أشعار الشعراء الستة الجاهليين/النابعة الذبياني

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

النابعة الذبياني

النابعة الذبياني - أشعار الشعراء الستة الجاهليين

قال النابغة الذبياني يمدح النعمان ويعتذر إليه:

يا دار مية بالعلياء فالسند

أفوت وطال عليها سالف الأبد

وقفت فيها أصيلانا أسائلها

عيت جواباً وما بالربع من أحد

إلا الأوارى لأياً ما أبينها

والنؤى كالحوض بالمظلومة الجلد

ردت عليه أقاصيه ولبده

ضرب الوليدة بالمسحاة في الثأد

خلت سبيل أني كان يحبسه

ورفعته إلى السجفين فالنضد

أمست خلاء وأمسى أهلها احتملوا

أحنى عليها الذي أحنى على لبد

فعد عما ترى إذ لا ارتجاع له

وانم القتود على عيرانة أجد

مقذوفة بدخيس النحض بازلها

له صريف صريف القعو بالمسد

كأن رحلي وقد زال النهار بنا

يوم الجليل على مستأنس وحد

من وحش وجرة موشى أكارعه

طاوي المصير كسيف الصيقل الفرد

فظل يعجم أعلى الروق منقبضاً

في حالك اللون صدق غير ذي أود

لما رأى واشق إقعاص صاحبه

ولا سبيل إلى عقل ولا قود

قالت له النفس إني لا أرى طمعاً

وإن مولاك لم يسلم ولم يصد

فتلك تبلغني النعمان إن له

فضلاً على الناس في الأدنى وفي البعد

أسرت عليه من الجوزاء سارية

تزجى الشمال عليه جامد البرد

فارتاع من صوت كلاب فبات له

طوع الشوامت من خوف ومن صرد

فبثهن عليه واستمر به

صمع الكعوب بريات من الحرد

وكان ضمران منه حيث يوزعه

طعن المعارك عند المحجر النجد

شك الفريصة بالمدرى فأنفذها

طعن المبيطر إذ يشفى من العضد

كأنه خارجاً من جنب صفحته

سفود شرب نسوه عند مفتأد

ولا أرى فاعلاً في الناس يشبهه

ولا أحاشى من الأقوام من أحد

إلا سليمان إذ قال الإله له

قم في البرية فاحددها عن الفند

وخيس الجن إني قد أذنت لهم

يبنون تدمر بالصفاح والعمد

فمن أطاعك فانفعه بطاعته

كما أطاعك وادلله على الرشد

ومن عصاك فعاقبه معاقبة

تنهي الظلوم ولا تقعد على ضمد

إلا لمثلك أو من أنت سابقه

سبق الجواد إذا استولى على الأمد

أعطى لفارهة حلو توابعها

من المواهب لا تعطى على نكد

الواهب المئة المعكاء زينها

سعدان توضح في أوبارها اللبد

والأدم قد حيست فثلاً مرافقها

مشدودة برحال الحيرة الجدد

والراكضات ذيول الريط فانقها

برد الهواجر كالغزلان بالجرد

والخيل تمزع غرباً في أعنتها

كالطير تنجو من الشؤوب ذي البرد

احكم كحكم فتاة الحي إذ نظرت

إلى حمام شراع وارد الثمد

يحفه جانباً نيق وتتبعه

مثل الزجاجة لم تكحل من الرمد

قالت ألا ليتما هذا الحمام لنا

إلى حمامتنا ونصفه فقد

فحسبوه فألفوه كما حسبت

تسعاً وتسعين لم تنقص ولم تزد

فكملت مئة فيها حمامتها

وأسرعت حبسة في ذلك العدد

فلا لعمر الذي مسحت كعبته

وما هريق على الأنصاب من جسد

والمؤمن العائذات الطير تمسحها

ركبان مكة بين الغيل والسعد

ما قلت من سيء مما أتيت به

إذن فلا رفعت سوطي إلى يدي

إلا مقالة أقوام شقيت بها

كانت مقالتهم قرعاً على الكبد

إذن فعاقبني ربي معاقبة

قرت بها عين من يأتيك بالفند

أنبئت أن أبا قوس أوعدني

ولا قرار على زأر من الأسد

مهلاً فداء لك الأقوام كلهم

وما أثمر من مال ومن ولد

لا تقذفني بركن لا كفاء له

وإن تأنفك الأعداء بالرفد

فما الفرات إذا هب الرياح له

ترمى غواربه العبرين بالزبد

يمده كل واد مترع لجب

فيه ركام من الينبوت والخضد

يظل من خوفه الملاح معتصماً

بالخيزرانة بعد الأين والنجد

يوماً بأجود منه سيب نافلة

ولا يحول عطاء اليوم دون غد

هذا الثناء فإن تسمع به حسناً

فلم أعرض أبيت اللعن بالصفد

ها إن ذي عذرة إلا تكن نفعت

فإن صاحبها مشارك النكد

وقال يعتذر إلى النعمان بن المنذر:

عفا ذو حساً فرتني بالفوارع

فجنباً أريك فالتلاع الدوافع

فتجمع الأشراج غير رسمها

مصايف مرت بعدنا ومرابع

توهمت آيات لها فعرفتها

لستة أعوام وذا العام سابع

رماد ككحل العين لأيا أبينه

ونؤى كجذم الحوض أثأم خاشع

كأن مجر الراميات ذيولها

عليه حصير نمقته الصوانع

على ظهر مبناة جديد سيورها

يطوف بها وسط اللطيمة بائع

فكفكفت مني عبرة فرددتها

على النحر منها مستهل ودامع

على حين عاتبت المشيب على الصبا

وقلت ألما أصح والشيب وازع

وقد حال هم دون ذلك شاغل

مكان الشغاف تبتغيه الأصابع

وعيد أبو قابوس في غير كنهه

أتاني ودوني راكس فالضواجع

فبت كأني ساورتني ضئيلة

من الرقش في أنيابها السم ناقع

يسهد من ليل التمام سليمها

لحلي النساء في يديه قعاقع

تناذرها الراقون من سوء سمها

تطلقه طوراً وطوراً تراجع

أتاني أبيت اللعن أنك لمتني

وتلك التي تستك منها المسامع

مقالة أن قد قلت سوف أناله

وذلك من تلقاء مثلك رائع

لعمري وما عمري علي بهين

لقد نطقت بطلاً على الأقارع

أقارع عوف لا أحاول غيرها

وجوه قرود تبتغي من تجادع

أتاك امرؤ مستبطن لي بغضة

له من عدو مثل ذلك شائع

أتاك بقول هلهل النسج كاذب

ولم يأت بالحق الذي هو ناصع

أتاك بقول لم أكن لأقوله

ولو كبت في ساعدي الجوامع

حلفت فلم أترك لنفسك ريبة

وهل يأتمن ذو أمة وهو طائع

بمصطحبات من لصاف وثبرة

يزرن إلالاً سيرهن التدافع

سماماً تبارى الريح خوصاً عيونها

لهن رذايا بالطريق ودائع

عليهن شعث عامدون لحجهم

فهن بأطراف الحي خواضع

لكلفتني ذنب امرئ وتركته

كذي العر يكوي غيره وهو راتع

فإن كنت لاذ والضعن عني مكذب

ولا حلفي على البراءة نافع

ولا أنا مأمون بشيء أقوله

وأنت بأمر لا محالة واقع

فإنك كالليل الذي هو مدركي

وإن خلت أن المنتأى عنك واسع

خطاطيف حجن في حبال متينة

تمد بها أيد إليك نوازع

أتوعد عبداً لم يخنك أمانة

وتترك عبداً ظالماً وهو ضالع

وأنت ربيع ينعش الناس سيله

وسيف أعيرته المنية قاطع

أبى الله إلا عدله ووفاءه

فلا النكر معروف ولا العرف ضائع

وتسقى إذا ما شبت غير مصرد

بزوراء في حافاتها المسك كانع

وقال أيضاً:

كليني لهم يا أميمة ناصب

وليل أقاسيه بطيء الكواكب

تطاول حتى قلت ليس بمنقض

وليس الذي يرعى النجوم بآئب

وصدر أراح الليل عازب همه

تضاعف فيه الحزن من كل جانب

علي لعمر ونعمة بعد نعمة

لوالده ليست بذات عقارب

حلفت يميناً غير ذي مثنوية

ولا علم إلا حسن ظن بصاحب

لئن كان للقبرين قبر بجلق

وقبر بصيداء الذي عند حارب

وللحارث الجفني سيد قومه

ليلتمسن بالجيش دار المحارب

وثقت له بالنصر إذ قيل قذ غزت

كتائب من غسان غير أشائب

بنو عمه دنيا وعمرو بن عامر

أولئك قوم بأسهم غير كاذب

إذا ما غزوا في الجيش حلق فوقهم

عصائب طير تهتدي بعصائب

يصاحبنهم حتى يغرن مغارهم

من الضاريات بالدماء الدوارب

تراهن خلف القوم خزراً عيونها

جلوس الشيوخ في ثياب المرانب

جوانح قد أيقن أن قبيله

إذا ما التقى الجمعان أول غالب

لهن عليهم عادة قد عرفنها

إذا عرض الخطي فوق الكواثب

على عارفات للطعان عوابس

بهن كلوم بين دام وجالب

إذا استنزلوا عنهن للطعن أرقلوا

إلى الموت إرقال الجمال المصاعب

فهم يتساقون المنية بينهم

بأيديهم بيض رقاق المضارب

يطير فضاضاً بينها كل قونس

ويتبعها منهم فراش الحواجب

ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم

بهن فلول من قراع الكتائب

تورثن من أزمان يوم حليمة

إلى اليوم قد جربن كل التجارب

تقد السلوقي المضاعف نسجه

وتوقد بالصفاح نار الحباحب

بضرب يزيل الهام عن سكناته

وطعن كإبزاغ المخاض الضوارب

لهم شيمة لم يعطها الله غيرهم

من الجود والأحلام غير عوازب

محلتهم ذات الإله ودينهم

قويم فما يرجون غير العواقب

رقاق النعال طيب حجزاتهم

يحيون بالريحان يوم السباسب

نحييهم بيض الولائد بينهم

وأكسية الإضريج فوق المشاحب

يصونون أجساداً قديماً نعيمها

بخالصة الأردان خضر المناكب

ولا يحسبون الخير لا شر بعده

ولا يحسبون الشر ضربة لازب

حبوت بها غسان إذ كنت لاحقاً

بقومي، وإذ أعيت علي مذاهبي

وقال أيضاً:

إني كأني لدى النعمان خبره

بعض الأود حديثاً غير مكذوب

بأن حصناً وحياً من بني أسد

قاموا فقالوا حمانا غير مقروب

ضلت حلومهم عنهم وغرهم

سن المعيدي في رعي وتعزيب

قاد الجياد من الجولان قائظة

من بين منعلة تزجى ومجنوب

حتى استغاثت بأهل الملح ما طمعت

في منزل طعم نوم غير تأويب

ينضحن نضح المزاد الوفر أتأفها

شد الرواة بماء غير مشروب

قب الأياطل تردى في أعنتها

كالخاضبات من الزعر الظنابيب

شعث عليها مساعير لحربهم

شم العرانين من مرد ومن شيب

وما بحصن نعاس إذ تؤرقه

أصوات حي الأمرار محروب

ظلت أقاطيع أنعام مؤبلة

لدى صليب على الزوراء منصوب

فإذ وقيت بحمد الله شرتها

فانجى فزار إلى الأطواد فاللوب

ولا تلاقى كما لاقت بنو أسد

فقد أصابتهم منها بشؤبوب

لم يبق غير طريد غير منفلت

وموثق في حبال القد مسلوب

أو حرة كمهاة الرمل قد كبلت

فوق المعاصم منها والعراقيب

تدعو قعيناً وقد عض الحديد بها

عض الثقاف على صم الأنابيب

مستشعرين قد الفوا في ديارهم

دعاء سوع ودعمي وأيوب

وقال يهجو زرعة بن عمرو:

نبئت زرعة والسفاهة كاسمها

يهدي إلى غرائب الأشعار

فحلفت يا زرع بن عمر وأنني

بما يشق على العدو ضراري

أرأيت يوم عكاظ حين لقيتني

تحت العجاج فما شققت غباري

إذا اقتسمنا خطتينا بيننا

فحملت برة واحتملت فجار

فلتأتينك قصائد وليدفعن

جيش إليك قوادم الأكوار

رهط بن كوز محقي أدراعهم

فيهم ورهط ربيعة بن حذار

ولرهط حراب وقد سورة

في المجد ليس غرابهم بمطار

وبنو قعين لا محالة أنهم

آتوك غير مقلمي الأظفار

سهكين من صدأ الحديد كأنهم

تحت السنور جنة البقار

وبنو سواءة زائرك بوفدهم

جيشاً يقودهم أبو المظفار

وبنو جذيمة حتى صدق سادة

غلبوا على خبت إلى تعشار

متكنفي جني عكاظ كليهما

يدعو بها ولدائهم عرعار

قوم إذا كثر الصياح رأيتهم

وقرا غداة الروع والإنفار

والغاضريون الذين تحملوا

بلوائهم سيراً لدار قرار

تمشي بهم أدم كأن رحالها

علق هريق على متون صوار

شعب العلاقيات بين فروجهم

والمحصنات عوازب الأطهار

برز الأكف من الخدام خوارج

من فرج كل وصيلة وإزار

شمس موانع كل ليلة حرة

يخلفن ظن الفاحش المغيار

جمعاً يظل به الفضاء معضلاً

يدع الإكام كأنهن صحارى

لم يحرموا حسن الغذاء وأمهم

طفحت عليك بناتق مذكار

حولي بنو دودان لا يعصونني

وبنو بغيض كلهم أنصاري

زيد بن زيد حاضر بعراعر

وعلى كنيب مالك بن حمار

وعلى الرميثة من سكين حاضر

وعلى الذثيمة من بني سيار

فيهم بنات المسجدي ولا حق

ورقا مراقلها من المضمار

يتجلب اليعضيد من أشداقها

صفراً مناخرها من الجرجار

تشلى توابعها إلى ألاقها

خبب السباع الوله الأبكار

إن الرميث مانع أرماحنا

ما كان من سخم بها وصفار

فأصبن أبكاراً وهن بإمة

أعجلنهن مظنة الإعذار

وقال أيضاً:

كانت سعاد وأمسى حبلها انجذما

واحتلت الشرع فالأجزاع من اضما

إحدى بلي وما هام الفؤاد بها

إلا السفاه وإلا ذكرةً حلما

ليست من السود أعقاباً إذا انصرفت

ولا تبيع بجنبي نخلة البرما

غراء أكمل من يمشي على قدم

حسناً وأملح من حاورته الكلما

قالت أراك أخاً رحل وراحلة

تغشى متالف لن ينظرنك الهرما

حياك ربي فإنا لا يحل لنا

لهو النساء وإن الدين قد عزما

مشمرين على خوص مزممة

نرجو الإله ونرجو البر والطعما

هلا سألت بني ذبيان ما حسى

إذا الدخان تغشى الأشمط البرما

وهبت الريح من تلقاء ذي أرل

تزجى مع الليل من صرادها صرما

صهب الظلال أتين التين عن عرض

بزحين غيماً قليلاً ماؤه شبما

ينبئك ذو عرضهم عني وعالمهم

وليس جاهل شيء مثل من علما

إني أتمم أيساري، وأمنحهم

مثنى الأيادي، وأكسوا الجفنة الأدما

وأقطع الخرق بالخرقاء قد جعلت

بعد الكلال تشكى الأين والسأما

كادت تساقطني رحلي وميثرتي

بذي المجاز ولم تحسن به نعما

من قول حرمية قالت وقد ظعنوا

هل في مخفيكم من يشتري أدما

قلت لها وهي تسعى تحت لبتها

لا تحطمنك إن البيع قد زرما

باتت ثلاث ليال ثم واحدة

بذي المجاز تراعى منزلاً زيما

فانشق عنها عمود الصبح حافلة

عدو النحوص تخاف القانص اللجما

تحيد عن أستن سود أسافله

مشى الإماء الغوادي محمل الحزما

أو ذي رشوم بحوضي بات منكرساً

في ليلة من جمادى أحضلت ديما

بات بحقف من البقار يحفزه

إذا استكف قليلاً تربه انهدما

مولى الريح روقيه وجبهته

كالهبرقي تنخى ينفخ الفحما

حتى غدا مثل نصل السيف منصلتاً

يقرو الأماعز من لبنان والأكما

وقال يعتذر إلى النعمان ويمدحه:

كتمتك ليلاً بالجمومين ساهرا

وهمين هماً مستكنا وظاهرا

أحاديث نفسي تشتكي ما يريبها

وورد هموم لن يحدن مصادرا

تكلفني أن يفعل الدهر همها

وهل وجدت قبلي على الدهر قادرا

ألم تر خير الناس أصبح نعشه

على فتية قد حاوز الحي سائرا

ونحن لديه نسأل الله خلده

يرد لنا ملكاً وللأرض عامرا

ونحن نرجي الخلد إن فاز قدحنا

ونرهب قدح الموت إن جاء قامرا

لك الخير إن وارت بك الأرض واحدا

وأصبح جد الناس يطلع عاثرا

وردت مطايا الراغبين وعريت

جيادك لا يخفى لها الدهر حافرا

رأيتك ترعاني بعين بصيرة

وتبعث حراساً علي وناظرا

وذلك من قول أتاك أقوله

ومن دس أعدائي إليك المآبرا

فآليت لا آتيك إن جئت مجرما

ولا أبتغي جاراً سواك مجاورا

فأهلي فداء لامرئ إن أتيته

تقبل معروفي وسد المفاقرا

سأكعم كلبي أن يريبك نبحه

وإن كنت أرعى مسحلان فحامرا

وحلت بيوتي في يفاع ممنع

يخال به راعي الحمولة طائرا

تزل الوعول العصم عن قذفاته

وتضحى ذراه بالسحاب كوافرا

حذاراً على ألا تنال مقادتي

ولا نسوتي حتى يمتن حرائرا

أقول وإن شطت بي الدار عنكم

إذا ما لقينا من معد مسافرا

ألكنني إلى النعمان حيث لقيته

فأهدى له الله الغياث البواكرا

وصبحه فلج ولا زال كعبه

على كل من عادى من الناس ظاهرا

ورب عليه الله أحسن صنعه

وكان له على البرية ناصرا

فألفيته يوماً يمير عدوه

وبحر عطء يستخف المعابرا

وقال يعتذر إلى النعمان بن المنذر، ويمدحه:

أتاني أبيت اللعن أنك لمتني

وتلك التي أهتم منها وأنصب

فبت كأن العائدات فرشنني

هراساً به يعلى فراشي ويقشب

حلفت فلم أترك لنفسك ريبة

وليس وراء الله للمرء مذهب

لئن كنت قد بلغت عني خيانة

لمبلغك الواشي أغش وأكذب

ولكنني كنت امرأ لي جانب

من الأرض فيه مستراد ومذهب

ملوك وإخوان إذا ما أتيتهم

أحكم في أموالهم وأقرب

كفعلك في قوم أراك اصطنعتهم

فلم ترهم في شكر ذلك أذنبوا

فإنك شمس والملوك كواكب

إذا طلعت لم يبد منهن كوكب

فلا تتركني بالوعيد كأنني

إلى الناس مطلي به القار أجرب

ألم تر أن الله أعطاك سورة

ترى كل ملك دونها يتذبذب

ولست بمستبق أخاً لا تلمه

على شعث أي الرجال المهذب ؟

فإن أك مظلوماً فعبد ظلمته

وإن تك ذا عتبى فمثلك يعتب

وقال أيضاً:

لقد نهيت بني ذبيان عن أقر

وعن تربهم في كل أصفار

وقلت يا قوم إن الليث منقبض

على براثنه لوثبة الضاري

لا أعرفن ربرجاً حوراً مدامعها

كأن أبكارها نعاج دوار

ينظرن شرراً إلى من جاء عن عرض

بأوجه منكرات الرق أحرار

خلف العضاريط لا يرقين فاحشة

مستمسكات بأقتاب وأكوار

يذرين دمعاً على الأشفار منحدراً

يأملن رحلة حصن وابن سيار

إما عصيت فإني غير منفلت

مني اللصاب فجنبا حرة النار

أو أضع البيت في سوداء مظلمة

تقيد الغير لا يسري بها الساري

تدافع الناس عنا حين تركبها

من المظالم تدعى أم صبار

ساق الرفيدات من جوش ومن عظم

وماش من رهط ربعي وحجار

قرمى قضاعة حلا حول حجرته

مدا عليه بسلاف وأنفار

حتى استقل بجمع لا كفاء له

ينفي الوحوش عن الصحراء جرار

لا يخفض الرز عن أرض ألم بها

ولا يضل عن مصباحه الساري

وعيرتني بنو ذبيان خشيته

وهل علي بأن أخشاك من عار

^وقال النابغة يرد على بدر بن حذار ويذكر حزيما وزبان ابني سيار بن عمرو بن جابر لأنه بلغه أنهما أعانا بدراً ورويا شعره فيه:

ألا من مبلغ عني حريماً

وزبان الذي لم يرع صهري

فإياكم وعوراً داميات

كأن صلاءهن صلاء جمر

فإني قد أتاني ما صنعتم

وما وشحتم من شعر بدر

فلم يك نولكم أن تشقذوني

ودوني عازب وبلاد حجر

فإن جوابها في كل يوم

ألم بأنفس منكم ووفر

ومن يتربص الحدثان تنزل

بمرلاه عوان غير بكر

وقال أيضاً:

قالت بنو عامر خالوا بنو أسد

يا بؤس للجهل ضراراً لأقوام

يأبى البلاء فلا نبغي بهم بدلاً

ولا نريد خلاء بعد إحكام

فصالحونا جميعاً إن بدا لكم

ولا تقولوا لنا أمثالها عام

إني لأخشى عليكم أن يكون لكم

من أجل بغضائهم يوم كأيام

تبدو كواكبه والشمس طالعة

لا النور نور ولا الإظلام إظلام

أو تزجروا مكفهراً لا كفاء له

كالليل يخلط أصراماً بأصرام

مستحقبي خلق المادي يقدمهم

شم العرانين ضرابون للهام

لهم لواء بكفي ماجد بطل

لا يقطع الخرق إلا طرفه سام

يهدي كتائب خضراً ليس يعصمها

إلا ابتدار إلى موت بإلجام

كم غادرت خيلنا منكم بمعترك

للخامعات أكفاً بعد أقدام

يا رب ذات خليل قد فجعن به

وموتمين وكانوا غير أيتام

والخيل تعلم أنا في تجاولها

عند الكعان أولو بؤسي وإنعام

ولوا وكبشهم يكبو لجهته

عند الكماة صريعاً جوفه دام

وقال في أمر بني عامر:

ليهنئ بني ذبيان أن بلادهم

خلت لهم من كل مولى وتابع

سوى أسد يحمونها كل شارق

بألفي كمي ذي سلاح ودارع

قعوداً على آل الوجيه ولاحق

يقيمون حولياتها بالمقارع

يهزون أرماحاً طوالاً متونها

بأيد طوال عاريات الأشاجع

فدع عنك قوماً لا عتاب عليهم

هم ألحقوا عبساً بأرض القعاقع

وقد عسرت من دونهم بأكفهم

بنو عامر عسر المخاض الموانع

فما أنا في سهم ولا نصر مالك

ومولاهم عبد بن سعد بطامع

إذا نزلوا ذا ضرغد وعتائداً

يغنيهم فيها نقيق الضفادع

قعوداً لدى أبياتهم يثمدونها

رمى الله في تلك الأنوف الكوانع

وقال يصف المتجردة زوج النعمان بن المنذر:

أمن آل مية رائح أو مغتد

عجلان ذا زاد وغير مزود

أفد الترحل غير أن ركابنا

لما تزل برحالنا وكأن قد

زعم البوارح أن رحلتنا غداً

وبذاك خبرنا الغداف الأسود

لا مرحباً بغد ولا أهلاً به

إن كان تفريق الأحبة في غد

حان الرحيل ولم تودع مهدداً

والصبح والإمساء منها موعدي

في إثر غانية رمتك بسهمها

فأصاب قلبك غير أن لم تقصد

غنيت بذلك إذ هم لك جبرة

منها بعطف رسالة وتردد

ولقد أصابت قلبه من حبها

عن ظهر مرنان بسهم مصرد

والنظم في سلك يزين نحرها

ذهب توقد كالشهاب الموقد

صفراء كالسيراء أكمل خلقها

كالغصن في غلوائه المتأود

والبطن ذو عكن لطيف طيه

والإتب تنفجه بثدي مقعد

محطوطة المتنين غير مفاضة

رياً الروادف بضة المتجرد

قامت تراءى بين سجفي كلة

كالشمس يوم طلوعها بالأسعد

أو درة صدفية غواصها

بهج متى يرها يهل ويسجد

أو دمية من مرمر مرفوعة

بنيت بآجر تشاد بقرمد

سقط النصيف ولم ترد إسقاطه

فتناولته واتقتنا باليد

بمخضب رخص كأن بنانه

عدم يكاد من اللطافة يعقد

نظرت إليك بحاجة لم تقضها

نظر السقيم إلى وجوه العود

نجلو بقادمتي حمامة أيكة

برداً أسف لثاته بالإثمد

كالأقحوان غداة غب سمائه

جفت أعاليه وأسفله ندى

زعم الهمام بأن فاها بارد

عذب مقبله شهي المورد

زعم الهمام 'ولم أذقه' أنه

عذب إذا ما ذقته قلت ازدد

زعم الهمام 'ولم أذقه' أنه

يشفى بريا ريقها العطش الصدى

أخذ العذارى عقده فظمنه

من لؤلؤ متتابع متسرد

لو أنها عرشت لأشمط راهب

عبد الإله صرورة متعبد

لرنا لبهجتها وحسن حديثها

ولخاله رشداً وإن لم يرشد

بتكلم لو تستطيع سماعه

لدنت له أروى الهضاب الصخد

وبفاحم رجل أثيث نيته

كالكرم مال على الدعام المسند

فإذا لمست لمست أخثم جاثماً

متحيزاً بمكانه ملء اليد

وإذا طعنت طعنت في مستهدف

رابي المجسة بالعبير مقرمد

وإذا نزعت نزعت عن مستحصف

نزع الحزور بالرشاء المحصد

لا وارد منها يحور لمصدر

عنها، ولا صدر يحور لمورد

وإذا يعض تشده أعضاؤه

عض الكبير من الرجال الأدرد

ويكاد ينزع جلد من يصلى به

بلوافح مثل السعير الموقد

وقال يمدح بني عذرة:

لقد قلت للنعمان يوم لقيته

يريد بني حن ببرقة صادر

تجنب بني حن فإن لقاءهم

كريه وإن لم تلق إلا بصابر

عظام اللهى أولاد عذرة إنهم

لهاميم يستلهونها بالحناجر

وهم منعوا وادي القرى من عدوهم

بجمع مبير للعدو المكاثر

من الواردات الماء بالقاع تستقى

بأعجازها قبل استقاء الحناجر

بزاخية ألوت بليف كأنه

عفاء قلاص طار عنها تواجر

صغار النوى مكنوزة ليس قشرها

إذا طار قشر التمر عنها بطائر

هم طردوا عنها بليا فأصبحت

بلي بواد من تهامة غائر

وهم منعوها من قضاعة كلها

ومن مضر الحمراء عند التغاور

وهم قتلوا الطائي بالحجر عنوة

أبا جابر واستنكحوا أم جابر

وقال يمدح غسان حين ارتحل من عندهم راجعاً:

لا يبعد الله جيراناً تركتهم

مثل المصابيح تجلو ليلة الظلم

لا يبرمون إذا ما الأفق جلله

برد الشتاء من الأمحال كالأدم

هم الملوك وأبناء الملوك لهم

فضل على الناس في اللأواء والنعم

أحلام عاد وأجساد مطهرة

من المعقة والآفات والإثم

وقال أيضاً:

جمع محاشك يا زيد فإنني

أعددت يربوعاً لكم وتميما

ولحقت بالنسب الذي عبرتني

وتركت أصلك يا يزيد ذميما

عيرتني نسب الكرام وإنما

فخر المفاخر أن يعد كريما

حدبت على بطون ضنة كلها

إن ظالماً فيهم وإن مظلوما

لولا بنو عوف بن بهثة أصبحت

بالنغف أم بني أبيك عقيما

وقال أيضاً:

أبلغ بني ذبيان أن لا أخالهم

بعبس إذا حلوا الدماخ فأظلما

بجمع كلون الأعبل الجون لونه

ترى في نواحيه ذهيراً وحذيما

هم يردون الموت عند لقائه

إذا كان ورد الموت لابد أكراما

وقال لعضام بن شهبرة الجرمي حاجب النعمان بن المنذر:

ألم أقسم عليك لتخبرني

أمحمول على النعش الهمام

فإني لا ألام على دخول

ولكن ما وراءك يا عصام

فإن يهلك أبو قابوس يهلك

ربيع الناس والشهر الحرام

ونمسك بعده بذناب عيش

أجب الظهر ليس له سنام

وقال أيضاً يمدح النعمان بن الحارث الأصغر وكان قد خرج إلى بعض متنزعاته:

إن يرجع النعمان نفرح ونبتهج

ويأت معدا ملكها وربيعها

ويرجع إلى غسان ملك وسؤدد

وتلك المنى لو أننا نستطيعها

وإن يهلك النعمان تغر مطيه

ويلق إلى جنب الفناء قطوعها

وتنحط حصان آخر الليل نحطه

تقضقض منها أو تكاد ضلوعها

على إثر خير الناس إن كان هالكاً

وإن كان في جنب الفراش ضجيعها

وقال أيضاً:

فإن يك عامر قد قال جهلاً

فإن مظنة الجهل الشباب

فكن كأبيك أو كأبي براء

توافقك الحكومة والصواب

ولا تذهب بحلمك طاميات

من الخيلاء ليس لهن باب

فإنك سوف تحلم أو تناهى

إذا ما شبت أو شاب الغراب

فإن تكن الفوارس يوم حسى

أصابوا من لقائك ما أصابوا

فما إن كان من نسب بعيد

ولكن أدركوك وهم غضاب

فوارس من منولة غير ميل

ومرة، فوق جمعهم العقاب

وقال يهجو يزيد بن عمرو بن الصعف الكلابي:

لعمرك ما خشيت على يزيد

من العحر المضلل ما أتاني

كأن التاج معصوباً عليه

لأذواد أصبن بذي أبان

فحسبك أن تهاض بمحكمات

تمر بها الروى على لساني

فقبلك ما شتمت وقاذعوني

فما نزر الكلام ولا شجاني

يصد الشاعر الثنيان عني

صدود البكر عن قرم هجان

أثرت الغي ثم نزعت عنه

كما حاد الأزب عن الطعان

فإن يقدر عليك أبو قبيس

تمط بك المعيشة في هوان

وتخضب لحية غدرت وخانت

بأحمر من نجيع الجوف آني

وكنت أمينه لو لم تخنه

ولكن لا أمانة لليمان

وقال يرثي النعمان بن الحارث بن أبي شمر الغساني:

دعاك الهوى واستجهلتك المنازل

وكيف تصابى المرء والشيب شامل

وقفت بربع الدار قد غير البلى

معارفها والساريات الهواطل

أسائل عن سعدى وقد مر بعدنا

على عرصات الدار سبع كوامل

فسليت ما عندي بروحة عرمس

تخب برحلي تارة وتناقل

موثقة الأنساء مضبورة القرا

نعوب إذا كل العتاق المراسل

كأني شددت الرحل حين تشذرت

على قارح مما تضمن عاقل

أقب كعقد الأندي مسحج

حزابية قد كدمته المساحل

أضر بجرداء النسالة سمحج

يقلبها إذ أعوزته الحلائل

إذا جاهدته الشد جد وإن ونت

تساقط لا وان ولا متخاذل

وإن هبطا سهلاً أثار عجاجة

وإن علوا حزناً تشظت جنادل

ورب بني البر شاء ذهل وقيسها

وشيبان حيث استبهلتها المنازل

لقد عالني ما سرها وتقطعت

لروعاتها مني القوى والوسائل

فلا يهنئ الأعداء يصرح ملكهم

وما عتقت منه تميم ووائل

وكانت لهم ربعية يحذرونها

إذا خضخضت ماء السماء القبائل

يسير بها النعمان تغلي قدوره

تجيش بأسباب المنايا المراحل

تحث الحداة جالزاً بردائه

بقي حاجبيه ما يثير القنابل

يقول رجال ينكرون خليقتي

لعل زياداً 'لا ابا لك' غافل

أبي غفلتي أني إذا ما ذكرته

تحرك داء في فؤادي داخل

وإن تلادى إن ذكرت وشكتي

ومهري وما ضمت لدي الأنامل

حباؤك والعيس العتاق كأنها

هجان المها تحدى عليها الرحائل

فإن تك قد ودعت غير مذمم

أواسي ملك ثبتتها الأوائل

فلا تبعدن إن المنية موعد

وكل امرئ يوماً به الحال زائل

فما كان بين الخير لو جاء سالماً

أبو حجر إلا ليال فلائل

فإن تحي لا أملل حياتي وإن تمت

فما في حياتي بعد موتك طائل

فآب مصلوه بعين جلية

وغودر بالجولان حزم ونائل

سقى الغيث قبراً بين بصرى وجاسم

بغيث من الوسمي قطر ووابل

ولا زال ريحان ومسك عنبر

على منتهاه ديمة ثم هاطل

ونبت حوذاناً وعوف منورا

سأتبعه من خير ما قال قائل

بكى حارث الجولان من فقد ربه

وحوران منه موحش متضائل

قعوداً له غسان يرجون أوبه

وترك ورهط الأعجمين وكابل

قال الأعلم الشنتمري في شرحه للديوان: كمل جميع ما رواه الأصمعي من شعر النابغة نصل به قصائد متخيرة مما رواه غير الأصمعي إن شاء الله تعالى. وقال:

غشيت منازلاً بعريتنات

فأعلى الجزع للحي المبن

تعاورهن صرف الدهر حتى

عفون ؛ وكل منهمر مرن

وقفت بها القلوص على اكتئاب

وذاك تفارط الشوق المعني

أسائلها وقد سفحت دموعي

كأن مفيضهن غروب شن

بكاء حمامة تدعو عديلاً

مفجعة على فنن تغني

ألكي يا عيين إليك قولاً

سأهديه إليك: إليك عني

قوافي كالسلام إذا استمرت

فليس يرد مذهبها التظني

بهن أدين من يبغي أذاتي

مداينة المداين فليدني

أتخذل ناصري وتعز عبساً

أيربوع بن غيظ للمعن

كأنك من جمال بني أقيش

يقعقع خلف رجليه بشن

تكون نعامة طوراً وطوراً

هوى الريح تنسج كل فن

تمن بعادهم واستبق منهم

فإنك سوف تترك والتمني

لدى جرعاء ليس بها أنيس

وليس بها الدليل بمطمئن

إذا حاولت في أسد فجوراً

فإني لست منك ولست مني

فهم درعي التي استلامت فيها

إلى يوم النسار، وهم مجني

وهم وردوا الجفار على تميم

وهم أصحاب يوم عكاظ إني

شهدت لهم مواطن صادقات

أتيتهم بود الصدر مني

وهم ساروا لحجر في خميس

وكانوا يوم ذلك عند ظني

وهم زحفوا لغسان بزحف

رحيب السرب أرعن مرجحن

بكل مجرب كالليث يسمو

على أوصال ذيال رفن

وضمر كالمداح مسومات

عليها معشر أشباه جن

غداة تعاورته ثم بيض

دفعن إليه في الرهج المكن

ولو أني أطعتك في أمور

قرعت ندامة من ذاك سني

وقال أيضاً:

أتاركة تدللها قطام

وضناً بالتحية والكلام

فإن كان الدلال فلا تلجي

وإن كان الوداع فبالسلام

فلو كانت غداة البين منت

وقد رفعوا الخدور على الخيام

صفحت بنظرة فرأيت منها

تحيت الخدر واضعة القرام

ترائب يستضيء الحلي فيها

كجمر النار بدر بالظلام

كأن الشذر والياقوت منها

على جيداء فاترة البغام

خلت بغزالها ودنا عليها

أراك الجزع أسفل من سنام

تسف بريره وترود فيه

إلى دبر النهار من البشام

كان مشعشعاً من خمر بصرى

نمته البخت مشدود الختام

تمين قلاله من بيت رأس

إلى لقمان في سوق مقام

إذا فضت خواتمه علاه

يبيس القمحان من المدام

على أنيابها بغريض مزن

تقبله الجباة من الغمام

فأضحت في مداهن باردات

بمنطلق الجنوب على الجهام

تلذ لطعمه وتخال فيه

إذا نبهتها بعد المنام

فدعها عنك إذا شطت نواها

ولجت من بعادك في غرام

ولكن ما أتاك عن ابن هند

من الجزم المبين والتمام ؟

فداء ما تقل النعل مني

إلى أعلى الذؤابة للهمام

ومغراه قبائل غائظات

على الذهيوط في لجب لهام

يقدن مع امرئ يدع الهوينى

ويعمد للمهمات العظام

أعين على العدو بكل طرف

وسلهبة تجلل في السمام

وأسمر مارنٍ يلتاح فيه

سنان مثل نبراس النهام

وأنباه المنبئ أن حيا

حلولاً من حزام أو جذام

وأن القوم نصرهم جميع

فئام مجلبون إلى فئام

فأوردهن بطن الأتم شعثاً

يصن المشي كالحداء التؤام

على إثر الأدلة والبغايا

وخفق الياجيات من الشآم

فباتوا ساكنين وبات يسرى

يقربهم له ليل التمام

فصيحهم بها صهباء صرفاً

كأن رؤوسهم بيض النعام

فذاق الموت من بركت عليه

وبالناجين أظفار دوامي

وهن كأنهن نعاج رمل

يسوين الذيول على الخدام

يوصين الرواة إذا ألموا

شعث مكرهين على الفطام

وأضحى ساطعاً بحبال حسمي

دقاق الترب محتزم القتام

فهم الصالبون ليدركوه

وما راموا بذلك من مرام

إلى صعب المقادة ذي شريس

نماه في قروع المجد نامي

أبوه قبله وأبو أبيه

بنوا مجد الحياة على إمام

فدوحت العراق فكل قصر

يجلل خندق منه وحام

وما تنفك محلولاً عراها

على متناذر الأكلاء طام

وقال يمدح النعمان بن وائل بن الجلاح الكلبي:

أهاجك من سعدك مغنى المعاهد

بروضة نعمي فذات الأساود

تعاورها الأرواح ينسفن تربها

وكل ملث ذي أهاضيب راعد

بها كل ذيال وخنساء ترعوي

إلى كل رجاف من الرمل فارد

عهدت بها سعدى وسعدى غريرة

عروب تهادى في جوار خرائد

لعمري النعم الحي صبح سر بنا

وأبياتنا يوماً بذات المراود

يقودهم النعمان منه بمحصف

وكيد يغم الخارجي مناجد

وشيمة لا وان ولا واهن القوى

وجد إذا خاب المفيدون صاعد

فآب بأبكار وعون عقائل

أوانس يحميها امرؤ غير زاهد

يخططن بالعيدان في كل مقعد

ويخبأن رمان الثدي النواهد

ويضربن بالأيدي وراء براغز

حسان الوجوه كالظباء العواقد

غرائر لم يلقين بأساء قبلها

لدى ابن الجلاح ما يثقن بوافد

أصاب بني غيظ فأصحوا عباده

وحللها نعمى على غير واحد

فلابد من عوجاء تهوى براكب

إلى ابن الجلاح سيرها الليل قاصد

تخب إلى النعمان حتى تناله

فدى لك من رب طريفي وتالدي

فسكنت نفسي بعدما طار روحها

وألبستني نعمى ولست بشاهد

وكنت امرأ لا أمدح الدهر سوقة

فلست على خير أتاك بحاسد

سبقت الرجال الباهشين إلى العلا

كسبق الجواد اصطاد قبل الطوارد

علوت معداً نائلاً ونكاية

فأنت لغيث الحمد أول رائد

وقال في وقعة عمرو بن الحارث الأصغر الغساني ببني مرة بن عوف بن سعد بن ذبيان:

أهاجك من أسماء رسم المنازل

بروضة نعمي فذات الأجاول

أربت بها الأرواح حتى كأنما

تهادين أعلى تربها بالمناخل

وكل ملث مكفهر سحابه

كميش التوالي مرثعن الأسافل

إذا رجفت فيه رحى مرجحنة

تبعق ثجاج غزير الحوافل

عهدت بها حياً كراماً فبدلت

حناطيل آجال النعام الجوافل

ترى كل ذيال يعارض ربرباً

على كل رجاف من الرمل هائل

يثرن الحصى حتى يباشرن برده

إذا الشمس مجت ريقها بالكلاكل

وناجية عديت في متن لاحب

كسحل اليماني قاصد للمناهل

له خلج تهوى فرادى وترعوي

إلى كل ذي نيرين بادي الشواكل

وإني عداني عن لقائك حادث

وهم أتى من دون همك شاغلي

نصحت بني عوف فلم يتقبلوا

وصاتي ولم تنجح لديهم وسائلي

فقلت لهم لا أعرفن عقائلاً

رعابيب من جنبي أريك وعاقل

ضوارب بالأيدي وراء براغز

حسان كآرام الصريم الخواذل

خلال المطايا يتصلن وقد أتت

قنان أبير دونها والكواثل

وخلوا له بين الجناب وعالج

فراق الخليط ذي الأذاة المزايل

ولا أعرفني بعد ما قد نهيتكم

أجادل يوماً في شوي وجامل

وبيض غريرات تفيض دموعها

بمستكره يذرينه بالأنامل

وقد خفت حتى ما تزيد مخافتي

على وعل في ذي المطارة عاقل

مخافة عمرو أن تكون جياده

يقدن إلينا بين حاف وناعل

إذا استعجلوها عن سجية مشيها

تتلع في أعناقها بالجحافل

شوازب كالأجلام قد آل رمها

سماحيق صفراً في تليل وفائل

ويقذفن بالأولاد في كل منزل

تشحط في أسلائها كالوصائل

ترى عافيات الطير قد وثقت لها

بشبع من السخل العتاق الأكائل

برى وقع الصوان حد نسورها

فهن لطاف كالصعاد الذوابل

مقرنة بالعيس والأدم كالقنا

عليها الحبور محقبات المراجل

وكل صموت نثلة تبعية

ونسج سليم كل قضاء ذائل

علين بكديون وأبطن كرة

فهن وضاء صافيات العلائل

عتاد امرئ لا ينقض البعد همه

طلوب الأعادي واضح غير خامل

تحين بكفيه المنايا وتارة

تسحان سحا من عطاء ونائل

إذا حل بالأرض البرية أصبحت

كئيبة وجه غبها غير طائل

يؤم بربعي كأن زهاءه

إذا هبط الصحراء حرة راجل

وقال يمدح النعمان بن المنذر:

أمن ظلامة الدمن البوالي

بمرفض الحي إلى وعال

فأمواه الدنا فعويرضات

دوارس بعد أحياء حلال

تأبد لا ترى إلا صواراً

بمرقوم عليه العهد خال

تعاورها السواري والغوادي

وما تذرى الرياح من الرمال

أثيت نبته جعد ثراه

به عوذ المطافل والمتالي

يكشفن الألاء مزينات

بغاب ردينة السحم الطوال

كأن كشوحهن مبطنات

إلى فوق الكعوب برود خال

فلما أن رأيت الدار قفرا

وخالف بال أهل الدار بالي

نهضت إلى عذافرة صموت

مذكرة تجل عن الكلال

فداء لامرئ سارت إليه

بعذرة ربها عمي وخالي

ومن يغرف من النعمان سجلاً

فليس كمن يتيه في الضلال

فإن كنت امرأ قد سؤت ظناً

بعبدك والخطوب إلى تبال

فأرسل إلى بني ذبيان فاسأل

ولا تعجل إلي عن السؤال

فلا عمر الذي أثنى عليه

وما رفع الحجيج إلى إلال

لما أغفلت شكرك فانتصحني

وكيف ومن عطائك جل مالي

ولو كفي اليمين بغتك خوناً

لأفردت اليمين من الشمال

ولكن لا تخان الدهر عندي

وعند الله تجزية الرجال

له بحر يقمص بالعدولي

وبالخلج المحملة الثقال

مضر بالقصور تذود عنها

قراقير النبيط إلى التلال

وهوب للمخيسة النواجي

عليها القانئات من الرحال

وقال أيضاً:

ألا أبلغا ذبيان عني رسالة

فقد أصبحت عن منهج الحق جائره

أجدكم لن تزجروا عن ظلامة

سفيهاً ولن ترعوا لذي الود آصره

فلو شهدت سهم وأبناء مالك

فتعذرني من مرة المتناصره

لجاءوا بجمع لم ير الناس مثله

تضاءل منه بالعشي قصائره

ليهنئ لكم أن قد نفيتم بيوتنا

مندى عبيدان المحلئ باقره

وإني لألقى من ذوي الضعن منهم

وما أصبحت تشكو من الوجد ساهره

كما لقيت ذات الصفا من حليفها

وما انفكت الأمثال في الناس سائره

فقالت له أدعوك للعقل وافيا

ولا تغشيني منك بالظلم بادره

فوثقها بالله حين تراضيا

فكانت تديه المال غبا وظاهره

فلما توفي العقل إلا أقله

وجارت به نفس عن الحق جائره

تذكر أني يجعل الله جنة

فبصبح ذا مال ويقتل واتره

فلما رأى أن ثمر الله ماله

وأثل موجوداً وسد مفاقره

أكب على فأس يحد غرابها

مذكرة من المعاول باتره

فقام لها من فوق جحر مشيد

ليقتلها أو تخطئ الكف بادره

فلما وقاها الله ضربة فأسه

وللبر عين لا تغمض ناظره

فقال تعالى نجعل الله بيننا

على مالنا أو تنجزي لي آخره

فقالت يمين الله أفعل أنني

رأيتك مسحوراً يمينك فاجره

أبى لي قبر لا يزال مقابلي

وضربة فأس فوق رأسي فاقره

وقال أيضاً:

ودع أمامة والتوديع تعذير

وما وداعك من قفت به العير

وما رأيتك إلا نظرة عرضت

يوم النمارة والمأمور مأمور

إن إلى الفول حي وإن بعدوا

أمسوا ودونهم ثهلان فالنير

هل تبلغينهم حرف مصرمة

أجد القفار وإدلاج وتهجير

قد عريت نصف حول أشهر جددا

يسفى على رحلها بالحيرة المور

وفارقت وهي لم تجرب وباع لها

من الفصافص بالنمي سفسير

ليست ترى حولها إلفاً وراكبها

نشوان في جوة الباغوث مخمور

تلقى الإوزين في أكناف دارتها

بيضاً وبين يديها التين منشور

لولا الهمام الذي ترجى نوافله

لقال راكبها في عصبة سيروا

كأنها خاضب أظلافه لهق

قهد الإهاب تربته الزنانير

أصاخ من نبأة أصغى لها أذناً

صماخها بدخيس الروق مستور

من حس أطلس تسعى تحته شرع

كأن أحناكها السفلى مآشير

يقول راكبها الجني مرتفقاً

هذا لكن ولحم الشاة محجور

تمت القصائد المختارة من شعر النابغة. ^

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي