إلى مسافرة .. لم تسافر

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

أبيات قصيدة إلى مسافرة .. لم تسافر لـ نزار قباني

1
لم يعد مسموحاً لك أن تسافري
إلى أي مكان آخر.
إلى أي وطن آخر .
أنا آخِر وطن تلتجئين إليه
يعطيك شرعية الحب ..
ويمنحك السلام والسلامة …

2
لم يعد مسموحاً لك ..
أن تغادري أقاليمي الاستوائية
فصدري هو آخر شاطئ رملي .
تريحين عليه رأسك المتعب .
آخر منفى ..
يفتح أمامك أبوابه
ويمنحك جنسيته
ويطعمك تفاحة الشعر ..
وخبز الحرية …

3
لم يعد مسموحاً لك
أن تعودي إلى القرن العاشر
قبل اكتشاف الأنوثة ..
وأن تخرجي من زمن الماء
لتدخلي في الزمن اليابس .
وتنتقلي من حضارة القصيدة
إلى مغارة ( مقامات الحريري ) !! .

4
لم يعد مسموحاً لك
أن تتركي الأشياء على حالتها الأولى
أي قبل ظهور الإسلام ..
قبل ظهور النصرانية ..
قبل ظهور الحب …

5
لم يعد مسموحاً لك
أن تضعي الزمن الجميل في حقائبك
وتقفلي عليه بالمفتاح .
لم يعد مسموحاً
أن تتركي الأنهار التي اغتسلتِ بها
وترجعي إلى حالة التصحر .
لم يعد مسموحاً
أن تتركي الحمام جائعاً ..
وتــُرمُس القهوة فارغاً ..
وكتب الشعر مبعثرة ..
وفراش القيلولة بارداً .
وترجعي إلى زمن الجاهلية …

6
لم يعد مسموحاً لك
أن تلعبي بخرائط الوقت ، كما تشاءين .
فثمة خرائط رسمناها معاً
لا يمكنك أن تغيريها .. أو تمزقيها ..
أو تضرمي فيها النار ..
ثمة أمكنة تاريخية في علاقتنا
لا يمكنك أن تغيريها .. أو تمزقيها ..
ولا مواقعها .. ولا رائحتها ..
ثمة ميراث مشترك من الحب ، بيني وبينك
لا يمكنك أن تحمليه معك إلى الطائرة ..
أو تدخليه إلى غرفتك في الفندق ..
لأنه سينفجر بك …

7
لم يعد مسموحاً لك أن تهربي إلى الأمام
وتبحري ضد دورتك الدموية ..
وضد ذاكرتك النسائية ..
وضد كيمياء جسدك ..
المصنوع من خلاصة الأعشاب ..
ووصفات الطب العربي ..

8
لم يعد بوسعك ، أن تتحولي مرة أخرى
إلى منسف رز في مضافة أبي لهب ..
وناقة مذبوحة على باب خيمته …

9
صار مستحيلاً عليك
أن تخرجي من المرايا التي دخلت فيها ..
والديوان الذي كنت تتمددين فوقه ..
والشراشف التي سال عرقك عليها ..
وبُرنس الحمام الذي كنت تتنشفين به ..

صار مستحيلاً عليك
أن تنتحري بأمشاطك .. وخواتمك
وساعاتك التي ضيعت إحساسها بالزمن …

10
إني أحبك كما أنت ..
متحدياً كل الفوارق الطبقية
بين موقعك البورجوازي
وبين صعلكتي ..
بين دمك الأزرق ..
ودمي الشعبي كحبر الجرائد ..
بين نهديك المهذبين جداً ..
وأصابعي التي
لا تعرف استعمال الشوكة والسكين !! .

11
لم يعد مسموحاً لك ، بعد اليوم
أن تقفي على يمين العشق ..
في حين أقف أنا
منذ أن شممت رائحة أول امرأة ..
على يساره …

12
لم يعد مسموحاً لك .. أن تخلطي
بين أصوليتك الثقافية ..
وبين جنوني ..
بين خوفك الوراثي من الرجل
وانتمائي الوراثي لحزب المرأة ..
بين انحنائك للنص القبلي
وخروجي على كل النصوص ..
بين أبراجك الرومانية العالية
وبين حريتي …

13
أيتها المسافرة التي لم تسافر :
عندما كنتِ هنا ..
كان الزمن مُفـَصَّلاً على مقياس جسدك ..
وكان الشجر يورق معك .. والأنهار تفيض معك .
والقمر يستدير مع استدارة صدرك ..
والحنطة تتكاثر تحت إبطيك ..
والضفادع تسبح في مياه ركبتيك ..
والعصافير تتعلم الطيران في سهولك المفتوحة ..
والشمس تشرق من شفتك العليا ..
وتغيب تحت شفتك السفلى ..
والقصائد تتساقط الواحدة بعد الأخرى
في سلال نهديك …

14
عندما كنتِ هنا ..
كان كل شيء مضبوطاً
على إيقاع أنوثتك ..
فأية مجاعة ستجتاح العالم
يوم ترفعين يدك عنه ..
وتسافرين ؟؟

15
عندما كنتِ معي ..
كان الياسمين يخترع بياضه ..
والوردة تبتكر رائحتها .
والبحر يبتكر زرقته ..
والقصيدة تبحث عن موسيقاها ..
والشامات تبحث عن مكان إقامتها .
والحلمة …
تبحث عن سرير تنام عليه !! ..

16
عندما كنتِ حبيبتي .
كان الكلام الجميل بخير .
واللغة بخير .
وسفرجل نهديك بألف ألف خير ..
ورسائل العشق ..
تتكاثر كالسنابل في صناديق البريد ..
وكان الأطفال يحضنون عرائسهم .. وينامون ..
وكان القمر يترك على شبابيكنا كل ليلة
إسوارة ذهبية ..
وعلبة ملبس …

17
يا سيدتي : سافري على أية طائرة تريدين .
على أية سفينة تريدين . إلى أية جزيرة تريدين .
ولكنك لن تستطيعي أن تهربي
لا من الجغرافيا ولا من التاريخ ، ولا من تضاريس جسدي ..
لن تستطيعي أن تطيري بعكس اتجاه العشق ..
وعكس اتجاه الأنوثة …
فأنا الذي أرسم جغرافيتك بيدي ..
وأرسم خطوط الطول والعرض على جسدك ..
وأنا الذي أحدد مكان خط الاستواء …
فإلى أين ستذهبين ؟؟ ..

عن نزار قباني

نزار قباني (1342 - 1419 هـ / 1923 - 1998 م) شاعر سوري معاصر من مواليد مدينة دمشق.

تعريفه من ويكيبيديا

نزار بن توفيق القباني (1342 - 1419 هـ / 1923 - 1998 م) دبلوماسي وشاعر سوري معاصر، ولد في 21 مارس 1923 من أسرة عربية دمشقية عريقة. إذ يعتبر جده أبو خليل القباني من رائدي المسرح العربي. درس الحقوق في الجامعة السورية وفور تخرجه منها عام 1945 انخرط في السلك الدبلوماسي متنقلًا بين عواصم مختلفة حتى قدّم استقالته عام 1966؛ أصدر أولى دواوينه عام 1944 بعنوان "قالت لي السمراء" وتابع عملية التأليف والنشر التي بلغت خلال نصف قرن 35 ديوانًا أبرزها "طفولة نهد" و"الرسم بالكلمات"، وقد أسس دار نشر لأعماله في بيروت باسم "منشورات نزار قباني" وكان لدمشق وبيروت حيِّزٌ خاصٌّ في أشعاره لعلَّ أبرزهما "القصيدة الدمشقية" و"يا ست الدنيا يا بيروت". أحدثت حرب 1967 والتي أسماها العرب "النكسة" مفترقًا حاسمًا في تجربته الشعرية والأدبية، إذ أخرجته من نمطه التقليدي بوصفه "شاعر الحب والمرأة" لتدخله معترك السياسة، وقد أثارت قصيدته "هوامش على دفتر النكسة" عاصفة في الوطن العربي وصلت إلى حد منع أشعاره في وسائل الإعلام.—قال عنه الشاعر الفلسطيني عز الدين المناصرة : (نزار كما عرفته في بيروت هو أكثر الشعراء تهذيبًا ولطفًا).

على الصعيد الشخصي، عرف قبّاني مآسي عديدة في حياته، منها مقتل زوجته بلقيس خلال تفجيرٍ انتحاري استهدف السفارة العراقية في بيروت حيث كانت تعمل، وصولًا إلى وفاة ابنه توفيق الذي رثاه في قصيدته "الأمير الخرافي توفيق قباني". عاش السنوات الأخيرة من حياته مقيمًا في لندن حيث مال أكثر نحو الشعر السياسي ومن أشهر قصائده الأخيرة "متى يعلنون وفاة العرب؟"، وقد وافته المنية في 30 أبريل 1998 ودفن في مسقط رأسه، دمشق.

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي