التيجان في ملوك حمير/ملك شمر يرعش بن ناشر النعم

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

ملك شمر يرعش بن ناشر النعم

ملك شمر يرعش بن ناشر النعم - التيجان في ملوك حمير

ملك شمر يرعش بن ناشر النعم وقال شمر يرثي أباه ناشر النعم:

بمغاني الأيك والسمر. . . . . . . .ملك أشفى على قدر

ما على الأرضين إن ونيت. . . . . . . .عن سنا الدنيا أبي شمر

ماتت الدنيا لميتته. . . . . . . .ونأى بالسمع والبصر

يا منار العز عدت صدى. . . . . . . .بنهاوند ودينور

ثم قفل بالجيوش يريد أرض المغرب، فاخذ على باب ونزل بغمدان، وولي الملك شمر يرعش وهو تبع الأكبر الذي ذكره الله سبحانه في القرآن لأنه لم يقم للعرب قائم قط أحفظ لهم منه لم يكن عنده من العرب طرف أغنى وأقنى يتجاوز عن مسيئهم ويحسن إلى محسنهم فكان جميع العرب بنو قحطان وبنو عدنان شاكرين لأيامه، وكان أعقل من رأوه من الملوك وأعلاهم همة وأبعدهم غوراً وأشدهم مكراً لمن حارب فضربت به العرب الأمثال وهو عندهم تبع الأكبر وإن كان قبله تبابعة عظماء أعظم منه ولكن لمحبتهم فيه وعظمته في قلوبهم.وإن الصغد والكرد والخوز والزط والقوط كلهم بنو يافث بن نوح النبي صلى الله عليه وسلم بعثوا إلى إخوانهم من بني يافث من كان منهم بأرض أرمينية إلى بلجا وجاجا فقالوا لهم: ألا تغضبون لما نزل بنا من ناشر النعم سبى منا مائة ألف بكر وقتل منا مائة ألف مقاتل فأجابهم إخوانهم من بني يافث إلى النصرة والقيام وهم: الترك والديلم والغور والخوز وبلغ ذلك بني فارس بن لاوذ بن أرم بن سام بن نوح.فاجتمعوا اللسان الأعجمي وكرهوا أيام التبابعة لما يكلفونهم من السخرة في المغازي وغير ذلك من أصناف العمل من المتاع والسلاح.فقدم بنو فارس قباذ بن شهريار الفارسي في الملك وتوجوه وإن الصغد والكرد وأهل نهاوند ودينور عمدوا إلى قبر ناشر النعم فهدموه وفرقوا رخامه وزجاجه وما كان فيه من جزع وغيره وبلغ ذلك تبعاً شمر يرعش فنذر الله نذراً ليرفعن ذلك القبر بجماجم الرجال حتى يعود جبلاً منيعاً شامخاً كما كان وغضب غضباً شديداً وغضبت العرب لغضبه، وكان بنى قبر أبيه ناشر النعم بالرخام الأبيض والأحمر والجزع الأزرق والأحمر حتى جعله جبلاً منيفاً شامخاً وأمر جميع من حوله من القبائل ألا تقرب منه ولا يقطنون حوله فيدمونه وما حوله فأمر تبع شمر يرعش بالجيوش فبرزت وخرج جميع أهل جزيرة العرب طوعاً وغضباً لغضب شمر يرعش بمحبتهم فيه فخرج في عساكر لم يجمع أحد مثلها من التبابعة من بعد ذي القرنين وبلغ ذلك بني يافث وقدمت فارس قباذ إلى قتال تبع شمر يرعش وأقبل بنو يافث بأجمعهم يناصرون قباذ وهم: الترك والديلم والخزر والغور والتبت والصغد والكرد والزط والخوز، وبلغ ذلك شمر يرعش وكان انتصاب قباذ بن شهريار ومن معه من فارس وبني يافث بجبال الري، فسار تبع شمر يرعش حتى نزل بالمشلل فخلف ابنه عمراً الأقرن بالمشلل في مائة ألف فارس وخلف ابنه صيفياً بعمان في مائة ألف، ثم سار فترك العراق الذي فيه جمع فارس وبني يافث وقصد الجزيرة وأخذ على الفرات يريد أرمينية وأنشأ يقول:

اثن على الله بالآية. . . . . . . .وارغب إلى الحق عن الباطل

لعله ينسى مدى إنه. . . . . . . .ويرسل العاجل للآجل

إلى مجوس الصغد والكرد أو. . . . . . . .خزر محل الأرذل السافل

فقل لقحطان حلوم النهى. . . . . . . .أهل المقام الباذخ الهائل

وقل لعدنان سليل الرضى. . . . . . . .قوموا فإن الرشد للفاعل

أنا إذا مالت دواعي الهوى. . . . . . . .وأنصت السامع للقائل

واصطرع الناس بألبابهم. . . . . . . .نقضي بعلم فاصل عاجل

لا نجعل الجاهل في أمره. . . . . . . .يوماً ولا الأنوك كالعاقل

ولا ذوي الغفل كأهل الحجا. . . . . . . .ولا رشيد الرأي كالجاهل

نقضي على ذا وعلى ذا بما. . . . . . . .نقضي على العالم والواهل

لعام أحلام لها منصب. . . . . . . .يجلي عمى الجهل عن السائل

برزت في جمع كمثل الحصى. . . . . . . .يقذف بالرامح والنابل

تسعين ألفا كالدبا يلقها. . . . . . . .والدهم مثل العارض الوابل

والكمت والشقر وأسرابها. . . . . . . .مثل القطا المستورد الناهل

والخيل تشتد بفرسانها. . . . . . . .بكب قرم ماجد باسل

يا لك من جمع إذا ما دنا. . . . . . . .ليس بموهون ولا خاذل

أقسم لا أنفك حتى أرى. . . . . . . .جماجماً تسحج بالآفل

والسيف يمضي والردى حاكم. . . . . . . .يحكم بالمقتول للقاتل

إن أغفلوا العهد وآياته. . . . . . . .فإن شمراً ليس بالغافل

سيصبحوا يوماً على ذلة. . . . . . . .تجحف بالمأكول للآكل

كم من فتاة طفلة غادة. . . . . . . .تصبح بالفيء إلى النافل

نكاح نمي غير ذي رشدة. . . . . . . .تفرح أو تحزن للعاقل

إن صبحوا الأمن فلابد من. . . . . . . .ساعة شغل في مدى شاغل

حتى يذيقوهم حتوفاً كما. . . . . . . .ذاقت ثمود الحتف في العاجل

لنا وجوه الأرض مأمورة. . . . . . . .نطاع باليم وبالساحل

والذهب الأحمر يجبي لنا. . . . . . . .يحمله الرق مع الجامل

والمسك والأنجوج من صيته. . . . . . . .والدر في أصدافه الذابل

لاشين إلا الموت يحدو بنا. . . . . . . .محلول الموت في تائل

وإن تبعا شمر يرعش بلغ أرمينية فبلغ ذلك قباذ فأمر الترك بالمسير إلى أرمينية، فسارت الترك تريد أرمينية فقاتلهم قتالاً شديداً، ثم هزمهم فقتلهم قتلاً ذريعاً إلا من تحصن له في قلة جبل وسبى وخرب المدائن من أرض أرمينية وإن قباذاً زحف من موضعه يمن معه من فارس وفرغان والصغد والكرد والزط والخوز يريد أرض العرب لما بلغه ان تبع يرعش بأرمينية فسار قباذ بن شهريار حتى بلغ حنوقراقر من ارض العراق وبلغ ذلك عمراً الأقرن ابن شمر يرعش تبع فلقيه بالمشلل فاقتتلوا أياماً وبعث الاقرن إلى أخيه صيفي فآتاه من عمان في مائة ألف ونفر إليه المخلفون من أهل اليمن في مائة ألف فلما وصل صيفي إلى أخيه الاقرن هزم قباذ فهرب إلى القادسية فطلبوه، فهرب إلى القصر الأبيض من جبال خراسان وتحصن في رؤوس الجبال، وبعث الأقرن وصيفي إلى أبيهما فاعلماه بما كان من أمر قباذ، فرجع من بلجا وجاجا، وقد أمعن في قتل أهل المشرق فعبر الفرات وسار يريد أرض بابل، ثم قصد قباذ بن شهريار وقد تمنع في رأس جبل، فلما رأى قباذ الغلبة قال لابنه بلاس بن قباذ: اقتلني يا بلاس فاني ميت على يد تبع قال له بلاس: لا تطاوعني يدي على ذلك، قال له: إن لم تفعل قتلت أنا وأخوتك وقومك وطلب من بقي من فارس، ولكن اقتلني وامض برأسي فخذ أماناً لك ولأخوتك وقومك ولودك من بعدك، فقال له بلاس: لست أقتلك ولكن إذا رأيت ذلك هو الرأي فانظر أي ميتة أهون عليك فمت بها، قال فعمد نفسه ففجر الأكحلين ثم تركهما يجريان حتى مات ثم عمد بلاس إلى رأسه فجزه وسار إلى نبع شمر يرعش فقال له: أيها الملك هذا رأس قباذ، هذا سبيل من عصاك فما يكون سبيل من أطاعك ولجأ إليك ورغب في رضاك، قال تبع: من طلب رضاي فله رضاه، قتلت أباك في رضاي فلك رضاك، قال بلاس: أيها الملك ليس أبي ممن أراد هلاكي ولكن أبي ممن أراد بقائي، قال له تبع: فما تريد يا بلاس ؟ قال له أماني وآمان أخوتي وقومي ومن بقي من فارس ويجعلني الملك من بعض خدمه، قال له تبع: لك ما سألت.وكان يرعش أكرم ملك على الأرض وأعقلهم وأكثرهم عفواً وأقربهم رأفة.فقال له بلاس: نحن فارس بنو حام حاشية الملك، قال له: أما أني لم أرد قتلكم يا آل فارس لأنكم أخواننا الكرام من بني سام ولكن اعترضتم دون بني يافث وقد عدلت اتقاء عليكم وقد سألتني يا بلاس أن أجعلك من خدمي، فإن خجمتني في أرضي وفي قومي، لم تطب لك معيشة ولا وفيت لك بانقطاعك إلي ولا كافيتك فيما صنعت فانه ما سبقك أحد ممن كان قبلك إلى مثل فعلك وقد كرهنا لك قتل أبيك ورضينا لك قصدنا، فقد وليتك على قومك فارس، فخذ جيشاً من فارس ثم تقدم بين يدي إلى الصغد والكرد قال: أيها الملك إن أنا لم أنبلهم بين يديك بالسهام الكرمانية والنصال الهندية لم أف لك، فسار بلاس إلى أرض نهاوند ودينور فقتل الصغد والكرد والزط وأكثر القتل في الصغد والخوز والزط فهم أقل بني يافث إلى اليوم وكانوا أكثرهم، وأخذ من كل أمة غلب عليها أمماً يستخدمهم في الصناعات كل قوم فيما أحكموه فيما أحكموه من الصناعات، ثم بلغ سنجار إلى قبر أبيه مالك ناش النعم فأمر ببناء قبر أبيه تبع ناشر النعم وكان نذر لله إنه إن ظفر بالزط والكرد والصغد أن يبني قبر أبيه بجماجم الصغد والكرد حتى يعود جبلاً منيعاً كما كان وأنه أمر بقبر أبيه فبني بجماجم الصغد والكرد حتى عاد كما كان فمشى إليه أشراف حمير فقالوا: أيها الملك وما في هذا من الشرف أن تبني قبر الملك ناشر النعم بجيف هؤلاء العلوج، وقد بلغ الملك أربه وقضى نذره فأمر به فهدم وأمر الكرد والصغد والزط أن يبنوه بأنواع الرخام الأبيض والأحمر والأزرق والأخضر ورصعوه بالجزع اليماني حتى عاد جبلاً شامخاً كما كان فطاف به ومشى في داخله، فلك يعجبه من بنائهم شيء فأمرهم يهدمه فهدموه وأمر الفرس ببنائه فينوه بأنواع الرخام وأنواع الجزع والزجاج والدر والياقوت، وأنه طاف به ومشى في داخله فلم يعجبه من بنائهم شيء.قال: ائتوني ببقايا سحرة سليمان بن داود بلقيس بنت الهدهاد فآتوه بهم فأمرهم ببنيانه فينوه بالكلس الأزرق وأجادوا فيه الصنعة بالدهن والصقل حتى صار جبلاً منيفاً وصار كالمرآة السجنجل ثم إنه طاف به فرأى نفسه وفرسه وجميع من معه فيه كما رأى نفسه فيه من خارجه في جميع جهاته، فأعجبه.فرأى الطير إذا همت أن تنزل عليه رأت تمثالها فيه فنفرت فلا ينزل عليه طائر، فأمرهم بعقد الجن حوله أن لا يدنوه منه أحد من الناس ففعلوا ذلك فمن نزل حوله رجمته الجن، فانه كذلك إلى اليوم بسنجار بين نهاوند ودينور.ثم هدم المدائن بدينور وسنجار فجميع الأرض التي خرب شمر يرعش سماها بنو فارس شمر كند أي شمر خرب باللسان الفارسي فأعربته العرب بلسانها فقالوا: سمرقند وهو اسمها إلى اليوم.ثم رجع إلى قطربيل وسار يريد ارض الصين، وكان ملك الهند بأرض الصين نفير الهندي - والهند والسند والحبشة والنوبة والقبط بنو حام بن نوح عليه السلام - فلما بلغ نفير خروج تبع من بابسير من ارض قطربيل جمع الهند من جميع أرض الصين وانتصب إلى تبع من بابسير من ارض وعش، وخلف تبع الجرحى والزمني والمرضى بأرض نهاوند وسنجار ودينور، ثم أن تبعاً لقي نفير العندي ومن معه فقاتله قتالاً شديداً أياماً، ثم غلب عليه تبع فقتل أمماً من الهند وغلب على أرض الصين وتمنع نفير ومن معه في جبل عظيم، فلما رأى غلبة تبع وتثاقله في أرض الصين ضاق من ذلك واشتد عليه، فدعا آهل مملكته وجنده فقال: لي فيما تقدم من دهري عمر يرضاه المرء لم يبق لي من آخره إلا ما آسف به على أوله وإن شيئاً يكون الفناء آخره وغايته لحقيق على الحازم أن يزهد فيه وقد أردت أمراً فيه الموت والشقاء، ثم جمع أهل المكر والسحر فقال لهم: ماذا ترون في تبع وأجناده ؟ قال له أهل المكر: أيها الملك ( المحاجزه قبل المناجزة - والمكر قبل القسر - وليس بعد القسر إلا الرضا للأمر )، فقال لهم: سمعتكم، فقالوا أيها السحرة، قال له السحرة: أيها الملك الموت أعجل والسحر أنبل وقد سبق المثل الدهر عبد الدول وأنى ينفع سحرنا وقد سقط جدنا قال نفير: عرف الرأي أهله، ثم عمد إلى أذنيه فقطعهما وجدع انفه وأمرهم فضربوه بالسياط، ثم أتى تبعاً فقال له: أيها الملك إن قومي الهند هم في هذا الجبل الوعر وهم أهل غدر ومكر، وقد أمرتهم أن يسمعوا للملك ويطيعوا فأبوا ذلك وفعلوا في ما ترى، ولكن أيها الملك أقود بك وبعسا كرك إلى موضع تطلع منه إلى هذا الجبل فلا يعلمون حتى يؤخذ عليهم الجبل فتقتل من أحببت وتدع من أحببت ؟ قال له تبع: ليس لعساكري في أرضكم ما يحملها أجمع ولكنني أرسل معك عسكراً جحفلاً أهل النجدة والبأس والفضل في الرأي والسابقة، قال له نفير: افعل أيها الملك.فأمر تبع بعسكر لميدع من أهل الفضل والبأس أحداً إلا بعث معهم وتقدمهم نفير فسار بهم حتى أتى ماء فقال لهم: خذوا الماء لثلاثة أيام، فأخذوا، ثم مضى بهم إلى مجانة لا آخر لها فلجج بهم في المجانة فقال لهم: اتقوا من الماء فاني ذاهب إلى موضع الماء فاحتسبوا معهم شيئاً من الماء، فاسرع بهم في المجانة وهم يتعللون بذلك الماء اليسير الذي معهم فأبعدهم مسيرة أيام في المجانة وفرغ الماء الذي معهم، وقد خلفوا خلفهم من المجانة ما لا يقدرون أن يقطعوه بلا ماء مسيرة أيام، فقالوا: ويلك يا هندي أين الماء ومتى نقطع هذه المجانة ؟ فقال لهم: إلى الأبد الآبد تقطعونها وترون الماء، ويلكم أسعدتكم أيامكم فحملتم أموركم على الغرور وصحبتموها بالجهل، هل أبصرتم طائراً ووحشاً يدلكم على أن بين أيديكم ماء والله إنها مجانة لا تخرجون منها أبد الأبد أيها العرب لكم الصبر ولا تعلمون الغدر، أتدرون من أنا ؟ قالوا له: لا قال لهم: أنا نفير ملك الهند فعلت بنفسي ما ترون لأقتلكم وأشتفي منكم نقمة لقومي وشفقة عليهم فأخذوه ورجعوا في طريقهم.قال أبو محمد: لما سار نفير عن تبع بعسكره جمع حمير فقال: معاشر حمير أن العجم قليل صبرهم عند اللقاء وسريع غدرهم عند البلاء وقد مضى هذا الهندي بجميع رجالي ولم يمض بهم إلا إلى معاطش فاني لا أرى في أرضهم شيئاً يكاد به إلا المجانة فأخرج ذا جدن بن المسكين الحميري وأمره بحمل الماء على الجمال ففعل ذو جدن ما أمره به تبع، وتبع أثرهم فلقيهم وهم يتساقطون عطشاً فشربوا وسقوا خيولهم ورجعوا.فلما نظر إليهم نفير لم يمت منهم إلا اليسير من الأتباع قال: يا نفير دافعت القضاء بالمنى، ولكن أنت بين أمرين إن خلصت ناصحت لتبع وإن مت وفيت لقومك وكلا الحالين كرم.ثم إن عسكر تبع رجع إليه وأمر بنفير فمثل بين يديه فقال له تبع: أنت نفير ؟ قال له: نعم أيها الملك، قال له تبع: لم غدرت ؟ قال له نفير: أيها الملك إني لم أغدر لأني لم أعهد بل وفيت لقومي ومكرت بعدوهم فإذا قتلتني قتلت مانحاً وإن تركتني تركت ناصحاً والعفو أخلق بقدرة الكريم.قال له تبع: يا نفير وفيت لقومك وقد يكون لك منهم العدو الكاشح والحسود الضاغن والمماري الملحد فكيف بك أن أحسن ؟ فاني يا نفير قد عفوت عنك وصفحت عن زلتك وذنبك ووليتك على قومك، قال له نفير: أيها الملك أسأت إليهم وأحسنت إلي فأوثقت به عهدي وملكت به رقي وهل أنت مطيعي أيها الملك ؟ قال تبع: قل، قال نفير: أيها الملك أرض الهند وبيئة لطارئها فلا تقارعها بالمهج فمن تاجر بروحه لم يربح وقومي في جبل كما تراهم يموتون اجمع فيه ولا ينزلون فيطلق يدي الملك افعل برأيي.فطلع نفير إلى قومه الهند إلى الجبل فأنزلهم وأنزل جميع أولاده حتى أتى بهم تبعاً - قال له يا نفير: أمنهم وأنزلهم منازلهم وبلغهم مراتبهم فإن كل أمة لم تبلغ مراتبها دخلت صدورها ووغرت قلوبها فاستخفت فتكها وهانت عليها أعمارها وملك أمورها أشرارها وأنت أعلم بها - ففعل نفير ما أمره به تبع، ثم جمع بنيه ودخل بهم على تبع فقال: أيها الملك غرست ولم تأكل ثمر غرسك هؤلاء أولادي وهم بقايا عفوك وغرس نعمتك فامنحهم بالطاعة لك فمن أوفى فقد كافى ومن غدر ففي سيفك الوزر والحكم لمن غدر، قال تبع: أنا لا آمرك فيهم ولا أنهاك، لأن المرء أعلم بولده.فقال له نفير: أيها الملك هذا أحزم أولادي وأضبطهم للملك وأصلبهم حجراً وأحسنهم عقلاً فقدمه تبع على أرض الصين وكان اسمه جلهم بن نفير فهو أول من تتوج بأرض الصين تأسى في ذلك بتبع.قال تبع لنفير: أنت أقوم بهذا الأمر ؟ قال له نفير: أيها الملك أزعجني عن أرض الصين فإن قومي الهند قد أدركهم ثلاث خلال: أما واحدة فإنه مات من قومي ما بغضت إلي أرض الصين إلا بعدهم، والثانية ذهب أنفي وأذناي فكرهت أن ينظر إلي بالنقص من يعرفني بالتمام، والثالثة وهي أعظمهن عندي إن عجزت عن خدمتك لم أكافئك بإحسانك وإني لبصير بكيد الملوك وإدارة الحرب ولن يستغنى عني الملك لأن رجال الملك لهم آلات كآلات الصناع رجال للمشورة ورجال للحجاجة ورجال إدارة الحرب عند اللقاء ورجال يصلون الناس ورجال للخدمة، فلا يقوم للملك ملك ما لم يجمع هذه الطبقات من الرجال، وأنا أيها الملك معي عامة الخصال المحمودة وأنا أيها الملك من خاصتك ما عشت.فشكر له تبع قوله وفعله، ثم جمع نفير بنيه فقال: يا بني عليكم بالسمع والطاعة لجلهم ولا تنازعوا فتهدموا ملككم ولا تخالفوا.أمره فيجيش صدره عليكم، ثم أقبل إلى جلهم فقال له: ساجلهم لا تستأثر عنهم لملكك فيحسدوك ولا تطاول عليهم فيقتلوك ولا ترغب في أموالهم فيغضبوك، ابسط لهم وجهك ويدك وجنبهم سخطك وبطشك وكن لهم معقلا ومرتقى، أحسنوا حالكم يا بني فإنكم لن تروني بعدها ولن تخشى علي من سطوة تبع ولا من غدر العرب، إن لم أوت من قبلي لم أحذر ولكن أفي للملك بإحسانه وأكون بين يديه عمري.ثم رجع إلى تبع فقال له تبع: يا نفير أي وجه من الأرض آخذ عليها راجعاً عن بلدك، قال له نفير: العلم كثير والخير قليل والأرض واسعة والرأي يصيب ويخطئ وأنت أيها الملك امرؤ نبيل والطريق قطربيل والأمر يحدث والسيف حيث أراد، واني أيها الملك أرى ما تلاه، فقال له تبع: وما هو يا نفير ؟ قال: أنتم العرب لكم بأس عند اللقاء وسلامة صدور عند الرضا وأراك أكثرت في عساكرك من الأعاجم وهم قليل صبرهم عند اللقاء كبير غدرهم عند الرضا، فأخرجهم عن عساكرك لا وغرون صدور العرب فإن الفرس السوء تملي، واعلم أيها الملك أن الأعجمي يضطرب إلى الغدر كما يضطرب البازي إلى صيده.فأمر بهم تبع فشردهم من عساكره ثم قفل من أرض الصين ومعه نفير ملك الهند حتى بلغ إلى قطربيل، فآتاه أن الزط والكرد والخوز غدروا عساكره التي كانت عندهم من المرضى والجرحى، وكان أسباب علوم الدهر عن ذي القرنين وموسى الخضر وسليمان بن داود عليهم السلام وكان قريب العهد من سليمان فقال:

أرقت وما ذاك بي من طرب. . . . . . . .ولكن بدا لي وهنا سبب

قتلت جموعاً فأفنيتها. . . . . . . .وفي الأرض مني لقومي أرب

وخبرت بالصين لي بغية. . . . . . . .ثياب الحرير وكنز الذهب

فسرت إليهم بجيش لهام. . . . . . . .كثير اللهاء شديد اللجب

لقيت من الترك آسادها. . . . . . . .فقتلتها حين جد الوصب

فغادرت أيامها سدفة. . . . . . . .وموطنها بالقنا منهب

لها عاصفات إذا وجهت. . . . . . . .تكاد الجباتل لها تنقلب

وبالشرق والغرب آثارها. . . . . . . .وبالخافقين رياح تهب

بأبناء قحطان من حمير. . . . . . . .بهاليل أسد صميم العرب

رزان الحلوم نجوم العلوم. . . . . . . .خفاف المعاذير بيض النقب

فلما نزلت بأرض العراق. . . . . . . .عبرت العراق بعزم حرب

فسار قباذ إلى فارس. . . . . . . .إلى البحر يسعى لأمر كتب

فبادره الأقرن المستطيل. . . . . . . .سريعاً حثيثاً شديد الأرب

واقبل صيفي منارض عمان. . . . . . . .لمن شذ منهم ومن قد قرب

فكان ببابل يوم عبوس. . . . . . . .بقتل ذريع أليم النصب

فخام قباذ وأشياعه. . . . . . . .وولي سريعاً حثيث الهرب

رأى الموت تحت ظلال السيوف. . . . . . . .وحتى النفوس له يضطرب

تجر المنية أذيالها. . . . . . . .فكان العزيز بها من غلب

فأضحوا كأن لم يكونوا بها. . . . . . . .كذاك العزيز بها من غلب

فأضحوا كأن لم يكونوا بها. . . . . . . .كذام الزمان إذا ما انقلب

فاتبعه شمر في جمعه. . . . . . . .إلى القصر ذي شرفات الحجب

سقينا البرية في دهرنا. . . . . . . .سماماً مدوناً بضرب القضب

نقود الجياد لأقصى البلاد. . . . . . . .إذا ما قضينا قضاء وجب

نهضت بجمع كمثل الدبا. . . . . . . .صباح الوجوه صلاب الحسب

ربيعة منها هداة السبيل. . . . . . . .علوم المجال لنول الشعب

وبأس إياد رفيع القذال. . . . . . . .طويل العنان شديد الكلب

وانمار عند اللقا سادة. . . . . . . .تزيل النفوس وترجي السلب

ترى مضراً عند ارزامها. . . . . . . .مكللة روسها بالذهب

لها لجة عند نار الوطيس. . . . . . . .ببيض مضار بها تلتهب

تصاممت عن نبأة أسمعت. . . . . . . .لقد صرحت عن حديث عجب

لقد جد غدر بني يافث. . . . . . . .وجد المنون بهم فاقترب

عذيري لحرب تلافيتها. . . . . . . .لقد ألهبوا بأسها والتهب

جموع ليافث لما بدت. . . . . . . .تريد النزال فتمسي حصب

لقد غدروا بعدما أكدوا. . . . . . . .مهاريق عهد يقوم غيب

سيعلوا المشيب على طلفها. . . . . . . .بيوم مخوف ولما يشب

وسوف إذا ما اقتضاني الردى. . . . . . . .يلي الملك بعدي كآل قسب

ويستلب الملك من حمير. . . . . . . .مجوس وسود عليها رهب

وينقلب الدهر عن وجهه. . . . . . . .ويضحى به الرأس تحت الذنب

للعشرين حولاً بها يقتلون. . . . . . . .ويستلب الجمع منها الحلب

إلى أن يلي الملك من هاشم. . . . . . . .بني أمين كريم النسب

رسول من الله أتباعه. . . . . . . .على الحق منا رجال غلب

فلو مد عمري إلى عمره. . . . . . . .لفرجت عنه جميع الكرب

واني أدين بما دانه. . . . . . . .ولا أقول له قد كذب

فيبلى به الله من خلقه. . . . . . . .قرونا من الناس أعطوا الغلب

وتأتي العجائب من بعده. . . . . . . .إذا ما بدا نجمها ذو الذنب

وتأتي الدلائل حتى ترى. . . . . . . .لهم الشم عن أسرها تنقلب

ويرقى الدخان بآفاقها. . . . . . . .ويعلو بيثرب صوت صخب

إذا قتل الروح روح الرضا. . . . . . . .وسالت دماء بني المطلب

هنالك خسف بأرض الحجاز. . . . . . . .فلا تنظر العين غير الشهب

ويأتي على النيل حيشانه. . . . . . . .إلى البيت قصداً لها بالقضب

يهدون منه ذرى سمكه. . . . . . . .ويعلون أركابه بالصلب

كأنه لم يكن حرماً قبلها. . . . . . . .إذا أعاد نهباً محالاً خرب

يقوم بها من بني حمير. . . . . . . .كريم شجاع كريم النسب

حديد السلاح رفيع الصياح. . . . . . . .ربيط الجنان لها محتسب

فيأتي بقوم من أقصى العراق. . . . . . . .ومن حضر موت ومن ذي حلب

ثمانين ألفاً على نجبها. . . . . . . .فليس لهم عندنا منتصب

ويقتل بالنيل أملاكهم. . . . . . . .ويعطب في لجة من عطب

ومن بعده الملك في حمير. . . . . . . .يقوم به الماجد المغترب

ومن بعده الموت يزجى بنا. . . . . . . .إلى البعث والفصل غير الكذب

قال أبو محمد: ثم سار تبع شمرؤ يرعش حتى بلغ دينور ونهاوند وسنجار فقتل من أصاب بها من بني يافث وهم الزط والكرد والصغد والخوز وسبى النساء فقال لهم تبع: احبسوا ما أخذتم من نساء الصغد والزط ولا تحسبوا من نساء الكرد والخوز سباء بيعوهن فإنهن يفسدن النسل ويغيرن العقل ويدلن الألسن ففعلوا ومضى تبع حتى بلغ أرض فارس، فقدم على فارس بلاس بن قباذ وجعله بأرض فارس وأرض خراسان، ومضى تبع فسار على الشام إلى أرض بابليون فأصاب الحبشة على النيل نازلين، فلما علموا بتبع وقد قاتلوا مصر شهراً بعثوا إلى تبع بهدية ليداروه بها حتى يخلصوا من بين يديه من أرض بابليون، فلما انتهت الهدية إليه أي إلى تبع جمع رجاله فقال: هذه هدية الحبشة فما رأيكم ؟ فقال المعترف بن عامر الحميري: أيها الملك لن يجوز سخر هذه الخدعة عن ذي لب رصين، قال له نفير: أيها الملك من رام أن يخدعك حمل النقص على عقلك، قال مقداد بن ينفر بن شرحبيل الحميري: أيها الملك لو راموا مسألتك لم يزحفوا إلى قومك ولو أرادوا برك أهدوا إليك من أرضهم إلى أرضك ولا يخدع بهذا الخدع إلا أم عامر فتمكن من عدوها نفسها في بيتها ونصف حمق الدنيا في رؤوس السود وقد راموا أن يسخروا من الملك فهلا قدموا هديتهم قبل الزحف إليك كما قدموها قبل الهرب.فعبر إليهم النيل فقاتلهم بالقس والبهنسة أياماً، ثم هزمهم وتبعهم على النيل يقتلهم، فلما رأوه أمعن في طلبهم زالوا له عن النيل إلى الرمل فافترقوا له في الرمل فقتل من قتل وتلف من تلف في الرمل وبقي أياماً فكاد يهلك ويهلك معه عطشاً حتى أفضوا إلى ماء معين ورمل مبسوط فنزل وأقام بها عشرين سنة يغرس النخيل ويبني القصور ويتخذ المصانع حتى بعث الرواد والأدلاء إلى أرض الحبشة وعلموا مسالكها ومناهلها، ثم رجعوا إليه.فرجع إليهم فدخل عليهم أرضهم فانتصب له أملاك الحبشة من ارض فقاتلهم قتالاً ذريعاً فلم يكن لهم به طاقة غلبهم بالنبل، ولم تكن الحبشة ترمي بالنيل إلا من زمان تبع شمر يرعش - فداس أرض الحبشة وقتلهم قتلاً ذريعاً فهربوا إلى غربي الأرض إلى البحر المحيط وتبعهم تبع فهبت عليهم ريح سوداء من نحو البحر المحيط فهلك جمع من عساكره.فقفل عنهم راجعاً فجعل طريقه على أرض بني ماريع بن كنعان فقتل أمماً وهربوا إلى فنن الجبال فبلغ البحر المحيط، ثم رجع قافلاً إلى المشرق فمر إلى قمونية وتمادى إلى أرض بابليون ثم مر على الشام وعبر الفرات والدجلة يريد زيارة قبر أبيه تبع ناشر النعم بسنجار، فبلغ سنجار، ثم أمر أن يكتب على باب مدينة سنجار - وهي أعظم مدينة بأرض سمرقند - جنبيه وكتب فيها بالمسند: هذا ملك عرب لا عجم لشمر يرعش الأشم نزلها في الشهر الأصم فروى السيف من مهج ودم من فعل فعلي بعدي فهو مثلي ومن جاوزه فهو أفضل مني بريت قسمي ووفيت لذمتي.قال أبو محمد: حدثني عامر بن جرهم الأنصاري عن مكحول عن الشعبي، قال: حدثني رجل من خيوان همدان يقال له عبد الله قال: بينما نحن بالصغد مع قتبية بن مسلم الباهلي حين افتتح سمرقند ونظر إلى حجر في جنبة باب مدينة سمرقند وفيه خطوط كأنها بالعربية وليست هي قال قتيبة: والله إني لأظن هذا حمقات حمير اطلبوا في الجند رجلاً حديث العهد باليمن يعرف كتاب حمير فوجد فانطلق به إلى قتيبة فقال له: اقرأ هذا الكتاب.فقرأه فقال قتيبة: ما أرى بتبع من حمير إلا الآثار فما في هذا أعظم شيء وهذا أنا بلغتها.قال له الحيواني: يا قتيبة لم تصغر بالأول ولكن بالآخر إن بلغت الصين وجاجا وقطربيل فقل - فاسكت قتيبة - ثم قال: يا قتيبة تقدم فرسخاً وإلا اشمت بضعف الإسلام.قال: فرجع من سمرقند.قال أبو محمد: ورجع تبع إلى اليمن يريد غمدان فقال الباني بن قطن ابن مالك بن همدان بن منتاب الحميري شعراً:

تقول عرسي حين جد النجا. . . . . . . .حتى متى أنت تريد النوى

أليس في عيش قد أوتيته. . . . . . . .مقام ذي الدهر بعيش غلا

قلت فقد قلت فما خيرنا. . . . . . . .بعد الذي فيه الطيب الثنا

إنا نرى أن أك ذا هبوة. . . . . . . .جليسكن اليوم دون الوغى

وجارح اقصدني سهمه. . . . . . . .ماذا عليه في الهوى لو وفا

يرمي ولم يرم فما أخطأن. . . . . . . .وراش بالسهمين لما رما

رمى بطرف العين الطرف غيري فما. . . . . . . .جادت به عيني سهام الردى

ويحك يا مي على ما الذي. . . . . . . .قلت على ماذا تطيل النوى

وحمير تسمو بأفعالها. . . . . . . .فيها أسود البأس يوم اللقا

وشمر رعش ذو النهى قادها. . . . . . . .يريد بالشرق اغتنام النسا

فقد وطئنا أرض حمر بها. . . . . . . .وساعفت منا ليوثاً ضرا

وكان يوم شانه معظم. . . . . . . .وقرت العيان يوم الفنا

فسائلي يا مي عن يومنا. . . . . . . .في مغرب الأرض بيوم الوفا

يخبرك من يعلم أفعالنا. . . . . . . .بصبرنا عند حلول اللقا

إنا لنعتام رؤوس الوغى. . . . . . . .فقد جميع الناس ذبح وحى

كانت لنا الأيام مأمورة. . . . . . . .والدهر نجريها بحكم القضا

فآبت الفرسان من حمير. . . . . . . .بكل بيضاء كعفر الظبا

وحل من سنجار قطانة. . . . . . . .فشيد القصر بصم الصفا

وغودر الصين على بابه. . . . . . . .يجيب للداعي متى ما دعا

فأصبحت جاجا وقطربيل. . . . . . . .يحدوهما الدهر لغير البقا

أثر في آفاقها تبع. . . . . . . .أثراً يزيل الريب عن ذي العمى

تكون للعابران هو رأى. . . . . . . .أمراً إعجاباً منه بعد الثنا

ورجع تبع شمر يرعش بن عمرو ناشر النعم إلى قصر غمدان، وقد ملك الأرض كلها ودانت له ملوكها.فجمع أبناء ملوك حمير ووجوه العرب فقال: معاشر العرب عندنا علم مصون مكنون نعمل بأمره ونزدجر لنهيه ونتبع الأثر ويهجم علينا الأمر وقد غيب عنا القدر فحيناً تخطئ وحيناً نصيب وكل إلى غاية ومدة، وقد جاريت الدهر وقضيت ولم يقض لي وحاكمت فحكم عليّ، فإذا كان ما هو كائن فإن ابني صيفيا هو تبع ثان، فإن رأيتم خيرا منه فلكم، وإن رأيتم شراً فالأمر للعام لا للخاص، قدموا أفضل منه.ثم قال:

سرت على الآفاق كالشمس. . . . . . . .بين طلوع السعد والنحس

أجوب غور الأرض في أثره. . . . . . . .بما رج للعلم عن أس

أوجفت بالخلق فلم أنتظر. . . . . . . .أسير في رفق وفي همس

انقل من أرض إلى أرضها. . . . . . . .أصبح في أرض ولا أمسي

كنت على الأرض كشمس بدت. . . . . . . .تشرق للناس بلا حس

حتى إذا عادت إلى حجبها. . . . . . . .عاد ضياء الشمس في طمس

حفظت ما خولت حتى إذا. . . . . . . .سلبته أمهل عن نفسي

من ذا يرجي العيش من بعد من. . . . . . . .حاط جموع الجن والأنس

أفصح ذو القرنين يوماً على. . . . . . . .ترجمه العالم في طرس

لا يصحب الأيام إلا امرء. . . . . . . .غاد وإن خلد كالأمس

والدهر يحدو أهله مسرعاً. . . . . . . .عن زهرة الدنيا إلى رمس

ثم مات تبع شمر يرعش فكان عمره ألف سنة وستين عاماً، وكان قد منع الولد فلم يولد له إلا بعد ثمانمائة عام.فقال الباني بن قطن ابن همدان بن مالك بن منتاب الحميري يرثى تبعاً:

أيها السائل الحوادث جهلاً. . . . . . . .هل سألت الزمان عن شمر رعش

ملك أطد الجبال فلت. . . . . . . .وأطاعته حيث يمشي فتمشي

قاد بالصين من تهامة حتى. . . . . . . .ترك الهند بين بهش ونهش

كاد نفير حين كاد وولي. . . . . . . .ترك الجيش بين قفر وعطش

لم يهب للزمان صرفا فأعطاه. . . . . . . .مقاليده على غير غش

وردت خيله نهاوند تسقي. . . . . . . .أهلها المرهفات عن سم رقش

ساعدته الأيام حتى إذا ما جدت. . . . . . . .هفوة أراشت بهش

قصدته من المنون سهام. . . . . . . .حملت شلوه على ظهر نعش

وقال أيضاً:

عاد رهن الهمود والأطلال. . . . . . . .نصباً للصبا وريح الشمال

شمر رعش ومن كشر إذا ما. . . . . . . .طرفت بالعضال إحدى الليالي

بعد ملك وعزه واقتدار. . . . . . . .لم يجد للردى محيداً بحال

وقال تبع الأقرن بن تبع شمر يرعش يرثى أباه:

يا بعد تبع حين شط مزاره. . . . . . . .بل بعد حالي عزتي وفلاحي

لم ترتقي زهر النجوم لموته. . . . . . . .فالموت أفلته عن الإصباح

لم ترتقي زهر النجوم لموته. . . . . . . .فالموت أفلته عن الإصباح

ناحت مقلقلة فقلت لها اذهبي. . . . . . . .دهري ودهرك هالك الأنواح

قلي العويل أو كثري فلك العزا. . . . . . . .أن المنية منهل الأرواح

هل بعد ملك الصعب يرتجى. . . . . . . .يهدي بكل مسا وكل صباح

ملك السعود بكل أرض حكمه. . . . . . . .تبع الهدى مستبصراً بنجاح

سامي إلى الظلمات عن أسبابه. . . . . . . .والشمس تسجد في حما الضحضاح

ولي وخلف ذكره من بعده. . . . . . . .وهما لنا شبحاً من الأشباح

قال أبو محمد عبد الملك بن هشام عن أبيه عن جده محمد بن السائب قال: حدثني أبو صالح عن ابن عباس، إنه قال: أول ملك أمر بصنعة الدروع السوابغ المفاضة التي منها سواعدها وأكفها وهي الأبدان تبع شمر يرعش بن ناشر النعم.قال أبو محمد: جعل على فارس ألف درع يؤدونها كل عام، وكان عامله على فارس بلاس بن قباذ.وجعل على الروم ألف درع يؤدونها كل عام، وكان عامله على الروم ماهان بن هرقل، وكان بلاس متوج في فارس وهرقل أول متوج في الروم، وفي استعماله لفارس الدروع يقول امرؤ القيس مهلهل بن ربيعة بعد ذلك الزمان شعراً:

سيبكي كليباً كل عاق وعامل. . . . . . . .وخطية سمر وخيل عوابس

وتبكيه بيض للخدود لواطم. . . . . . . .وما ذية مما اقتنتهن فارس

وكان أصعب الدروع دروع الروم وهي كذلك إلى اليوم، وجعل على أهل بابل وعمان والبحرين ألف درع، وكان أهل اليمن ألف درع.وأحسن السيوف اليمانية والدروع الفارسية، وكان بلاس ملك فارس يرسل بما عملت فارس من الدروع مع إتاوة إلى تبع شمر يرعش، ويرسل ماهان ملك الروم من الدروع بألف مع إتاوة إلى تبع شمر يرعش وفي ذلك يقول مسلم بن الوليد في الإسلام:

من حمير نسل العرنجيج إذ جرت. . . . . . . .لهم على حقب الزمان دهور

ملكوا على الدنيا فما أحد بها. . . . . . . .إلا وهو في حكمهم مقهور

أعطاهم ذل الإتاوة قيصر. . . . . . . .وجبي إليهم خرجه سابور

وفي تبع شمر يرعش يقول أبو ذؤيب الهذلي بعد زمانه:

وعليهما مسرودتان قضاهما. . . . . . . .داوداً وصنع السوابغ تبع

وهذا البيت له في شعره الذي رثى به بنيه اذ قتلوا بذات الهجال.قال أبو محمد: كان يؤتى بها إلى تبع كل عام طول مدته.قال أبو محمد: وكان مما حقق أمر ذات الهجال إنه كان أديار بين بني يعصر بن سعد بن قيس بن الياس وهو عيلان - وإنما سمي الياس عيلان - لفرسه، وكانت له فرس تسمى عيلان.وكان بنو يعصر باهلة ابن معن بن يعصر وغني بن يعصر بن سعد بن قيس بن عيلان بن مضر يطلبون بني عمرو بن مدركة بن الياس بن مضر بذحول سلفت لهم ( فكان يغير عليهم ).وبنو عمرو بن مدركة هذيل بن عمرو بن مدركة بن الياس ابن مضر ولحيان بن عمرو بن مدركة والقارة بن عمرو بن مدركة، وكان يغير عليهم ثابت بن جابر وهو تأبط شراً.- وإنما قيل له تأبط شراً لأنه سارق صرة فمر على حاو فسرق جرابه وفيها حيات وظن أن فيها مالاً وانه تاجر فتأبطها.فلما خلا بها فتحها فرفعت إليه الحيات رؤوسها فألقاها وقتل الحيات - وقال: ضل عن سيده ولبده من حمل حتفه بيده وكان أحد السرعان، وكان يغير راجلاً مسيرة سبعة أيام يمشي الليل ويختفي نهاراً، وكان أجسر أهل زمانه تطلبه الخيل فلا تناله ويفوتها بسرعة قاتل الأصمعي عبد الملك بن قريب الباهلي: كان يثير الظبي، ثم يطلبه فيدركه، وتأبط شراً هو القائل:

عوى الذئب فاستأنست إذ عوى. . . . . . . .وصوت إنسان فكدت أطير

رأى الله إني للبرية مبغض. . . . . . . .ويشنؤهم لي مقلة وضمير

وفيه يقول السليك بن السلكة أحد الغرابيب:

ينام بإحدى مقلتيه ويتقي. . . . . . . .بأخرى المنايا من خلال المسالك

إذا خاط عينيه كرى النوم لم يزل. . . . . . . .له كالي من قلب شيحان فاتك

ويجعل عينيه ربيئة قلبه. . . . . . . .إلى سلة من حد أخضر باتك

يهب هبوب الريح عند انحراقها. . . . . . . .ويسري على نهج النجوم الشوابك

تكل متون الصافنات إذا جرت. . . . . . . .تباريه أو تدمي نسور السنابك

فكان يغير على هذيل ولحيان نهاراً ويغير على القارة ليلاً يتقي نبلها لأنها كانت أرمى العرب بالنبل لا تخطئ ما تريد، وقال في ذلك ابن عباس:

قد أنصف القارة من رامها. . . . . . . .عن مقوس الغلوة أو ساماها

وان تأبط شراً أغار على هذيل راجلاً فقتل قوماً أصابهم على ماء لهم فناموا وهم لا يعلمون إنه تأبط شراً، فقام إليهم فقتل منهم ثلاثة نفر ونجا منهم واحد ستره الليل ونادى في نادي قومه: يا بني هذيل والله ما أعلم أذل من قوم قتلهم تأبط شراً في حريمهم وغنم أموالهم ونجال سالماً.فنفرت هذيل خيلاً وراجلاً في طلبه فاقتصوا أثره - وتأبط شراً أشغل بسوق الغنائم - فما شعر حتى أدركته الخيل مع الليل فتثاقل في وعث من الأرض حتى أدركته الرجل فأسلم الغنيمة وولى هاربا، وتصدى له رجل من القارة كان مع هذيل فرماه بسهم فأصاب ودجه فصرعه فتعاوره القوم فقتلوه واستاقوا أموالهم التي غنم لهم ورجعوا.وبلغ خبر ثابت تأبط شراً قومه باهله وغنياً ابني يعصر بن سعد بن قيس بن عيلان فركبوا إليه ليرفعوه فأصابوا كل ما أكل من لحمه من سباع الوحش وسباع الطير وهوام الأرضي موتى حوله.قال أبو محمد: قال الأصمعي وزعمت العرب أن لحمه سم.قال: وكان غذاؤه العلهز وشحوم الحيات وهبيد الحنظل ويحنذ قومه الحيات، فزعموا إنه إذا عض من كان غذاؤه هذا أحداً ممن كان غذاؤه البر واللحمان والغذاء الحسن، وأثر في لحمه بأسنانه إنه يبرصه أو يجذمه أو يقتله.قال عبد الملك: وإن الهجال ابن امرئ القيس الباهلي ابن أخت تأبط شراً - وكان رئيساً شاعراً فارساً - استدعى باهلة بن معن بن يعصر وغني ابن يعصر ونصرهم أخوانهم من بني سعد بن قيس بن عيلان، وهم بنو غطفان بن سعد بن قيس بن عيلان ذبيان بن بغيض بن ريث بن غطفان ابن معد بن قيس بن عيلان، وعبس بن بغيض بن ريث بن غطفان، وبنو عبد الله بن غطفان، وبنو ثعلبة بن بكر بن غطفان.وأشجع ومحارب ابنا غطفان.وهؤلاء القبائل أخوة، وبلغ ذلك أبو ذؤيب - وهو عمير بن مرثد زيد بن عامر بن قراد بن هذيل - وكان أبو ذؤيب معمراً، فجمع أبو ذؤيب هذيب بن عمرو، ولحيان بن عمرو والقارة بن عمرة بن مدركة ابن الياس بن مضر فقال: يا بني عمرو آتاكم جمع بني سعد بن قيس بن عيلان بن مضر، وأرى بني مدركة بن الياس وطابخة قطعوا رحمهم منا وحقروا ودنا وأضاعوا ذمامنا واني سائر إلى بني الشقيقة - وبنو الشقيقة بنو كنانة بن خزيمة بن مدركة قريش وبنو بكر وبنو أسد بن خزيمة وغفار ابن خزيمة ومدلج بن خزيمة - وأمهم شكل بنت عمرو أخت هذيل ولحيان والقارة، وكان رئيس بني خزيمة عمرو بن بكر الأسدي - وكان يكنى بأبي الهزبر - فآتاهم أبو ذؤيب فقال: يا أبا الهزبر ان بني قيس بن عيلان تناصروا علينا بثأر تأبط شراً ثابت بن جابر الفتاك فما فعلكم يا بني الشقيقة ؟ فعزمت قريش وبكر - وهما كنانة على نصر أبي ذؤيب - فقام عمرو بن بكر الأسدي فجمع بني فقعس بن أسد ودودان بن أسد ومدلج بن خزيمة وغفار بن خزيمة فقال: يا أخواننا، ما لأخوننا كنانة قريش وبني بكر يسرعون إلى حرب قيس يحملوننا على الضغائن ويورثوننا أحقاد قيس بن عيلان فإنما حكمه على رد أبي ذؤيب وخذلان هذيل ولحيان والقارة مخالفة لذبيان وعبس وذبيان ابنا بن ريث بن غطفان - هم الأحلاف - فلما بلغه زحف ذبيان إلى هذيل والقارة، لم يرد أن يزاحف بني ذبيان بالحرب فقال سهم بن بكر البكري: يا بني كنانة إن أسداً أقرب إليكم من هذيل، وإنا إن طلبنا رضا هذيل بسخط بني أسد وغفار ومدلج لم تربح ومن اشترى وجد قريب برضا بعيد اشترى خسراناً.فلما يئس أبو ذؤيب من نصرة بني خزيمة، رجع إلى قومه فقالوا له: ما الذي أجابك به القوم ؟ فقال: يا قوم من نصره الله وخذله أبو الهزبر فمنصور ومن خذله الله ونصره أبو الهزبر فمخذول، وأنشأ أبو ذؤيب يقول:

ألا لله نصره آل عمرو. . . . . . . .وليس إلى الخليع أبي الهزبر

أبعد المنذرين أرى سؤالا. . . . . . . .يرد بدعوة من غير عذر

تحامتنا الفوارس من معد. . . . . . . .بخذلان وهل شفع كوتر

أبعد فوارس النعمان أسعى. . . . . . . .إلى الأقيال من أسد وفهر

وثقت بعامر وبني أبيه. . . . . . . .ومن عدوان أدعو كل صقر

طويل الباع أبلج مشرفي. . . . . . . .أشد به على عزمات دهري

وطابخة الذين رأوا مقامي. . . . . . . .وأهل العز من أبناء مر

وقوله ( طابخة الذين رأوا مقامي ) أراد بذلك نصرة بني طابخة - وهم تميم بن مر بن اد بن طابخة، ومزينة بن اد بن طابخة بن الياس بن مضر - وقوله ( وثقت بعامر وبني أبيه ) يريد عامر بن الظرب العدواني - إمام مضر وحكمها وفارسها وخطيبها - وهو عامر بن الظرب بن عمرو بن عياذ ابن يشكر بن عدوان، واسم عدوان الحارث بن أسلم بن قيس بن عيلان، وإنما سمي الحارث عدوان - لأنه عدا على أخيه فهم بن أسلم بن قيس بن عيلان فقتله فسمي عدوان - وكان بنو عدوان اعز قيس بن عيلان - وذلك أن عدوان كان كثير المال - فولد له ثلاثون ولداً كلهم أعقبوا.فلما بلغ قول أبي ذؤيب إلى عامر بن الظرب العدواني، جمع بني عدوان وسار يريد نصرة أبي ذؤيب، وكان أبو ذؤيب حليف عدوان، فقال زهير ابن مرخة العدواني:

كبرت وساويت طمساً وعاداً. . . . . . . .ولابد مما ألاقي المعادا

أقول لقومي ألا فاسمعوا. . . . . . . .وإني أرى القول فيه سدادا

دعتني هذيل إلى نصرة. . . . . . . .أطيع عميراً بها حين نادى

فأقسم لا بد من موته. . . . . . . .وتسمى عظامي رفاتاً رمادا

وعاذبكم عائذ فاعصموا. . . . . . . .ولبوا دعاه إلى ما أرادا

ومن لم يكن غرضاً للردى. . . . . . . .يجازى من الدهر حتماً سدادا

وإن عامر بن الظرب لم يصل إلى هذيل ولحيان والقارة حتى نزل عليهم الهجال بن امرئ القيس الباهلي ابن أخت تأبط شراً، وكان نزل هذيل والقارة ولحيان بذي قار، فقاتلوهم قتالاً شديداً فانهزمت هذيل والقارة ولحيان فقتلوا قتلاً ذريعاً.قال أبو محمد: فمن يوم ذي قار الأول صارت هذيل والقارة ولحيان أقل حي في مضر.فلما انصرف الهجال - وكان حرم على نفسه الخمر حتى ينتقم لخاله تأبط شراً - قال الهجال بن امرئ القيس يرثى خاله:

أطرفك مأموم أم الوجد مانع. . . . . . . .أم الأشوس الفتاك عن ذك شاسع

فمتى كان شهم النفس للذل دافع. . . . . . . .وإن سيل عرفا فهو بالجود نافع

يشيم يروق الموت عن كل مأزق. . . . . . . .ويسرع إقداماً إذا لاح لامع

حديداً كنصل السيف ينهض للوغى. . . . . . . .تلاعبه فيه السيوف القواطع

ينام بإحدى مقلتيه ويتقي. . . . . . . .بأخرى المنايا فهو يقظان هاجع

وما شاب من أعوام دهر تطاولت. . . . . . . .عليه ولكن شيبته الوقائع

يغادي أناساً كل يوم بفتكه. . . . . . . .وينأى فلا تأويه إلا البلاقع

يسامر رجل الجن في فلواتها. . . . . . . .تباريه في ميدانهن الزعازع

يطيل الطوى في العارمات وتارة. . . . . . . .له من سرابيل السموم مدارع

يجاري مدى الآجال والأمر غائب. . . . . . . .وكل فتى يوماً إلى الله راجع

وما هذه الأيام إلا وديعة. . . . . . . .ولا بد مما أن ترد الودائع

ثم قال أيضاً:

إن بالشعب الذي جند سلع. . . . . . . .لقتيل دمه ما يطل

قذف العبء على وولي. . . . . . . .أنا بالعبء له مستقل

ووراء الثأر مني ابن أخت. . . . . . . .مصع عقدته ما تحل

مطرق يرشح سما كما أط

رق أفعى ينفث السم صل

خبر ما نابنا مصئل. . . . . . . .جل حتى دق فيه الأجل

بزنى الدهر وكان غشوماً. . . . . . . .بأبي جاره ما يذل

يركب الهول وحدياً ولا يص

حبه إلا اليماني الآفل

ينفل المال منيلاً ويمسي. . . . . . . .وهو في الحي كريم مقل

عل بصدق على حاذيته. . . . . . . .وله المغنم شربي محل

إن رأى البأس فليث هموس. . . . . . . .أو رأى طمعاً فسمع أزل

يابس الجنين من غير بؤس. . . . . . . .وندى الكفين شهم مدل

شامس في القر حتى إذا ما. . . . . . . .ذكت شعري فبرد وظل

وله طعمان أرى وشرى. . . . . . . .وكلا الطعمين قد ذاق كل

رائح بالخمر غاد عليه. . . . . . . .من ثياب الحمد ثوب همل

فهو في المهمة سمع صموت. . . . . . . .ولدى الأحياء أحوى رفل

افيح الباب مفيد مبيد. . . . . . . .جاد من جدوى يديه المقل

فلئن فلت هذيل شباه. . . . . . . .لبما كان هذيلاً يفل

وبما أبركها في مناخ. . . . . . . .جعجع ينقب فيه الأظل

صليت مني هذيل بخرق. . . . . . . .لا يمل الشر حتى يملوا

يورد الآلة حتى إذا ما. . . . . . . .نهلت كان لها منه عل

تضحك الضبع لقتلي هذيل. . . . . . . .وترى الذئب لها يستهل

وسباع الطير تهفو بطانا. . . . . . . .تتخطاهم فما نستقل

وفتو هجروا ثم اسروا. . . . . . . .ليلهم حتى إذا انجاب حلوا

فاحتسوا أنفاس نوم فلما. . . . . . . .هوموا رعتهم فاشمعلوا

كل ماض قد تردى بماض. . . . . . . .كسنا البرق إذا ما يسل

فاسقينها يا سواد بن عمرو. . . . . . . .إن جسمي يعد خالي لخل

حلت الخمر وكانت حراماً. . . . . . . .وبلأي ما ألمت تحل

فأتى عامر بن الظرب بجميع عدوان إلى هذيل والقارة ولحيان وقد قتلوا فقال لهم شهاب بن أبي ذؤيب: كان الموت أقرب من نصركم يا قومنا فقال عامر بن الظرب: اقسم بالله قسماً حقا لأطلين بوتركم كل واتر.وتركهم فسار بنو خزيمة، فقال شهاب بن أبي ذؤيب لقوم بني أسد:

أكل بني الشقيقة قد أطاعوا. . . . . . . .على خذلاننا عمرو بن بكر

لقد عدلوا برأي أبي ذؤيب. . . . . . . .وقد جهلوه رأي أبي الهزبر

سيحملهم بذاك على هلاك. . . . . . . .بجعجاع لدى ضنك ووعر

سيبلغ عنهم قابوس أمر. . . . . . . .يعز على بني سعد بن مر

جلبت بفعلهم صبراً وحسبي. . . . . . . .بما ألقى به من مر صبري

بنو شكل أضاعوني ولما. . . . . . . .يروا نصراً يعزهم كنصري

أضاعوني وأي فتى أضاعوا. . . . . . . .ليوم كريهة وسداد ثغر

ولو بعده أو قول ليت. . . . . . . .على لهف وما شفع كوتر

فلم يجبه بنو أسد بشيء.فسار شهاب بن أبي ذؤيب مع أخوته يريدون بني طابخة - وكان بني أبي ذؤيب عشرة شهاب والحارث وزهير والأزهر والأزور وعمرو وعامر وسالم والقسور وسهيل - ركبوا خيلهم في درعهم ومغافرهم حتى بلغوا موضعاً يقال له ذات الهجال من أرض بني أسد فغشيهم الليل فنزلوا وهم في حزن من الأرض، وهم نازلون إلى أن أقبل قانص من بني أسد ومعه كلاب له وهو سباق بن سابق بن بكر ابن أخي عمرو بن بكر، وقد أرسل سباق الأسدي كلابه على ظبي والكلاب في طلبه.فلما مر بين أيديهم رموه بالنبل فعقروا الظبي وأصاب سهم كلباً من كلاب سباق الأسدي فقتله - فأتى الأسدي فأصاب كلبه مقتولاً فأغلظ على بني أبي ذؤيب - فقال له شهاب بن ابي ذؤيب: يا سباق أردنا الظبي والسهم يخطئ ويصيب، فتمادى الأسدي في غضبه وبطش علي الأزور بن ذؤيب فضربه بالسيف فألقى إليه المجن وضربه الأزور بالقوس فشجه في رأسه فولى ودمه يهطل على وجهه فسار حتى هجم على بني عمه عمرو بن بكر وهم على خمر لهم وميسر، فقال لهم: أترضون بالذل وتقرون للضيم، أما والله ما أعلم أذل من قوم أتى ناديهم بنو أبي ذؤيب فضامومهم فألهبهم حمية وأسعرهم لهباً - فركب بنو عمرو ابن بكر واستنفروا بني أسد وأجابوهم وساروا يأخذون على بني أبي ذؤيب الشعاب ليلاً وبنو أبي ذؤيب لايدرون بذلك.فلما أصبح نهضوا إليهم فنقر من بين أيديهم ظبي أعضب فمر عليهم وهجم في غيضه اثل وضال، ثم ظهر إليهم جمل أجرب عليه رجل أعور، فقال شهاب بن أبي ذؤيب - وكان زاجراً شاعراً -: اركبوا فإن هذا ظبي أعضب عضب أمركم، وجمل أجرب جرب دهركم، ورجل منقوص مقص جمعكم، وسلك الظبي أثلاً وضالا يمر يومكم ويشوك جمع آتاكم وقال شعراً:

قل لركب السرى بذات الهجال. . . . . . . .احذروا من مصارع الآجال

أيها النائمون هبوا فهذا. . . . . . . .أعضب بارح بأثل وضال

زجر الزاجر المترجم أمراً. . . . . . . .روعة الظبي عيلة الاقيال

ورأى أثله من الخطب مرا. . . . . . . .وشبا ضاله صدور العوالي

إنني والذي يحج له النا. . . . . . . .س حليف الهموم والأوجال

يا تراث الأيام لا تأمنوها. . . . . . . .واحذروا مكرها وصرف الليالي

وخذوا من أخي التجارب نصحا. . . . . . . .وأفيقوا من نومة الجهال

اركبوا مسرعين حتى وإلا. . . . . . . .صرتم بعدها كقيل وقال

ثم آتاهم بنو أسد بالعدد وتداعى عليهم بنو أسد وعطف عليهم شهاب ابن أبي ذؤيب يناشدهم الله والرحم.قالوا له: تركت العفو خلفك وأناخ الموت فرسك، فكان يعطف عليهم ولا يضرب، وتكاثرت عليهم بنو أسد فأصيب أخوه الحارث.فلما رأى أن الحارث قتل قال: يا بني أبي ذؤيب لا ينقذكم من شر اليوم إلا اليأس من غد، ثم هجم فأدرك فارساً لبني أسد فصرعه، ثم يكر القوم فقتلوا من بني أسد نفراً.فلم يزل بنو أسد - وقد أخذوا عليهم الشعاب - يتكاثرون عليهم بالخيل والرجل، وبنو أبي ذؤيب يسقطون واحداً بعد واحد حتى قتلوا العشرة، وأخذوا خليهم وسلاحهم.وبلغ ذلك أبا ذؤيب وعامر بن الظرب فركبا في هذيل وعدوان حتى رفعوهم وأتوا بهم - وكان إذا مات الشريف لا يدفن حتى يحضره أشراف العرب ورؤساؤهم من كل أوب - فنصب أبو ذؤيب على أولاده قبة على شرف ونصب عليهم لواء.فآتاه أشراف الناس من كل قبيل من العرب وىتاه قابوس بن النعمان الأكبر بن امرئ القيس بن عمرو بن عدي بن نصر بن ربيعة بن الحارث بن مالك بن عمير بن نمارة ابن لخم - وكان قابوس ملكاً بالمشلل - فجمع جيشاً عظيماً وأتى أبا ذؤيب.فلما اجتمع الناس إلى أبي ذؤيب فدم بنيه فنصبهم ووقف عليهم، وأنشأ يقول:

أمن المنون وريبه تتوجع. . . . . . . .والدهر ليس بمعتب من يجزع

إلى آخرها.قال أبو محمد عبد الملك بن هشام عن الهيثم بن عدي عن أبي عباد الهمداني، عن محمد بن إسحاق إنه قال: لما اجتمع أشراف العرب إلى عمير بن مرثد أبي ذؤيب الهذلي، قام المستوغر الأكبر وهو - سالم بن منفر بن سعد بن زيد مناة بن تميم - فقال: يا أبا ذؤيب لا تدفن أولادك حتى يتكلم أشراف الناس فتعلم من يخذلك ومن ينصرك.وأتى الأشراف إلى عامر بن الظرب فقالوا له: يا أبا مالك هذا مشهد عظيم وأنت إمام العرب وحكيمها فقم زودنا منك حكمة نتأسى بها بعدك ويدركنا نفعها - وكان معمراً عمراً طويلاً عمر ثلاث مائة عام - وإن أبا ذؤيب نصب كرسياً لقابوس بن النعمان الأكبر - والنعمان الأكبر محرق أول من عاقب بالنار وأحرق بها - وهو النعمان بن امرئ القيس بن عمرو بن عدي بن نصر بن ربيعة - وعمرو بن عدي أول من ولي من لخم العراق وأول من حير الحيرة - فقام نمارة بن سعد من بني عمرو بن تميم فقال: أيها الناس هذا أبو ذؤيب يطلب عمرو بن بكر بثأر بنيه ولايطلب أسداً ويهدم شرف مضر - وكان نمارة بن سعد يعبد بيتاً يقال له ذو الخلصة - فقال أبو ذؤيب:

لو كنت يا ذا الخلصة الموتورا. . . . . . . .مثلي وكان شيخك المقبورا

لم تنه عن قتل العداة زوراً. . . . . . . .ولم تر النصرة فيه بورا

فخفت أمراً لم يكن محذوراً. . . . . . . .إذ كان حتماً قتلنا مقدورا

وكرهت العرب فعل بني أسد وعظم عليهم قتل بني أبي ذؤيب ظلماً فقام المستوغر الأكبر - وكان عمره ثلاثمائة عام - فقال: أيها الإملاء من أنصف من نفسه حمد عاقبة أمره ومن لم ينصف من نفسه ضلت حكمته ومن مارس الأمور حكمته ومن جارى الأحقاب افتنه ومن قامر الدهور قمرته رأتني الأيام من حيث لا أراها، ذهب الطرب وبقي الجرب لابد من دعوة الداعي وإجابة المجيب، فقال شعراً:

ولقد سئمت من الحياة وطولها. . . . . . . .وعمرت من عدد السنين كئينا

مائة حدتها بعدها مائتان لي. . . . . . . .وازددت من عدد الشهور سنينا

هل ما بقي إلا كما قد فاتنا. . . . . . . .يوم يمر وليلة تحدونا

هل ترغب الأرواح إلا ساعة. . . . . . . .تلقى سقاماً عندها منونا

فانظر لما قدمت سوف تزوره. . . . . . . .حتماً وتمسي عنده مرهونا

أيها الإملاء: ما رغبة امرئ القيس بالعيش إذ ليس بد من الموت وهو يرى موقف المظلوم من الظالم ! أبت الأحساب الزكية والمناقب السنية من الأمور الدنية، أما إنه على كل امرئ منكم رقيب يأمره وينهاه، فإن من لا يرضى الظلم عدو للظالمين ومن والى الخالق نبذ المخلوقين ومن عرف الحق وجهل الباطل، هذا أبو ذؤيب بعد العز الرفيع والعدد الجميع والشرف المنيع تناولته الأيدي بالظلم وقد اضطر من ظلم إلى مانع عدل حكم فليس لكم قول صادق الخالق دون إيضاح العذر فقد أرسلكم إليه ووجه الأمر بالمقدرة دون المعذرة ومن حذر مائقاً فذاك مائق، وأنشأ يقول:

وما كل ذي لب يعاش بعقله. . . . . . . .ولكن إذا قاد الأمور حكيمها

برأي ذوي الألباب في الأمر يهتدي. . . . . . . .وهل يبرم الآراء إلا عليمها

وقد يتقي المظلوم من ذي ظلامة. . . . . . . .بعير همام أو يطاع ظلومها

وما سقطت يوماً من الناس أمة. . . . . . . .إلى الذل إلا أن يسود ذميمها

فعندك عن هذا أو ذاك ما هما. . . . . . . .فهذا له حط وذاك سقيمها

وما قادها للخير إلا مجرب. . . . . . . .عليهم بإقبال الأمور كريمها

إذا ساد فيها بعد ذل لئيمها. . . . . . . .تصدى له ذل وقد أديمها

أيها الإملاء: من أبصر أمر ومن جهل أقصر إلا وإن لكل حيلة غيلة، ولكل ساقطة لاقطة، ولكل عوراء واع.افعلوا الخير وقوله ودعوا الشر واهجروه انبذوا الخبيث وانصروا المستغيث، من استنصر بكم فانصروه، ومن بغى عليكم فانذروه، ومن اعتذر إليكم فاعذروه.ثم قام عامر بن الظرب فقال: أيها الناس إن عامر الأيام طليق العوام وغرض الأسقام فد فنى وجرب على أسف وكلف كلفت بغرور الأمل وأسفت على شباب أفل منعت الدنيا وأعطيت الآخرة فتركى لمنزل أنا عنه زائل، أحسن من الغفلة من منزل أنا إليه راحل ذهب منا الجميل وتحكم منا البديل بدلت من الصحة سقماً، ومن الشباب هرماً، ومن القوة ضعفاً، ومن الجمال قبحاً.إني لأرى ما يعمل الإصباح وما يؤدي الرواح يتعاقبان فلا يملان ويذهبان، أما والله لئن مضيا فهم سفر يرتقبون ليلحق بهم الباقون، غلقت منهم الرهائن على خوف وآمان، أيها الناس: إن أحزم الرأي ترك ما يفوت والعمل لما يأتي به الموت وأنشأ يقول:

لعمري لقد ذهبت الأطيبان. . . . . . . .شبابي ولهوي فعدوا الملاما

ألم تر أني إذا ما مشيت. . . . . . . .أخطرف خطوي وامشي أماما

وأكره شيء إلى مهجتي. . . . . . . .إذا ما جلست أريد القياما

وأسهر ليلي على أنني. . . . . . . .أراعي الدجى لما أذوق المناما

وأرمي بطرف إذا ما نظرت. . . . . . . .كأن على الطرف مني غماما

عدو النساء قليل العزاء. . . . . . . .كثير الأسى ما ألذ الطعاما

أرى شعرات على حاجبي. . . . . . . .بيضاً رقاقاً طوالاً قياما

أظل أراعي بهن النجوم. . . . . . . .أراها هلالا علا فاستقاما

وأحسب أنفي إذا ما مشيت. . . . . . . .شخصاً أمامي رآني فقاما

أرجي الحياة وطول البقاء. . . . . . . .وعفو السلامة عاماً فعاما

وهيهات ههيات هذا الردى. . . . . . . .يريد صروفاً ليقضي حماما

ولابد لي من بلوغ المدى. . . . . . . .والحق هاداً ونوحاً وساما

ثم التفت إلى الملك قابوس بن النعمان فقال: يا بن وجه الزمان وثمرة الرأي ومعدن الملك وقاصف الجبابرة وعماد العز أنتم نعمة الله في أرضه وسخطه في خلقه بجودكم ينعم وبأسيافكم ينتقم، بكم يقمع الظالم وينتصف المظلوم من أشعر قلبه بغضكم طال غمه ومن أحبكم سعد جده ويومه استسعاك من رضي سعيك وقدمك، ومن أراد ينتقم بك نصر بك من استغاثك، ورضي بك من عهد عنك، فصدق عزمتك وعدك وتقدم وعيدك بأسك، فأنت الوزر وعندك الخبر والناس شتى والعمل لرب واحد.فأنت أيها الملك الرفيع جده والباسق مجده والطالع سعده من معرفتنا بحقك لم نرغب فوق رأيك رأياً ولم نرد منك عوضاً، فاجعل عفوك لنا فرضاً نمحص لك النصيحة محضاً، واعلم أيها الملك إن الحوادث أعداء الكرام فلا تطمئن إلى الزمان فإن له في كل بيان وقال:

أرى الدهر سيفاً قاطعاً كل شاعة. . . . . . . .يقدم منا ماجداً بعدما جد

وإن المنايا قد تريش سهامها. . . . . . . .على كل مولود صغير ووالد

وكل بني أم سيمسون ليلة. . . . . . . .ولم يبق من أعيانهم غير واحد

ثم أقبل على عمير بن مرثد أبو ذؤيب الهذلي يعزيه فقال: يا عمير بنيت وهدمت وقمت وقعدت ورضيت وسخطت، ألا وإن كل بان هادم وكل قائم قاعد وكل مسرور ساخط وكل قريب شاسع وكل مقيم ظاعن.- يا عمير - إنما الخلق للخالق والأمر للآمر والشكر للمنعم والتسليم للقادر - فلا بد مما هو كائن.- يا عمير - لا أضعف من مخلوق ولا أقوى من خالق ولا أهون من مطلوب في يدي طالب - يا عمير - إن التفكر نور والغفلة ظلمة والجهل سفه والحلم أناة، الأول سابق والآخر تابع - والسعيد ومن وعظ بغيره - يا عمير - كم رأيت من قريح ولم يترك قريحاً - ياعمير - كم نازحاً من ريبه ومدركاً من طلبه مسلماً من دهره ممتعاً من سنه رمته أيدي الردى بطارق من عطبه والدهر لا يقلع عن حوادث من عجبه ( من ير يوماً ير به والدهر لا يغتر به ) - يا عمير - ذهب عنك ما تريد وآتاك ما لا تريد - يا عمير: - آتاك ما لا يدفع وذهب عنك ما لا يرجع ومعك ما سيذهب عنك - يا عمير: - أنظر إلى طبقات حالاتك من لدن من في صلب أبيك إلى أن بلغت منزلة الشرف وحد العقل وغاية العزيمة، هل قدرت أو قدروا أن ينقلوك إلى طبقة قبل أن تعطاها وتعجيل نعمة قبل أوان محلها، أين أهل الملك الأول بنو وائل بن حمير ذووا الأحلام المحمودة والآلاء الموجودة أهل التيجان ملوك الأزمان، هل وجدوا إلى ما أحبوا سبيلاً وتركوا إذا أصبحوا مقيلا وأخذوا مما جمعوا قليلاً - يا عمير: - إن أكمل العدد عند المصائب الصبر وأعظم البديل منها الأجر - يا عمير: - أين مفر الهارب وهو يتقلب في يدي الطالب، ولا شيء أعجز ممن لم يجد مهرباً من طالبه إلا إليه - ياعمير: - لا تخلق عزم الرجال ببعض الظن وهلع الجزع فإن احمد الأمور أصدقها وأثبتها عند كما لها وبعد الابتلاء الحمد والذم - يا عمير: - لعمري قد أسمع الداعي واعذر الطالب وبلغ النبأ، فلا شيء أضيع من مضيع النفس وخطاه تسويف الأمل - يا عمير: - إن خير الأمور ما استكرهت عليه وأكرهها ما استدعيته ولم يأتك من استدعى أمراً لم ينزل به آتاه بما لا ملجأ له منه - يا عمير: - من طلب غير السلامة كان عقباه الندامة، من لم يشكر النعمة استعجل النقمة يا عمير - هل للجزع عاقبة تنفع أو مانع يدفع، فإن حاولت ذلك فأسال القرون الماضية والأمم الخالية قبلك هل تمنع من أسف وجزع أو خاب من صبر وقنع - يا عمير: - ليس ينزل بك ينهى ولا يرجع عنك مأمور - يا عمير: - أنظر الأيام ثلاثة: يوم مضى ولا ترجوه، ويوم أنت فيه لا بد منه، ويوم يأتيك لا تأمنه، فأمس واعظ واليوم غنيمة وغد لا تدري ما حكمه فأمس شاهد مقبول وأمين مؤد فحكم مؤدب وعظك بنفسه وأمضيت معه زاداً خيراً أو شراً وترك لك منه خلفاً لتحسن صحبته وهذا اليوم الذي أنت فيه صديق أدبك بغدره وبواك غير محله، سريع الظعن فأحسن له الصحبة يلقنك حجة ويحبوك شهادة، واليوم المقبل حاكم تنتظر قدومه، أما حبيب فلا تظلم أو فقد فلا ترحم - يا عمير: - الحرص فضول ما عناؤك في طلب ما هو لك وأسفك على ما ليس لك - يا عمير: - كيف ترجو أن يرجع إليك هالك وأنت به لاحق ورجاؤك البقاء بعده طمع في درك ما لا يكون وترك ما هو كائن والمرجع قريب ولا تمعن في الطلب فيطيح بك الأمل وتنأى بك الغفلة، ومع الأمل الأجل ومع الغفلة الردى وإن أعظم من المصيبة هو كلف الخلف منها - يا عمير: - من مد يده إلى أخذ مالا يؤخذ انتشبت في يده الخيبة - يا عمير: - من معدن الجزع يستفاد الغنيمة.ثم أقبل على عامة الناس فقال: أيها الناس البقاء بعد الفناء والغناء بعد العناء والحياة بعد الموت والعرض بعد القرض اليوم العارية وغداً الهبة وخلقنا ولم نك شيئاً وسنعود ولا شيء ورثنا من كان قبلنا وإنا وارثون موروثون فاستخلصوا ما تقدمون عليه بترك ما تطمعون فيه وتسألون ما هو وتخبرون خيره وشره.ثم أقبل على بنيه وبني بنيه وقومه عدوان فقال: يا بني اتقوا إلهكم في الليل إذا دجا والنهار إذا أضاء وتجنبوا كل ما يخاف ويتقي وإياكم ومعصية الله فليس لكم وزر ولا لكم عن إلهكم من مفر، جودوا بالنوال وكفوا عن السؤال يا بني إن أعطيتم قليلا فلا تستقلوه فقد تحمل المروءة المرء إلى قدر ما لا تستطيعه يده وكافئوا بالإحسان إحسانا وبالسيئة غفراناً وعليكم بالحلم وليس في كل الأمور، فإن طول الحلم شين ولرب جهل عذرينا ولا تضمرا السفه فيعقبكم الذل وكونوا عند قولي شعرا:

الجهل نار وماء مطفئها. . . . . . . .والحلم إن طال فيه نقص أحلام

والذل عار وسيف الجهل كاشفه. . . . . . . .والجهل إن طال فيه ذل أقوام

يا بني: لا تمنعوا سائلا محقاً كان أو مبطلاً فإن كان محقاً فلا تحرموه وإن كان مبطلاً فقد طرح رداء الحياء عن وجهه بالسؤال إليكم فأعطوه ولا تماروا عالماً ولا جاهلاً، فإن العالم يظهر حجته عليكم فيكشف جهلكم فينزلكم عن أقداركم - والجاهل بلد ويلح عليكم ويحرج ضغنكم - وربما كان في الغضب العطب وإياكم والفخر المسلم إلى الكبر فإن معه تواكل الأعراض وإياكم والخمر - فإنها متلفة للمال، مضيعة للعمل، مفسدة للعقل هادمة للأبدان والآداب - وإياكم والتواني والكسل فإنهما يورثان الندامة وقد سبق، في ذلك قول مجاجة الكندي:

اخرش بنفسك في المكارم والعلى. . . . . . . .لا خير في الجثامة النوام

وإياكم والآمال الكاذبة فإنها تنسيكم الأقدار وتتلف الأعمار ويكون منها على كرب وانتظار، وخذوا الرأي إذا سمعتموه من أصغركم سناً وأقلكم قدراً ولا تأنفوا عنه ولا تسألوا أسيركم أكثر من ماله فيعجز ويموت في أيديكم وتكون مصيبة عليكم، وأكثروا العتاق في أسارى العرب يحبوكم وينصروكم، وأوصيكم بالضيف فإن كل قافل مكلم غيره فلا يخرج من عندكم وهو يستطيع أن يتكلم فيكم، وأوصيكم بجيرانكم أحسنوا مواساتهم ولا تغشوا منازلهم، وكفوا عن حريمهم ألحاظكم وألفاظكم ويجلوا ذوي الأسنان منكم وشرفوا علماءكم وسودوا ذوي الفضل منكم وأوصيكم بالحلفاء خيراً ولا تغرموا، واغرموا معهم في ناديهم فإنهم لكم سيوف ما داموا فيكم وينفعوكم إن ساروا عنكم، وارقبوا عورات نسائكم فإنها مسبة عليكم، وإذا نكح فيكم الغريب فاختاروا له أهل العفاف من نسائكم فأنتم أستر لعيبكم وإذا نكحتم في غربة فاطلبوا النجباء واغلوا الصداق أو فدعوا وعليكم بالصلة فإنها تزرع المودة وتميت الضغائن، وإياكم والغيبة فإنها تفرق الجماعة وتوغر القلوب وتورث الأحقاد واذكروا قومكم إذا غابوا عنكم بما تحبون أن يذكروه منكم إذا غبتم عنهم، أحسنوا إلى أقاربكم يكن عز لكم عند مصائبكم.يا بني: خذوا من أدبي واحفظوا وصيتي ولا تدخلوا شيئاً في قبري فاني لم أزل كارهاً لثلاث: - الزناء والسرقة والغبية، لا فارقني جار ولا خليل عن قلي ولا حملني هواي على عيب كنت أعصي الهوى لطلاب العلى.يا بني: القالة سريعة والآذان سميعة وليس كل عذر مقبولاً، يا بني: أدركت كنانة بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر شيخاً كبيراً محجوباً والعرب تحج إليه فاخبرني إنه قد آن خروج نبي بمكة يدعى أحمد يدعو إلى الله البر والإحسان ومحاسن الأخلاق فاتبعوه تزدادوا شرفاً إلى شرفكم ولا تسارعوا إلى الحروب فإنها تهدم الأعمار وتخلق الأبدان، وإياكم وعهد الملك قابوس - فانه حليم ما استحلم سفيه وما استسفه رشيد وما استشرد وكفوا أيدي سفهائكم عن الظلم وإن ظلموا فانصروهم أحفظوا ترشدوا.وان الملك قابوس بن النعمان وعامر بن الظرب والمستوعز وأبا ذؤيب رجعوا إلى بني أسد بثأر بني أبي ذؤيب، وكان بنو أسد بن خزيمة وغفار ابن خزيمة ومدلج بن خزيمة نازلين قنان، فنزل بهم قابوس وعامر بن الظرب ومن معهم فقتلوهم وأكثروا القتل في غفار ومدلج، ولجأ عمرو ابن بكر وأولاده ومائة رجل من بني أسد إلى قنة جبل فأحاط بهم قابوس بجيوشه، فأخذه وبنيه ومن معه من المائة الرجل وأعطاهم لأبي ذؤيب الهذلي وقال له: هؤلاء وترك ولك الأمر فيهم، فرجع بهم أبو ذؤيب إلى قبور بنيه فقتل عمروبن بكر وبنيه وقال: انتم ببني ولاعدوان، وأطلق المائة من بني أسد وقال: من يجاوز في الشقوة يجاوز إليه الدهر.ثم سار الملك قابوس وزحف عامر بن الظرب بعدوان والمستوغر بمن كان معه من بني تميم وأبو ذؤيب بهذيل والقارة ولحيان إلى باهلة بن معن بن يعصر بن سعد ابن قيس بن يعصر وفهم بن سليم بن قيس فالتقوا بذي قار وهو يوم ذي قار فاقتتلوا قتالاً شديداً فكانت الجرة على باهلة وفهم وغني.قال أبو محمد اختلف الرواة: فبعض يقول أن يوم ذي قار الأول هو المعظم في أيام العرب لقتل هذيل ولحيان والقارة بني عمرو بن مدركة بن الياس بن مضر، وبعض يقول: اليوم الآخر يوم ذي قار لقتل باهلة وغني والقارة وفهم بني قيس عيلان بن مضر.وفي ذي قار الآخر قتل أبو المغوار الغنوي - وهو مارب بن سعد بن قيس بن الصعل بن قراد بنغني بن يعصر بن سعد بن قيس عيلان - وقتل معه أخوه المقداد.فقال كعب بن سعد الغنوي يرثى آخاه ماربا أبا المغوار وأخويه جبلاً والمقداد - وكان أبو المغوار فارس بني يعصر وجوادهم - فقال فيه أخوه كعب يرثيه بقوله:

تقول سليمى ما لجسمك شاحبا. . . . . . . .كأنك يحميك الشراب طبيب

إلى آخرها.قال أبو محمد عبد الملك بن هشام: لما مات تبع شمر يرعش بن عمرو ناشر النعم ولي الملك بعده ابنه صيفي بن شمر يرعش.

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي