الحب .. في داخل ثلاجة !! …

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

أبيات قصيدة الحب .. في داخل ثلاجة !! … لـ نزار قباني

1
ما عاد بالإمكان أن نواصل الحوار .
فما هناك دهشة .
ولا هناك رعشة .
ولا هناك صرخة مجنونة .
ولا هناك رغبة فينا ولا انبهار ..
تجمد النهدان من بردهما
وانتحرت أنوثة الأزهار ..

2
ما عاد بالإمكان ..
أن نخرج من ثلاجة الحب التي نسكنها .
أيامنا صارت تعيد نفسها .
أجسادنا صارت تعيد نفسها .
شهوتنا صارت تعيد نفسها .
فكيف ، يا سيدتي – سقطنا
في حفرة التكرار ؟ …

3
جالسة أنت معي .
وكل شيء حولنا على سفر .
معاطف جلدية على سفر .
جرائد مقروءة على سفر .
حقائب قديمة .
رسائل قديمة .
عواطف قديمة .
جميعها على سفر !! …

4
أنتِ هنا ؟
أشك جداً .. أن شيئاً منك لا زال هنا ..
فليس في غرفتنا من ثالث ..
غير الضجر ..
قهوتنا باردة .
راحاتنا باردة .
أحداقنا باردة .
نبيذنا الأحمر .. لا اسم له .
عيوننا منحوتة من الحجر .
هذا الواقع ، يا سيدتي
شيء من الأشياء في داخلنا
قد انكسر !!

5
لم يبق من روما جدار واحد .
تبكي على أطلاله .
لم يبق كرسي .. ولا مقهى .. ولا كنيسة ..
نأوي إليها من مزاريب المطر ..
نضرب في شوارع الحب
بلا ذاكرة ..
فقد نسينا شهر أبريل ..
وعنوان العصافير ..
وأسماء الشجر .
كأنما استقال من سمائه ، ضوء القمر .
من يا ترى يخرجنا من حالة الكوما التي نحن بها
ومن ترى يعيدنا من مدن الملح ..
إلى أرض البشر ؟؟

6
كنا قديماً ، نبدع الحب كما نريده .
والحب في أساسه ابتكار .
كنا إذا ما عصف العشق بنا
نخبئ النجوم في جيوبنا
ونخرج الليل من النهار .
كان فمي يقطف من ثغرك ياقوتاً ، وبرقوقاً ، وجلنار ..
كانت يدي تلم عن خصرك أكواماً من اللؤلؤ والمحار ..
كان خيالي ينقل الجبال من مكانها ..
وينقل البحار .
واليوم .. لم يبق على أصابعي
منك ، سوى الزجاج والغبار !! .

7
كنا ملوك الشعر في زماننا .
ومصدر اللغات ..
واليوم ، أصبحنا عصافير بلا أصوات .
شفاهنا من خشب .
كلامنا من خشب .
عيوننا مطفأة كأعين الأموات .
عناقنا أصبح تمثيلية …
ودمعنا أصبح تمثيلية …
والغزل اليومي صار عادة
من جملة العادات !! .

8
لا تنفخي في قربة مثقوبة ..
فما هناك من أمل ..
قد سبق السيف العذل ..
قد سبق السيف العذل ..
لا تنبشي في جسدي
عن أي بئر للهوى .
ففي عروقي نشفت
جميع آبار الغزل !! .

9
يؤسفني ، سيدتي ، أن أقطع الحوار ..
فليس بالإمكان ..
أن أكذب .. أو أغش .. أو أختلق الأعذار ..
وليس بالإمكان .. أن أخترع الحب ..
وأن أخترع العشب .. وأن أفجر الأنهار ..
نوار يأتي مرة واحدة .
ولن يعود ، مرة ثانية ، نوار …

10
نحن جداران من الأسمنت ، يا سيدتي .
ومستحيل أن أمارس الحب
مع الجدار !! ..

عن نزار قباني

نزار قباني (1342 - 1419 هـ / 1923 - 1998 م) شاعر سوري معاصر من مواليد مدينة دمشق.

تعريفه من ويكيبيديا

نزار بن توفيق القباني (1342 - 1419 هـ / 1923 - 1998 م) دبلوماسي وشاعر سوري معاصر، ولد في 21 مارس 1923 من أسرة عربية دمشقية عريقة. إذ يعتبر جده أبو خليل القباني من رائدي المسرح العربي. درس الحقوق في الجامعة السورية وفور تخرجه منها عام 1945 انخرط في السلك الدبلوماسي متنقلًا بين عواصم مختلفة حتى قدّم استقالته عام 1966؛ أصدر أولى دواوينه عام 1944 بعنوان "قالت لي السمراء" وتابع عملية التأليف والنشر التي بلغت خلال نصف قرن 35 ديوانًا أبرزها "طفولة نهد" و"الرسم بالكلمات"، وقد أسس دار نشر لأعماله في بيروت باسم "منشورات نزار قباني" وكان لدمشق وبيروت حيِّزٌ خاصٌّ في أشعاره لعلَّ أبرزهما "القصيدة الدمشقية" و"يا ست الدنيا يا بيروت". أحدثت حرب 1967 والتي أسماها العرب "النكسة" مفترقًا حاسمًا في تجربته الشعرية والأدبية، إذ أخرجته من نمطه التقليدي بوصفه "شاعر الحب والمرأة" لتدخله معترك السياسة، وقد أثارت قصيدته "هوامش على دفتر النكسة" عاصفة في الوطن العربي وصلت إلى حد منع أشعاره في وسائل الإعلام.—قال عنه الشاعر الفلسطيني عز الدين المناصرة : (نزار كما عرفته في بيروت هو أكثر الشعراء تهذيبًا ولطفًا).

على الصعيد الشخصي، عرف قبّاني مآسي عديدة في حياته، منها مقتل زوجته بلقيس خلال تفجيرٍ انتحاري استهدف السفارة العراقية في بيروت حيث كانت تعمل، وصولًا إلى وفاة ابنه توفيق الذي رثاه في قصيدته "الأمير الخرافي توفيق قباني". عاش السنوات الأخيرة من حياته مقيمًا في لندن حيث مال أكثر نحو الشعر السياسي ومن أشهر قصائده الأخيرة "متى يعلنون وفاة العرب؟"، وقد وافته المنية في 30 أبريل 1998 ودفن في مسقط رأسه، دمشق.

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي