جمهرة الأمثال/الفرار بقرابٍ أكيس

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

الفرار بقرابٍ أكيس

الفرار بقرابٍ أكيس - جمهرة الأمثال

أخبرنا أبو أحمد، عن ابن دريد، عن العكلى عن حاتم بن قبيصة، عن الكلبى قال: تنكر عمرو بن هند لبنى تميم بعد يوم أوارة، وضيق عليهم، ومنعهم الميرة، فأضر ذلك بهم، فاجتمع أولو الحجى، فقالوا: إن هذا الأمر إن تمادى بنا بعدت نجعتنا، وتشعبت بيضتنا، واختطفتنا ذؤبان العرب، فمن لهذا الملك ؟ فأجمع رأيهم على معبد بن زرارة، وكان حدثاً لوذعياً، خراجاً ولاجاً، فوفدوه على خطارٍ منهم به، فقدم معبدٌ الحيرة متنكراً، فنزل على رجل من بنى القليب بن عمرو بن تميم، وكان من صنائع الملك، وقد أوطن الحيرة وتنأبها، فأطلعه طلع أمره، فقال له القليبى: إنك قد هجمت على خطرٍ عظيم، فتأن وقلب ظهر أمرك لبطنه، ولا تقدم إقدام المغرر، فإن الأمور يكشف بعضها بعض، والحاجة تفتق الحيلة، ومع يومك غدك، وللملوك طيرةٌ تراشى، وصبواتٌ تحذر، وإنما هو كالنار المشعلة بمختلف الريح العاصف، فإن لا تتأن لها يحرقك لهبها، وإنك من الملك بين نطرة رأفة، أو بطشة نقمة، فكن كواطىء المزلة، وليكن لك مطيتان، الصبر والحذر، فإن الصبر يبلغك، والحذر ينجيك، على أن للمستشار حيرة، فأمهل الرأى يغب.فبات معبدٌ ليلته عنده، فلما أصبح قال له: يا معبد، إن وثقت من نفسك بلسان عضبٍ، وجنان ندب فأقدم، وإن خفت خذلان بيانك، وانخزال جنانك ف، فقال معبد: إنى لا أرجو ألا أبعل بمقال، ولا ارتد عن مجال، والإقدام على المرهوب، والظفر بالمطلوب، فقال له القليبى: إن الملك غادٍ إلى الصيد فاعترضه كأنك قادمٌ من سفر، ولا يعلمن بأنك دخلت الحيرة ولا لقيت أحداً من أهلها، فالقه ولا تخضع خضوع الضارع، ولا تقدمن إقدام المقارع، وكن بين الآيس والطامع.فخرج معبد حتى اعترض الصحراء فابتدره الفرسان حتى أتوا به الملك، فقال له: من أين أقبلت أيها الراكب ؟ قال: من بلد سماؤه غبراء، وأرضه قشراء، وتربه مور، وماؤه غور، وأهله يتكنفون بالغثاث، ويتقرمصون في البراث، فالطفل مرموع، واليافع مقصوع، فلا مسكة لفقير، ولا صمتة لصغير، ولا حرك لكبير، فقال الملك: وأبيك إنك لتصف جهداً فأين بلدك ؟ قال: بلدٌ ألقى الشقاء على أهله جشمه، وأثار البلاء فيهم قتمه، فقال الملك: لقد وصفت شراً شمراً، وبلاءً مصراً فمن أولئك ؟ قال: قومٌ كفروا النعمة، وانتهكوا الحرمة، واستوجبوا النقمة، قال الملك: أجل، فأيهم أنت ؟ قال: بسطة الملك قاهرةٌ، ويده ظاهرةٌ، وعقابه يخشى، وعفوه يرجى، فعلى أي الناحيتين أميل ؟ قال: على المرجو فعول، قال: أنا معبد بن زرارة، فقال له الملك: يا معبد، قد أتى لك ولقومك أن تتبعوا القصد إلى الرشد، ثم أعطاهم كتاب أمانٍ، وأذن لهم في الامتياز. وقيل: المثل لجابر بن عمر المازنى، وكان يسير في طريقٍ ومعه أوفى بن مطر، وشهاب بن قيس، فرآى أثار رجلين، معهما فرسان وبعيران، وكان قائفاً، فقال: أرى آثار رجلين شديد كلبهما، عزيز سلبهما، إلا أن الفرار بقراب أكيس ثم مضى وذهب أوفى وشهابٌ في أثر الرجلين، وكان على أوفى يمينٌ ألا يرمى أكثر من سهمين، ولا يستجيره رجلٌ إلا جاره، ولا يغتر رجلاً حتى يؤذنه، فمر بالرجلين وهما في ظل شجرة، وإذا هما من بنى أسد بن فقعس، فقال أوفى لأحدهما: استمسك فإنك معدوٌ بك، فقال الأسدى: إنما تعدو بأسدٍ مثلك، يجد بالمصاع مثل وجدك، فقال أوفى: ارم ارم يا شهاب، فإن يده في غمة، فقال الأسدى:

لا تحسبن أن يدى في غمه

في قعر نحىٍ يستثير حمه

أمسحها بخرقةٍ أو ثمه

والحمة: ضربٌ من الرواضين.والثمة: طبق يعمل في أغصان الشجر تأكل عليه الأعراب، فقال أوفى:

ليس لمخلوقٍ على إمه

أنا الذي وصى ببكلٍ أمه

دع الرماء واقترب هلمه

فرمى الأسدى أوفى فجرحه، ورمى شهابٌ الأسدى الآخر فصرعه، فقال الآخر: جوارٌ يا أوفى، فقال: على مه ؟ فقال: على أحد الفرسين وأحد البعيرين، وعلى أن نداوى صاحبينا فأيهما مات قتلنا به صاحبه، فتواثقا على ذلك، وانطلقا وهما جريحان، فنزلا على وشل بجيلة فعوفيا، فقال أوفى يذكر فرار جابر:

فمن مبلغٌ خلتى جابراً

بأن خليلك لم يقتل

فليت سنانك صنارةٌ

وليت قنانتك من مغزل

ومعنى المثل أن فرارنا ونحن بقربٍ من السلامة أكيس من أن نتورط في المكروه بثباتنا.وقراب وقريب سواء، كما تقول: جميل وجمال، وكريم وكرام.

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي