الاستحالة

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

أبيات قصيدة الاستحالة لـ نزار قباني

لم نمارس لعبة الحب معاً .. منذ شهور
وقعدنا مثل جنديين منهوكين
ألقينا على الأرض البواريد
انهزمنا .. قبل ميعاد العبور
ورفعنا عالياً أعلامنا البيضاء
سلمنا المفاتيح .. قتلنا أجمل الخيل
وأحرقنا الجسور ..
وأخذنا كالمجاذيب نعري بعضنا بعضاً ..
لجأنا لقناني الخمر
حاولنا وحاولنا ..
ولكن المرايا رفضتنا وقوارير العطور
وتكلمنا ..
-ولا أذكر عن ماذا تكلمنا-
لعبنا ورقاً كي نصرع الوقت..
قرأنا صحفاً من غير تاريخ..
تمطينا طويلاً ..
وتثاءبنا طويلاً..
وتعللنا بألاف المعاذير
اختبأنا خلف جدران الغرور..
ومسحنا عرق الخيبة عن أوجهنا
وبحثنا
كجنود قطعت أخبارهم
-داخل الأكياس-.. عن شيء من الدفء
وعن شيء من الحب ،
ولكنا رجعنا بالقشور
وتبادلنا المراثي ..
وتضرعنا ..
وصلينا
وقدمنا إلى الله النذور
لم نكن نشعر بالحر .. أو البرد
ولا كانت السجادة الصينية الخضراء تمشي
والثريات على السقف تدور
كانت الشمس صليباً من نحاس
فوق رأسينا ..
وكنا مرفأي ملح
وكنا شجراً دون جذور
لم نكن مرضى .. -كما نحن تصورنا-
ولكنا أضعنا الدهشة الأولى
أضعنا متعة الحدس بما بين السطور
وتدحرجنا إلى القعر .. قطارين
تناثرنا .. امتلأنا بالشظايا والكسور
وتشوهنا تماماً .. مثل مخلوقات ما قبل العصور ..
ورمينا وردة الشعر
تحولنا إلى نثر .. سقطنا في شراك الدبق اليومي ..
أفلسنا .. تكررنا
تعودنا على الموت .. انتظرنا في كراسينا
كما ينتظر الأموات في أكفانهم يوم النشور
ورأينا ..
كيف ينمو الطحلب البحري في القلب..
عرفنا..
خدر الجلد.. وإفلاس الشعور
هل لدى سيدتي حل لإفلاس الشعور؟
أنا ما عندي اقتراحات
خديني حيثما شئت..
أريني السفن البيضاء, والأسماك, والبحر
فإني لم أعد أذكر أسماء البحور
إسحبيني من وعاء الصمغ, يا سيدتي
غيري هندسة الأشياء من حولي..
أزيلي ورق الجدران, والجدران,
نجيني من الغربة والنفي..
أعيدي زمن النعناع والماء..
اكتبيني فوق أعشاب البراري
ومناقير الطيور..
أوقفي أجهزة التكييف, يا سيدتي..
وافتحي الأبواب..
على الشمس تُحيي مرةً أخرى البذور
خلصيني من نظام الجبر والسخرة في الحب
ومن رائحة الزهر الصناعي..
ومن رائحة الحب الصناعي..
وغرهاب إشارات المرور..
أنقذي نغسك يا سيدتي
أنقذيني..
قبل أن تقتلنا..
شقق الاسمنت, والزهر الصناعي..
وأضواء إشارات المرور..

عن نزار قباني

نزار قباني (1342 - 1419 هـ / 1923 - 1998 م) شاعر سوري معاصر من مواليد مدينة دمشق.

تعريفه من ويكيبيديا

نزار بن توفيق القباني (1342 - 1419 هـ / 1923 - 1998 م) دبلوماسي وشاعر سوري معاصر، ولد في 21 مارس 1923 من أسرة عربية دمشقية عريقة. إذ يعتبر جده أبو خليل القباني من رائدي المسرح العربي. درس الحقوق في الجامعة السورية وفور تخرجه منها عام 1945 انخرط في السلك الدبلوماسي متنقلًا بين عواصم مختلفة حتى قدّم استقالته عام 1966؛ أصدر أولى دواوينه عام 1944 بعنوان "قالت لي السمراء" وتابع عملية التأليف والنشر التي بلغت خلال نصف قرن 35 ديوانًا أبرزها "طفولة نهد" و"الرسم بالكلمات"، وقد أسس دار نشر لأعماله في بيروت باسم "منشورات نزار قباني" وكان لدمشق وبيروت حيِّزٌ خاصٌّ في أشعاره لعلَّ أبرزهما "القصيدة الدمشقية" و"يا ست الدنيا يا بيروت". أحدثت حرب 1967 والتي أسماها العرب "النكسة" مفترقًا حاسمًا في تجربته الشعرية والأدبية، إذ أخرجته من نمطه التقليدي بوصفه "شاعر الحب والمرأة" لتدخله معترك السياسة، وقد أثارت قصيدته "هوامش على دفتر النكسة" عاصفة في الوطن العربي وصلت إلى حد منع أشعاره في وسائل الإعلام.—قال عنه الشاعر الفلسطيني عز الدين المناصرة : (نزار كما عرفته في بيروت هو أكثر الشعراء تهذيبًا ولطفًا).

على الصعيد الشخصي، عرف قبّاني مآسي عديدة في حياته، منها مقتل زوجته بلقيس خلال تفجيرٍ انتحاري استهدف السفارة العراقية في بيروت حيث كانت تعمل، وصولًا إلى وفاة ابنه توفيق الذي رثاه في قصيدته "الأمير الخرافي توفيق قباني". عاش السنوات الأخيرة من حياته مقيمًا في لندن حيث مال أكثر نحو الشعر السياسي ومن أشهر قصائده الأخيرة "متى يعلنون وفاة العرب؟"، وقد وافته المنية في 30 أبريل 1998 ودفن في مسقط رأسه، دمشق.

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي