أتفنى ابتسامات تلك الجفون

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

أبيات قصيدة أتفنى ابتسامات تلك الجفون لـ أبو القاسم الشابي

اقتباس من قصيدة أتفنى ابتسامات تلك الجفون لـ أبو القاسم الشابي

أتفنى ابتِساماتُ تِلْكََ الجفونِ

ويَخبو توهُّجُ تِلْكََ الخدودْ

وتذوي وُرَيْداتُ تِلْكَ الشِّفاهِ

وتهوي إلى التُّرْبِ تِلْكَ النَّهودْ

وينهدُّ ذاك القوامُ الرَّشيقُ

وينحلُّ صَدْرٌ بديعٌ وَجيدْ

وتربَدُّ تِلْكََ الوُجوهُ الصِّباحُ

وفتنةُ ذاكَ الجمال الفَريدْ

ويغبرُّ فرعٌ كجنْحِ الظَّلامِ

أنيقُ الغدائرِ جَعْدٌ مَديدْ

ويُصبحُ في ظُلُماتِ القبورِ

هباءً حقيراً وتُرْباً زهيدْ

وينجابُ سِحْرُ الغرامِ القويِّ

وسُكرُ الشَّبابِ الغريرِ السَّعيدْ

أتُطوَى سَمواتُ هذا الوجود

ويذهبُ هذا الفضاءُ البعيدْ

وتَهلِكُ تِلْكََ النُّجومُ القُدامى

ويهرمُ هذا الزَّمانُ العَهيدْ

ويقضي صَباحُ الحياةِ البديعُ

وليلُ الوجودِ الرهيبُ العتيدْ

وشمسٌ توشِّي رداءَ الغمامِ

وبدرٌ يضيءُ وغيمٌ يجودْ

وضوءٌ يُرَصِّع موجَ الغديرِ

وسِحْرٌ يطرِّزُ تِلْكَ البُرودْ

وبحرٌ فسيحٌ بعيدُ القرارِ

يَضُجُّ ويَدْوي دويَّ الوليدْ

وريحٌ تمرُّ مُرورَ الملاكِ

وتخطو إلى الغابِ خَطْوَ الرُّعودْ

وعاصفةٌ من نباتِ الجحيم

كأنَّ صَداها زَئيرُ الأسودْ

تَعجُّ فَتَدْوي حنايا الجبال

وتمشي فتهوي صُخورُ النُّجودْ

وطيرٌ تغنِّي خِلالَ الغُصونِ

وتَهْتِفُ للفجرِ بَيْنَ الورودْ

وزهرٌ ينمِّقُ تِلْكََ التِّلالَ

ويَنْهَلُ من كلِّ ضَوءٍ جَديدْ

ويعبَقُ منه أريجُ الغَرامِ

ونَفْحُ الشَّبابِ الحَيِيِّ السَّعيدْ

أيسطو على الكُلِّ ليلُ الفناء

ليلهو بها الموتُ خَلْفَ الوجود

ويَنْثُرَها في الفراغِ المُخيفِ

كما تنثرُ الوردَ ريحٌ شَرودْ

فينضُبُ يمُّ الحياةِ الخضمُّ

ويخمدُ روحُ الرَّبيعِ الوَلودْ

فلا يلثمُ النُّورُ سِحْرَ الخُدودِ

ولا تُنْبِتُ الأرضُ غضَّ الورودْ

كبيرٌ على النَّفسِ هذا العفاءُ

وصَعْبٌ على القلبِ هذا الهمودْ

وماذا على القَدَر المستَمرِّ

لوِ اسْتمرَأ النَّاسُ طعمَ الخلودْ

ولم يُخْفَروا بالخرابِ المحيط

ولم يُفْجَعوا في الحبيب الودودْ

ولم يسلكوا للخُلود المرجَّى

سبيلَ الرّدى وظَلامَ اللّحودْ

فَدامَ الشَّبابُ وسِحْرُ الغرامِ

وفنُّ الرَّبيعِ ولُطفُ الورودْ

وعاش الوَرَى في سلامٍ أمينٍ

وعيشٍ غضيرٍ رخيٍّ رغيدْ

ولكنْ هو القَدَرُ المستبدُّ

يَلذُّ له نوْحُنا كالنَّشيدْ

تَبَرَّمْتَ بالعيشِ خوفَ الفناءِ

ولو دُمْتُ حيًّا سَئمتَ الخلودْ

وعِشْتَ على الأَرضِ مثل الجبال

جليلاً رهيباً غريباً وَحيدْ

فَلَمْ تَرتشفْ من رُضابِ الحياة

ولم تصطَبحْ من رَحيق الوجودْ

وما نشوةُ الحبِّ عندَ المحبِّ

وما سِحْرُ ذاك الرَّبيعِ الوليدْ

ولم تدرِ مَا فتنةُ الكائناتِ

وما صرخَةُ القلبِ عندَ الصّدودْ

ولم تفتكر بالغَدِ المسترابِ

ولم تحتفل بالمرامِ البعيدْ

وماذا يُرجِّي ربيبُ الخلودِ

من الكونِ وهو المقيمُ العهيدْ

وماذا يودُّ وماذا يخافُ

من الكونِ وهو المقيمُ الأَبيدْ

تأمَّلْ فإنَّ نِظامَ الحياةِ

نِظامٌ دقيقٌ بديعٌ فريدْ

فما حبَّبَ العيشَ إلاَّ الفناءُ

ولا زانَه غيرُ خوفِ اللُّحودْ

ولولا شقاءُ الحياةِ الأليمِ

لما أَدركَ النَّاسُ معنى السُّعودْ

ومن لم يرُعْهُ قطوبُ الدّياجيرِ

لَمْ يغتبط بالصَّباحِ الجديدْ

إِذا لم يكن مِنْ لقاءِ المنايا

مَناصٌ لمَنْ حلَّ هذا الوجودْ

فأيّ غِنَاءٍ لهذي الحياة

وهذا الصِّراعِ العنيفِ الشَّديدْ

وذاك الجمالِ الَّذي لا يُملُّ

وتلكَ الأَغاني وذاك النَّشيدْ

وهذا الظَّلامِ وذاك الضِّياءِ

وتلكَ النُّجومِ وهذا الصَّعيدْ

لماذا نمرُّ بوادي الزَّمانِ

سِراعاً ولكنَّنا لا نَعودْ

فَنَشْرَبَ مِنْ كلِّ نبعٍ شراباً

ومنهُ الرَّفيعُ ومنه الزَّهيدْ

ومِنْهُ اللَّذيذُ ومِنْهُ الكَريهُ

ومِنْهُ المشِيدُ ومِنْهُ المبيدْ

ونَحْمِلُ عبْئاً من الذّكرياتِ

وتلكَ العهودِ الَّتي لا تعودْ

ونشهدُ أشكالَ هذي الوجوهِ

وفيها الشَّقيُّ وفيها السَّعيدْ

وفيها البَديعُ وفيها الشَّنيعُ

وفيها الوديعُ وفيها العنيدْ

فيُصبحُ منها الوليُّ الحميمُ

ويصبحُ منها العدوُّ الحقُودْ

وكلٌّ إِذا مَا سألنا الحَيَاةَ

غريبٌ لعَمْري بهذا الوجودْ

أتيناه من عالمٍ لا نراه

فُرادى فما شأْنُ هذي الحقُودْ

وما شأْنُ هذا العَدَاءِ العنيفِ

وما شأْنُ هذا الإِخاءِ الوَدودْ

خُلِقنا لنبلُغَ شأْوَ الكمالِ

وَنُصبح أهلاً لمجدِ الخُلُودْ

وتطهر أرواحنا في الحياة

بنار الأسى

ونَكْسَبَ مِنْ عَثَراتِ الطَّريقِ

قُوًى لا تُهدُّ بدأْبِ الصُّعودْ

ومجداً يكون لنا في الخلود

أَكاليلَ من رائعاتِ الوُرودْ

خُلِقنا لنبلُغَ شأْوَ الكمالِ

وَنُصبح أهلاً لمجدِ الخُلُودْ

ولكنْ إِذا مَا لبسنا الخلودَ

ونِلنا كمالَ النُّفوسِ البعيدْ

فهلْ لا نَمَلُّ دَوَامَ البقاءِ

وهلْ لا نَوَدُّ كمالاً جديدْ

وكيف يكوننَّ هذا الكمالُ

وماذا تُراهُ وكيفَ الحُدودْ

وإنَّ جمالَ الكمالِ الطُّموحُ

وما دامَ فكراً يُرَى من بعيدْ

فما سِحْرُهُ إنْ غدا واقعاً

يُحَسُّ وأَصبحَ شيئاً شهيدْ

وهلْ ينطفي في النُّفوسِ الحنينُ

وتُصبحُ أَشواقُنا في خُمودْ

فلا تطمحُ النَّفْسُ فوقَ الكمالِ

وفوقَ الخلودِ لبعضِ المزيدْ

إِذا لم يَزُل شوقُها في الخلودِ

فذلك لعَمْري شقاءُ الجُدودْ

وحربٌ ضروسٌ كما قَدْ عهدنُ

ونَصْرٌ وكسرٌ وهمٌّ مديدْ

وإنْ زالَ عنها فذاكَ الفناءُ

وإنْ كان في عَرَصَاتِ الخُلودْ

شرح ومعاني كلمات قصيدة أتفنى ابتسامات تلك الجفون

قصيدة أتفنى ابتسامات تلك الجفون لـ أبو القاسم الشابي وعدد أبياتها واحد و سبعون.

عن أبو القاسم الشابي

أبو القاسم بن محمد بن أبي القاسم الشابي. شاعر تونسي في شعره نفحات أندلسية، ولد في قرية الشابية من ضواحي توزر عاصمة الواحات التونسية في الجنوب. قرأ العربية بالمعهد الزيتوني بتونس وتخرج من مدرسة الحقوق التونسية وعلت شهرته. ومات شاباً بمرض الصدر ودفن في روضة الشابي بقريته. له (ديوان شعر -ط) و (كتاب الخيال الشعري عند العرب) و (آثار الشلبي -ط) و (مذكرات -ط) .[١]

تعريف أبو القاسم الشابي في ويكيبيديا

أبو القاسم الشَّابِّي الملقب بشاعر الخضراء (24 فبراير 1909 - 9 أكتوبر 1934م) شاعر تونسي من العصر الحديث ولد في قرية الشَّابِّية في ولاية توزر.[٢]

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي