتون.قال يعقوب: وقال الأصمعي: وليس يطمع الفهد في العفر لسرعتها.وقال أبو جعفر: العفر تكون في بلاد هذيل وقيس وأسد في جبالهم.وأما الأدم عند بني تميم فمساكنها الرمال، وهي البيض الخالصة البياض.وأنشد لذي الرمة:

ذكرتُكَ أن مَرَّت بنا أمُّ شادنٍ. . . . . . . .أمامَ المطايا تشرئبُّ وتَسنَحُ

من المؤْلفاتِ الرَّمل أدماءُ حُرّةٌ. . . . . . . .شُعاعُ الضُّحى في متْنها يتوضَّحُ

وقال أبو جعفر: وإبل الظباء هي في الظباء كالإبل، أي هي أنبلها وأطولها أعناقا.وقال يعقوب في قوله ( خلفة ): معناه إذا مضى فوج جاء آخر، وأصله إذا ذهب شيء خلف مكانه شيء آخر.وإنما أراد أن الدار أقفرت حتى صار فيها ضروب من الوحش.قال ابن الأنباري: الدليل على صحة هذا عندي قول الله عز وجل: ( وهو الذي جَعَل اللَّيِلَ والنَّهار خِلْفةً )، معناه أن أحدهما يخلف الآخر، من فاتته صلاة بالليل صلاها بالنهار.قال الشاعر:

تَربَّبَها التَّرعيب والمَحضُ خِلفةً. . . . . . . .ومسكٌ وكافور ولُبنَى تَأكَّلُ

الترعيب: السنام.والمحض: اللبن.أراد: إذا مضى الترعيب خلفه اللبن.وحكى يعقوب عن بعض أهل اللغة إنه قال: خلفة معناه مختلفة، يريد أنها تردد في كل وجه.وقال أبو جعفر: معناه في أمن وخصب.وقوله ( وأطلاؤها ينهضن )، معناه أنهن ينمن أولادهن إذا أرضعنهن ثم يرعين، فإذا ظنن أن أولادهن قد أنفدن ما في أجوافهن من اللبن صوتن بأولادهن فنهضن للأصوات ليشربن.فقال: هذا مثل بيت ذي الرمة:

كأنَّها أمُّ ساجي الطرف أخدَرها. . . . . . . .مستودَعٌ خَمرَ الوعساء مَرخُوم

لا ينعَش الطَّرفَ إلاّ ما تخوَّنَه. . . . . . . .داع يناديهِ باسم الماءِ مبغومُ

و ( الطلا ): ولد البقرة والظبي والشاة، ويقال له طلا من ساعة يولد إلى نصف شهر.وقد يستعار الطلا لأولاد الناس.و ( المجثم ) للغزال والأرنب والطائر: موضعه الذي يجثم فيه.يقال جثم يجثِم ويجثُم.قال أبو عبيدة: الجثوم للطائر والإنسان بمنزلة البروك للإبل.قال الله عز وجل: ( فأصبحوا في دارهم جاثمين ).وأنشد أبو عبيدة:

صاحب طَلْح أو عِضاه أو سَلَمْ. . . . . . . .إذا الجبانُ بين عِدْليْه جَثَمْ

ويروى ( مجثم ) بكسر الثاء.فمن فتح الثاء قال المجثم اسم من جثم يجثم، كما يقال المدخل من دخل يدخل.ومن قال مجثِم بكسر الثاء قال: هو الاسم من جثَم يجثِم.

( وقَفْتُ بها منْ بعد عِشرين حِجَّة. . . . . . . .فَلأْياً عَرَفْتُ الدّارَ بعد توَهمِ )

معناه عهدي بها منذ عشرين حجة، عرفتها بعد أن توهمت فلم أعرف.و ( لأيا ): بعد إبطاء وجهد عرفتها.قال يعقوب: يقال التأت عليه الحاجة، إذا أبطأت، تلتئي التياء.ويقال التوت عليّ، إذا عسرت.وأمر ألوى، إذا كان عسرا.قال: ويقال فعله لأيا بعد لأي، أي بعد إبطاء وشدة.وقال أبو جعفر: يقال التأت، إذا عسرت ؛ والتوت: طالت ؛ ومنه لي الغريم، وهو مطله ودفعه.وأنشد:

تُسيئين لَيّاني وأنت ملية. . . . . . . .وأحسِنُ يا ذات الوِشاح التقاضيا

وقال يعقوب: الحَج والحِج لغتان.قال: والحِجة مكسورة لا تفتح.وسمعت أبا العباس يقول: الحِج الاسم والحَج المصدر.قال: وربما قال الفراء: هما لغتان.ونصب لأيا على المصدر بعرفت، وبعد صلة عرفت، والحجة نصب على التفسير عن العدد.وأخبرنا أبو العباس عن سلمة عن الفراء قال: يقال حججت حجة وحجتين.قال: ولم أر العرب تقول حَجة، وهو قياس إذا أردت مرة واحدة.

( أَثَافِيَّ سُفْعاً في مُعرَّسِ مِرجَلٍ. . . . . . . .ونُؤْياً كجذْمِ الحَوْض لم يتثَلَّمِ )

يقال أثافي وأثاف بالتثقيل والتخفيف، واحدتها أثقية مشددة.وقال هشام: إذا كانت الواحدة مشددة ففي الجمع التثقيل والتخفيف، كقولك أمنية وأماني وأمان، وأوقية وأواقي وأواق، وأثفية وأثافي وأثاف، وأوارى وأوار في جمع آرى.قال النابغة:

إلاّ أوارىَّ لأياً ما أبيّنها. . . . . . . .والنؤىَ كالحوض بالمظلومة الجَلَدِ

ويروى: ( إلا أوارى ) خفيف.قال الله عز وجل: ( لا يَعلمون الكتابَ إلاّ أمانيَّ ).وقرأ أبو جعفر وشيبة بتخفيف ( الأماني ).وكذلك الأضاحيّ والأضاحي بالتشديد والتخفيف في جمع الأضحية.والأثافيّ والأثافي: الأحجار التي ينصب عليها القدر.وقال يعقوب: واحدتها أثفية وإثفية.قال هشام: يقال سُرية وسِرية، وأضحية وإضحية، وذُرية وذِرية، وأوقية ولا يجوز كسر أولها، لأنهم لو فعلوا ذلك لوجب أن تصير الواو ياء لانكسار ما قبلها فيزول الحرف عن مجراه.قال الشاعر:

فلمَّا أن بغَوا وطغَوا علينا. . . . . . . .رميَناهم بثالثة الأثافي

أراد: رميناهم بجيش كالجبل في شدته.وذلك أن القدر ينصب لها حجران ويجعل أصل الجبل الحجر الثالث.فأراد بثالثة الأثافي الجبل.قال يعقوب: يقال قد أثفت القدر، وثفيتها، وأثفيتها، وقد أثفت لها.قال خداش بن زهير:

وذلك أمرٌ لا تثَفَّي له قِدِري

وقال الفرزدق:

وقدِرٍ فثأنا غَليْهَا بعد ما غلَتْ. . . . . . . .وأخرى حشَشْنا بالعَوالي تؤثَّفُ

وأنشد أبو عبيدة:

وماثلاتٍ ككما يؤثْفَيْنْ

والسفعة: سواد إلى حمرة.ومعرس المرجل: موضعه على الأثافي.قال الأصمعي: والمرجل: كل قدر يطبخ فيها من حجارة أو حديد أو خزف أو نحاس.وأصل التعريس نزول القوم ليستريحوا ؛ وأكثره من آخر الليل، وقد يكون من أوله ؛ هذا قول يعقوب.وقال أبو جعفر: النزول من أول الليل التهويم، وفي آخره التعريس، وفي القائلة التغوير.وقال يعقوب: النؤى حاجز يرفع حول البيت من تراب من خارج لئلا يدخل الماء البيت، وجمعه أنآء ونئي، ويقال: انتأيت نؤياً، ونأيت نؤيا.وحكى ابن الأعرابي وغيره في النؤى نأى ونى.وجذم البيت: أصله.وقوله ( لم يتثلم ) يعنى النؤى قد ذهب أعلاه ولم يتثلم ما بقى منه.ويروى ( كحوض الجر ).والجر: سفح الجبل.وإذا احتفر الحوض بذلك الموضع ولم يعمق بقى دهرا طويلا لا يتغير، لصلابة موضعه وإنه ليس من الأماكن التي تحتفر فيها الحياض.وقال أبو جعفر: الجر أسفل الجبل ؛ وإنما سمى جرا لأن الحجارة تدهدأ من الجبل فتقع في الجر فيمسكها.والجد: البئر الجيدة الموضع من الكلأ.والأثافي موضعها نصب بعرفت، والسفع نعتها، والأثافي لا تجرى ولا يلحقها التنوين، والنؤى نسق على الأثافي، والكاف نعت النؤى.

( فلمَّا عَرَفْتُ الدَّارَ قُلتُ لرَبْعها. . . . . . . .أَلاَ انعَمْ صَباحاً أَيُّها الرَّبعُ واسلَمِ )

( الربع ): المنزل.يقال: هذا ربع بنى فلان، أي منزلهم.ويقال في الجمع القليل أربع، وفي الجمع الكثير ربوع ورباع.قال المجنون:

وخيَماتُك اللاتي بمنعرَج اللوى. . . . . . . .بَلِينَ بِلىً لم تبْلهَنَّ ربوعُ

( ألا أنعم صباحاً ) معناه لقيت يا ربع نعيما في صباحك.والدعاء في الظاهر للربع، وفي المعنى لمن كان يسكن الربع، ممن يألفه ويحبه.وقال يعقوب: ألا انعم صباحاً وعم صباحاً، وانعم ظلاما وعم ظلاما: تحية لهم.وروى الأصمعي: ( ألا عم صباحا ).وقال: معناه انعم.وقال: هكذا تنشده عامة العرب، وتقدير الفعل الماضي منه وعم يعم، ولا ينطق به.وقال الفراء: قد يتكلمون بالأفعال المستقبلة ولا يتكلمون بالماضي منها.فمن ذلك قولهم: عم صباحا ولا يقولون وعم.ويقولون: ذر ذا ودعه، ولا يقولون وذرته ولا ودعته.ويتكلمون بالفعل الماضي ولا يتكلمون بالمستقبل.فمن ذلك عسيت أن أفعل ذاك، ولا يقولون أعسى في المستقبل، ولا عاس في دائم.وكذلك يقولون: لست أقوم، ولا يتكلمون منه بمستقبل ولا دائم.وقال أبو عبيدة: ويروى: ( ألا انعم صباحا ) والعرب تقول: نعم ينعَم ينعِم، وحسب يحسَب يحسِب، ويئس ييأس وييئس، ويبس ييبَس ييبِس ؛ فكسر المستقبل في هؤلاء الأحرف على غير القياس ؛ لأن بناء فعل أن يكون مستقبله يفعل بالفتح، إلا هؤلاء الأحرف وقولهم ولى يلي، وهذه حروف شاذة لا يقاس عليها.وألا افتتاح للكلام، وانعم مجزوم على الأمر، وصباحا منصوب على الوقت.ومن رواه ( ألا عم صباحا )، قال: علامة الجزم سكون الميم.والواو التي في وعم في التقدير سقطت من الأمر بناء على سقوطها من المستقبل، إذ كان تقدير عم في الأمر تقدير زن من الوزن، وعدْ من الوعد.

( تَبَصَّرْ خليلِي هَلْ تَرَى من ظعائنٍ. . . . . . . .تَحَمَّلنَ بالعَلياءِ منْ فوقِ جُرثُمِ )

قال أبو جعفر: قوله ( تبصر خليلي ) معناه إنه هو شغل بالبكاء فقال لخليله: تبصر أنت، لأني أنا مشغول بالبكاء عن النظر.قال: وكذلك قول امرئ القيس:

أعنِّي على برقٍ أُريكَ وميضَه. . . . . . . .كلمعِ اليدين في حَبِيّ مكلَّلِ

وقال يعقوب: الظعائن: النساء في الهوادج، واحدتها ظعينة.ويقال للمرأة وهي في بيتها ظعينة.والظعون: البعير الذي تركبه المرأة.ويقال: هذا بعير تظعنه المرأة، أي تركبه.والظِّعان: النسعة التي يشد بها الهودج.و ( العلياء ): ما ارتفع من الأرض.وقال الأصمعي: جرثم: ماءة من مياه بني أسد.وقال يعقوب: قال بعض الأعراب: جرثم بين القينان وبين ترمس، والترمس: ماء لبني أسد.وأجرى الظعائن لضرورة الشعر.قال الفراء والكسائي: الشعراء تجرى في أشعارها كل ما لا يجري، ألا أفعل منك فإنهم لا يجرونه في وجوه من الوجه، لأن من تقوم مقام الاضافة، فلا يجمع بين إضافة وتنوين.وتحملن صلة الظعائن.

( جَعَلنَ القَنانَ عَن يمينٍ وحَزْنَه. . . . . . . .وكَم بالقنَان من مُحلٍّ ومُحْرِمِ )

وروى الأصمعي: ( ومن بالقنان ).وقال: القنان: جبل بني أسد: و ( الحزن ) والحزم سواء، وهو الموضع الغليظ.قال يعقوب: وقال غير الأصمعي: من الأعراب من يقول الحزم أرفع من الحزن، وربما كان الحزم سهلا.والحزن: ما غلظ من الأرض اتطاء وارتفع.يقال: قد أحزنا، إذا صرنا إلى الحزونة، وهو مكان حزن وأماكن حزون.وقال أبو جعفر: الحزم ما ارتفع من الأرض من الأرض وامتد ولم يبلغ أن يكون جبلا وفيه لين ؛ وأما الحزن فإنه أصلب من الحزم وكله حجارة صلبة، ويكون متطامنا ويكون مرتفعا.وقوله ( ومن بالقنان ) قال يعقوب: ومن بالقنان من محل، أي ليس في حرمة تمنعه من عهد ولا ميثاق.قال: ( ومحرم ) أي من له عهد أو ذمة أو جوار هو له حرمة من أن يغار عليه ؛ فهذا محرم.ومن ثم قيل مسلم محرم، أي من لم يحل من نفسه شيئا يوقع به له.ومنه قول الراعي:

قتلوا ابنَ عفَّانَ الخليفةَ مُحْرِماً. . . . . . . .ودعَا فلم أر مثلَه مخذولا

أي كانت له حرمة من أن يقتل.وقال الأصمعي: أنشدني خلف الأحمر:

قتلوا كسرَى بليلٍ مُحرِماً. . . . . . . .فتولَّى لم يُشَيَّعْ بكفَنْ

معناه لم يمتع.ويقال: شتمته مسلما محرما ؟ ! ويقال حل من إحرامه يحل حلا، بغير ألف ؛ وقد أحرم.ويقال أحل القوم، إذا خرجوا من أشهر الحرم إلى أشهر الحل.وقد تطيب عند حله وعند حرمه.وقال أبو زيد وأبو عبيدة: يقال حل من إحرامه وأحل.وقال أبو جعفر: قوله ( وكم بالقنان ) معناه كم به من عدو وصديق لنا.والمعنى إنه طلب الظعن فمر بالقنان، فيقول: حملت نفسي في طلب هذه الظعن على شدة وممر بموضع فيه أعدائي، لو ظفروا بي لهلكت.والقنان منصوب بجعلن والحزن نسق عليه، وكم في موضع رفع، وكذلك ( من ) على رواية الذين رووا ( ومن بالقنان )، ويجوز أن يكون في موضع نصب بالنسق على القنان.

( وعالَيْنَ أَنماطاً عِتاقاً وكِلّةً. . . . . . . .وِرَادَ الحواشي لونها لونُ عَنْدمِ )

وروى الأصمعي:

عَلَون بإنطاكيَّة فوق عِقْمةٍ. . . . . . . .وِرادٍ حَواشيها مشاكِهةَ الدَّمِ

وقال أبو جعفر: وقوله: ( عالين أنماطا ) معناه رفعن الأنماط والكلل عن الإبل التي ركبها الظعن، وسويت لهن الأنماط، وسترن بالكلل.وقال يعقوب: وقوله: ( وعالين أنماطا عناقا ) معناه طرحن المتاع أنماطا.و ( وراد ) معناه لونها إلى الحمرة، أراد إنه أخلص الحاشية بلون واحد، لم يعملها بغير الحمرة.وقال: الأنطاكية أنماط توضع على الخدور، نسبها إلى إنطاكية.وقال: كل شيء جاء من الشام فهو عندهم إنطاكي.و ( عقمة ): جمع: عقم، مثل شيخ وشيخة.والعقم: أن يظهر خيوط أحد النيرين فيعمل العامل به، فإذا أراد أن يشي بغير ذلك اللون لواه فأغمضه وأظهر ما يريد عمله.وأصل الاعتقام اللي.والمشاكهة والمشابهة والمشاكلة سواء.و ( العندم ): البقم.وقال أبو جعفر: الأنماط تفرش لهن في خدورهن.وقال في قوله ( وراد الحواشي ): أراد أنها وراد كلها.وقال: الأنماط كلها حمر.وأنشد للنابغة:

يصونون أجساداً قديماً نعيمُها. . . . . . . .بخالصة الأردان خُضر المناكبِ

قال: أخبرني ابن الأعرابي إنه أراد خضرا كلها.وقال أبو جعفر: العندم: ثمر نبت لا ساق له، ينبت في أصل الطلح كهيئة اللبلاب، له ثمرة حمراء تشبه أطراف الأنامل المخضوبة.والوراد منصوب على النعت للكلة.فان قال قائل: الكلة واحدة فكيف جاز أن تنعت بوراد وهو جميع ؟ قيل له: وراد على لفظ واحد، وهو على مثال كتاب وحمار، فكان بمنزلة قولك مررت برجل كرام الآباء ومررت بامرأة كرام الآباء.وأنشد الكسائي والفراء:

يا ليلةً خُرسَ الدَّجاج طويلةً. . . . . . . .ببغدانَ ما كادت عن الصُّبح تنجلي

جعل خرسا وهو جمع نعتا لليلة ؛ لأن خرسا في تقطيع قفل وبرد وما أشبه ذلك.

( ظهَرنَ من السُّوبانِ ثُمَّ جزَعْنَهُ. . . . . . . .على كُلِّ قَيْنيٍّ ومُفْأَمِ )

قال يعقوب: ( ظهرن من السوبان ) معناه خرجن منه.وقوله: ( ثم جزعنه ) معناه عرض لهن مرة أخرى فقطعنه لأنه يتثنى.وقال: السوبان: واد.وقال: روى الأصمعي: ( قشيب مفأم ).وقال أبو جعفر: ظهرن منه معناه طلعن منه ثم جزنه.وأنكر أن يكون جزعنه عرض لهن مرة أخرى.وقال: جزعنه: خلفنه ومررن ولم يعرض لهن بعد ذلك.وقال يعقوب: قوله: قيني أراد غبيطاً، وهة قتب طويل يكون تحت الهودج.وقيني نسب إلى بلقين.وقشيب: جديد.يقال ثياب قشب.وقال أبو عمرو: ( ومفأم ) يعنى جملا ضخما.وقال الأصمعي: مفأّم بالتشديد: قد وسع زيد فيه بنيقتان من جانبيه ليتسع.يقال فئَّم دلوك ؛ فتزيد فيه بنيقة.والبنيقة: وصلة بمنزلة بنيقة القميص.وقال أبو جعفر: القيني الرحل.والغبيط يكون تحت الرحل، والقتب يكون تحت المتاع.القتب للإبل التي تحمل المتاع.والغبيط للرحال.وقوله ( قشيب ) معناه جديد.يصف نعمتهن وأنهن ملوك.وقال: الفئيمة والبنيقة والدخرصة واحد.قال: وإنما جعله مفأماً لضخم النساء وأن لهن أجساما.وعالين، وظهرن، ووركن، نسق على جعلن، وفيه ضمير الظعائن.والمفأم نسق على قيني.ومن رواه مفأم جعله نعتا للقشيب.

( ووَرَّكْنَ في السُّوبانِ يَعْلُونَ مَتْنَهُ. . . . . . . .عليهنَّ دلُّ النَّاعم المتَنَعِّمِ )

قال يعقوب: وركن معناه ملن فيه.يقال: أسلك طريق كل وكذا.فإذا عرض لك طريق عن يمينك وشمالك فورك فيه، أي مل فيه.ويقال: قد وركت موضع كذا وكذا، إذا خلفته وراء أوراكها.و ( المتن ): ما غلظ من الأرض وارتفع.وقوله: ( عليهن )، معناه على الظعائن.قال أبو جعفر: ووركن: عدلن أوراك إبلهن ونزلن لما علون متنه وحزنه لترفقهم بهن، وهو قوله ( عليهن دل الناعم المتنعم ).ويعلون، فيه ضمير الظعائن وتقديره الحال، فهو في موضع نصب في التأويل، والتقدير: ووركن في السوبان عاليات متنه، أي في هذه الحال.ويعلون على مثال يدعون ويغزون، وتكون للمذكر والمؤنث بلفظ واحد ؛ فالواو مع المذكر مزيدة للتذكير والجمع، والواو مع المؤنث أصلية هي لام الفعل، والنون علامة التأنيث والجمع.

( كأَنَّ فُتَاتَ العِهْن في كل موقفٍ. . . . . . . .وقَفْن به حبُّ الفَنَا لم يُحطَّمِ )

ويروى: ( في كل منزل نزلن به ).قال أبو جعفر: أراد كثرة العهن.أي أنهن قد زين إبلهن به، فمن كثرته ينقطع ويتناثر إذا ازدحمن.وقال يعقوب: ويروى: ( كأن حتات العهن ) وهو ما انحت.و ( العهن ): الصوف المصبوغ.فشبه ما تفتت من العهن الذي علق على الهودج إذا نزلن منه منزلا بحب الفنا.و ( الفنا ): شجر ثمره حب أحمر وفيه نقطة سوداء.وقال الفراء: هو عنب الثعلب.وقوله ( لم يحطم )، أراد أن حب الفنا صحيح، لأنه إذا كسر ظهر له لون غير الحمرة.قال الأصمعي: العهن: الصوف صبغ أو لم يصبغ، وهو هاهنا المصبوغ ؛ لأنه شبه بحب الفنا.والفتات اسم كأن، والحب الخبر.والفنا على وجهين: الفناء: نفاد الشيء ؛ والفنا: عنب الثعلب، مقصور.

( بَكرْنَ بُكوراً واستَحَرْنَ بسُحْرةٍ. . . . . . . .فهُنَّ ووادي الرَّسِّ كاليد في الفمِ )

يقال بكرت في الحاجة، وأبكرت، وبكرت خفيف.قال عمر بن أبي ربيعة:

أمِن آل نعم أنت غادٍ فمُبْكرُ. . . . . . . .غداةَ غدٍ أورائحٌ فمهجِّرُ

ويقال أيضا: ابتكرت في الحاجة أبتكر ابتكارا.ويقال: خرجنا بسحرة، أي في السحر.و ( الرس ): ماء ونخل لبني أسد، والرسيس حذاءه.وروى الأصمعي: ( كاليد للفم ). . .وقال أبو جعفر: كاليد للفم، أي دخلن فيه كما تدخل اليد في الفم، ولم يرد القصد.وقال يعقوب بن السكيت ؛ وقوله كاليد للفم، معناه يقصدن لهذا الوادي فلا يجزنه كما لا تجوز اليد إذا قصدت للفم ولا تخطئه.ويقال هذا فم ورأيت فما وأخرجته من فمه، فتضم الفاء في موضع الرفع وتفتح في موضع النصب وتكسر في موضع الخفض، فيكون معربا من جهتين.ويقال هذا فم ورأيت فما وأخرجته من فمه، فتعربه من جهة واحدة.ومنهم يضم الفاء في كل حال فيقول: هذا فم ورأيت فما وأخرجته من فمه، فيكون معربا من جهة واحدة.وروى أبو عبيدة عن يونس أن من العرب من يقول: هذا فم ورأيت فما وأخرجه من فمه، فيلزم الفاء الكسر في الرفع والنصب والخفض، وهو على هذا الوجه معرب من جهة واحدة.

( فلَمَّا وَرَدن الماءَ زَرْقاً جِمامُه. . . . . . . .وَضَعنَ عصى الحاضرِ المتخيِّمِ )

يقال: ماء أزرق، إذا كان صافيا.وهذا مثل قول هميان:

فصبّحت جابيةً صُهارِجا. . . . . . . .كأنه جلدُ السماء خارجا

أي لصفائه وزرقته.و ( الجمام ) قال الأصمعي: يقال للماء إذا خرج من عيونه فارتفع في البئر: قد جم يجم جموما ؛ ويسمى الماء نفسه جما.ويقال: استق لي من جم بئرك.ويقال: بئر جموم، أي سريعة رجوع الماء.وقوله ( زرقا ) معناه لم يورد قبلهن فيكدر، فهو صاف.وقوله ( وضعن عصى الحاضر المتخيم ) معناه أقمن كما يطرح الذي لا يريد السفر عصاه ويقيم.ويقال للرجل إذا أقام: ألقى عصا التسيار.و ( المتخيم ) يريد الذي يتخذ خيمة، وهي أعواد تنصب وتجعل لها عوارض فتظلل بالثمام، ويكون في جوانبها خصاص منها الريح في القيظ.فهي أبرد من الأخبية.وأنشد للأبيرد الرياحي:

فألقتْ عصا التَّسْيار عنها وخيَّمتْ. . . . . . . .بأجْباءِ عذبِ الماءِ بيضٍ محافرهُ

قوله بيض محافره: معناه حفر في أرض حمراء ولم يحفر في سوداء ولا دمن.والأجباء: جمع جبا، وهو ما حول البئر والحوض ؛ وجمعه أجباء بالمد، وخيمت: اتخذت خيمة وأقامت.وقال أبو جعفر أحمد بن عبيد: بيض محافره معناه إنه أنبط في أرض بيضاء، فهو أغزر لمائه.وقال: إنما تظلل الخيمة بالثمام لأنه أبرد ظلا من غيره.وقال أبو جعفر في بيت زهير:

وضَعْن عصىَّ الحاضرِ المتخيِّم

وصف أنهن في أمن ومتعة، فإذا نزلْن نزلن آمنات كنزول من هو في أهله ووطنه.وزرقاً منصوب على الحال من الماء، والجمام رفع بمعنى زرق، والجمام: جمع جمة.ولما وقت فيه طرف من الجزاء، وهو من صلة وضعن.

( وفيهنَّ مَلْهىً للطِيفِ ومنْظرٌ. . . . . . . .أَنيقٌ النَّاظرِ المتوسِّمِ )

اللطيف، يعنى نفسه يتلطف في الوصول إليهن.ومنظر أنيق: لم ينظر إليهن من بعيد.وقال يعقوب: اللطيف الذي يتطلف في طلب اللهو.و ( الأنيق ): المعجب.يقال آنقني الشيء يونقني إيناقا.ويقال: لهوت بالشيء ألهو به لهوا وملهى.ولهيت عن الشيء فأنا ألهى عنه لهيا، إذا تركته.و ( المتوسم ): المتثبت.وقال الكلابي: المتوسم: الذي ينظر.والوسامة: الحسن.قال الله عز وجل: ( إنَّ في ذلك لآيات للمتوسمِّين )، أي للناظرين المتبصرين.وأنشد أبو عبيدة:

تجردَ في السِّربال أبيضُ حازمٌ. . . . . . . .مُبيينٌ لعَين الناظرِ المتوسِّمِ

والملهى مرفوع بفي، والمنظر نسق عليه، والأنيق نعته، واللام صلة أنيق.

( سَعى ساعِيَا غَيظِ بن مُرَّة بعدما. . . . . . . .تبزَّلَ ما بَينَ العشيرةِ بالدَّمِ )

قال الأصمعي: سعى ساعيا، معناه عملا عملا حسنا.( تبزَّل ): كان بينهم صلح فشقق بالدم.تبزل.تشقق وتفطر، فسعى ساعيا غيظ بن مرة فأصلحاه.ومنه قيل المبزل والبزال.ومنه بزول البعير بنابه ؛ لأنه يتفطر موضعه.ومنه قيل البزلاء للرأي الجيد ؛ لأنها قد انتجعت وبزلت.ويقال: إنه لذو بزلاء.قال الراعي:

من أمرِ ذي بَدَواتٍ ما تزالُ له. . . . . . . .بزْلاءُ يعيا بها الجَثَّامةَ اللُّبَدُ

قال يعقوب: قال أبو عبيدة: غيظ بن مرة بن عوف بن سعد بن ذبيان بن بغيض.قال: وعنى بالساعيين خارجة بن سنان بن أبي حارثة بن مرة بن نشبة بن غيظ بن مرة، والآخر الحارث بن عوف بن أبي حارثة.

( فأَقسَمْتُ بالبَيتِ الذي طافَ حَوْلَه. . . . . . . .رجالٌ بَنَوْهُ من قُريش وجُرْهُمِ )

قال أبو عبيدة: كانت الكعبة رفعت حين غرق قوم نوح عليه السلام، فأراد الله تبارك وتعالى تكرمة قريش، فأمر الله عز وجل أبويهم إبراهيم وابنه إسماعيل، عليهما الصلاة والسلام، أن يعيدا بناء الكعبة شرفها الله تعالى على أسها الأول، فأرادا بناءها لما أراد الله عز وجل من تكرمة قريش، فأنزل الله تعالى في القرآن: ( وإذْ يَرْفع إبراهيم القواعدَ من البيت وإسماعيل ربَّنا تقبَّلْ منَّا ). . .الآية.ألا ترى أنهما أول من رفع البيت بعدما كان رُفع، فلم يكن وهو مرفوع له ولاة منذ زمن نوح عليه الصلاة والسلام، ثم أمر إبراهيم أن ينزل ابنه إسماعيل عليهما السلام بالبيت، لما أراد الله جل وعلا من كرامة قريش، فكان إبراهيم وابنه إسماعيل عليهما السلام يليان البيت بعد عهد نوح عليه السلام، ومكة يومئذ بلاقع، ومن حول مكة يومئذ جرهم، فنكح إسماعيل عليه السلام امرأة منهم.وقال في ذلك عمرو بن الحارث بن مضاض الجرهمي بعد ذلك:

وصاهَرَنا مَن أكرمُ النَّاسِ والداً. . . . . . . .فأبناؤه منَّا ونحن الأصاهرُ

قال أبو عبيدة: وحدثنا مسمع بن عبد الملك، عن محمد بن علي بن الحسين، عن آبائه، عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إنه قال: ( كان أول من فتق لسانه بالعربية المبينة إسماعيل عليه الصلاة والسلام وهو ابن أربع عشرة سنة )، فقال له يونس: صدقت يا أبا سيار، هكذا حدثني به أبو جزء.فإسماعيل أول من تكلم بالعربية المبينة، ثم صارت إلى قريش خاصة.وتصديق ذلك في القرآن: ( وما أرسلْنا من رسولٍ إلاّ بلسانِ قومهِ ليبيَّن لهم )، إلا أن العربية المبينة لهم بلسان قريش قوم النبي صلى الله عليه وسلم.فولى البيت بعد إبراهيم ابنه إسماعيل، وبعد إسماعيل نبت بن إسماعيل، وأمه جرهمية.ثم مات نبت بن إسماعيل ولم يكثر ولد إسماعيل عليه السلام، فغلب جرهم على ولاية البيت.وقال عمرو بن الحارث الجرهمي:

وكنَّا وُلاةَ البيت من بعد نابتٍ. . . . . . . .نطوفُ بذاك البيتِ والخيرُ ظاهرُ

فكان أول من ولى البيت مضاض بن عمرو بن غالب الجرهمي، ثم وليه بعده كابر عن كابر، حتى بغت جرهم بمكة - عظمها الله تعالى - واستحلوا حرمتها، وأكلوا مال الكعبة الذي يهدى لها، وظلموا من دخل مكة، ثم لم يتناهوا، حتى جعل الرجل منهم إذا لم يجد مكانا يزني فيه دخل الكعبة فزنى.فزعموا أن إسافا بغى بنائلة في جوف الكعبة فمسخا حجرين.وكانت مكة في الجاهلية لا ظلم ولا بغي فيها، ولا يستحل حرمتها ملك إلا هلك مكانه، فكانت تسكى ( الناسة ) وتسمى ( بكة )، تبك أعناق البغايا إذا بغوا فيها.ويقال: إنما سميت مكة لازدحام الناس بها.وقال يعقوب: سميت الناسة لأن أهلها كأنهم ينسون من العطش.قال:

وبلد يُمْسِي قَطاهُ نُسَّسَا

قال أبو عبيدة: فلما لم تتناه جرهم عن بغيها وتفرق أولاد عمرو بن عامر من اليمن، فانخزع بنو حارثة بن عمرو بن عامر فأوطنوا تهامة، فسميت خزاعة ( فخزاعة: كعب، ومليح، وسعد، وعوف، وعدي - بنو عمرو بن ربيعة بن حارثة بن عمرو بن عامر - وأسلم، وملكان بن أفصي بن حارثة بن عمرو بن عامر ) بعث الله عز وجل على جرهم الرعاف والنمل فأفناهم.فاجتمعت خزاعة ليجلوا من بقي، ورئيس خزاعة عمرو بن عامر ؛ وأمه فهيرة بنت عمرو بن الحارث بن مضاض الجرهمى، وليس هو ابن مضلاض الأكبر.فاقتتلوا، فلما أحس عمرو بن الحارث بن مضاض بالهزيمة خرج بغزالي الكعبة وحجر الركن، يلتمس التوبة وهو يقول:

لا هُمّ أن جرهماً عبادُكا. . . . . . . .النَّاس طِرفٌ وهمُ تلادُكا

وهمْ قديماً عَمَروا بلادَكا

فلم تقبل توبته.فألقى غزالي الكعبة وحجر الركن في زمزم ثم دفنها، وخرج من بقى من جرهم إلى إضم من أرض جهينة، فجاءهم سيل أتى فذهب بهم، فقال أمية بن أبي الصلت:

وجُرهم دمَّنوا تِهامة في ال

دَّهرِ فسالت بجمعهم إضَمُ

وولى عمرو بن ربيعة بن حارثة بن عمرو بن عامر.وقال بنو قصي: بل وليه عمرو بن الحارث بن عمرو، أحد بني غبشان بن سليم، من بني ملكان بن أفصي، ولى البيت، وهو الذي يقول:

ونحن وَلينا البيتَ من بعد جُرهم. . . . . . . .لنمنعَه من كلِّ باغٍ وملحدِ

وقال:

وادٍ حرامٌ طيرُهُ ووحشُه. . . . . . . .نحن ولِينا فلا نغُشُّه

وزاد غير أبي عبيدة:

وابن مُضاض قائمٌ يمُشُّه. . . . . . . .يأخذ ما يُهدّى له يفُشُّه

وقال عمرو بن الحارث الجرهمي:

كأنْ لم يكن بين الحَجون إلى الصَّفا. . . . . . . .أنيسٌ ولم يسمُرْ بمكَّة سامرُ

ولم يتربع واسكاً فجنوبَه. . . . . . . .إلى المنحنى من ذي الأراكة حاضرُ

بلى نحنُ كنَّا أهلهَا فأبادَنا. . . . . . . .صروفُ اللَّيالي والجدودُ العواثرُ

وقال أيضا:

يأيها الناس سِيروا أن قَصْرَكمُ. . . . . . . .أنْ تُصبحوا ذاتَ يومٍ لا تسيرونا

كنَّا.أناساً كما كنتمْ فغيَّرنا. . . . . . . .دهرٌ فأنتم كما كُنَّا تكونونا

حُثُّوا المطيَّ وأرخوا من أزمتَّها. . . . . . . .قبلَ الممات وقَضُّوا ما تقضُّونا

يقول: بادروا فخذوا بحظكم من الدنيا وما تقدمون لأنفسكم، فإنكم تموتون كما متنا.أي اعملوا لآخرتكم وأحكموا أمر دنياكم.فوليت خزاعة البيت.إلا إنه كان في قبائل مضر ثلاث خلال:الإجازة للناس بالحج من عرفة.وكان ذلك إلى الغوث بن مر بن أد بن طابخة، ثم كانت في ولده وكان يقال لهم صوفة، فكانت إذا حانت الإجازة قالت العرب: أجيزي صوفة ! ففخر بذلك أوس بن مغراء السعدي فقال:

قلا يَريمون في التعريف موقفَهم. . . . . . . .حتَّى يقال أجيزوا آلَ صُوفانا

قال: يقال لكل من ولى من أهل البيت شيئا، أو أقام بشيء من خدمته أو بشيء من أمر المناسك: صوفة وصوفان ؛ لانهم بمنزلة الصوف، فيهم من كل لون: قصير وطويل، وأسود وأبيض ؛ ليسوا من قبيلة واحدة ؛ لأنه يذهب قوم ويجيء قوم.والثانية: الإفاضة من جمع غداة النحر إلى منى.فكان ذلك إلى بني زيد بن عدوان بن عمرو بن قيس بن عيلان، فكان آخر من ولى ذلك منهم أبو سيارة عميلة بن الأعزل بن خالد بن سعد بن الحارث، فكان إذا أراد أن يفيض بالناس غداة جمع قال: ( يا صاحب الحمار الأسود، علام تحسد، فهلا صاحب الأمون الجلعد، اللهم اكف أبا سيارة الحسد ! ).ثم يفيض بالناس فكان يقال: ( هو أصح من حمار أبي سيارة ! ).وكان يقال إنه دفع بالناس عليه أربعين سنة لا يعتل.قال أبو عبيدة: فقال قائل:

نحن دفَعْنا عن أبي سيَّارَه. . . . . . . .حتَّى أفاضَ مُجْرياً حمارَه

والثالثة: النسيء لشهور الحرام، فكان ذلك إلى القلمس، وهو حذيفة بن عبد بن فقيم بن عدي بن مالك بن كنانة، ثم في بنيه، حتى صار ذلك إلى آخرهم وقام عليه الإسلام، أبي ثمامة، وهو جنادة بن عوف بن أمية، أحد بني حذيفة بن عبد.فكانوا يحلون من الحرم ما شاءوا، ويحرمون من الحلال ما شاءوا ثم إذا أراد الناس الصدر قام الذي يلي ذلك فقال: ( اللهم إني لا أحاب ولا أعاب، ولا مرد لما قضيت.اللهم أني قد أحللت دماء المحلين من طي وخثعم إحلال دم ظبي، فاقتلوهم حيث ثقفتموهم.اللهم أني أحللت أحد الصفرين: الصفر الأول، ونسأت الآخر للعام المقبل ).وإنما أحل دماء خثعم وطي لأنهم كانوا لا يحرمون الأشهر الحرم.وإنما قالوا أحد الصفرين لأنهم جعلوا المحرم الصفر الأول ليقولوا إنه حلال إذا أحلوا، لأنهم استشنعوا إحلال المحرم.فلما قلم الإسلام قام وقد عادت الحرم إلى أصلها، فأحكمها الله تعالى وأبطل النسيء، قال الله عز وجل فيه تلك الآيات.ففخر بذلك عمرو بن قيس، جذل الطعان، فقال:

ألسنا الناسئينَ على مَعَدّ. . . . . . . .شُهورَ الحِلِّ نجعلُها حراما

فلما أمرت معد - أي كثرت - تفرقت.فقال مهلهل:

غنيَتْ دارنا تِهامةُ في الدَّه

رِ وفيها بنو مَعِدٍّ حُلولا

وأما قريش فلم يفارقوا مكة منذ خلقوا، ولم يدعوا ميراثهم عن إسماعيل عليه الصلاة والسلام.فلما كثروا وقلت المياه عليهم تفرقوا في الشعاب والجباجب من الحرم ولم يخرجوا منه والجبجب والأخاشب: جبال مكة.يقال: ( ما بين أخشبيها وبين جبجبيها أحمق من فلان ! ).فتزوج كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب، فاطمة بنت سعد بن سيل، وهم من الجدرة، وهم حي من جعثنة من أزد شنوءة، حلفاء في بني كنانة.فولدت لكلاب زيدا وزهرة، فهلك كلاب وزيد صغير وقد شب زهرة، فقدم ربيعة بن حرام، من عذرة بن سعد هذيم بن زيد مكة، فتزوج فاطمة فحملها وابنها زيدا وهو صغير، فأتى بهما بلاده.فولدت فاطمة رزاحا.وشب ابن كلاب في حجر ربيعة، فسمى زيد قصيا لبعد داره عن دار قومه ؛ ولم يبرح زهرة مكة.ثم أن قُصياً قال له رجل من بني عذرة: الحق بقومك فإنك لست منا.فقال: ممن أنا ؟ قال: اسأل أمك.فسألها فقالت: أنت أكرم منه نفسا ووالداً ونسبا، أنت ابن كلاب بن مرة القرشي، وقومك آل الله في حرمه وعند بيته.فجهزته، وقال: لا تعجل حتى تخرج حجاج قضاعة فتخرج معهم، فإني أخاف عليك.فلما شخص الحاج شخص قصي معهم حتى قدن على أخيه زهرة وقومه، فلم يلبث أن ساد، فكانت خزاعة بمكة أكثر من قريش.فاستنجد قصي أخاه لأمه رزاحا وله ثلاثة أخوة من أبيه من امرأة أخرى: حن، ومحمود، وجلهمة، بنو ربيعة بن حرام.فأقبل بمن أجابه من أحياء قضاعة، ومع قصي قومه، فنفوا خراعة عن البيت.وزعم قوم من خزاعة أن قصياً تزوج حبي بنت حليل بن حبشية بن سلول ابن كعب بن عمرو بن ربيعة بن حارثة بن عمرو بن عامر، فولدت له عبد الدار، وعبد العزى، وعبد مناف، وعبداً، بني قصي.وكان حليل آخر من ولى البيت من خزاعة، فلما ثقل جعل ولاية البيت إلى ابته حبي، فقالت: قد علمت أني لا أقدر على فتح الباب وإغلاقه.قال: إني أجعل الفتح والإغلاق إلى رجل يقوم لك به.فجعله إلى أبي غبشان، وهو سليم ابن عمرو بن بوى بن ملكان بن أفصي بن حارثة بن عمرو بن عامر، فاشترى قصي منه ولاية البيت بزق خمر وقعود، فلما رأت ذلك خزاعة كثُروا على قصي، فاستنصر أخاه فقدم بمن معه من قضاعة، فقاتل خزاعة حتى نفوا خزاعة.قال أبو عبيدة: فأما الخلفي - وهو رجل من بني خلف - فزعم أن خزاعة أخذتها العدسة حتى كادت تفنيهم، فلما رأت ذلك جلت عن مكة، فمنهم من وهب مسكنه، ومنهم من باع ؛ ومنهم من أسكن.قال أبو عبيدة: وهذا باطل، ليس كما قال الخلفي.فولي البيت قصي، وأمر مكة والحكم بها، وجمع قبائل قريش فأنزلهم أبطح مكة، وكان بعضهم في الشعاب في رءوس جبال مكة، فقسم منازلهم بينهم فسمى مجمعا.وفيه يقول مطرود أو غيره لبنيه:

وزيدٌ أبوهمْ كان يُدعَى مجمِّعا. . . . . . . .به جَمَع اللهُ القبائلَ من فهرِ

وملكه قومه عليهم، فكان قصي أول من أصاب الملك من ولد كعب بن لؤي.فلما قسم أبطح مكة أرباعاً بين قريش هابوا أن يقطعوا شجر الحرم ليبنوا منازلهم، فقطعها قصي بيده، ثم استمروا على ذلك من سنة قصي.

( يَمِيناً لَنِعْمَ السَّيِّدَانِ وُجِدْتُمَا. . . . . . . .عَلَى كُلّ حَالٍ مِنْ سَحِيلٍ ومُبْرَمِ )

معناه: لنعم السيدان وجدتما حين تفاجآن لأمر قد أبرمتماه.وأمر لم تبرماه ولم تحكماه، على كل حال من شدة الأمر وسهولته.وأصل السحيل والمبرم أن المبرم يفتل خيطين حتى يصيرا خيطا واحدا.والسحيل خيط واحد لا يضم إليه آخر.وقال أبو جعفر: قوله ( من سحيل ومبرم ) معناه من أمر شديد أو لين، محكم أو غير محكم.وأنشد يعقوب:

باتَ يُصادي أمرَه أمُبْرمُه. . . . . . . .أعْصَمُه أم السَّحيل أعصَمُه

ويمينا نصب بأقسمت، وموضع نعم نصب بوجدتما، والسيدان رفع بنعم.

( تَدَاركتُما عَبساً وذُبيانَ بعد ما. . . . . . . .تَفَانَوْا وبَقَّوْا بينَهمْ عِطَر منَشِمِ )

في أخرى: ( ودقوا )، وكذا الخزاعي: ( ودقوا ).قال أبو جعفر: يصف قوما تحالفوا ثم أخذوا العطر بأيديهم ليتحرموا به، ثم خرجوا إلى الحرب فقتلوا جميعا فتشأمت العرب بها، واسمها منشسم.وقال الأصمعي في عطرها على أن يقاتلوا حتى يموتوا.يقول: فصار هؤلاء بمنزلة أولئك في شدة الأمر.قال: وقال أبو عمرو بن العلاء: عطر منشم إنما هو من التنشيم في الشر، ومنه قولهم: ( لما نشم الناش في عثمان رضي الله سبحانه عنه ).ومنه قول علقمة:

خَضَر المزاد ولحمٌ فيه تنشيمُ

أي قد ابتدأ في الإرواح.وقال أبو عبيدة: منشم اسم وضع لشدة الحرب، وليس ثم امرأة، كقولهم: ( جاءوا على بكرة أبيهم )، وليس ثم بكرة.وقال أبو عمرو الشيباني: منشم امرأة من خزاعة كانت تبيع عطرا بمكة، فإذا حاربوا اشتروا منها كافورا لموتاهم ؛ فتشأموا بها.وقال ابن الكلبي: منشم امرأة الوجيه الحميري.وعبسا منصوب بتداركتما، وأجرى لأنه اسم لرجل لا علة فيه تمنعه الإجراء.وذبيان لا يجري لأن فيه ألفا ونونا زائدتين.

( وقد قلتما أن نُدركِ السلْم واسعاً. . . . . . . .بمال ومعروف مِن القَوْلِ نسلَمِ )

السِّلْم والسَّلْم: الصلح ؛ وهو يذكر ويؤنث.قال الله عز وجل: ( وإنْ جَنَحُوا للسَّلْم فاجْنحْ لها )، فيجوز أن يكون أنث لتأنيث الجنحة، لأن المعنى فاجنح للجنحة.وأنشد أبو العباس:

فلا تضيقَنَّ أن السلم واسعةٌ. . . . . . . .مَلْساءُ ليس بها وعْثٌ ولا ضِيقُ

وقوله ( واسعا ) معناه ممكن.يقول: نبذل فيها الأموال ونحث عليها.وموضع واسع نصب على الحال من السلم، والباء صلة ندرك، وموضع نسلم جزم على جواب الجزاء.

( فأَصْبَحْتُما منها على خَير مَوطنٍ. . . . . . . .بَعيدين فيها مِنْ عُقوقٍ ومَأْثَمِ )

معناه: لا تركبان منها ما لا يحل لكما.ونصب بعيدين على الحال، وعلى خبر أصبحتما.

( عظيمَيْن في عُليا معَدٍّ هُدِيتُما. . . . . . . .ومَنْ يسْتَبحْ كَنْزاً من المجدِ )

عليا معد: أرفعها ؛ يقال: هو في عُليا معد وعَليا معد.قال النابغة:

يا دار مية بالعَلياء فالسَنَدِ. . . . . . . .أقْوتْ وطال عليها سالفُ الأبدِ

وقال أبو جعفر: قوله ( يستبح كنزا ) أي يجد كنزل مباحا فيأخذه لنفسه فيعظم حينئذ.وقال ( يعظم ): يأتي بأمر عظيم.و ( يعظم ): يعظمه الناس.و ( يعظم ) يصير عظيما.وقال: يروى على هذه الوجوه الثلاثة.وموضع عظيمين نصب على الإتباع لبعيدين.وموضع من رفع بما عاد من يستبح، ويعظم موضعه جزم لأنه جواب الجزاء.

( وأَصبَحَ يُحْدَي فيكُم مِن إِفالِها. . . . . . . .مَغانِمُ شَتَّى منْ إِفالِ مُزَنَّمِ )

يحدي: يساق.ويروى: ( فأصبح يجري فيهم من تلادكم ).والتالد من المال والتليد: ما ولد عندهم، وأصله الوالد والوليد، فأبدلت التاء من الواو ؛ كما قالوا متزن، والتراث وأصله الوراث، وتجاهى وأصله وجاهي.والطارف والطريف: ما استحدثوا.يقول: صرتم تغرمون لهم من تلادكم.هذا قول يعقوب.وقال أبو جعفر: قوله من تلادكم معناه من كرم سعيكم الذي سعيتم لهم حتى جمعتم لهم الحمالة.وقال: هذا قول ابن الأعرابي.ورواه أبو جعفر: ( من نتاج مزنم ) وقال: إفال خطأ، لأنه لا ينبغي أن تكون مزنمة.وقال يعقوب: الإفال: الصغار من الإبل بنات المخاض وبنات اللبون، الواحد أفيل وأفيلة للأنثى.وقوله ( مزنم )، والتزنيم علامة كانت تجعل على ضرب من الإبل كرام، وهو أن يسحى ظاهر الأذن، أي تقشر جلدته، ثم تفتل فتبقى زنمة تنوس، أي تضطرب.قال المتلمس:

وإنَّ نصابي أن سألتَ وأسرتي. . . . . . . .من الناس حيٌّ يقتنون المزنَّما

وروى أبو عبيدة: ( من إفال المزنم )، وقال: هو فحل معروف.قال: ويقال عطاء مزنم ومزند، أي قليل.وقال أبو جعفر: يقال عطاء مزلم ومزند.وأنكر النون مع الميم.والمغانم ترتفع لأنها اسم أصبح، وخبر أصبح ما عاد من يحدى، وشتى في موضع رفع على النعت للمغانم.

( تُعفَّى الكُلومُ بالمِئِينَ فأَصبحَتْ. . . . . . . .يُنَجِّمُها مَنْ ليس فيها بمُجْرِمِ )

قوله ( تعفى الكلوم ) معناه تمحى الجراح بالمئين من الإبل تؤدي، يجعلونها نجوما.ويقال عفا الشيء يعفو عفاء، إذا درس.وقد عفوته وعفيته ويقال كلم وكلام وكلوم.وقد كلمت الرجل أكلمه كلما، وقرحته أقرحه قرحا، وجرحته أجرحه جرحت.وهو رجل كليم في قوم كلمى، وجريح في قوم جرحى، وقريح في قوم قرحى.وقوله: ( من ليس فيها بمجرم ) يقول: انتم تغرمونها ولم تجرموها وتجنوها.يقال أجرم الرجل يجرم إجراما، وجرم يجرم جرما وجرمة.قال عمرو بن البراقة الهمداني:

وننصُر مولانا ونعلم أنَّه. . . . . . . .كَمَا النَّاسِ مجرومٌ عليه وجارمُ

وقال أبو جعفر: من ليس فيها بمجرم، يعني الساعيين.والكلوم اسم ما لم يسم فاعله، والباء صلة تعفى، واسم أصبحت مضمر فيه من ذكر المئين، وخبر أصبحت ما عاد من الهاء في ينجمها، وموضع من رفع.بينجم، وليس صلة من، وما فيه يعود على من، وبمجرم خبر ليس، وفيها صلة مجرم.

( يُنجِّمُها قَوْمٌ لِقَوْمٍ غَرَامةً. . . . . . . .ولم يُهَرِيقُوا بَينَهُمْ مِلءَ مِحْجَمِ )

قوله ( ينجمها ) معناه يجعلونها نجوما ويؤدونها نَجْماَ نجماً.يقول: لم يكن لهم في تلك الحروب ذنب ولاهراقوا فيها دما، ولكنهم حملوها.يقال أرقت الماء أريقه إراقة، ويا فلان أرق ماءك، والماء مراق.وقوم يبدلون من الهمزة هاء فيقولون هرقت الماء أهريقه هراقة، والماء مهراق، ويا فلان هرق.وقوم يتوهمون أن الهاء أصلية - وإنما هي بدل من ألف أفعلت - فيزيدون عليها ألفا فيقولون أهرقت الماء أهريقه إهراقا، والماء مهراق بتسكين الهاء، ويقولون أهرق ماءك.ويقال ملأت الإناء فأنا أملؤه ملئا بفتح الميم، والمِلء، بكسر الميم الاسم، وهو ما يأخذه الإناء الممتلئ من الشراب.يقال أعطني ملء القدح وملأيه، وأعطني ثلاثة إملائه.وأصل يهريق يؤروق، فأبدلوا من الهمزة هاء فصار يهروق، واستثقلوا الكسرة في الواو فألقوها على الراء، وصارت الواو ياء لانكسار ما قبلها.والقوم يرتفعون بفعلهم، والغرامة تنتصب على المصدر، والملء ينتصب بوقوع الفعل عليه.

( أَلاَ أَبلِغِ الأَحلافَ عنِّى رِسَالةً. . . . . . . .وذُبْيانَ هَلْ أَقْسمتمُ كُلَّ مُقْسَمِ )

الأحلاف: أسد وغطفان، الواحد حلف.يقال فلان حلف بني فلان، إذا حالفوه أن يمنعوه مما يمنعون منه أنفسهم وأن يكون معهم يدا على غيرهم.ويقال أقسمت في اليمين فأنا أقسم إقساما ومقسما.والمقسمة: الموضع الذي يحلف فيه.وألا افتتاح للكلام.والرسالة مفعول ثان، وكل مقسم منصوب على المصدر.

( فلا تَكْتُمُنَّ اللهَ ما في صَدُوركم. . . . . . . .ليَخفَى ومَهما يُكتَمِ اللهُ يَعلَمِ )

معناه: لا تكتموا الله تعالى ما صرتم إليه من الصلح وتقولوا إنا لم نكن نحتاج إلى الصلح وأنا لم نسترخ من الحرب ؛ فإن الله جل وعلا يعلم من ذلك ما تكتمونه.يقال كتمت الأمر كتمة وكتمانا، إذا لم تظهره.وقال الأصمعي: يقال ناقة كتوم، إذا كانت لا ترغو.قال: ويقال قوس كاتم، إذا لم ينصدع قلبها.ويقال كتمت المزادة كتوما، إذا ذهب سيلانها، حكى هذا يعقوب عن أبي عمرو الشيباني.يقال خفي الشيء يخفى، إذا استتر ؛ وأخفيته، إذا سترته ؛ وخفيته، إذا أظهرته.وقال أبو جعفر: معنى البيت لا تظهروا الصلح وفي أنفسكم أن تغدروا، كما فعل حصين بن ضمضم إذ قتل ورد بن حابس بعد الصلح.يقول: فلا تفعلوا، صححوا الصلح.وموضع تكتمن جزم على النهى، والنون دخلت للتوكيد، وما نصب بوقوع الفعل عليها، ويخفى نصب بلام كي، وبكتم جزم بمهما، ويعلم جواب الجزاء.

( يُؤَخَّرْ فَيوضَعْ في كِتاب فيُدَّخَرْ. . . . . . . .ليوْمِ الحِساب أو يُعَجَّلْ فَيُنْقَمِ )

قال يعقوب: معناه لا تكتمن الله تعالى ما في نفوسكم فيؤخر ذلك إلى الحساب فتحاسبوا به ويعجل في الدنيا لكم النقمة به.وقال أبو جعفر: إنما أراد بهذا الغدر وتعظيم شأنه.ويؤخر مجزوم على الاتباع ليعلم.قال الله عز وجل: ( ومَن يَفعلْ ذلك يَلْقَ أثاماً يُضَاعَفْ لَهُ العَذَابُ ).فجزم يضاعف على الإتباع ليلق أثاما.وموضع فيدخر ويعجل وينقم نسق على يؤخر.

( وما الحرْبُ إِلاْ ما عَلِمْتُمْ وذُقْتُمُ. . . . . . . .وما خُوَ عَنْها بالحَدِيثِ المرجَّمِ )

قال يعقوب: معناه وما الحرب إلا ما قد جربتم وذقتم، فإياكم أن تعودوا.وقوله: ( وما هو عنها بالحديث المرجم ) معناه: وما الخبر عنها بحديث يرجم فيه بالظن، ولكن هذا ما شهدتم وباشرتم وعرفتم.المرجم: الذي يرمى فيه بالظن.وقال أبو جعفر: معناه أن غدرتم ثم عادت الحرب وهي ما قد جربتم وعرفتم فإياكم أن تغدروا.والحرب موضعها رفع بما علمتم، وما مرفوعة بها، وعلمتم صلة ما، والهاء المضمرة تعود على ما، والتقدير: وما الحرب إلا ما علمتموه.وذقتم نسق على علمتم، وما جحد لا موضع لها وهو مرفوع بالحديث، والمرجم نعت الحديث، وعنها حال، كأنه قال: وما هو وهو عنها لا عن غيرها.ويصلح في قول الكسائي أن تجعل ( عنها ) من صلة المرجم ويصلح تقديمها لأن الحديث خبر، والمرجم نعته، والألف واللام ينوى بهما الطرح في مواضع الإخبار.أجاز الكسائي: ما عبد الله بأخيك فيك الراغب، لأن الراغب نعت الأخ، والأخ في هذا الموضع اسم والألف واللام لا تلغى في مواضع الأسماء.

( متَى تَبْعَثُوها تَبْعَثُوها ذميمةً. . . . . . . .وتَضرَ إذا ضَرَّيتموها فتَضْرمِ )

قوله ( ذميمة ) معناه مذمومة.يقول: أولها صغير ثم تعظم بعد.يقال رجل ذميم، إذا كان مذموما بالذال، وامرأة ذميم بغير هاء، لأنه مصروف مذمومة إلى ذميم.وهو كقولك كف خضيب، وعين كحيل، ولحية دهين.ويقال رجل دميم، بالدال، إذا كان حقيرا.قال الشاعر:

كضرائر الحسناء قُلنَ لوجهها. . . . . . . .حسداً وبغياً إنه لدميمُ

قوله ( وتضر ) معناه تضرى كما يضرى السبع.ويروى: ( إذا ضريتموها وتلذم ) أي تلزم.قال يعقوب: قال الأصمعي: يقال ألذم به، إذا أغرى به حتى لزمه.وقال أبو جعفر: يقال لذم به وألذم به، والألف أكثر.وقال الأصمعي: قال عمر بن الخطاب رضي الله: ( إياكم وهذه المجازر فإن لها ضراوة كضراوة الخمر ).وتضرم: تضطرم.يقال: أضرم نارك.وقد تضرمت، إذا اشتعلت.يقال: هو يتضرم من الغيظ.قال أبو عبيدة: ( والضرم: دق الحطب وما تسرع فيه النار الاشتعال، وهو الضرام.والجزل: ما غلظ منه.وتبعثوها جزم بمتى، وتبعثوها الثاني جواب الجزاء، وذميمة نصب على الحال من الهاء، وتضرم مجزوم لأنه نسق على تبعثوها، وعلامة الجزم في تضر سقوط الألف، وتضرم نسق على تضر.وقال أبو جعفر: تضرم: تحرق.

( فَتَعْرُكْكُمُ عَركَ الرَّحَى بِثِفالها. . . . . . . .وتَلقَحْ كِشَافاً ثُمَّ تُنتَجْ فتُتْئِمِ )

الثفال: جلدة أو خرقة تجعل تحت الرحى ليكون ما سقط من الطحين في الثفال.ولم يرد كما تعرك الرحى ثفالها، وإنما أراد عرك الرحى ومعها ثفالها، أي عرك الرحى طاحنة، يريد في حال ظحنها.فالباء تقديرها تقدير الحال، وقد فسرناه في غير موضع.ولا تجعل الثفال تحتها أبدا إلا أن تطحن، فإذا طحنت جعل الثفال تحتها حينئذ.ويقال ثفل رحييك وثفل لهما، أي اتخذ لهما ثفالا.يقال قد لقحت الناقة لَقحا ولِقاحا.و ( الكشاف ): أن تحمل على الناقة في كل سنة فتلقح، وذلك أردأ النتاج.يفظع بهذا، أي يتدارك عليكم أمرها.ومثل الكشاف في الغنم الإمغال.وأحمد النتاج في الإبل أن يحمل على الناقة سنة ثم تجم سنة ؛ وذلك أقوى للولد.وفي الغنم أن يحمل عليها في السنة مرة، فاذا حمل عليها في السنة مرتين فذلك الامغال.ويقال نتجت الناقة تنتج نتاجا، ونتجها أهلها ؛ ولا يكون الفعل لها إلا في قولك أنتجت الناقة، وذلك إذا نتجت فوضعت ولدها وليس أحد يحضرها.ويقال ناقة كشوف وإبل كشف.وقد أكشف بنو فلان العام فهم مكشفون.وقوله ( فتتئم ) معناه تنتج اثنين في بطن.يفظع بهذا.يقال: أتأمت المرأة والشاة فهي متئم، إذا ولدت اثنين في بطن واحد.فإذا كان ذلك من عادتها قيل متآم.ويقال: هذا توأم وهذه توأمة، والجمع توائم وتؤام.انشد الفراء:

قالت لنا ودمعُها تُؤامُ. . . . . . . .على الذين ارتحلوا السّلامُ

وقال أبو جعفر: قوله كشافا، يعجل عليكم أمرها بلا وقت.وقال أبو جعفر: الامغال: كثرة الولد من كل شيء.وأنشد في امرأة:

ريّا الروادف لم تُمغِلْ بأولاد

وقال أبو جعفر: أنتجت الناقة، إذا بلغت وقت نتاجها ولما تنتج.وموضع تعرككم جزم لأنه نسق على يؤخر، وكذلك ما بعده من الأفعال المجزومة.والكشاف منصوب على المصدر في قول الكوفيين، وقال البصريون: هو مصدر جعل في موضع الحال.

( فَتُنْتجْ لكُمْ غلِمانَ أَشأَمَ كُلُّهُمْ. . . . . . . .كأَحمرِ عادٍ ثُمَّ تُرضِع فَتفْطِمِ )

معناه تنتج لكم غلمان شؤم.وأشأم هو الشؤم بعينه.يقال كانت لهم بأشأم، يريد بشؤم، فلما جعل أفعل مصدرا أفعل مصدرا لم يحتج إلى من.ولو كان افعل لم يكن له بد مِن مِنْ.وإنما أراد كأحمر ثمود، فاضطره الشعر إلى عاد، فقال على جهة الغلط، كما قال الأعشى:

فإني وثوبَيْ راهب اللُّجّ والتي. . . . . . . .بناها قصيُّ وَحدَه وابنُ جُرهُم

وقصي لم يبن الكعبة.وقال الشماخ:

وشُعبتَا مَيسٍ بَرَاها إسكافْ

أراد: براها نجار، فجعل الإسكاف في موضع النجار.وقال النابغة:

وكلُّ صَموتٍ نَشْلةٍ تُبَّعيَّةٍ. . . . . . . .ونسجُ سُليمٍ كلَّ قَضَّاءَ ذائلِ

أراد: ونسج سليمان ؛ وسليمان لم ينسج الدروع وإنما نسجها داود.وقال الآخر:

والشَّيخِ عثمانَ أبي عَفَّان

وقال أبو عبيد: كأحمر عاد وثمود سواء.وقوله: ( ثم ترضع فتفطم ) معناه أن أمرها يطول عليكم ولا يسرع انكشافها عنكم حتى تكون بمنزلة من يلد ويفطم.وقال أبو جعفر: المعنى إنها تسرع بكم وتدارك بذنوبكم شرا بعد شر، فيفنى بعضكم بعضا وتذهب أموالكم في الحمالات.وقال يعقوب: يقال للصبي وللسخلة في لغة أهل نجد: رضع يرضع رضاعا.وفي لغة تهامة: رضع يرضع.وقال الأصمعي: وقال رجل من أهل مكة: أيقول أحد إلا رضع ؟ قال: وأخبرني عيسى بن عمر الثقفي قال: ينشد أهل تهامة هذا البيت لابن همام السلولي:

وذمُّوا لنا الدُّنيا وهم يرضِعونها. . . . . . . .أفاويقَ حتَّى ما يدرّ لها ثُعْلُ

قال: ويقال: التمس لي مرضعا، أي ذات لبن، فإذا كانت ترضع فهي مرضع ومرضعه.وقال أبو عبيدة: قال بعضهم:

كمرضِعةٍ أولادَ أخرى وضَيَّعتْ. . . . . . . .بنيها فلم تَرقَعْ بذلك مَرقَعا

وقال امرؤ القيس:

فمثلِكِ حُبلى قَد طرقتُ ومُرضع. . . . . . . .فألهيْتُها عن ذي تمائمَ مُحوِلِ

وقال الفراء: يقال الرِّضاع والرَّاع، والرِّضاعة والرَّضاعة، والرضع.وأنشد ابن الأعرابي وغيره:

داويَّة شَقَّت على اللاعِ الشَّكِعْ. . . . . . . .وإنَّما النوم بها مثل الرَّضِعْ

واسم ما لم يسم فاعله مضمر فيه من ذكر الحرب، كأنه قال: فتنتج لكم الحرب غلمان أشأم.ونصب الغلمان بوقوع الفعل عليهم، ويقول بعض النحويين: هو خبر ما لم يسم فاعله.وأشأم موضعه خفض إلا إنه لا يجري، وكلهم مرفوع بالكاف الزائدة لأنها في معنى مثل، والتقدير كلهم مثل أحمر عاد، وهو على مثال أفعل، لأنه أضافه، وكل اسم لا يجري إذا أضيف جرى.

( فتُغْلِلْ لَكُمْ ما لا تُغِلُّ لأَهْلِها. . . . . . . .قُرىً بالعِراقِ مِن قَفِيز ودِرهم )

قال يعقوب: هذا تهكم، أي هزء.يقول: لا يأتيكم منها ما تسرون به مثل ما يأتي أهل القرى من الطعام والدراهم، ولكن غلة هذا عليكم ما تكرهون.قال أبو جعفر: فتغلل لكم معناه أنكم تقتلون ويحمل إليكم ديات قومكم، فافرحوا فهذه لكم غلة.وموضع ( فتغلل ) جزم على النسق على فتنتج لكم.وموضع قرى رفع بتغلل.وموضع ما نصب بتغلل، ومن دخلت مع الجحد وهو ( لا )، كقولك: لا أضرب من أحد، والذي بعدها نكرة في تأويل مفعول، وهي في هذا المعنى لا تدخل إلا على نكرة.

( لِحَيٍّ حِلالٍ يَعصِمُ النَّاسَ أَمرُهُم. . . . . . . .إِذا نَزَلتْ إحدى اللَّيالي بِمُعظَمِ )

قال يعقوب: الحلال: الكثير.والحلة: مائتا بيت تكون في موضع واحد: فيقول: هذه الإبل التي في الدية لحي كثير.وإنما أراد أن يكثرهم ليكثر العقل.وقوله ( يعصم الناس أمرهم ) معناه إذا ائتمروا أمرا كان عصمة للناس.وقوله ( إذا طرقت ) معناه أتت ليلا.وقال أبو جعفر: قوله لحي، معناه تصير إليكم الحمالات بسبب هذا الحي الذي يقوم لكم بأخذها، ثم مدح الحي.فقال يعقوب: ( بمعظم ): بأمر عظيم وقال أبو جعفر: يروى: ( بمعظم ) أي بأمر عظيم.قال: ومن أراد بمعظم، أي بأمر يعظمه الناس.والحلال نعت الحي، والأمر رفع بيعصم، ومعنى يعصم يمنع، كما قال الله عز وجل: ( لا عاصمَ اليومَ من أمر الله )، أي لا مانع.

( كِرامٍ فلا ذُو الضِّغْنِ يُدْرِكُ تَبلَهُ. . . . . . . .ولا الجارِمُ الجاني عَلَيهِمْ بمُسْلَمِ )

يقال ضغن عليه يضغن ضَغنا وضِغنا.والتبل والذحل واحد، يقال، في قلبي عليه ضغن، وذحل، وحقد، وإحنة، وترة، وتبل.قال ذو الرمة:

إذا ما امرؤٌ حاولْن أن يقتتلنَه. . . . . . . .بلا إحنة بين النفوس ولا ذَحْلِ

وقال نصيب:

أمن ذِكر ليلى قد يُعاودني التَّبلُ. . . . . . . .على حينَ شاب الرأس واستوسَق العقلُ

ويقال: في قلبي عليه وغر، ووغم، وغمر.وقال الأعشى:

يقوم على الوغم في قومه. . . . . . . .فيعفو إذا شاء أو ينتقمْ

ويقال: في قلبي عليه حزاز وحزازة.وأنشد أبو العباس عن ابن الأعرابي:

إذا كان أبناء الرجال حزازةً. . . . . . . .فأنت الحلالُ الحلو والباردُ العذبُ

ويقال: في قلبي عليه غمر.قال الأعشى:

ومِن كاشحٍ ظاهرٍ غِمرْه. . . . . . . .إذا ما انتسبتُ له أنكرَنْ

ويقال: في قلبي عليه دمنة.قال الشاعر:

ومن دِمَنٍ داويتَها فشفيتَها. . . . . . . .بسَلمكَ لولا أنتَ طال حروبُها

ويقال: في قلبي عليه حسيفة وكتيفة.وأنشد أبو العباس:

أخوك الذي لا تملك الحسَّ نفسُه. . . . . . . .وترفضُّ عند المحْفِظات الكتائفُ

ويقال: في قلبي عليه وتر.وقد وتره فلان وتبله.والجاني، من قولك: جنى عليه شرا.يقول: من جنى عليهم لم يسلموه.ويقال: جنى عليهم شرا، وأجل يأجل أجلا، وجر يجر جريرة.والكرام نعت الحي، وذو رفع بما عاد من يدرك، والجارم رفع بمسلم.وروى يعقوب:

كرام فلا ذو الضّغْن يدرك تبلَه. . . . . . . .لديهمْ ولا الجاني عليهم بمسلَمِ

( رَعْوا ظِمْأَهم حتَّى إذا تَمَّ أَوْرَدَوا. . . . . . . .غِماراً تَسِيلُ بالسِّلاح وبالدَّمِ )

ويروى: ( رعوا ما رعوا من ظمئهم ثم أوردوا ).ويروى: ( تفرى بالسلاح ).والظمء: ما بين الشربتين.وقوله: رعوا ما رعوا، ضربه مثلا لرمهم أمرهم ثم وقوعهم بالحرب.و ( الغمار ): الأمور العظام.قال الراجز:

الغَمَرات ثم ينجلينا

وغمرة كل شيء: معظمه.قال أبو عبيدة: يعنى سكنوا وكفوا عن القتال ثم أوردوا غمارا، أي قاتلوا.و ( تفرى ): نشقق عليهم.يقال: تفرى الأديم وتفرى الثوب، إذا تشقق ؛ وقد أفريته، إذا شققته.قال أبو جعفر: قوله ( رعوا ظمأهم ) معناه إنه رجع إلى وصف أمرهم قبل الصلح، فأخبر أنهم رعوا ظمأهم.يعني أن بعضهم كان يثب على بعض فيقتله قبل اجتماعهم في الحرب، فلما عادوا في ذلك أوردوا إبلهم غمارا، وإنما يريد أنفسهم.والغمار هاهنا مثل، يريد ما غمرهم من أمر الحرب.والظمء منصوب برعوا، والغمار نصب بأوردوا، وتسيل صلة الغمار.

( فَقضَّوْا مَنَايا بَينهُم ثُمَّ أَصدَروا. . . . . . . .إِلى كَلأٍ مُسْتَوْبَلٍ مُتَوَخَّم )

قوله: ( ثم أصدروا إلى كلأ ) معناه إلى أمر استوخموا عاقبته.وهذا مثل، يقال: كلأ وبيل وماء وبيل، إذا صار غير مريء.ومنه استوبل فعلته، أي استوخمها.قال عنترة:

إن المنية لو تُمثَّلُ مُثِّلتْ. . . . . . . .مثلى إذا نزلوا بضنك المنزلِ

يعني أنهم كانوا من أشدائهم ثم صاروا إلى اخذ دياتهم، فذلك قوله ( إلى كلأ مستوبل متوخم ).والمنايا نصب بقضوا، والمستوبل نعت الكلأ.

( لعَمري لَنِعْمَ الحي جَرَّ عَليهمُ. . . . . . . .بما لا يُوَاتيهمْ حُصَيْنُ بنُ ضَمضمِ )

قوله ( بما لا يواتيهم ) معناه بما لا يوافقهم.و ( جر ) من الجريرة.ويروى: ( بما لم يمالئهم حصين بن ضمضم )، فاجتزأ بأن لم يذكر عليه فقال: لعمري لنعم القوم جر عليهم حصين بن ضمضم بما لم يكن عن ملأ منهم.والممالأة: المتابعة.وحصين من بني مرة، كان أبى أن يدخل في صلحهم، فلما اجتمعوا للصلح شد على رجل منهم فقتله.وقال أبو جعفر: المعنى لنعم الحي جر عليهم بتركه الصلح الذي دخلوا فيه ومخالفته إياهم.والحي رفع بنعم، وحصين رفع بجر.

( وكانَ طَوَى كَشْحاً عَلى مُسْتكنّةٍ. . . . . . . .فلا هُوَ أَبْداها ولمْ يَتقَدَّمِ )

معناه: وكان طوى كشحه على فعلة أكنها في نفسه فلم يظهرها.ويروى: ( ولم يتجمجم ) أي لم يدع التقدم على ما أضمر.يقال: أكننت الشيء، إذا سترته وأخفيته في نفسك، فأنا مكن والشيء مكن.قال الله عز وجل: ( أو أكننتم في أنفسكم ).ويقال كننت الشيء، إذا صنته.والشيء مكنون والرجل كان.قال الله عز وجل: ( كأنهن بيضٌ مكنون ).وقال أبو دهبل:

وهي بيضاءُ مثل لؤلؤة الغ

وَّاضِ مِيزَتْ من جوهر مكنونِ

و ( الكشح ): الخاصرة.وقال أبو جعفر: كان هرم بن ضمضم قتله ورد بن حابس، فقتله أخوه حصين به.و ( المستكنة ): الغدرة.واسم كان مضمر فيها، وطوى خبرها.ولا، معناها لم، كأنه قال: لم يبدها لهم، كما قال الله عز وجل: ( فلا صَدَّقَ ولا صَلَّى ) معناه فلم يصدق ولم يصل.قال الشاعر:

إنْ تغفر اللهمَّ تغفرْ جَمَّا. . . . . . . .وأيُّ عبدٍ لكَ لا ألمَّا

معناه: لم يلمم.

( وَقالَ سَأَقْضي حَاجَتي ثُمَّ أَتَّقي. . . . . . . .عَدُوِّي بأَلْفِ منْ ورَائيَ مُلجِمِ )

ويروى: ( ملجم ).فمن رواه ملجِم أراد بألف فارس ملجم، ومن رواه ملجَم أراد بألف فرس ملجم.والملجم نعت الألف، والألف مذكر، فان رأيته في شعر مؤنثا فإنما يذهب بتأنيثه إلى تأنيث الجمع.وقال أبو جعفر: حاجته قتل ورد بن حابس.

( فَشَدَّ ولمْ يُنْظِرْ بُيوتاً كَثيرَةً. . . . . . . .لدَى حَيْثُ أَلقتْ رَحْلَها أٌُمُّ قَشْعَمِ )

ويروى: ( ولم تنظر بيوت ).وروى الأصمعي: ( فشد ولم تفزع بيوت كثيرة ) يقول: شد على عدوه وحده فقتله ولم يفزع العامة بطلب واحد - يريد بذلك تملقهم وألا يغضبوا - وإنما قصد لثأره ولم يردكم، فاقبلوا الدية والصلح ودعوا الحرب.و ( أم قشعم ): الحرب الشديدة.وقوله ( ألقت رحلها ) أي حيث شدة الأمر.ويقال أم قشعم للمنية.وقال أبو عبيدة: أم قشعم: العنكبوت.أي شد عليه بمضيعة فقتله.ويروى: ( ولم تفزع بيوت كثيرة ) ؛ أراد إنه لم يستعن عليه بأحد.ومن روى: ( ولم ينظر بيوتا ) أراد ولم ينظر حصين بيوتا.ومن روى: ( ولم تنظر بيوت ) جعل البيوت اسم ما لم يسم فاعله.وموضع حيث خفض بلدى، والأم ترتفع بألقت، والرحل منصوب به، وإنما ضمت وهي في موضع خفض لأن أصلها حوث فعدلت عن الواو إلى الياء وجعلت ضمة الثاء خلفا من الواو.هذا قول الكسائي، وقال الفراء: ضمت لتضمنها معنى المحلين، ومن العرب من يظهر الواو في حيث فيقول حوث، فإذا قلت عبد الله حيث زيد، فمعناه عبد الله في مكان فيه زيد، فلما قامت حيث مقام محلين أعطيت أثقل الحركات.

( لَدَى أَسدٍ شاكي البَنانِ مُقاذِفٍ. . . . . . . .لهُ لبَدٌ أَظفارُه لمْ تُقَلَّمِ )

وروى الأصمعي: ( لدى أسد شاكي السلاح مقذف ).يقال: هو شاكي السلاح، وشاكُ السلاح وشاكُّ السلاح، بالتخفيف والتشديد، ومعناه سلاحه ذو شوكة.وأصل شاكي شائك، كما قالوا جرف هار وأصله هائر، قال الشاعر:

فلو أني رميتُكَ من بعيدٍ. . . . . . . .لعَاقكَ عن دُعاء الذئب عاقِ

أراد عائق فقلب.ومن قال شاك في السلاح فمعناه إنه دخل في السلاح.والشكة: السلاح أجمع.وقوله: ( البنان ) أراد براثن الأسد.وأصل البنان أصابع الإنسان، الواحدة بنانة.قال الله عز وجل: ( واضربوا منهم كلَّ بَنَان ) ؛ قال الشاعر:

كم لك مِن خَصلةٍ مباركةٍ. . . . . . . .يحسبها بالبنان حاسبُها

و ( المقذف ): الغليظ اللحم.و ( اللبد ): جمع لبدة، وهي الشعر المتراكب على زبرة الأسد، وهو ما بين الكتفين قد تلبد عليه الشعر.وقوله ( اظفاره لم تقلم ) معناه إنه تام السلاح حديده، يريد الجيش، واللفظ على الأسد.وأنشد:

لعمركَ إنَّا والأحاليفَ هؤلا. . . . . . . .لفي حِقبْةٍ أظفارُها لم تقلَّمِ

وهذا البيت لأوس، أي في دهر.ومثله قول النابغة:

وبنو قُعَين لا مَحالةَ إنَّهمْ. . . . . . . .آتُوك غيرَ مقلَّمي الأظفارِ

وقال الأصمعي: اخذ هذا المعنى زهير والنابغة من أوس.وأنشد لبشر:

وإذا عُقابُهمُ المُدِلَّةُ أقبلَتْ. . . . . . . .نُبِذتْ بأفصحَ ذي مَخالبَ جَهضَمِ

قوله بأفصح، يعني الأسد، وهو مثل للجيش.والأفصح: الأصبح ؛ والصبحة: بياض يعلوه حمرة.وقال أبو جعفر: الرواية الجيدة ( مقاذف ).قال: ومن رواه ( مقذف ) أراد كأنه قذف باللحم قذفا من شدته، كما قال النابغة:

مقذوفة بدخيش النَّحضِ بازلُها. . . . . . . .له صريفٌ صريفَ القعو بالمسَدِ

ولدى صلة شد، وشاكي نعت للأسد، وكذلك المقاذف، واللبد رفع بله، وأظفاره رفع بما عاد من تقلم.والذي في تقلم اسم ما لم يسم فاعله.

( جَرِيءٍ متَى يُظْلَمْ يُعاقِبْ بظُلمه. . . . . . . .سَريعاً وإِلاَّ يُبَدْ بالظُّلمِ يَظْلمِ )

معناه أن هذا الجيش متى تكن له ترة في قوم طلبها، وإن لم تكن له ترة وتر.ويبد جزم بإلا، علامة الجزم فيه سقوط الألف.يقال بدأت بالشيء بتحقيق الهمز، وبدأت بالأمر على تليين الهمز، وبديت على الانتقال من الهمز إلى التشبيه بقضيت ورميت.فمن قال بدأت قال لم أبدأ، ومن قال بدأت قال لم أبدا، ومن قال بديت قال لم أبد، وكذلك قرأت وقرأت وقريت، وخبأت وخبأت وخبيت.

( لَعَمْرُك ما جرَّتْ علَيهمْ رماحُهمْ. . . . . . . .دمَ ابْنِ نَهيكٍ أو قتيلِ المثَلَّمِ )

ويروى: ( أو دم ابن المهزم ).جرت، من الجريرة.يقول: ما حملوا دم ابن نهيك ودم ابن المهزم، لأن رماحهم كانت جرت جريرته، ولكنهم تبرعوا بذلك ليصلح ما بين عشيرتهم.وقال أبو جعفر: المعنى أن هؤلاء قتلوا قبل هذه الحرب، فلما شملهم هذه الحروب أدخلوا كل قتيل كان لهم في هذه الحرب فطالبوا بهم حمالات وقودا حتى اصطلحوا.والعمر يرتفع على القسم، وما جرَّت جواب القسم، والرماح رفع بجرَّت، والدم منصوب به.

( ولا شارَكَتْ في الموْتِ في دَم نَوْفلِ. . . . . . . .ولا وَهَبٍ مِنْها وَلا ابنِ المُحزَّمِ )

وروى أبو جعفر: ( المخزم ) بالخاء معجمة.ورواية يعقوب وجماعة من الرواة ( المحزم ) بالحاء غير معجمة.وفاعل شاركت مضمر فيه من ذكر الرماح، ووهب نسق على نوفل.

( فكُلاًّ أَرَاهُمْ أَصْبحُوا يَعقِلونهُ. . . . . . . .صَحيحاتِ ألف بَعْدَ ألف مُصَتَّمِ )

العقل: الدية.قال الأصمعي: أصله أن يؤتى بالإبل فتعقل بأفنية أولياء القتيل ؛ ثم كثر استعمالهم هذا حتى قالوه في الدراهم.و ( المصتم ): التام ؛ يقال عبر مصتم وحمل مصتم، إذا كان جملا مسنا مصنوعا.وحكى الفراء مال صتم وأموال صتم، كما قيل فرس ورد وأفراس ورد.وقال أبو جعفر: معنى البيت: كل هؤلاء لم يكونوا في هذه الحرب.وموضع كل نصب بأرى، والمعنى: فأرى كلا أصبحوا يعقلونه، فلما تقدم المفعول عن موضعه أدخلوا هاء في موضعه تخلفه ويشتغل الفعل بها، واسم أرى الهاء والميم، وخبره ما عاد من أصبحوا ؛ ويجوز رفع كل بما عاد من الهاء والميم.

( ومَنْ يَعْصِ أَطرافَ الزِّجاجِ فإِنَّهُ. . . . . . . .يُطيعُ العَوالِي رُكِّبتْ كُلَّ لَهذَمِ )

قال الأصمعي: من عصى الأمر الصغير صار إلى الأمر الكبير.وقال أبو عبيدة: هذا مثل، يقول: أن الزج ليس يطعن به، وإنما الطعن بالسنان، فمن أبى الصلح - وهو الزج الذي لا طعن به - أعطى العوالي، وهو التي يطعن بها.قال: ومثل للعرب ( الطعن يظأر ) أي يعطف على الصلح.وقال غيره: كانوا إذا لقوا قوما لقوهم بالأزجة ليؤذنوهم أنهم لا يريدون حربهم، فان أبوا قلبوا لهم الأسنة فقاتلوهم.قال يعقوب: وسمعت أبا عمرو يقول: يقال رمح مزج.إذا عمل له الزج ؛ ومنصل، إذا عمل له نصل.ويقال أنصلت السهم، إذا نزعت نصله ؛ ونصلته، إذا عملت له نصلا.قال الأعشى:

تَداركَه في مُنْصِل الألِّ بعدما. . . . . . . .مضَى غير دأداءٍ وقد كاد يعطبُ

أراد بمنصل الأل رجبا ؛ لانهم كانوا ينزعون النصال فيه ويتركون القتال.والأل: جمع ألة، والألة: الحربة.ومعنى ( يطيع العوالي ) أي إذا طعن بها سقط موتا، فكأنه لما مات مطعونا بها مطيع لها.و ( العوالي ): جمع عالية، وهي نحو من ذراع من مقدم الرمح.وقال أبو جعفر: العامل على مقدار ذراعين من أعالي الرمح، وهو الذي يعمل في الطعن.والعالية من نصفه إلى أعلاه، والسافلة من نصفه إلى أسفله.وقال يعقوب في قوله كل لهذم: معناه الماضي ؛ يقال سنان لهذم ولسان لهذم، سواء.قال أوس بن حجر:

تُخُيِّرن أنضاءً وركِّبن أنصلاً. . . . . . . .كجمرِ غضىً في يوم ريحٍ تزيَّلا

وموضع من رفع بما عاد من يعص ومعناها الجزاء، ويعص جزم بها علامة الجزم فيه سقوط الياء، والفاء جواب الجزاء، والهاء اسم إن، وخبرها ما عاد من يطيع.وموضع العوالي نصب بيطيع، وسكن الياء على لغة من يقول رأيت الجواري بتسمين الياء، واللغة الجيدة فتحها.ويقول أحاب هذه اللغة: رأيت قاض وداع.والكلام الجيد: رأيت قاضيا وداعيا.قال الشاعر:

فكسوتُ عارٍ جنبُه فتركته. . . . . . . .جذلانَ جادَ قميصهُ ورداءه

وركبت صلة العوالي، كأنه قال: فإنه يطيع التي ركبت كل لهذم.

( ومَنْ يُوفِ لا يُذْمَمْ ومن يُفْضِ قلْبُهُ. . . . . . . .إِلى مُطْمئنِّ البرِّ لا يَتجَمْجمِ )

معناه: ومن وفى لا يذم.يقال: وفى الرجل يفي، وأوفى يوفي.قال الشاعر:

أمَّا ابنُ طَوقٍ فقد أوفىَ بذمّته. . . . . . . .كما وفَى بقِلاص النَّجم حاديها

فجمع بين اللغتين.وقوله ( ومن يفض قلبه إلى مطمئن البر ) يقول: من كان في صدره بر قد اطمأن وسكن، ليس ببر يرجف ولم يطمئن، لم يتجمجم وأمضى كل أمر على جهته، وليس كمن غدرا فهو يتردد في أمره ويتثنى.و ( البر ): الصلاح: يقال بررت يا رجل وأنت تبر، وصدقت يا هذا وبررت.وكذلك بررت والدي أبره.وقولهم: برك الله تعالى، معناه وصلك الله سبحانه.وموضع من رفع بما عاد من يوف، ويوف جزم بمن علامة الجزم فيه سقوط الياء، ويذمم جواب الجزاء، والواو نسقت ما بعدها على ما قبلها، ومن الثانية رفع بما عاد من الهاء المتصلة بالقلب، والقلب رفع بيفض، ويتجمجم جواب الجزاء.

( ومَن يَبغِ أَطرافَ الرِّمَاحِ يَنَلْنَه. . . . . . . .ولو رامَ أن يَرقَى السَّماءَ بسُلَّمِ )

يقال: بغيت الشيء فأنا أبغيه بغية وبغاء.قال الشاعر:

لا يمنعنَّك من بُغا. . . . . . . .ءِ الخير تعليقُ التمائمْ

فيقول: من تعرض للرماح نالته.و ( رام ): حاول.ويقال: رقى في الدرجة والسلم يرقى رُقياً ورِقياً.ورقيت الصبي أرقيه رُقية.ورقأت دموعه ترقأ رقوا، إذا انقطعت.يقال في الدعاء على الإنسان: لا يرقيء الله دمعه، إذا دعى عليه بطول البكاء.ويقال: رقأ الدم يرقأ رقوا، إذا انقطع.والرقوء: ما أرقأت به الدم، أي قطعته، يقال: ( لا تسبوا الإبل فإن فيها رقوء الدم )، أي تعطى في الديات فتحقن بها الدماء.ويقال: أرقأ الله بفلان الدم، أي أتاح الله تعالى له قوما يطلبون بدمه فيقتلونه بصاحبهم.والسلم يذكر ويؤنث.قال الله عز وجل: ( أم لهم سُلَّم يستمعون فيه ).وقال الشاعر:

لنا سُلَّم في المجد لا يبلغونها. . . . . . . .وليس لكم في سُورة المجد سلَّمُ

ومن مرفوعة بما في يبغ، ويبغ مجزوم بمن، وينلنه جواب الجزاء، ويرقى نصب بأن.ورواه أبو جعفر:

ومَن هاب أسبابَ المنايا ينلنْهَ. . . . . . . .ولو رامَ أن يرقَى السَّماء بسُلَّمِ

( ومَن يَكُ ذا فَضْلٍ فيَبخَلْ بفضله. . . . . . . .على قَوْمهِ يُستَغْنَ عَنه ويُذْمَمِ )

يقال ذممت الرجل أذمه ذما ومذَمة ومذِمة.ويقال قد أذم الرجل، إذا أتى بالذميم من الأمر.ومن مرفوعة بما في يك، ويك مجزوم بمن علامة الجزم فيه سكون النون في الأصل، والنون سقطت لكثرة الاستعمال، وشبهت في حال سكونها بالواو والياء والألف، ولم يجز سقوطها إذا تحركت، كقولك: لم يكن الرجل قائما.وقال الله عز وجل في موضع: ( فلا تكونَنَّ من الممترين ).وقال في موضع آخر: ( فلا تكنْ من المُمْتَرين ) وقال في غير هذه الموضعين: ( فلا تكُ في مرْية منه ).فالموضع الذي قال فيه فلا تكن سكن النون للجزم، والموضع الذي قال فيه فلا تك حذف النون لكثرة الاستعمال، والموضع الذي قال فيه فلا تكونن زاد النون لتوكيد المستقبل وأثبت الواو لتحرك النون، واسم الكون مضمر فيه من ذكر من، وذا فضل خبر الكون، ويبخل نسق على يك، ويستغن جواب الجزاء علامة الجزم فيه سقوط الألف، ويذمم نسق على يستغن.

( ومَن لا يَزَلْ يسترحِلُ النَّاسَ نفْسَه. . . . . . . .ولاَ يُعْفِها يوماً من الذَّمِّ يَندَمِ )

ويروى: ( ومن لا يزل يستحمل الناس نفسه ).فمن رواه ( يسترحل ) أراد يجعل نفسه كالراحلة للناس يركبونه ويذمونه ومن رواه ( يستحمل ) أراد يحمل الناس على عيبه.وموضع من رفع بما عاد من يزل، واسمها مضمر فيها، وخبرها ما عاد من يسترحل، ويعفها نسق على يزل، ويندم جواب الجزاء، ويسترحل في لفظ المرفوع وموضعه نصب على الخبر ؛ لأنك لو وضعت الدائم في موضعه لقلت لا يزل مسترحلا للناس.ويروى: ( ولا يغنها يوما من الشر يسأم ).ويروى عن المازني إنه قال: ( قال أبو زيد: قرأت هذه القصيدة على أبي عمرو مذ أربعون سنة وقال أبو عمرو: قرأتها مذ خمسون سنة ولم أسمع هذا البيت إلا منك ).يعني أبا زيد.

( ومَنْ يَغتربْ يَحسِبْ عَدُوًّا صديقَه. . . . . . . .ومَن لا يكرِّمْ نَفسَهُ لا يُكَرَّمِ )

يغترب، معناه يبعد عن قومه، يقال رجل غريب وغرب، ورجل جانب وجنب.ويقال رجل غريب أجنبي، معناه تضطره الحاجة إلى البعيد منه.ومن جزاء، ويحسب جواب الجزاء واسم المحسبة العدو، وخبرها الصديق.ومعنى يكرِم يُكرِم، وكرم وأكرم بمعنى.

( ومَنْ لا يَذُدْ عَن خَوضِهِ بسِلاحِهِ. . . . . . . .يُهدَّمْ، ومَن لا يَظْلمِ النَّاسَ يُظْلَمِ )

قال يعقوب: يذد: يدفع.يقال ذدت الإبل فأنا أذودها ذودا وذيادا عن الحوض، إذا نحيتها عنه.وقد أذدت الرجل، إذا أعنته على ذياد الإبل.قال الراجز:

ناديتُ في الحيّ ألاَ مُذيدا. . . . . . . .فأقبلت فِتيانُهم تخويدا

وقال أبو عبيدة: الذود: الحبس.وقال في قول الله عز وجل: ( امرأتين تذودان ) معناه تحبسان الغنم.يقال ذاد غنمهم، إذا حبسها.وأنشد:

وقد سَلبتْ عصاك بنو تميم. . . . . . . .فما تدرى بأيِّ عصاً تذودُ

وقال الآخر:

وينهض قومٌ في الحديد إليكمُ. . . . . . . .يذودون عن أحسابهم كلَّ مُجرمِ

وقال الفراء: السلاح يذكَّر ويؤنَّث.وقال: قالت امرأة من بني أسد: إنما سمى جدنا دبيرا لأن السلاح أدبرته.وقال الطرماح وذكر الثور:

يهزُّ سِلاحاً لم يَرِثْها كَلالةً. . . . . . . .يشكُّ به منها غموض المغابِنِ

و ( يرثه )، يعنى قرنيه.وقوله ( ومن لا يظلم الناس يظلم ) معناه من كف عن الناس ظلموه وركبوه.وموضع يذد جزم بمن وعلامة الجزم فيه سكون الدال، والواو سقطت لاجتماع الساكنين، ومن مرفوعة بما عاد من يذد، ويهدم جواب الجزاء.

( ومَنْ لم يُصانِع في أَمورٍ كثيرة. . . . . . . .يُضرَّسْ بأَنيابٍ ويُوطَأْ بِمنْسِمِ )

قوله ( يصانع ) معناه يترفق ويداري.وقوله ( يضرس بأنياب ): يمضغ بضرس.و ( يوطأ بمنسم ) وهذا مثل، يقال: طأني بظلف وكلني بضرس.والمنسمان: الظفران في صدر خف البعير.يقال وطئته فأنا أطؤه وطئا، مثل وضعا.ويقال: نعوذ بالله من طئة الذليل.وقال أبو جعفر: قوله ويوطأ بمنسم، معناه يذل، كقول الفرزدق:

هنالك لو تَبعِي كُليبا وجدتَها. . . . . . . .أذلَّ من القِردان تحت المناسمِ

ويصانع جزم بمن، ومن مرفوعة بما عاد من يصانع، ويضرس جواب الجزاء، ويوطأ نسق عليه.

( ومَنْ يَجْعَلِ المعْرُوفَ مِنْ دُونِ عِرْضِه. . . . . . . .يَفِرْهُ ومَنْ لا يَتَّقِ الشَّتْمَ يُشْتَمِ )

معناه من اصطنع المعروف إلى الناس وقى عرضه.و ( العرض ): موضع المدح والذم من الرجل.يقال إنه لطيب العرض، إذا كان طيب ريح الجسد.وقال بعضهم العرض: النفس.ولحسان بن ثابت:

هجوتَ محمداً فأجبتُ عنه. . . . . . . .وعند الله في ذاكَ الجزاءُ

فإنّ أبى ووالدهَ وعِرضي. . . . . . . .لِعرض محمد منكم وِقاءُ

أراد: نفسي.والحديث الذي يروى في أهل الجنة، انهم ( لا يتغوطون ولا يبولون، إنما هو عرق يجري من أعراضهم مثل المسك )، معناه من أجسادهم.وقوله ( يفره ) يجعله وافرا.ويقال وفرت ماله وعرضه فأنا أفره، وقد وفر مال بني فلان يفر وفورا.ويقال أرض وافرة: لم تحش ولم ترع.ويجعل مجزوم بمن، واللام كسرت لاجتماع الساكنين، ويفره جواب الجزاء علامة الجزم فيه سكون الراء.وكان الأصل فيه يوفره، فحذفت الواو لوقوعها بين الكسرة والياء، كما حذفت من يزن ويلد.وقال الكسائي: حذفت الواو فرقا بين الواقع وغير الواقع: فالواقع قولك يزن الأموال ويلد الأولاد، وغير الواقع وجل يوجل ووحل يوحل.

( سئمِتُ تكاليفَ الحياةِ ومن يعِشْ. . . . . . . .ثمانينَ عاماً لا أَبا لَكَ يَسأَمِ )

قال يعقوب: سئمت ما تجيء به الحياة من المشقة.يقال: عليّ من هذا الأمر تكلفة، أي مشقة.ويقال سئمت من الشيء فأنا أسأم منه سأما، وسأمة ساكنة الهمزة، وسآمة بألف بعد الهمزة.ومثله رأفة ورآفة، وكأبة وكآبة، حكاهن الفراء، وأنشد:

لما رأيتُ إنه لاقامه. . . . . . . .وأنَّني ساق على السآمه

نزعت نَزعاً زَعزعَ الدِّعامهومعنى سئمت مللت.قال لبيد:

ولقد سئمتُ من الحياة وطولها. . . . . . . .وسؤالِ هذا الناسِ كيف لبيدُ

وقال أبو جعفر: سئمت تكاليفي في الحياة.والثمانين نصب بيعش، والحول نصب على التفسير، والأب منصوب بلا على التبرئة، ولك خبر التبرئة، وهذه اللغة العالية، وهي مبنية على لغة الذين يقولون قام أباك وأكرمت أباك ومررت بأباك.ويقال لا أب لك على لغة الذين يقولون قام أبك وأكرمت أبك ومررت بأبك.وأنشد الفراء:

فلا أبَ وابناً مثلُ مروانَ وابنهِ. . . . . . . .إذا ما ارتدى بالمجد ثم تأزّرا

( رَأَيْتُ المنَايَا خَبْطَ عَشْواءَ مَنْ تُصِبْ. . . . . . . .تُمِتْهُ ومَن تُخْطئْ يُعمَّرْ فَيَهْرَمِ )

قال يعقوب: ( خبط عشواء ) معناه تعشو فلا تقصد، فمن أصابته قتلته.يقال عشا يعشو عشوا، إذا جاء على غير بصر.ومنه قوله:

متى تأتهِ تعشو إلى ضوء نارِه. . . . . . . .تجدْ خير نارٍ عندها خيَرُ مُوقِدِ

أي تأته على غير قصد.وقد عشى يعشى عشىً، إذا أصابه العمى.ورجل أعشى وامرأة عشواء ممدود.قال: وسمعت الكلابي يقول: فتنة عشواء، أي اتسعت حتى ليس لأحد تخلص منها.ويقول الرجل للآخر: استعشيتني على القوم، وذلك أن تخبرهم أن له عندهم طلبة وليس له عندهم طلبة، فيظلمهم بلسانه أو يده.ويقال لا تعاش عليَّ، وذلك إذا رأى منه ميلا عليه وليس له قبله حق.وقال أبو جعفر في قوله ( رأيت المنايا خبط عشواء ): هو مثل، معناه أن المنايا تأتي بما لا تعرفه، فمن أصابته أماتته، فكأنها ناقة عشواء لا تبصر، وقد ندت فهي تقتل من أصابته.والمنايا اسم رأيت، وخبط عشواء خبرها، والمعنى كخبط عشواء.

( ومَهْمَا تَكُنْ عِندَ امرئٍ مِنْ خَلِيقَةٍ. . . . . . . .وَلوْ خَالَها تَخْفَى عَلى النَّاس تُعْلَمِ )

قوله ( ومهما ) معناه وما تكن عند امرئ.فأرادوا أن يصلوا ما بما التي يوصل بها حروف الجزاء كقولك إما، ومتى ما، فثقل عليهم أن يقولوا ماما ؛ لاستواء اللفظين، فأبدلوا من الألف الأولى هاء ووصلوها بالثانية فقالوا مهما.وقوله ( ولو خالها ) معناه ولو ظنها.وقال يعقوب: معناه أن الرجل سيلبس رداء عمله.والهاء والألف اسم خال، والخبر ما عاد من تخفى.

( وَأَعْلَمُ مَا في اليَوْمِ والأَمْس قَبْلَه. . . . . . . .وَلكنَّني عَنْ علْمِ ما في غَد عَمِى )

قوله ( عمى ) معناه غبي عنه جاهل.يقال رجل أعمى القلب وعمى القلب.والأمس نسق على اليوم.وسبيل أمس أن يكون مكسورا إذا كان معرفة لا ألف ولا لام فيه، كقولك: مضى أمس ورأيته أمس.فإذا دخلت عليه الألف واللام عرب بوجوه الإعراب، كقولك مضى الأمس بما فيه، ولقيته الأمس، وربما أدخل عليه الألف واللام وترك على كسره، كقول الشاعر:

وإني حُبِستُ اليومَ والأمسِ قبله. . . . . . . .ببابكَ حتَّى كادت الشمسُ تغربُ

وإنما الزم الكسر إذا كان معرفة لا ألف ولا لام فيه، لأن أصله عندهم الأمر ؛ كقولك: أمس عندنا يا رجل، فلما سمى به الوقت ترك على كسره.والأصل في ( غد ) غدو، فحذفت الواو وعربت الدال.قال لبيد:

وما الناس إلاّ كالدّيار وأهلِها. . . . . . . .بها يومَ حلُّوها وغَدْواً بلاقعُ

وقال ابن أحمر:

أغَدْواً واعَدَ الحيُّ الزِّيالا. . . . . . . .وشوقاً لا يبالي الحيُّ بالا

تمت قصيدة زهير بغريبهاوهي تسعة وخمسون بيتاوتتلوها قصيدة عنترة^

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي