أبي إسحاق إبراهيم بن يحيى بن عثمان بن محمد الكلبي الأشهبي

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

أبي إسحاق إبراهيم بن يحيى بن عثمان بن محمد الكلبي الأشهبي

ابراهيم الغزي الشاعر

أبو إسحاق إبراهيم بن يحيى بن عثمان بن محمد الكلبي الأشهبي، وقال ابن النجار في تاريخ بغداد: هو إبراهيم بن عثمان بن عباس بن محمد بن عمر بن عبد الله الأشهبي، الكلبي، الغزي الشاعر المشهور.

شاعر محسن، ذكره الحافظ ابن عساكر في تاريخ دمشق، فقال: دخل دمشق وسمع بها من الفقيه نصر المقدسي، سنة إحدى وثمانين وأربعمائة، ورحل إلى بغداد وأقام بالمدرسة النظامية سنين كثيرة، ومدح ورثى غير واحد من المدرسين بها وغيرهم، ثم رحل إلى خراسان وامتدح بها جماعة من رؤسائها، وانتشر شعره هناك، وذكر له عدة مقاطيع من الشعر، وأثنى عليه. انتهى كلام الحافظ.

وله ديوان شعر اختاره لنفسه، وذكر في خطبته أنه ألف بيت.

وذكره العماد الكاتب في الخريدة، وأثنى عليه، وقال: إنه جاب البلاد وتغرب، وأكثر النقل والحركات، وتغلغل في أقطار خراسان وكرمان، ولقي الناس، ومدح ناصر الدين مكرم بن العلاء وزير كرمان بقصيدته البائية التي يقول فيها، ولقد أبدع فيه  :

حملنا من الأيام ما لا نطيقه ... كما حمل العظم الكسير العصائبا

ومنها في قصر الليل، وهو معنى لطيف:

وليل رجونا أن يدب عذاره ... فما اختط حتى صار بالفجر شائبا

وهي قصيدة طويلة.

ومن جيد شعره المشهور:

قالوا هجرت الشعر، قلت ضرورة ... باب الدواعي والبواعث مغلق

خلت الديار فلا  كريم يرتجى ... منه النوال ولا مليح يعشق

ومن العجائب أنه لا يشترى ... ويخان فيه مع الكساد ويسرق

ومن شعره، وفيه صناعة مليحة:

وخز الأسنة والخضوع لناقص ... أمران في ذوق النهى مران

والرأي أن يختار فيما دونه ال ... مران وخز أسنة المران

ومن شعره أيضاً :

من آلة الدست لم يعط الوزير سوى ... تحريك لحيته في حال إيماء

إن الوزير ولا أزر يشد به ... مثل العروض له بحر بلا ماء وله أيضاً:

وجف الناس حتى لو بكينا ... تعذر ما يبل به الجفون

فما يندى لممدوح بنان ... ولا يندى لمهجو جبين

وله في القصائد المطولات كل بديع.

ومن شعره أيضاً وهو مما تستملحه الأدباء وتستظرفه قوله من جملة قصيدة:

إشارة منك تغنيني وأحسن ما ... رد السلام غداة البين بالعنم

حتى إذا طاح عنها المرط من دهش ... وانحل بالضم سلك العقد في الظلم

تبسمت فأضاء الليل فالتقطت ... حبات منتثر في ضوء منتظم

والبيت الأخير منها ينظر إلى قول الشريف الرضي، من جملة قصيدة:

وبات بارق ذاك الثغر يوضح لي ... مواقع اللثم في داج من الظلم

وقد ألم به بعض البغاددة في مواليا على اصطلاحهم، فإنهم ما يتقيدون بالإعراب فيه، بل يأتون به كيفما اتفق، وهو:

ظفرت ليلة بليلى ظفرة المجنون ... وقلت وافى لحظي طالع ميمون

تبسمت فأضاء اللؤلؤ المكنون ... صار الدجى كالضحى فاستيقظ الواشون

والأصل في هذا المعنى بيت أبي الطمحان القيني، وهو قوله:

أضاءت لهم أحسابهم ووجوههم ... دجى الليل حتى نظم الجزع ثاقبه

وهذا البيت من جملة أبيات، وهي:

وإني من القوم الذين هُمُ هُمُ ... إذا مات منهم سيد قام صاحبه

نجوم سماء كلما غاب كوكب ... بدا كوكب تأوي إليه كواكبه

أضاءت لهم أحسابهم ووجوههم ... دجى الليل حتى نظم الجزع ثاقبه

ويقال: إن هذا البيت أمدح بيت قيل في الجاهلية، وقيل: هو أكذب بيت قيل.

وما زال منهم حيث كانوا مسود ... تسير المنايا حيث سارت كتائبه

وهذا أبو الطمحان هو: حنظلة بن الشرقي، من شعراء الجاهلية.

ولد الغزي المذكور بغزة، وبها قبر هاشم جد النبي صلى الله عليه وسلم، سنة إحدى وأربعين وأربعمائة وتوفي سنة أربع وعشرين وخمسمائة مابين مرو وبلخ، من بلاد خراسان، ونقل إلى بلخ ودفن بها، ونقل عنه أنه كان يقول لما حضرته الوفاة: أرجو أن يغفر الله لي لثلاثة أشياء: كوني من بلد الإمام الشافعي، وأني شيخ كبير، وأني غريب، رحمه الله تعالى وحقق رجاءه.

وغزة - بفتح الغين وتشديد الزاء المعجمتين وبعدها هاء - وهي البليدة المعروفة في الساحل الشامي، وقد يقع هذا الكتاب في يد من يكون بعيداعن بلادنا، ولا يعرف أين تقع هذه البليدة، ويتشوق إلى معرفة ذلك، فأقول:

هي من أعمال فلسطين، على البحر الشامي، بالقرب من عسقلان، وهي في أوائل بلاد الشام من جهة الديار المصرية، وهي إحدى الرحلتين المذكورتين في كتاب الله العزيز في قوله تعالى: رحلة الشتاء والصيف وأتفق أرباب التفسير أن رحلة الصيف بلاد الشام، ورحلة الشتاء بلاد اليمن، وقد كانت قريش في متاجرها تأتي إلى الشام في فصل الصيف لأجل طيبة بلادها في هذا الفصل، وتأتي اليمن في فصل الشتاء، لأنها بلاد حارة لا تستطيع الدخول إليها في فصل الصيف، وقال أبو محمد عبد الملك بن هشام، في أوائل سيرة رسول الله، صلى الله عليه وسلم: أول من سن الرحلتين لقريش رحلة الشتاء والصيف هاشم جد النبي، صلى الله عليه وسلم، ثم ذكر بعد هذا بقليل: قال ابن إسحاق: ثم هلك هاشم بن عبد مناف بغزة، من أرض الشام، تاجراً ثم قال بعد هذا بقليل: وقال مطرود بن كعب الخزاعي يبكي بني عبد مناف جميعا، وذكر القصيدة، ومن جملتها:

وهاشم في ضريح وسط بلقعةٍ ... تسفي الرياح عليه بين غزات

قال أهل العلم باللغة: إنما قال غزات، وهي غزة واحدة، كأنه سمى كل ناحية منها باسم البلدة، وجمعها على غزات، وصارت من ذلك الوقت تعرف بغزة هاشم، لأن قبره بها، لكنه غير ظاهر ولا يعرف، ولقد سألت عنه لما اجتزت بها، فلم يكن عندهم منه علم. ولما توجه أبو نواس الشاعر المشهور من بغداد إلى مصر ليمدح الخصيب بن عبد الحميد، صاحب ديوان الخراج بمصر، ذكر المنازل التي في طريقه، فقال:

طوالب بالركبان غزة هاشمٍ ... وبالفرما من حاجهن شعور

وفي بيت أبي نواس لفظتان تحتاجان إلى التفسير، إحداهما: الفرما وهي - بفتح الفاء والراء - المدينة العظمى التي كانت كرسي الديار المصرية في زمن إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام، ومن قراها أم العرب التي منها هاجر أم إسماعيل بن الخليل عليهما السلام، والفرما في اول الرمل: بين السائح والقصير، المنزلة المعروفة على يسار المتوجه إلى الشام من مصر، على ساحل البحر، رأيتها وقد خربت، ولم يبق منها سوى الآثار، وموضعها تل عال.

ومن الاتفاق الغريب: أن إسماعيل أبو العرب، وأمه من أم العرب: القرية المذكورة؛ واللفظ الثاني قوله في آخر البيت شقور بضم الشين المعجمة والقاف - ويقال بفتح الشين أيضاً، والضم أصح - لأن الشقور بالضم بمعنى الأمور اللاصقة بالقلب المهمة، الواحد شقر، والله أعلم.

وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان - لأبو العباس شمس الدين أحمد ابن خلكان البرمكي الإربلي

 

 

 

أبو إسحق إبراهيم بن يحيى بن عُثمان بن محمد الكَلْبي، المعروف بالغزِّي الشاعر، المتوفى بين مرو وبَلْخ، سنة أربع وعشرين وخمسمائة، عن ثلاث وثمانين سنة.

سمع بدمشق من نَصْر المقدسي وأقام ببغداد سنين يَمْدَح ويرثي، ثم رحل إلى خراسان وانتشر شعره وله "ديوان" مشتمل على ألف بيت. ولما مات نُقل إلى بَلْخ ودفن بها.

وذكر ابن النجار: أن اسم أبيه عثمان بن عباس بن محمد الأشهبي الغزِّي. ذكره ابن خَلِّكان.

سلم الوصول إلى طبقات الفحول - حاجي خليفة.

ومن شعره أيضاً:

يا من ذنوبي عنده الفضل الذي ... لولا مزيته لكان مسالمي

يشقى القضيب إذا ذوى أما إذا ... أبدى الثمار فكم له من راحم ومن شعره أيضاً:

سألت الكويفي في قبلة ... فخر على وجهه وانبطح

وقال: فهمت دليل الخطاب ... ومن عشق الدن باس القدح

وفائدة الفقه أن تهتدي ... إلى صيغة الغرض المقترح

 

وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان - لأبو العباس شمس الدين أحمد ابن خلكان البرمكي الإربلي

 

 

 

الغَزِّي

شَاعِرُ خُرَاسَان، أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ يَحْيَى بنِ عُثْمَانَ الكَلْبِيّ، صَاحِبُ الدِّيْوَان.

سَمِعَ بِدِمَشْقَ مِنَ: الفَقِيْه نَصْر، وَأَقَامَ بِنظَامِيَّة بَغْدَاد مُدَّةً، وَمدح الأَعيَانَ، ثُمَّ تَحَوَّل إِلَى خُرَاسَانَ، وَمدح وَزِيْر كِرْمَان، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا قَصِيدَته:

بِجَمْعِ جَفْنَيْكِ بَيْنَ البُرْءِ وَالسَّقَمِ ... لاَ تَسْفِكِي مِنْ دُمُوعِي بِالفِرَاقِ دَمِي

إِشَارَةٌ مِنْكِ تَكفِيْنَا وَأَحْسَنُ مَا ... رُدَّ السَّلاَمُ غَدَاةَ البَيْنِ بِالعَنَمِ

تَعْلِيْقُ قَلْبِي بِذَاتِ القِرْطِ يُؤْلِمُهُ ... فَلْيَشْكُرِ القرط تعليقا بلا ألم

تَبَسَّمَتْ فَأَضَاءَ اللَّيْلُ فَالتَقَطَتْ ... حبَات مُنْتَثِر فِي ضوء مُنْتَظم

مَاتَ بِنوَاحِي بَلخ سَنَةَ أَرْبَعٍ وعشرون وَخَمْسِ مائَةٍ عَنْ ثَلاَث وَثَمَانِيْنَ سَنَةً.

سير أعلام النبلاء - شمس الدين أبي عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قَايْماز الذهبي.


 

 

أما أبو إسحاق إبراهيم بن عثمان بن محمد الغزي، فكان أحد الفضلاء وممن يضرب به المثل في صنعة الشعر. ومحاسن شعره كثيرة، فمنها قوله: إن يكرهوا نظم القريض فعذرهم ... باد كحاشية الرداء المعلم

هم محرمون عن المناقب والعلا ... والشعر طيب لا يحل لمحرم

ومنها قوله أيضاً:

قالوا تركت الشعر قلت ضرورةً ... باب الدواعي والبواعث مغلق

لم يبق في الدنيا كريم يرتجى ... منه النوال ولا مليح يعشق

ومن العجائب أنه لا يشترى ... ويخان فيه مع الكساد ويسرق

ومنها:

يلغى الكرى فيما يحاول صيده ... إلا الخيال فمن حبائله الكريم

إلى غير ذلك.

وكان أبو الفتح محمد بن محمد بن إبراهيم الطبري الأديب يقول غير مرة في المذاكرة إذا استحسن شيئاً من شعر نفسه: هذا يشبه شعر الغزي قال ابن السمعاني: وخرج أبو إسحاق الغزي من مرو إلى بلخ، فأدركته المنية في الطريق، وحمل إلى بلخ، ودفن بها. وكان يقول: أرجو أن يغفر الله عز وجل لي ويرحمني، لأني شيخ مسن جاوزت التسعين، ولأني من بلد الإمام الشافعي محمد بن إدريس - يعني من غزة.

وتوفي سنة أربع وعشرين وخمسمائة، في خلافة المسترشد بالله تعالى.

نزهة الألباء في طبقات الأدباء - لكمال الدين الأنباري.

 

 

أبو إسحاق إبراهيم بن يحيى بن عثمان بن محمد الكلبي الأشهبي، وقال ابن النجار في تاريخ بغداد: هو إبراهيم بن عثمان بن عباس بن محمد ابن عمر بن عبد الله الأشهبي، الكلبي، الغزي الشاعر المشهور.

شاعر محسن، ذكره الحافظ ابن عساكر في تاريخ دمشق، فقال: دخل دمشق وسمع بها من الفقيه نصر المقدسي، سنة إحدى وثمانين وأربعمائة، ورحل إلى بغداد وأقام بالمدرسة النظامية سنين كثيرة، ومدح ورثى غير واحد من المدرسين بها وغيرهم، ثم رحل إلى خراسان وامتدح بها جماعة من رؤسائها، وانتشر شعره هناك، وذكر له عدة مقاطيع من الشعر، وأثنى عليه. انتهى كلام الحافظ.

وله ديوان شعر اختاره لنفسه، وذكر في خطبته أنه ألف بيت.

وذكره العماد الكاتب في الخريدة، وأثنى عليه، وقال: إنه جاب البلاد وتغرب، وأكثر النقل والحركات، وتغلغل في أقطار خراسان وكرمان، ولقي الناس، ومدح ناصر الدين مكرم بن العلاء وزير كرمان بقصيدته البائية التي يقول فيها، ولقد أبدع فيه :

حملنا من الأيام ما لا نطيقه ... كما حمل العظم الكسير العصائبا ومنها في قصر الليل، وهو معنى لطيف:

وليل رجونا أن يدب عذاره ... فما اختط حتى صار بالفجر شائبا وهي قصيدة طويلة.

ومن جيد شعره المشهور:

قالوا هجرت الشعر، قلت ضرورة ... باب الدواعي والبواعث مغلق

خلت الديار فلا كريم يرتجى ... منه النوال ولا مليح يعشق

ومن العجائب أنه لا يشترى ... ويخان فيه مع الكساد ويسرق

ومن شعره، وفيه صناعة مليحة:

وخز الأسنة والخضوع لناقص ... أمران في ذوق النهى مران

والرأي أن يختار فيما دونه ال ... مران وخز أسنة المران ومن شعره أيضاً :

من آلة الدست لم يعط الوزير سوى ... تحريك لحيته في حال إيماء

إن الوزير ولا أزر يشد به ... مثل العروض له بحر بلا ماء وله أيضاً:

وجف الناس حتى لو بكينا ... تعذر ما يبل به الجفون

فما يندى لممدوح بنان ... ولا يندى لمهجو جبين وله في القصائد المطولات كل بديع.

ومن شعره أيضاً وهو مما تستملحه الأدباء وتستظرفه قوله من جملة قصيدة:

إشارة منك تغنيني وأحسن ما ... رد السلام غداة البين بالعنم

حتى إذا طاح عنها المرط من دهش ... وانحل بالضم سلك العقد في الظلم

تبسمت فأضاء الليل فالتقطت ... حبات منتثر في ضوء منتظم والبيت الأخير منها ينظر إلى قول الشريف الرضي، من جملة قصيدة:

وبات بارق ذاك الثغر يوضح لي ... مواقع اللثم في داج من الظلم وقد ألم به بعض البغاددة في مواليا على اصطلاحهم، فإنهم ما يتقيدون بالإعراب فيه، بل يأتون به كيفما اتفق، وهو:

ظفرت ليلة بليلى ظفرة المجنون ... وقلت وافى لحظي طالع ميمون

تبسمت فأضاء اللؤلؤ المكنون ... صار الدجى كالضحى فاستيقظ الواشون والأصل في هذا المعنى بيت أبي الطمحان القيني، وهو قوله:

أضاءت لهم أحسابهم ووجوههم ... دجى الليل حتى نظم الجزع ثاقبه وهذا البيت من جملة أبيات، وهي:

وإني من القوم الذين هُمُ هُمُ ... إذا مات منهم سيد قام صاحبه

نجوم سماء كلما غاب كوكب ... بدا كوكب تأوي إليه كواكبه

أضاءت لهم أحسابهم ووجوههم ... دجى الليل حتى نظم الجزع ثاقبه ويقال: إن هذا البيت أمدح بيت قيل في الجاهلية، وقيل: هو أكذب بيت قيل.

وما زال منهم حيث كانوا مسود ... تسير المنايا حيث سارت كتائبه وهذا أبو الطمحان هو: حنظلة بن الشرقي، من شعراء الجاهلية.

ولد الغزي المذكور بغزة، وبها قبر هاشم جد النبي صلى الله عليه وسلم، سنة إحدى وأربعين وأربعمائة وتوفي سنة أربع وعشرين وخمسمائة مابين مرو وبلخ، من بلاد خراسان، ونقل إلى بلخ ودفن بها، ونقل عنه أنه كان يقول لما حضرته الوفاة: أرجو أن يغفر الله لي لثلاثة أشياء: كوني من بلد الإمام الشافعي، وأني شيخ كبير، وأني غريب، رحمه الله تعالى وحقق رجاءه.

وغزة - بفتح الغين وتشديد الزاء المعجمتين وبعدها هاء - وهي البليدة المعروفة في الساحل الشامي، وقد يقع هذا الكتاب في يد من يكون بعيداعن بلادنا، ولا يعرف أين تقع هذه البليدة، ويتشوق إلى معرفة ذلك، فأقول: هي من أعمال فلسطين، على البحر الشامي، بالقرب من عسقلان، وهي في أوائل بلاد الشام من جهة الديار المصرية، وهي إحدى الرحلتين المذكورتين في كتاب الله العزيز في قوله تعالى: رحلة الشتاء والصيف وأتفق أرباب التفسير أن رحلة الصيف بلاد الشام، ورحلة الشتاء بلاد اليمن، وقد كانت قريش في متاجرها تأتي إلى الشام في فصل الصيف لأجل طيبة بلادها في هذا الفصل، وتأتي اليمن في فصل الشتاء، لأنها بلاد حارة لا تستطيع الدخول إليها في فصل الصيف، وقال أبو محمد عبد الملك بن هشام، في أوائل سيرة رسول الله، صلى الله عليه وسلم: أول من سن الرحلتين لقريش رحلة الشتاء والصيف هاشم جد النبي، صلى الله عليه وسلم، ثم ذكر بعد هذا بقليل: قال ابن إسحاق: ثم هلك هاشم بن عبد مناف بغزة، من أرض الشام، تاجراً ثم قال بعد هذا بقليل: وقال مطرود بن كعب الخزاعي يبكي بني عبد مناف جميعا، وذكر القصيدة، ومن جملتها:

وهاشم في ضريح وسط بلقعةٍ ... تسفي الرياح عليه بين غزات قال أهل العلم باللغة: إنما قال غزات، وهي غزة واحدة، كأنه سمى كل ناحية منها باسم البلدة، وجمعها على غزات، وصارت من ذلك الوقت تعرف بغزة هاشم، لأن قبره بها، لكنه غير ظاهر ولا يعرف، ولقد سألت عنه لما اجتزت بها، فلم يكن عندهم منه علم. ولما توجه أبو نواس الشاعر المشهور من بغداد إلى مصر ليمدح (2) الخصيب بن عبد الحميد، صاحب ديوان الخراج بمصر، ذكر المنازل التي في طريقه، فقال:

طوالب بالركبان غزة هاشمٍ ... وبالفرما من حاجهن شعور وفي بيت أبي نواس لفظتان تحتاجان إلى التفسير، إحداهما: الفرما وهي - بفتح الفاء والراء - المدينة العظمى التي كانت كرسي الديار المصرية في زمن إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام، ومن قراها أم العرب التي منها هاجر أم إسماعيل بن الخليل عليهما السلام، والفرما في اول الرمل: بين السائح والقصير، المنزلة المعروفة على يسار المتوجه إلى الشام من مصر، على ساحل البحر، رأيتها وقد خربت، ولم يبق منها سوى الآثار، وموضعها تل عال.

ومن الاتفاق الغريب: أن إسماعيل أبو العرب، وأمه من أم العرب: القرية المذكورة؛ واللفظ الثاني قوله في آخر البيت شقور بضم الشين المعجمة والقاف - ويقال بفتح الشين أيضاً، والضم أصح - لأن الشقور بالضم بمعنى الأمور اللاصقة بالقلب المهمة، الواحد شقر، والله أعلم.

وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان - لأبو العباس شمس الدين أحمد ابن خلكان البرمكي الإربلي

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي