أشعار الشعراء الستة الجاهليين/عنترة العبسي

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

عنترة العبسي

عنترة العبسي - أشعار الشعراء الستة الجاهليين

قال :

هل غادر الشعراء من متردم

أم هل عرفت الدار بعد توهم

أعياك رسم الدار لم يتكلم

حتى تكلم الأصم الأعجم

ولقد حبست بها طويلاً ناقتي

أشكو إلى سفع رواكد جم

يا دار عبلة بالجواء تكلمي

وعمي صباحاً دار عبلة واسلمي

دار لآنسة غضيص طرفها

طوع العناق لذيذة المتبسم

فوقفت فيها ناقتي وكلها

فدن، لأقضي حاجة المتلوم

وتحل عبلة بالجواء وأهلنا

بالحزن فالصمان فالمتثلم

حييت من طلل تقادم عهده

أقوى وأقفر بعد أم الهيثم

حلت بأرض الزائرين فأصبحت

عسراً علي طلابك ابنة مخوم

علقتها عرضاً وأقتل قومها

زعماً لعمر أبيك ليس بمزعم

ولقد نزلت فلا تظني غيره

مني بمنزلة المحب المكرم

كيف المزار وقد تربع أهلها

بعنيزتين وأهلنا بالغيلم

إن كنت أزمعت الفراق فإنما

زمت ركابكم بليل مظلم

ما راعني إلا حمولة أهلها

وسط الديار تسف حب الخمخم

فيها اثنتان وأربعون حلوبة

سوداً كخافية الغراب الأسحم

إذ تستبيك بأصلتي ناعم

عذب مقبله لذيذ المطعم

وكأنما نظرت بعيني شادن

رشإ من الغزلان ليس بتوءم

وكأن فارة تاجر بقسيمة

سبقت عوارضها إليك من الفم

أو روضة أنفاً تضمن نبتها

غيث قليل الدمن ليس بمعلم

جادت عليها كل عين ثرة

فتركن كل حديقة كالدرهم

سحا وبسكاباً فكل عشية

يجري عليها الماء لم يتصرم

فترى الذباب بها يغني وحده

هزجاً كفعل الشارب المترنم

غرداً يسن ذراعه بذراعه

فعل المكب على الزناد الأجذم

تمسي ويصبح فوق ظهر حشية

وأبيت فوق سراة أدهم ملجم

وجشيتي سرج على عبل الشوى

نهد مراكله نبيل المحزم

هل تبلغني دارها شدنية

لعنت بمحروم الشراب مصرم

خطارة غب السرى زيافة

تطس الإكام بكل خف مثيم

وكأنما أقص الإكام عشية

بقريب بين المنسمين مصلم

يأوي إلى حزق النعام كما أوت

حزق يمانية لأعجم طمطم

يتبعن قلة رأسه وكأنه

زوج على حرج لهن مخيم

صعل يعود بذي العشيرة بيضه

كالعبد ذي الفرو الطويل الأصلم

شربت بماء الدحرضين فأصبحت

زوراء تنفر عن حياض الديلم

وكأنما تنأى بجانب دفها ال

وحشي من هزج العشي مؤوم

هر جنيب كلما عطفت له

غضبى اتقاها باليدين وبالفم

أبقى لها طول السفار مقرمدا

سنداً ومثل دعائم المتخيم

بركت على ماء الرداع كأنما

بركت على قصب أجش مهضم

وكأن ربا أو كحيلا معقداً

حش القيان به جوانب قمقم

ينباع من ذفرى غضوب جسرة

زيافة مثل الفنيق المقرم

إن تغد في دوني القناع فإنني

طب بأخذ الفارس المستلم

أثنى علي بما علمت فإنني

سمح مخالقتي إذا لم أظلم

فإذا ظلمت فإن ظلمي باسل

مر مذاقته كطعم العلقم

ولقد شربت من المدامة بعدما

ركد الهواجر بالمشوف المعلم

بزجاجة صفراء ذات أسرة

قرنت بأزهر في الشمال مقدم

فإذا شربت فإنني مستهلك

مالي، وعرضي وافر لم يكلم

وإذا صحوت فما أقصر عن ندى

وكما علمت شمائلي وتكرمي

وحليل غانية تركت مجدلا

تمكو فريصته بشدق الأعلم

عجلت يداي له بمارق طعنة

ورشاش نافذة كلون العندم

هلا سألت القوم يا ابنة مالك

إن كنت جاهلة بما لم تعلمي

إذ لا أزال على رحالة سابح

نهد تعاوره الكماة مكلم

طوراً يعرض للطعان وتارة

يأوي إلى حصد القسي عرمرم

يخبرك من شهد الوقائع أنني

أغشى الوغى وأعف عند المغنم

فأرى مغانم لو أشاء حويتها

ويصدني عنها الحيا وتكرمي

ومدجج كره الكماة نزاله

لا ممعن هرباً ولا مستسلم

جادت يداي له بعاجل طعنة

بمثقف صدق الكعوب مقوم

برحيبه الفرغين يهدي جرسها

بالليل معتس السباع الضرم

كمشت بالرمح الطويل ثيابه

ليس الكريم على القنا بمحرم

وتركته جزر السباع ينشنه

ما بين قلة رأسه والمعصم

ومشك سابغة هتكت فروجها

بالسيف عن حامي الحقيقة معلم

ربذ يداه بالقداح إذا شتا

هتاك غايات التجار ملوم

بطل كأن ثيابه في سرحة

يحذى نعال السبت ليس بتوءم

لما رآني قد قصدت أريده

أبدى نواجذه لغير تبسم

فطعنته بالرمح ثم علوته

بمهند صافي الحديدة مخذم

عهدي به شد النهار كأنما

خضب اللبان ورأسه بالعظلم

يا شاة ما قنص لمن حلت له

حرمت علي وليتها لم تحرم

فبعثت جاريتي فقلت لها اذهبي

فتحسسي أخبارها لي واعلي

قالت رأيت من الأعادي غرة

والشاة ممكنة لمن هو مرتم

وكأنما التفتت بجيد جداية

رشاء من الغزلان حر أرثم

نبئت عمراً غير شاكر نعمتي

والكفر مخبثة لنفس المنعم

ولقد حفظت وصاة عمي بالضحا

إذ تقلص الشفتان عن وضح الفم

في حومة الموت التي لا تشتكي

غمراتها الأبطال غير تغمغم

إذ يتقون بي الأسنة لم أخم

عنها ولم أني تضايق مقدمي

لما رأيت القوم أقبل جمعهم

يتذامرون كررت غير مذمم

يدعون عنتر والرماح كأنها

أشطان بئر في لبنان الأدهم

مازلت أرميهم بثغرة نحره

ولبانه، حتى تسربل بالدم

فازور من وقع القنا بلبانه

وشكا إلي بعبرة وتحمحم

لو كان يدري ما المحاورة أشتكي

أو كان يدري ما جواب تكلمي

والخيل تقتحم الخيار عوابسا

ما بين شيظمة وأجرد شيظم

ولقد شفى نفسي وأبرأ سقمها

قيل الفوارس ويك عنتر أقدم

ذلل جمالي حيث شئت مشايعي

قلبي، وأحفزه برأي مبرم

إني عداني أن أزورك فاعلمي

ما قد علمت وبعض مالم تعلمي

حالت رماح أنني بغيض دونكم

وزرت جواني الحرب من لم يجرم

ولقد كررت المهر يدمى نحره

حتى اتقتني الخيل يا بني حذيم

ولقد خشيت بأن أموت ولم تدر

للحرب دائرة على ابني ضمضم

الشاتمي عرضي ولم أشتمهما

والناذرين إذا لم ألقهما دمي

إن يفعلا فلقد تركت أباهما

جزراً لخامعة ونسر قشعم

وقال عنترة يذكر يوم الفروق:

ألا قاتل الله الطلول البواليا

وقاتل ذكراك السنين الخواليا

وقولك للشيء الذي لا تناله

إذا ما هو احلولى ألا ليت ذاليا

ونحن منعنا بالفروق نساءنا

نطرف عنها مشعلات غواشيا

حلفنا لهم والخيل تردى بنا معاً

نزايلكم حتى تهزوا العواليا

عوالي زرقا من رماح ردينة

هرير الكلاب ينقين الأفاعيا

تفاديتم أستاه نيب تجمعت

على رمة من العظام تفاديا

ألم تعلموا أن الأسنة أحرزت

بقيتنا لو أن للدهر باقيا

أبينا أن تضب لثاتكم

على مرشقات كالظباء عواطيا

وقلت لمن أحضر الموت نفسه

ألا من لأمر حازم قد بدا ليا

وقلت لهم ردوا المغيرة عن هوى

سوابقها وأقبلوها النواصيا

فما وجدونا بالفروق أشابة

ولا كشفاً ولا دعينا مواليا

وإنا نقود الخيل حتى رؤوسها

رؤوس نساء لا يجدن فواليا

تعالوا إلى ما تعلمون فإنني

أرى الدهر لا ينجي من الموت ناجيا

وقال عنترة أيضاً في يوم عراعر:

ألا هل أتاها أن يوم عراعر

شفى سقما لو كانت النفس تشتفي

فجئنا على عمياء ما جمعوا لنا

بأرعن لا خل ولا متكشف

تماروا بنا إذ يمدرون حياضهم

على ظهر مقضي من الأمر محصف

وما نذروا حتى غشينا بيوتهم

بغية موت مسبل الودق مزعف

فظلنا نكر المشرفية فيهم

وخرصان لدن السمهري المثقف

علالتنا في كل يوم كريهة

بأسيافنا والقرح لم يتقرف

أبينا فلا نعطى السواء عدونا

قياماً بأعضاد السراء المعطف

بكل هتوف عجسها رضوبة

وسهم كسير الحميري المؤنف

فإن يك عز في قضاعة ثابت

فإن لنا برحرحان وأسقف

كتائب شهباً فوق كل كتيبة

لواء كظل الطائر المتصرف

وغادرن مسعوداً كأن بنحره

شقيقة برد من يمان مفوف

وقال عنترة أيضاً يهجو عمارة بن زياد:

أحولي تنفض استك مذرويها

لتقتلني، فهأنذا عمار

ومتى ما تلقني فردين ترجف

روانف إليتيك وتستطارا

وسيفي صارم قبضت عليه

أشاجع لا ترى فيها انتشارا

وسيفي كالعقيقة وهو كمعي

سلاحي لا أفل ولا فطارا

وكالورق الخفاف وذات غرب

ترى فيها عن الشرع ازورارا

ومطرد الكعوب أحض صدق

تخال سنانه بالليل نارا

ستعلم أينا للموت أدنى

إذا دانيت بي الأسل الحرارا

ومنجوب له منهن صرع

يميل إذا عدلت به الشوارا

أقل عليك ضراً من قريح

إذا أصحابه ذمروه سارا

وخيل قد زحفت لها بخيل

عليها الأسد تهتصر اهتصارا

وقال عنترة أيضاً:

نأتك رقاش إلا عن لمام

وأمسى حبلها خلق الرمام

وما ذكرى رقاش إذا استقرت

لدى الطرفاء عند ابني شمام

ومسكن أهلها من بطن جزع

تبيض به مصاييف الحمام

ووقفت وصحبتي بأرينبات

على أقتاد عوج كالسمام

فقلت تبينوا ظعنا أراها

تحل شواحطا جنح الظلام

وقد كذبتك نفسك فاكذبنها

لما منتك تغريراً قطام

ومرقصة رددت الخيل عنها

وقد همت بإلقاء الزمام

فقلت لها اقصري منه وسيرى

وقد قرع الرجائز بالخدام

أكر عليهم مهري كليماً

قلائده سبائب كالقرام

كأن دفوف مرجع مرفقيه

توارثها منازيع السهام

تقعس وهو مضطمر مضر

بقارحه على فأس اللجام

يقدمه فتى من خير عبس

أبوه وأمه من آل حام

وقال عنترة:

طال الثواء على رسوم المنزل

بين اللكيك وبين ذات الحرمل

فوقفت في عرصاتها متحيراً

أسل الديار كفعل من لم يذهل

لعبت بها الأنواء بعد أنيسها

والرامسات وكل جون مسبل

أفمن بكاء حمامة في أيكة

ذرفت دموعك فوق ظهر المحمل

كالدر أو فضض الجمان تقطعت

منه عقائد سلكه لم توصل

لما سمعت دعاء مرة إذ دعا

ودعاء عبس في الوغى ومحلل

ناديت عبساً فاستجابوا بالقنا

وبكل أبيض صارم لم ينحل

حتى استباحوا آل عوف عنوة

بالمشرفي وبالوشيج الذبل

إني امرؤ من خير عبس منصباً

شطري، وأحمي سائري بالمنصل

إن يلحقوا أكرر، وإن يستلحموا

أشدد، وإن يلفوا بضنك أنزل

حين النزول يكون غاية مثلنا

ويفر كل مضلل مستوهل

ولقد أبيت على الطوى وأظله

حتى أنال به كريم المأكل

وإذا الكتيبة أحجمت وتلاحظت

ألفيت خيراً من معم مخول

والخيل تعلم والفوارس أنني

فرقت جمعهم بطعنة فيصل

إذ لا أبادر في المضيق فوارسي

ولا أركل بالرعيل الأول

ولقد غدوت أمام راية غالب

يوم الهياج وما غدوت بأعزل

بكرت تخوفني الحتوف كأنني

أصبحت عن غرض الحتوف بمعزل

فأجبتها إن المنية منهل

لابد أن أسقى بكاس المنهل

فاقني حياءك لا أبالك واعلمي

أني امرؤ سأموت إن لم أقتل

إن المنية لو تمثل مثلت

مثلي إذا نزلوا بضنك المنزل

والخيل ساهمة الوجوه كأنما

تسقى فوارسها نقيع الحنظل

وإذا حملت على الكريهة لم أقل

بعد الكريهة ليتني لم أفعل

عجبت عبيلة من فتى متهذل

عاري الأشاجع شاحب كالمنصل

شعث المفارق منهج سرباله

لم يدهن حولاً ولم يترجل

لا يكتسي إلا الحديد إذا اكتسى

وكذاك كل مغاور مستبسل

قد طال مالبس الحديد فإنما

صدأ الحديد بجلده لم يغسل

فتضاحكت عجباً وقالت قولة

لا خير فيك كأنها لم تحفل

فعجبت منها كيف زلت عينها

عن ماجد طلق اليدين شمردل

لا تصرميني يا عبيل وراجعي

في البصيرة نظرة المتأمل

فلرب أملح منك دلا فاعلمي

وأقر في الدنيا لعين المجتلي

وصلت حبالي بالذي أنا أهله

من ودها وأنا رخي المطول

يا عبل كم من غمرة باشرتها

بالنفس ماكادت لعمرك تتجلى

فيها لوامع لو رأيت ذهاءها

لسلوت بعد تخضب وتكحل

إما تريني قد نحلت ومن يكن

غرضاً لأطراف الأسنة ينحل

فلرب أبلج مثل بعلك بادن

ضخم على ظهر الجواد مهبل

غادرته متعفراً أرصاله

والقوم بين مجرح ومجدل

فيهم أخو ثقة يضارب نازلاً

بالمشرفي وفارس لم ينزل

ورماحنا تكف النجيع صدورها

وسيوفنا تخلى الرقاب فتختلي

والهام تندر بالصعيد كأنها

تلقى السيوف بها رؤوس الحنظل

ولقد لقيت الموت يوم لقيته

متسربلاً والسيف لم يتسربل

فرأيتنا ما بيننا من حاجز

إلا المجن ونصل أبيض مفصل

ذكر أشق به الجماجم في الوغى

وأقول لا تقطع يمين الصيقل

ولرب مشعلة وزعت رعالها

بمقلص نهد المراكل هيكل

سلس المعذر لاحق أقرابه

متقلب عبثاً بفأس المسحل

نهد القطاة كأنها من صخرة

ملساء يغشاها المسيل بمحفل

وكأن هاديه إذا استقبلته

جذع أذل وكان غير مذلل

وكأن مخرج روحه في وجهه

سربان كانا مولجين لجيئل

وكأن متنيه إذا جردته

ونزعت عنه الجل متنا ايل

وله حوافر موثق تركيبها

صم النسور كأنها من جندل

وله عسيب ذو سبيب سابغ

مثل الرداء على الغني المفضل

سلس العنان إلى القتال فعينه

قبلاء شاخصة كعين الأحول

وكأن مشيته إذا نهنهته

بالنكل مشية شارب مستعجل

فعليه أقتحم الهياج تقحماً

فيها وأنقض انقضاض الأجدل

وقال عنترة:

ظعن الذين فراقهم أتوقع

وجرى بينهم الغراب الأبقع

خرق الجناح كأن لحي رأسه

جلمان، بالأحبار هش مولع

فزجرته ألا يفرخ عشه

أبداً، ويصبح واحداً يتفجع

إن الذين نعبت لي بفراقهم

قد أسهروا ليلى التمام فأوجعوا

ومغيرة شعواء ذات أشلة

فيها الفوارس حاسر ومقنع

فزجرتها عن نسوة من عامر

أفخاذهن كلهن الخروع

وعرفت أن منيتي إن تأتني

لا ينجني منها الفرار الأسرع

فصبرت عارفة لذلك حرة

ترسو إذا نفس الجبان تطلع

قال عنترة أيضاً:

ألا يا دار عبلة بالطوى

كرجع الوشم في رسغ الهدي

كوحي صحائف من عهد كسرى

فأهداها لأعجم طمطمي

أمن رو الحوادث يوم تسمو

بنو جرم لحرب بني عدي

إذا اضطربوا سمعت الصوت فيهم

خفياً غير صوت المشرفي

وغير نوافذ يخرجن منهم

بطعن مثل أشطان الركي

وقد خذلتهم ثعل بن عمرو

سلاميوهم والجرولي

وقال عنترة أيضاً:

أمن سهية دمع العين مذروف

لو أن ذا منك قبل اليوم معروف

كأنها يوم صدت ما تكلمني

ظبي بعسفان ساجي الطرف مطروف

تجللتني إذ أهوى العصا قبلي

كأنها صم يعتاد معكوف

المال مالكم والعبد عبدكم

فهل عذابك عني اليوم مصروف

تنسى بلائي إذا ما غارة لفحت

تخرج منها الطوالات السراعيف

يخرجن منها وقد بلت رحائلها

بالماء تركضها المرد الغطاريف

قد أطعن الطعنة النجلاء عن عروض

تصفر كف أخيها وهو منزوف

لاشك للمرء أن الدهر ذو خلف

فيه تفرق ذو إلف ومألوف

وقال عنترة أيضاً:

لا تذكري مهري وما أطعمته

فيكون جلدك مثل جلد الأجرب

إن الغبوق له وأنت مسوءة

فتأوهي ماشئت ثم تحوبي

كذب العتيق وماء شن بارد

إن كنت سائلتي غبوقا فاذهبي

إن الرجال لهم إليك وسيلة

إن يأخذوك، تكحلي، وتخضبي

ويكون مركبك القعود وزحله

وابن النعامة عند ذلك مركبي

وأنا امرؤ إن يأخذوني عنوة

أقرن إلى شر الركاب وأجنب

إني أحاذر أن تقول ظعيني

هذا غبار ساطع فتلبب

وقال عنترة أيضاً:

وفوارس لي قد علمتهم

صبر على التكرار والكلم

يمشون والماذي فوقهم

يتوقدون توقد الفحم

كم من فتى فيهم أخي ثقة

حر أغر كقوة الرئم

ليسوا كأقوام علمتهم

سود الوجوه كمعدن البرم

عجلت بنو شيبان مدتهم

والبقع أستاها بنو لأم

كنا إذا نفر المطي بنا

وبدا لنا أحواض ذي الرضم

نعدى فنطعن في أنوفهم

نختار بين القتل والغنم

إنا كذلك يا سهى إذا

غدر الحليف نمور بالخطم

وبكل مرهقة لنا نفذ

بين الضلوع كطرة القدم

وقال عنترة أيضاً:

كأن السرايا بين قو وقارة

عصائب طير ينتحين لمشرب

وقد كنت أخشى أن أموت ولم تقم

قرائب عمرو وسط نوح مسلب

شفى النفس مني أو دنا من شفائها

ترديهم من حالق متصوب

تصيح الردينيات في حجباتهم

صياح العوالي في الثقاف المثقب

كتائب تزحى فوق كل كتيبة

لواء كظل الطائر المتقلب

وقال عنترة أيضاً:

هديكم خير أباً من أبيكم

أعف وأوفى بالجوار وأحمد

وأطعن في الهيجا إذا الخيل صدها

غداة الصياح السمهري المقصد

فهلا وفي الغوغاء عمرو بن جابر

بذمته وابن اللقيطة عصيد

سيأتيكم عني وإن كنت نائياً

دخان العلندي دون بيتي مذود

قصائد من قبل امرئ يحتديكم

بني العشراء فارتدوا وتقلدوا

وقال أيضاً:

تركت جرية العمري فيه

شديد العير معتدل سديد

جعلت بني الهجيم له دواراً

إذا تمضى جماعتهم تعود

إذا تقع الرماح بجانبيه

تولى قابعاً فيه صدود

فإن يبرأ فلم أنفث عليه

وإن يفقد فحق له الفقود

وهل يدري جرية أن نبلى

يكون جفيرها البطل النجيد

كأن رماحهم أشطان بئر

لها في كل مدلجة خدود

وقال عنترة أيضاً:

خذوا ما أسأرت منها قداحي

ورفد الضيف والأنس الجميع

فلو لاقيتني وعلي درعي

علمت علام تحتمل الدروع

تركت جبيلة بن أبي عدي

ببل ثيابه علق نجيع

وآخر منهم أجررت رمحي

وفي البجلي معبلة وقيع

وقال عنترة أيضاً:

قد أرعدوني بأرماح معلبة

سود لقطن من الجومان أخلاق

لم يسلبوها ولم يعطوا بها ثمناً

أيدي النعام فلا أسقاهم الساقي

عمرو بن أسود فازباء قاربة

ماء الكلاب عليها الظبي معناق

وقال أيضاً في قتل قرواش وقتل عبد الله بن الصمة أخي دريد:

نجا فارس الشهباء والخيل جنح

على فارس بين الأسنة مقصد

ولولا يد نالته منا لأصبحت

سباع تهادى شلوه غير مسند

فلا تكفر النعمى وأثن بفضلها

ولا تأمنن ما يحدث الله في غد

فإن يك عبد الله لاقى فوارسا

يردون خال العارض المتوقد

فقد أمكنت منك الأسنة عانية

فلم نجز إذ تسعى فتيلا بمعبد

وقال عنترة وتروى للربيع بن زياد العبسي:

إن تك حربكم أمست عواناً

فإني لم أكن ممن جناها

ولكن ولد سودة أرثوها

وشبوا نارها لمن اصطلاها

فإني لست خاذلكم ولكن

سأسعى الآن إذ بلغت إناها

وقال عنترة أيضاً:

إذا لاقيت جمع بني أبان

فإني لائم للجعد لاحي

كأن مؤشر العضدين جحلا

هدرجا بين أقلبة ملاح

تضمن نعمتي فعدا عليها

بكوراً أو تعجل في الرواح

ألم تعلم لحاك الله أني

أجم إذا لقيت ذوي الرماح

كسوت الجعد جعد بني أبان

سلاحي بعد عري وافتضاح

وقال أيضاً:

سائل عميرة حيث حلت جمعها

عند الحروب بأي حي تلحق

أبحق قيس أم بعذرة بعدما

رفع اللواء لها وبئس الملحق

واسأل حذيفة حين أرث بيننا

حرباً ذوائبها بموت تخفق

فلتعلمن إذا التقت فرساننا

بلوى النجيزة أن غنك أحمق

وقال في قتل ورد بن حابس نضلة الأسدي:

غادرن نضلة في معرك

يجر الأسنة كالمحتطب

فمن يك عن شأنه سائلاً

فإن أبا نوفل قد شجب

تذاءب ورد على أثره

وأدركه وقع مرد خشب

تدارك لا يتقي نفسه

بأبيض كالقبس الملتهب

وقال أيضاً:

ومكروب كشفت الكرب عنه

بضربة فيصل لما دعاني

دعاني دعوة والخيل تردى

فما أدرى أباسمي أم كناني

فلم أمسك بسمعي إذ دعاني

ولكن قد أبان له لساني

فكان إجابتي إياه أني

عطفت عليه خوار العنان

بأسمر من رماح الخط لدن

وأبيض صارم ذكر يمان

وقرن قد تركت لدى مكر

عليه سبائب كالأرجوان

تركت الطير عاكفة عليه

كما تردى إلى العرس البوانيٍ

ويمنعهن أن يأكلن منه

حياة يد ورجل تركضان

فما أوهى مراس الحرب ركني

ولكن ما تقادم من زماني

وقد علمت بنو عبس بأني

أهش إذا دعيت إلى الطعان

وأن الموت طوع يدي إذا ما

وصلت بنانها بالهندواني

ونعم فوارس الهيجاء إذا ما

علقوا الأعنة بالبنان

هم قتلوا لقيطاً وابن حجر

وأردوا حاجباً وابني أبان

وقال أيضاً:

طربت وهاجتك الظباء السوانح

غدت منها سنيح وبارح

فمالت بي الأهواء حتى كأنما

بزندين في جوفي من الوجد قادح

تعزيت عن ذكرى سهية حقبة

فبح عنك منها بالذي أنت بائح

لعمري لقد أعذرت لو تعذريني

وخشنت صدراً غيبة لك ناصح

أعادل كم من يوم حرب شهدته

له منظر بادي النواجذ كالح

فلم أر حياً صابروا مثل صبرنا

ولا كافحوا مثل الذين نكافح

إذا شئت لاقاني كمي مدجج

على أعوجي بالطعان مسامح

نزاحف زحفاً أو نلاقي كتيبة

تطاعننا أو يذعر السرح صائح

فلما التقيننا بالجفار تضعضعوا

وردت على أعقابهن المسالح

وسارت رجال نحو أخرى عليهم ال

حديد كما تمشى الجمال الدوالح

إذا ما مشوا في السابغات حسبتهم

سيولاً وقد جاشت بهن الأباطح

فأشرع رايات وتحت ظلالها

من القوم أبناء الحروب المراجح

ودرنا كما دارت على قطبها الرحى

ودارت على هام الرجال الصفائح

بهاجرة حتى تغيب نورها

وأقبل ليل يقبض الطرف سائح

تداعى بنو عبس بكل مهند

حسام يزيل الهام والصف جانح

وكل رديني كأن سنانه

شهاب بدا في ظلمة الليل واضح

فخلوا لنا عوذ النساء وخببوا

عباديد منها مستقيم وجامح

وكل كعاب خدلة الساق فخمة

لها منيت في آل ضبة طامح

تركنا ضراراً بين عان مكبل

وبين قتيل غاب عنه النوائح

وغمراً وحيانا تركنا بقفرة

تعودهما فيها الضباع الكوالح

يجرون هاما فلقتها سيوفنا

تزيل منهن اللحى والمسائح

وقال أيضاً:

وكتيبة لبستها بكتيبة

شهباء باسلة يخاف رداها

خرساء ظاهرة الأداء كأنها

نار يثب وقودها بلظاها

فيها الكماة بنو الكماة كأنهم

والخيل تعشر في الوغى بقناها

شهب بأيدي القابسين إذا بدت

بأكفهم بهر الظلام سناها

صبر أعدوا كل أجرد سابح

ونجية ذبلت وخف حشاها

يغدون بالمستلثمين عوابساً

قوداً تشكى أينها ووجاها

يحملن فتياناً مداعس بالقنا

وقراً إذا ما الحرب خف لواها

من كل أروع ماجد ذي صولة

مرس إذا لحقت خصي بكلاها

وصحابة شم الأنوف بعثتهم

ليلاً وقد مال الكرى بطلاها

وسريت في وعث الظلام أقودهم

حتى رأيت الشمس زال ضحاها

ولقيت في قبل الهجير كتيبة

طعنت أول فارس أولاها

وضربت قربى كبشها فتجدلا

وحملت مهري وسطها فمضاها

حتى رأيت الخيل بعد سودها

حمر الوجوه خضن من جرحاها

يعثرن في نقع النجيع جوافلا

ويطأن من حمى الوغى صرعاها

فرجعت محموداً برأس عظيمها

وتركتها جزراً لمن ناءاها

ما استمت أنثى نفسها في موطن

حتى أوفى مهرها مولاها

ولما رزأت أخا حفاظ سلعاً

إلا له عندي بها متلاها

أغشى فتاة الحي عند خليلها

وإذا غزا في الحرب لا أغشاها

وأغض طرفي ما بدت لي جارتي

حتى يوارى جارتي مأواها

إني امرؤ سمح الخليقة ماجد

لا أتبع النفس اللجوج هواها

ولئن سألت بذاك عبلة أخبرت

لا أريد من النساء سواها

وأجيبها إما دعت لعظيمة

وأعينها وأكف عما ساها

وقال عنترة أيضاً في قتل قراوش العبسي:

ومن يك سائلاً عني فإني

وجروة لا ترود ولا تعار

مقربة الشتاء ولا تراها

وراء الحي يتبعها المهار

لها بالصيف أصبرة وجل

ونيب من رائمها غزار

ألا أبلغ بني العشراء عني

علانية فقد ذهب السرار

قتلت سراتكم وخسلت منكم

خسيلاً مثلما خسل الوبار

ولم نقتلكم سراً ولكن

علانية وقد سطع الغبار

فلم يك حقكم أن تشتمونا

بني العشراء إذ جد الفخار

وقال يرثي مالك بن زهير العبسي وتولى قتله بنو بدر:

لله عينا من رأى مثل مالك

عقيرة قوم أن حرى فرسان

فليتهما لم يجريا نصف غلوة

وليتهما لم يرسلا لرهان

وليتهما ماتا جميعاً ببلدة

وأخطأهما قيس فلا يريان

لقد جلبا حيناً وحرباً عظيمة

تبيد سراة القوم من غطفان

وكان فتى الهيجا ويحمى ذمارها

ويضرب عند الكرب كل بنان

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي