أبي إسحاق إبراهيم بن ماهان بن بهمن الموصلي

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

أبي إسحاق إبراهيم بن ماهان بن بهمن الموصلي

تعريف وتراجم لـ أبي إسحاق إبراهيم بن ماهان بن بهمن الموصلي

إبراهيم المَوْصلي: رَئِيْسُ المُطْرِبِيْنَ، أبي إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ مَاهَانَ بن بهمن الفَارِسِيُّ الأَصْلِ، الأَرَّجَانِيُّ مَوْلَى بَنِي حَنْظَلَةَ. صَحِبَ بِالكُوْفَةِ فِتْيَاناً فِي طَلَبِ الغِنَاءِ، فَاشْتَدَّ عَلَيْهِ أَخْوَالُهُ، فَهَرَبَ إِلَى المَوْصِلِ، وَكَانَ مَاهَانُ قَدِمَ مِنْ أَرَّجَانَ، وَهَذَا حَمَلٌ، فَوُلِدَ بِالكُوْفَةِ سَنَةَ خَمْسٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَةٍ.

فَبَرَعَ فِي الآدَابِ، وَالشِّعْرِ، وَالمُوْسِيْقَى، وَسَافَرَ فِي تَطلُّبِ ذَلِكَ، إِلَى أَنْ بَرَعَ وَاشْتُهِرَ، وَبَعُدَ صِيْتُهُ، وَاتَّصَلَ بِالخُلَفَاءِ وَالبَرَامِكَةِ، وحصل الأموال، وكان ندي الصوت جدًّا، ماهر بِالعُوْدِ، لَعَّاباً، مُتْرَفاً -سَامَحَهُ اللهُ- وَلَهُ أَخْبَارٌ فِي "الأَغَانِي".

وَهُوَ وَالِدُ العَلاَّمَةِ الأَدِيْبِ إِسْحَاقَ المَوْصِلِيِّ.

مَاتَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ. قَالَهُ: عُمَرُ بنُ شَبَّةَ.

وَيُقَالُ عَاشَ إِلَى مَا بعد الثمانين.

سير أعلام النبلاء - شمس الدين أبي عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قَايْماز

 

 

إبراهيم بن ماهان (أو ميمون) بن بهمن، الموصلي التميمي بالولاء، أبيسحاق النديم: أوحد زمانه في الغناء واختراع الالحان. اعر، من ندماء الخلفاء. فارسي الأصل، من بيت كبير في العجم.

انتقل والده إلى الكوفة، فولد بها. مات أبيه وهو صغير فكفله بنو تميم وربوه، فنسب إليهم. ورحل إلى الموصل فأقام سنة يتعلم الضرب بالعود، فنسب إليها أيضا. وأجاد الغناء الفارسيّ والعربيّ. وكانت له عند الخلفاء منزلة حسنة. وأول من سمعه منهم المهدي العباسي، ثم حبسه لشربه النبيذ، فحذق القراءة والكتابة في الحبس. ولما ولي موسى (الهادي) أغدق عليه نعمه، وكذلك هارون (الرشيد) من بعده، وجعله من ندمائه وخاصته، واستصحبه معه إلى الشام. ومرض فعاده الرشيد، فمات بعد قليل ببغداد. أخباره كثيرة جدا. كان ينظم الأبيات ويلحنها ويغنيها .

-الأعلام للزركلي-

 

 

أبو إسحاق إبراهيم بن ماهان - ويقال له أيضا: ميمون - بن بهمن بن نسك، التميمي بالولاء، الأرجاني، المعروف بالنديم، الموصلي: ولم يكن من الموصل، وإنما سافر إليها وأقام بها مدة، فنسب إليها، هكذا ذكره أبو الفرج الأصبهاني في كتاب " الأغاني ".

وهو من بيت كبير في العجم. وانتقل والده ماهان إلى الكوفة وأقام بها. وأول خليفة سمعه المهدي بن المنصور، ولم يكن في زمانه مثله في الغناء واختراع الألحان وكان إذا غنى إبراهيم، وضرب له منصور المعروف بزلزل، اهتزلهما المجلس، وكان إبراهيم زوج أخت زلزل المذكور، وأخباره ومجالسه مشهورة.

وحكي أن هارون الرشيد كان يهوى جاريته ماردة هوى شديداً، فتغاضبا مرة ودام بينهما الغضب، فأمر جعفر البرمكي العباس بن الأحنف أن يعمل في ذلك شيئا، فعمل :

راجع أحبتك الذين هجرتهم ... إن المتيم قلما يتجنب

إن التجنب إن تطاول منكما ... دب السلو له فعز المطلب وأمر إبراهيم الموصلي فغنى به الرشيد، فلما سمعه بادر إلى ماردة فترضاها، فسألت عن السبب في ذلك، فقيل لها، فأمرت لكل واحد من العباس وإبراهيم بعشرة آلاف درهم، وسألت الرشيد أن يكافئهما، فأمر لهما بأربعين ألف درهم.

وكان هارون قد حبس إبراهيم في المطبق، فأخبر سلم الخاسر أبا العتاهية بذلك، فأنشده:

سلم يا سلم ليس دونك سر ... حبس الموصلي فالعيش مر

ما استطاب اللذات مذ غاب في المط ... بق رأس اللذات في الناس حر

ترك الموصلي من خلق الله ... جمعا وعيشهم مقشعر

حبس اللهو والسرور فما في ال ... أرض شيء يلهى به ويسر ولد إبراهيم المذكور بالكوفة سنة خمس وعشرين ومائة، وتوفي ببغداد سنة ثمان وثمانين ومائة بعلة القولنج، وقيل: سنة ثلاث عشرة ومائتين، والأول أصح، رحمة الله تعالى. وفي ترجمة العباس بن الأحنف خبر وفاته أيضاً فلينظر فيها، وقيل: مات إبراهيم الموصلي وأبو العتاهية الشاعر وأبو عمرو الشيباني النحوي في سنة ثلاث عشرة ومائتين في يوم واحد ببغداد، وإن أباه مات وهوصغير فكفله بنو تميم وربوه، ونشأ فيهم فنسب إليهم، والله أعلم.

وسيأتي ذكر ولده إسحاق.

وأرجان: بتشديد الراء المهملة، حكاه الجوهري والحازمي، وهي مذكرة في ترجمة أحمد الأرجاني.

سأله يوماً المعتصم عن معرفة النغم كيف يميز بينها على تشابهها واختلافها فقال: يا أمير المؤمنين إن من الأشياء ما يحيط به العلم ولا تؤديه الصفة، وكان يقول: حق الصوت الحسن أن يرد أربع مرات فالأولى بديهة والثانية للتفخيم والثالثة للفرح والرابعة للتشبع.

قال إبراهيم النديم: ولما أردنا الانصراف ليلة عن المأمون التفت إلى إبراهيم ابن المهدي المذكور قبله فقال: بحقي عليك يا عم لما صنعت أبياتاً وصنعت عليها لحناً، ثم قال لي مثل ذلك وقال: بكرا علي فقد اشتهيت الصبوح غداً، قال [أبو] إسحاق: فقلت والله لأكيدن إبراهيم ولأسرقنه، فلما صليت العشاء الآخرة ركبت وصرت إلى ساباط لإبراهيم كان له عليه مجلس يقعد فيه فدعوت الحارس فأعطيته ديناراً وقلت له: لا تعلم أحداً بمكاني، وصرفت غلامي وأمرته أن يأتيني بدابتي سحراً فلم ألبث أن جاء إبراهيم فجلس في مجلسه ذلك ودعا جواريه وجعل يلقنهن الشعر وقد صاغ عليه اللحن فهو يضرب بالعود وأنا أضرب على فخذي إيقاع الصوت حتى أخذته وأحكمته، فلما كان السحر أتاني غلامي بدابتي فصرت من فوري إلى باب المأمون فقال لي أحمد بن هشام: بكرت، ثم دخل فأعلمه فأذن لي فدخلت على المأمون فقال: أكلت فقلت: لا، فدعا لي بالطعام، وقد كان أكل وشرب، فغنيته بشعر إبراهيم ولحنه وهو:

قالت نظرت إلى غيري فقلت لها ... وماء دمعي من عيني محدور

نفسي فداؤك طرف العين مشترك ... والقلب مني عليك الدهر مقصور

العين تنظر أحياناً وباطنه ... مما يقاسي بظهر الغيب مستور فطرب المأمون عليه وشرب، فما لبثنا ساعة واحدة حتى استؤذن لإبراهيم ابن المهدي فأذن له فدخل فدعا له بالطعام وسقي ثم جلس فغنى هذا الشعر في هذا اللحن فقال المأمون: يا هذا أراك تسرق أشعار الناس وتدعيها لنفسك، واحمرت عيناه وغضب غضباً شديداً وكاد يسطو بإبراهيم، فقام إبراهيم على قدميه وقال: وقرابتك من رسول الله صلى الله عليه وسلم وبيعتك في عنقي ما سبقني إليه أحد، فقال المأمون: هذا [أبو] إسحاق بعينه، وقال: يا أبا إسحاق غنه، فغنيته فبقي إبراهيم مبهوتاً لا يحير جواباً، فلما رأيت المأمون على تلك الحال قلت: يا أمير المؤمنين الشعر واللحن له ولكن سرقته منه اللصوص، وحدثته الحديث فسكن حينئذ وقال: يا أحمد بن هشام خذ من مال إبراهيم ثلاثين ألف درهم وادفعها إلى [أبي] إسحاق لتضييع إبراهيم سره، فغدوت على إبراهيم فقلت: أيها الأمير أقبلها مني، واعتذرت إليه فقال: لا أقبل منك ما جاد به أمير المؤمنين لكن كدت والله يسفك دمي يا أبا إسحاق فلا تعد في المزاج إلى مثلها فإن الملوك تعفو عن الكثير وتقتل في اليسير.

وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان - لأبو العباس شمس الدين أحمد ابن خلكان البرمكي الإربلي

 

تتمات...

وذكر ابن السندي أن إسحاق النديم اتخذ دعوة فجاءته الهدايا من كل وجه؛ وكان في جيرانه رجل مملق، فوجه إليه بجراب أشنان وجراب ملح، وكتب إليه: لو تمت الإرادة لي بحسب النية وملكتني القدرة لبسط الجدة لبدرت السابقين إلى برك، ولكنت إمام المتقدمين في إكرامك، كن البضاعة قعدت عن الهمة، وقصرت عن مساواة أهل الثروة، وكرهت أن تطوي صحيفة البر، ولا يكون لي فيها ذكر، فوجهت بالمبتدأ لطيبه ويمنه، وبالمختوم به لطهارته ونظافته، مصطبراً على ألم التقصير؛ فأما ما سوى ذلك فالمعبر عنا فيه كتاب الله عز وجل (ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج إذا نصحوا لله ورسوله) .

ومما يناسب هذه النادرة ما حكى جعفر بن قدامة عن مية البرمكية قالت: كانت لأم علي بنت الراس جارية مغنية يقال لها مكر، وكانت من أحسن الناس وجهاً وغناء، وكان لها رفقاء من الكتّاب ووجوه التجار، كان أبو يحيى الكيبخي يعاشرها، فاقتصدت يوماً فأهدى إليها رفقاؤها صنوف الهدايا، وبعث إليها أبو يحيى ثلاث سلال مختومة فإذا سلة فيها ماش ومعه رقعة فيها: الماش خير من لاش، وفي الأخرى عصافير بأجنحتها فلما فتحت طارت ومعها رقعة فيها: يا سيدتي أعتقت عنك هؤلاء المساكين ولو كان بدلها عبيداً لأعتقتهم، وفتحت الأخرى فإذا هي فارغة وفيها رقعة مكتوب فيها: يا مولاتي لو كان عندي شيء لبعثت إليك بشيء، ولكن ليس عندي شيء فلم أبعث إليه بشيء، فضحكوا وبعثوا إليه بنصيب وافر من كل ما أهدي إليها، وكتبت إليه أم علي: أعطي لله عهداً إن لم تكن هديتك أملح من كل هدية وردت إلينا، وفي هداياي متسع والإنجاز أمثل؛ وأخباره كثيرة.

قال أبو عبد الله أحمد بن حمدون النقيب: لقيت إسحاق بن إبراهيم الموصلي بعدما كف بصره فسألني عن أخبار الناس والسلطان فأخبرته ثم شكوت إليه غمي بقطع أذني فجعل يسألني ويعزيني، ثم قال لي: من المتقدم اليوم عند أمير المؤمنين والخاص من ندمائه قلت: محمد بن عمر، قال: ومن هذا الرجل وما مقدار أدبه وعلمه فقلت: أما أدبه فلا أدري، ولكني أخبرك بما سمعت منه منذ قريب؛ حضرنا الدار يوم عقد المتوكل لأولاده الثلاثة فدخل مروان بن أبي حفصة فأنشده قصيدته التي يقول فيها:

بيضاء في وجناتها ... ورد فكيف لنا بشمه فسر بذلك سروراً شديداً وأمر فنثر عليه بدرة دنانير وأن تلقط وتطرح في حجره وأمره بالجلوس وعقد له على اليمامة والبحرين، فقال: يا أمير المؤمنين، ما رأيت كاليوم ولا أرى أبقاك الله ما دامت السموات والأرض، فقال محمد بن عمر: هذا بعد عمر طويل إن شاء الله، فقال لي إسحاق: ويلك، جزعت على أذنك، رغمك قطعها لمَ حتى تسمع مثل هذا الكلام ولك لو إن لك مكوك آذان أيش كان ينفعك مع هؤلاء

وكان سبب قطع أذنه إن الفتح بن خاقان كان يعشق شاهك خادم المتوكل واشتهر الأمر فيه حتى بلغه، وله في أشعار منها:

أشاهك ليلي مذ هجرت طويل ... وعيني دماً بعد الدموع تسيل

وبي منك والرحمن ما أطيقه ... وليس إلى شكوى إليك سبيل

أشاهك لو يجزى المحب يوده ... جزيت ولكن الوفاء قليل وكان أبو عبد الله يسعى فيما يحبه الفتح فعرف المتوكل الخبر فقال: إنما أردتك

وأدنيتك لتنادمني ليس لتفسد عليّ غلماني، فأنكر ذلك وحلف يميناً حنث فيها فطلق كل حرة كانت وأعتق من كانت مملوكة، ولزمه حج سنتين، فكان يحج في كل عام، قال: فأمر المتوكل بنفيه إلى تكريت فأقام بها ثم جاءه زرافة في الليل، فلما دخل عليه قال: جئت في شيء ما كنت أحب أن أجيء في مثله، قال: وما هو قال: [قال] أمير المؤمنين بقطع أذنك وقال: قل له لست أعاملك إلا كما يعمل الفتيان، فرأى ذلك أسهل مما ظنه من القتل، فقطع غضروف أذنه في خارج ولم يستقصه وجعله في كافور كان معه وانصرف.

وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان - لأبو العباس شمس الدين أحمد ابن خلكان البرمكي الإربلي

 

تتمات

قال إبراهيم الموصلي: أمر المأمون يوماً بإحضاري، فدخلت إليه وهو مصطبح، ونعم جاريته بين يديه تغنيه، وهي يومئذ وصيفة، فقال لي: يا أبا إسحاق، قد أصبحت نشيطاً، فاسمع غناء هذه الصبية فإن كان فيه ما تأخذه عليها فأصلحه، فقال لها: غني، فغنت:

وزعمت إني ظالم فهجرتني ... ورميت في قلبي بسهم نافذ

فنعم ظلمتك فاغفري وتجاوزي ... هذا مقام المستجير العائذ فسمعت ما أذهلني وأطربني، فشرب ثلاثة أرطال متوالية وأمر فسقيت مثلها، ثم قال لها: غني، فغنت في خفيف ثقيل:

فإن كان حقاً ما زعمت أتيته ... إليك فقام النائحات على قبري

وإن كان ما بلغت عني باطلاً ... فلا مت حتى تسهري الليل من ذكري فطرب وشرب ثلاثة أرطال وأمر فسقيت مثلها، ثم قال: يا أبا إسحاق، عن أنت صوتاً وتغني هي صوتاً، فإذا أعجبه من غنائي صوت قال: أعده عليها، فأعيده مرتين أو ثلاثاً حتى تأخذه وتراسلني فيه، وعلى رأسه وصيفة كأنها الشمس بيدها جام مذهب فيه شراب مثله وهي تسقيه فقال فيها:

قمر تحمل شمساً ... مرحباً بالنيرين

ذهب في ذهب يس ... عى به غصن لجين

هذه قرة عين ... حملت قرة عين

لا جرى بيني ولا بي ... نكما طائر بين ثم قال: يا أبا إسحاق، عن في هذه الأبيات خفيفاً وألقه على نغم، ففعلت، وغنته غناء طرب وشرب عليه أرطالاً. ثم قال لأبي محمد اليزيدي: هل رأيت قط احسن من يومنا فقال: والله إنه لحسن، أعيذك بالله، فتلقه بشكر الله، فقال: صدقت وبررت وذكرتني في موضع أذكار؛ وأمر بإخراج مائة ألف درهم يتصدق بها، فأخرجت ثم قال: يحمل إلى منزل أبي إسحاق مثلها، فلما انصرفت وجدتها قد سبقتني إلى منزلي.

وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان - لأبو العباس شمس الدين أحمد ابن خلكان البرمكي الإربلي

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي