بانتظار غودو

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

أبيات قصيدة بانتظار غودو لـ نزار قباني

1
ننتظرُ القطارْ
ننتظرُ المسافرَ الخفيَّ كالأقدارْ
يخرجُ من عباءةِ السنينْ
يخرجُ من بدرٍ ، من اليرموكِ ،
من حطّينْ ..
يخرجُ ..
من سيفِ صلاحِ الدّينْ ..
من سنةِ العشرينْ
ونحنُ مرصوصونَ ..
في محطّةِ التاريخِ ، كالسّردينْ ..
يا سيّداتي سادتي :
هل تعرفونَ ما حُريّةُ السّردينْ ؟
حينَ يكونُ المرءُ مضطرّاً
لأن يقولَ رغمَ أنفهِ : (آمينْ)
حينَ يكونُ الجرحُ مضطرّاً
لأن يُقبّلَ السكّينْ ..
يا سيّداتي سادتي :
من سنةِ العشرينْ
ونحنُ كالدجاجِ في أقفاصنا
ننظرُ في بلاهةٍ
إلى خطوطِ سكّةِ الحديدْ
أفقيّةٌ حياتُنا ..
مثلَ خطوطِ سكّةِ الحديدْ
ضيّقةٌ .. ضيّقةٌ
مثلَ خطوطِ السكّةِ الحديدْ
ساعاتُنا واقفةٌ
لا اللهُ يأتينا .. ولا موزّعُ البريدْ
من سنةِ العشرينْ ، حتى سنةِ السبعينْ
نجلسُ في انتظارِ وجهِ الملكِ السعيدْ
كلُّ الملوكِ يشبهونَ بعضَهمْ
والملكُ القديمُ ، مثلُ الملكِ الجديدْ

2
ننتظرُ القطارْ
ونحملُ البيارقَ الحمراءَ ، والأزهارْ
تمضغُنا مكبّراتُ الصوتِ في الليلِ
وفي النهارْ
تنشرُنا إذاعةُ الدولةِ بالمنشارْ
إنتبهوا !
إنتبهوا !
خمسينَ يوماً - ربّما - تأخّرَ القطارْ
خمسينَ يوماً - ربّما - تأخّرَ القطارْ
تقيّحتْ أفخاذُنا من كثرةِ الجلوسْ
تقيّحَتْ ..
في رأسنا الأفكارْ
وصارَ لحمُ ظهرِنا
جزءاً من الجدارْ
جاؤوا بنا عشرينَ ألفَ مرّةً
تحتَ عويلِ الريحِ والأمطارْ
واستأجروا الباصاتِ كي تنقلنا
ووزّعوا الأدوار ..
وعلّمونا .. كالقرودِ الرقصَ
والعزفَ على المزمارْ
ودرّبونا ..
- ككلابِ الصيد - كيفَ ننحني
للقادمِ المسكونِ بالدهشةِ والأسرارْ
إذا أتى القطارْ ..

3
لم نَرَهُ ..
لكنَّ مَن رأوهُ فوقَ الشاشةِ الصغيرهْ
يبتلعُ الزجاجَ ..
أو يسيرُ كالهنودِ فوقَ النارْ
ويُخرجُ الأرانبَ البيضاءَ من جيوبهِ
ويقلبُ الفحمَ إلى نُضارْ
يؤكّدونَ أنّهُ ..
من أولياءِ اللهِ .. جلَّ شأنُهُ
وأنَّ نورَ وجههِ يحيِّرُ الأبصارْ ..
وأنّهُ سيحملُ القمحَ إلى بيوتنا
والسمنَ .. والطحينَ .. بالقنطارْ
ويجعلُ العميانَ يبصرونْ
ويجعلُ الأمواتَ ينهضونْ
ويزرعُ الحنطةَ في البحارْ
وأنّهُ - في سنواتِ حكمهِ -
يُدخلنا لجنّةٍ ..
من تحتها تنسكبُ الأنهارْ
لم نرَهُ ..
ولم نقبّلْ يدهُ
لكنَّ مَن تبرّكوا يوماً بهِ ..
قالوا بأنَّ صوتَهُ
يُحرّكُ الأحجارْ ..
وأنّهُ ..
وأنّهُ ..
هوَ العزيزُ الواحدُ القهّارْ ..

4
ننتظرُ القطارْ
مكسورةٌ - منذُ أتَينا - ساعةُ الزمانْ
والوقتُ لا يمرُّ ..
والثواني ما لها سيقانْ
تعلكُنا ..
تنهشُنا ..
مكبّراتُ الصوتِ بالأسنانْ ..
إنتبهوا !
إنتبهوا !
لا أحدٌ يقدرُ أن يغادرَ المكانْ
ليشتري جريدةً ..
أو كعكةً ..
أو قطعةً صُغرى من اللبانْ
لربّه ، لا أحدٌ ، يقدرُ أن يقولَ :
(يا ربّاه)
لا أحدٌ ..
يقدرُ أن يدخلَ ، حتّى ، دورةَ المياهْ ..
تعالَ يا غودو ..
وخلّصنا من الطغاةِ والطغيانْ
ومن أبي جهلٍ ، ومن ظُلمِ أبي سُفيانْ
فنحنُ محبوسونَ في محطّةِ التاريخِ كالخرفانْ
أولادُنا ناموا على أكتافِنا ..
رئاتُنا .. تسمّمَتْ بالفحمِ والدخانْ
والعَرْضَحَالاتُ التي نحملُها
عن قلَّةِ الدواءْ ..
والغلاء ..
والحِرمان ..
صادَرَها مرافقو السلطانْ
تعالَ يا غودو .. وجفِّفْ دمعَنا
وأنقذِ الإنسانَ من مخالبِ الإنسانْ

5
تعالَ يا غودو ..
فقد تخشَّبتْ أقدامُنا انتظارْ
وصارَ جلدُ وجهِنا ..
كقطعةِ الآثارْ ..
تبخّرتْ أنهارُنا
وهاجَرَتْ جبالُنا
وجَفّتِ البحارْ
وأصبحتْ أعمارُنا ليسَ لها أعمارْ
تعالَ يا غودو .. فإنَّ أرضَنا
ترفضُ أن تزورَها الأمطارْ
ترفضُ أن تكُبرَ في ترابِنا الأشجارْ
تعالَ .. فالنساءُ لا يحبلنَ ..
والحليبُ لا يدرُّ في الأبقارْ
إن لم تجئْ من أجلنا نحنُ ..
فمن أجلِ الملايينِ من الصّغارْ
من أجلِ شعبٍ طيّبٍ ..
ما زالَ في أحلامهِ
يُقرقشُ الأحجارْ
يقرقشُ المعلّقاتِ العشرَ ..
والجرائدَ القديمهْ
ونشرةَ الأخبارْ ..

عن نزار قباني

نزار قباني (1342 - 1419 هـ / 1923 - 1998 م) شاعر سوري معاصر من مواليد مدينة دمشق.

تعريفه من ويكيبيديا

نزار بن توفيق القباني (1342 - 1419 هـ / 1923 - 1998 م) دبلوماسي وشاعر سوري معاصر، ولد في 21 مارس 1923 من أسرة عربية دمشقية عريقة. إذ يعتبر جده أبو خليل القباني من رائدي المسرح العربي. درس الحقوق في الجامعة السورية وفور تخرجه منها عام 1945 انخرط في السلك الدبلوماسي متنقلًا بين عواصم مختلفة حتى قدّم استقالته عام 1966؛ أصدر أولى دواوينه عام 1944 بعنوان "قالت لي السمراء" وتابع عملية التأليف والنشر التي بلغت خلال نصف قرن 35 ديوانًا أبرزها "طفولة نهد" و"الرسم بالكلمات"، وقد أسس دار نشر لأعماله في بيروت باسم "منشورات نزار قباني" وكان لدمشق وبيروت حيِّزٌ خاصٌّ في أشعاره لعلَّ أبرزهما "القصيدة الدمشقية" و"يا ست الدنيا يا بيروت". أحدثت حرب 1967 والتي أسماها العرب "النكسة" مفترقًا حاسمًا في تجربته الشعرية والأدبية، إذ أخرجته من نمطه التقليدي بوصفه "شاعر الحب والمرأة" لتدخله معترك السياسة، وقد أثارت قصيدته "هوامش على دفتر النكسة" عاصفة في الوطن العربي وصلت إلى حد منع أشعاره في وسائل الإعلام.—قال عنه الشاعر الفلسطيني عز الدين المناصرة : (نزار كما عرفته في بيروت هو أكثر الشعراء تهذيبًا ولطفًا).

على الصعيد الشخصي، عرف قبّاني مآسي عديدة في حياته، منها مقتل زوجته بلقيس خلال تفجيرٍ انتحاري استهدف السفارة العراقية في بيروت حيث كانت تعمل، وصولًا إلى وفاة ابنه توفيق الذي رثاه في قصيدته "الأمير الخرافي توفيق قباني". عاش السنوات الأخيرة من حياته مقيمًا في لندن حيث مال أكثر نحو الشعر السياسي ومن أشهر قصائده الأخيرة "متى يعلنون وفاة العرب؟"، وقد وافته المنية في 30 أبريل 1998 ودفن في مسقط رأسه، دمشق.

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي