أبي إسحاق إبراهيم بن أدهم بن منصور البلخي

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

أبي إسحاق إبراهيم بن أدهم بن منصور البلخي

تعريف وتراجم لـ أبي إسحاق إبراهيم بن أدهم بن منصور البلخي

أَبُو إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بْن أدهم بْن مَنْصُور من كورة بلخ رَضِيَ اللَّهُ تعالي عَنْهُ كَانَ من أبناء الملوك فخرج يوما متصيدا فأثار ثعلبا أَوْ أرنبا وَهُوَ فِي طلبه فهتف بِهِ هاتف: يا إِبْرَاهِيم , ألهذا خلقت أم بِهَذَا أمرت؟ ثُمَّ هتف بِهِ أَيْضًا من قربوس سرجه والله مَا لِهَذَا خلقت ولا بِهَذَا أمرت، فنزل عَن دابته وصادف راعيا لأبيه فأخذ جبة للراعي من صوف ولبسها وأعطاه فرسه وَمَا مَعَهُ، ثُمَّ إنه دَخَلَ البادية ثُمَّ دَخَلَ مَكَّة وصحب بِهَا سُفْيَان الثَّوْرِي والفضيل بْن عياض، ودخل الشام وَمَاتَ بِهَا وَكَانَ يأكل من عمل يده مثل الحصاد وحفظ البساتين وغير ذَلِكَ، وأنه رأى فِي البادية رجلا علمه اسم اللَّه الأعظم , فدعا بِهِ بعده فرأى الخضر عَلَيْهِ السَّلام , وَقَالَ لَهُ: إِنَّمَا علمك أَخِي دَاوُد اسم اللَّه الأعظم.

أَخْبَرَنَا بِذَلِكَ الشيخ أَبُو عَبْد الرَّحْمَنِ السلمي رحمه اللَّه , قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن بْن الخشاب , قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْحُسَيْن عَلِي بْن مُحَمَّد الْمِصْرِي , قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيد الخراز , قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيم بْن بشار , قَالَ: صحبت إِبْرَاهِيم بْن أدهم , فَقُلْتُ: خبرني عَن بدء أمرك فذكر هَذَا. وَكَانَ إِبْرَاهِيم بْن أدهم كبير الشأن فِي بَاب الورع. يحكي عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: أطب مطعمك ولا حرج عليك أَن لا تقوم الليل ولا تصوم النهار، وقيل: كَانَ عامة دعائه اللَّهُمَّ انقلني من ذل معصيتك إِلَى عز طاعتك. وقيل: لإبراهيم بْن أدهم: إِن اللحم قَدْ غلا , فَقَالَ: أرخصوه أي لا تشتروه، وأنشد فِي ذَلِكَ: وإذا غلا شَيْء عَلَي تركته ... فيكون أرخص مَا يَكُون إذ غلا أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن رحمه اللَّه تعالى , قَالَ: سمعت مَنْصُور بْن عَبْد اللَّهِ , يَقُول: سمعت مُحَمَّد بْن حامد , يَقُول: سمعت أَحْمَد بْن خضرويه , يَقُول: قَالَ إِبْرَاهِيم بْن أدهم لرجل فِي الطواف: اعلم أنك لا تنال درجة الصالحين حَتَّى تجوز ست عقبات: أولاها: تغلق بَاب النعمة وتفتح بَاب الشدة، وَالثَّانِيَة: تغلق بَاب العز وتفتح بَاب الذل، والثالثة: تغلق بَاب الراحة وتفتح بَاب الجهد، والرابعة: تغلق بَاب النوم وتفتح بَاب السهر، والخامسة: تغلق بَاب الغنى وتفتح بَاب الفقر، والسادسة: تغلق بَاب الأمل وتفتح بَاب الاستعداد للموت. وَكَانَ إِبْرَاهِيم بْن أدهم يحفظ كرما فمر بِهِ جندي , فَقَالَ: أعطنا من هَذَا العنب , فَقَالَ: أمرني بِهِ صاحبه، فأخذ يضربه بسوطه فطأطأ رأسه , وَقَالَ: اضرب رأسا طالما عصى اللَّه فأعجز الرجل ومضي. وَقَالَ سهل بْن إِبْرَاهِيم صحبت إِبْرَاهِيم بْن أدهم: فمرضت فأنفق عَلِي نفقته , فاشتهيت شهوة , فباع حماره , وأنفق عَلِي ثمنه , فلما تماثلت , قُلْت: يا إِبْرَاهِيم , أين الحمار؟ فَقَالَ: بعناه , فَقُلْتُ: فعلى ماذا أركب؟ فَقَالَ: يا أَخِي عَلَى عنقي , فحملني ثَلاث منازل.

الرسالة القشيرية.   لعبد الكريم بن هوازن بن عبد الملك القشيري.

 

 

إبراهيم بن أدهم - 161 للهجرة ابرهيم بن أدهم، أبي اسحاق البلخي. ولد بمكة، وطافت به أمه على الخلق، وسألت الدعاء له أن يكون صالحاً فأستجيب لها، وترك الامارة، وما كان فيه. خرج متصيداً، فأثار ثعلباً - أو أرنباً - واذ هو طلبه، هتف به هاتف من قربوس سرجه: " والله! ما لهذا خلقت!، ولا بهذا أمرت! ". فنزل عن دابته، وصادف راعياً أبيه، فأخذ جبته - وكانت من صوف - فلبسها، وأعطاه ثيابه وقماشه وفرسه.

ثم دخل مكة، ثم الشام، لطلب الحلال. وكان يأكل من عمل يده. وصحب بمكة سفيان الثورى، والفضيل بن عياض. وتوفى بالجزيرة في الغزو، وحمل إلى صور - مدينة بساحل الشام، أو ببلاد الروم على ساحل البحر - فدفن بها سنة إحدى وستين ومائة. ومناقبه جمة، أفردها ابن الحلبى بالتأليف. واختلف - ليلة أن مات - إلى الخلاء نيفاً وعشرين مرة، في كل مرة يجدد الوضوء للصلاة، فلما أحس بالموت، قال: " أوتروا لى قوسى! " فقبض عليه، فقبضت روحه والقوس في يده.

ومن كلامه البديع: " الفقر مخزون في السماء، يعدل الشهادة عند الله، لا يعطيه إلا لمن أحبه ". ومنه: " على القلب ثلاثة أغطية: الفرح، والحزن، والسرور. فإذا فرحت بالموجود فأنت حريص، والحريص محروم. وإذا حزنت على المفقود فأنت ساخط، والساخط معذب. وإذا سررت بالمدح فأنت معجب، والعجب يحبط العمل. ودليل ذلك قوله تعالى:( لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتيكم ). ومن كلامه: " قلة الحرص والطمع تورث الصدق والورع، وكثرة الحرص والطمع تكثر الهم والجزع ". وقال: " وجدت يوماً راحة، فطابت نفسي لحسن صنع الله بي، فقلت: اللهم! إن كنت أعطيت أحداً من المحبين لك ما سكنت به قلوبهم قبل لقائك فأعطني كذلك! فقد أضر بي القلق ". فرأيت رب العزة في المنام، فأوقفني بين يديه، وقال لي: " يا إبرهيم! أما استحيت منى! تسألني أن أعطيك ما يسكن به قلبك قبل لقائى؟! وهل يسكن قلب المشتاق إلى غير حبيبه؟! أم هل يستريح المحب إلى غير من اشتاق إليه؟! ". قال، فقلت: " يا رب! تهت في حبك، فلو أدر ما أقول! ". قال ابرهيم بن بشار خادمه: " كنت ذات ليلة معه، وليس معنا شىء نفطر عليه، ولا لنا حيلة، فرآنى مغموماً، فقال: " يا ابن بشار! ماذا انعم الله تعالى على الفقراء والمساكين، من النعم والراحة دنيا وأخرى!. لا يسألهم يوم القيامة عن حج ولا زكاة، ولا صلة رحم ولا مواساة؛ وإنما يسأل ويحاسب هؤلاء المساكين، أغنياء في الدنيا، فقراء في الآخرة، أعزة في الدنيا، أذلة يوم القيامة. لا تغتم! فرزق الله مضمون سيأتيك!. نحن والله الملوك والأغنياء، قد تعجلنا الراحة في الدنيا، لا نبالي على أي حال أصبحنا أو أمسينا إذا أطعنا الله! ". ثم قام إلى الصلاة، وقمت إلى صلاتى، فما لبثنا غير ساعة، واذا نحن برجل قد جاء بثمانية أغنية وتمر كثير؛ فوضعه بين أيدينا، وقال: " كلوا! رحمكم الله! " فسلم ابرهيم من صلاته وقال: " كل يا مغموم! " فدخل سائل وقال: " أطعمونى شيئاً! " فأطعمه ثلاثة أرغفة مع تمر كثير، وأعطانى ثلاثة، وأكل رغيفين، وقال: " المواساة من أخلاق المؤمنين ". وقال ابرهيم لشقيق: " علام اصلتم اصولكم؟ " فقال: " اذا رزقنا أكلنا، واذا منعنا صبرنا ". فقال ابرهيم: " هكذا كلاب بلخ! اذا رزقت أكلت، واذا منعت صبرت. أنا أصلنا أصولنا على انا اذا رزقنا آثرنا، واذا منعنا حمدنا وشكرنا ". فقام شقيق، وقعد بين يديه وقال: " انت استاذنا! ".

وحصد ابرهيم في المزارع عشرين ديناراً ودخل إلى أذنة، ومعه صاحب له. فأراد أن يحلق ويحتجم؛ فجاء إلى حجام، فحقره الحجام وصاحبه، وقال: " ما في الدنيا أحد أبغض إلى من هؤلاء! أما وجدوا غيري؟! " فقضى شغل غيرهما، وأعرض عنهما. ثم قال: " أي شيء تريدان؟ " فقال ابرهيم: " أحتجم واحلق ". ففعل به، وأما صاحبه فقال له: " لا أفعل ذلك! " لتهاونه بهما، ثم أعطاه ابرهيم الذي كان معه، فقال له صاحبه: " كيف ذاك؟! " فقال: " اسكت؟ لئلا يحتقر فقيراً بعده ". وروى انه كان يعمل في الحصاد وحفظ البساتين وغير ذلك، وينفق على من في صحبته من الفقراء. وكان يعمل نهاره، ويجتمعون ليلا إلى موضع، وهم صيام؛ وكان ابرهيم يبطىء فى رجوعه من عمله. فقالوا ليلة: " هلم نسبقه حتى لا يبطىء في رجوعه من عمله؟ " ففعلوا وناموا. فجاء ابرهيم، فظن انهم لم يجدوا طعاماً، فأصلحه لهم، فأنتبهوا وقد وضع شيبته فى النار، وينفخ بها، فقالوا له في ذلك فقال: " ظننت إنكم نمتم جوعى لأجل العدم، فأصلحت لكم ذلك! ". فقال بعضهم لبعض: " انظروا ما الذي عملنا، وما الذي يعاملنا به ". وقال سهل بن ابرهيم: " صحبته، فمرضت، فأنفق على نفقته، فاشتهيت شهوة، فباع حماره وأنفق على. فلما تماثلت قلت أين الحمار؟. قال: بعناه!. فقلت: ماذا أركب؟! فقال: يا أخي! على عنقي. فحملني ثلاثة منازل ". وقال: " أتيت ليلة بعض المساجد لأبيت فيه، وكانت ليلة باردة، فلم أمكن، وجررت برجلي إلى مزبلة؛ فرأيت أتون حمام، ووقاداً يوقد، فسلمت عليه، فلم يرد السلام حتى فرغ من عمله؛ وكان يلتفت يميناً شمالا، فقلت: " يا هذا! لم لا ترد على السلام فى وقته؟! "، فقال: " كنت مستأجراً فخفت أن اشغل معك، فأقصر في عملي، فآثم؛ والتفاتي خوف الموت، لا أدرى من أين يأتيني ". قلت: " فبكم تعمل كل يوم؟ " قال: " بدرهم ودانق، فأنفق الدانق على نفسي، والدرهم على أولاد أخ لي في الله، مات منذ عشرين سنة ". قلت: " فهل سألت الله تعالى حاجة قط؟ " قال: " نعم! سألته في حاجة منذ عشرين سنة، وما قضيت بعد! " قلت: " ما هي؟ " قال: " أن يريني ابرهيم بن أدهم، فأموت! " فقلت " والله! ما رضى بي أن آتيك إلا سحباً على وجهي! أنا هو ". فعانقني، ووضع رأسه في حجري، ثم قال: " إلهي! قضيت حاجتي، فاقبضني إليك! " ومات من ساعته ". وقال شقيق: " كنا عنده يوماً، إذ مر به رجل، فقال: " أليس هذا فلاناً؟ " فقلنا: " نعم! " فقال الرجل: " أدركه. وقل له: لم لم تسلم؟ " فقال له: " أن امرأتي وضعت، وليس عندي شيء، فخرجت شبه المجنون " فقال: " أنا لله! غفلنا عن صاحبنا! ". ثم أستقرض له دينارين، وأمر أن يشترى له بدينار ما يصلح، ويدفع إليه الآخر. فدفع ذلك إلى زوجته، فقالت: " اللهم! لا تنس هذا اليوم لابراهيم! "، ففرح فرحاً لم يفرح مثله قط ". وركب مرة البحر، فقال عليهم، فلف رأسه في عباءة ونام. فقيل له: " ما ترى ما نحن فيه من الشدة؟! " فقال: " ليس هذا شدة! الشدة الحاجة إلى الناس ". ثم قال: " اللهم! أريتنا قدرتك، فأرنا عفوك! ".

فصار البحر كأنه قدح زيت. وقال ابراهيم: مررت ببعض بلاد الشام، فإذا حجر مكتوب عليه: كل حى وان بقى ... فمن العين يستقي فاعمل اليوم واجتهد ... واحذر الموت يا شقي فقعدت زماناً أقرأه وأبكي. وكان كثيراً ما يتمثل بهذا البيت: للقمة بجريش الملح آكلها ... ألذ من تمرة تحشى بزنبور ومن أصحابه شقيق بن ابرهيم البلخى، أبي على، من كبار مشايخ خراسان. حدث عن أبى حنيفة، وكان استاذ حاتم الأصم.

مات شهيداً فى غزوة كولان، سنة أربع وتسعين ومائة، حكاه ابن عساكر. وجزم ابن الجوزى، في " المنتظم " بأنه مات سنة ثلاث وخمسين ومائة. وأخبر عن نفسه في تلك الغزوة أنه رأى نفسه في ذلك اليوم كيوم الزفاف، ونام بين الصفين، حتى سمع غطيطه. قيل: كان سبب زهده أنه رأى مملوكا يلعب ويمرح فى زمن قحط، فعاتبه، فقال: " لمولاي قرية يدخل له منها ما يحتاج إليه! " فانتبه شقيق، فقال: " هذا مولاه مخلوق، ومولاي أغنى الأغنياء! " فترك ما في بيته، وتخلى للعبادة. ومن كلامه: " التوكل طمأنينة القلب لموعود الله ". " من شكا مصيبة نزلت به إلى غير الله لم يجد في قلبه حلاوة لطاعة الله ".

ومنه: " اذا أردت أن تكون فى راحة فكل ما أصبت، والبس ما وجدت، وارض بما قضى الله عليك ". وقال: " ليس شيء أحب إلى من الضيف، لأن رزقه ومؤنته على الله، وأجره لي ". وقال: " إن أردت أن تعرف الرجل، فانظر إلى ما وعده الله، ووعده الناس، بأيهما يكون قلبه أوثق! ". وقال: " تعرف تقوى الرجل في ثلاثة أشياء: في أخذه، ومنعه، وكلامه ". وسئل: " ما علامة التوبة؟ " فقال: " إدمان البكاء على ما سلف من الذنوب، والخوف المقلق من الوقوع فيها، وهجران أخوان السوء، وملازمة أهل الخير ". وقيل له: " ما علامة المطرود؟ "فقال: "إذا رأيته منع الطاعة واستوحش منها قلبه؛ وحلا له المعصية واستأنس بها؛ ورغب في الدنيا وزهد في الآخرة؛ وشغله بطنه وفرجه؛ ولم يبال من اين أخذ الدنيا؛ فاعلم انه عند الله مباعد، لم يرضه لخدمته". والتقى شقيق وابرهيم بن أدهم بمكة، فقال له ابرهيم: "ما بدء حالك الذي بلغك هذا؟" قال: " سرت في بعض الفلوات، فرأيت طيراً مكسور الجناحين، في فلاة من الأرض، فقلت: انظر من أين يرزق هذا!. فإذا أنا بطير قد أقبل، وفى فيه جرادة، فوضعها في منقاره. فاعتبرت وتركت الكسب، وأقبلت على العبادة".

فقال ابرهيم: " ولم لا تكون أنت الذي أطعم المكسور، حتى تكون أفضل منه؟!. أما سمعت عن النبي صلى الله عليه وسلم:) اليد العليا خير من اليد السفلى (؛ ومن علامة المؤمن أن يطلب أعلى الدرجتين فى أموره كلها، حتى يبلغ منازل الأبرار! " فأخذ شقيق يده يقبلها، وقال له. " أنت أستاذنا! ".

طبقات الأولياء - لابن الملقن سراج الدين أبي حفص عمر بن علي بن أحمد الشافعي المصري.

 

 

إِبْرَاهِيم بن أدهم أبي إِسْحَاق من أهل بَلخ كَانَ من أَبنَاء الْمُلُوك والمياسير خرج متصيدا فَهَتَفَ بِهِ هَاتِف أيقظه من غفلته فَترك طَرِيقَته فِي التزين بالدنيا وَرجع إِلَى طَريقَة أهل الزّهْد والورع خرج إِلَى مَكَّة وَصَحب بهَا سُفْيَان الثَّوْريّ والفضيل ابْن عِيَاض وَدخل الشَّام فَكَانَ يعْمل فِيهِ وَيَأْكُل من عمل يَده وَبهَا مَاتَ وَأسْندَ الحَدِيث أخبرنَا عبد الله بن مُوسَى بن الْحسن السلَامِي بمرو قَالَ حَدثنَا لَاحق بْن الْهَيْثَم اللاحقي قَالَ حَدثنَا الْحسن بن عِيسَى الدِّمَشْقِي قَالَ حَدثنَا مُحَمَّد بن فَيْرُوز الْمصْرِيّ قَالَ حَدثنَا بَقِيَّة قَالَ حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن آدم عَن أَبِيه أدهم بن مَنْصُور عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يسْجد على كور الْعِمَامَة

سَمِعت أَبَا الْعَبَّاس مُحَمَّد بن الْحسن بن الخشاب قَالَ حَدثنَا أبي الْحسن عَليّ بن مُحَمَّد بن أَحْمد الْمصْرِيّ قَالَ حَدثنِي أبي سعيد أَحْمد بن عِيسَى الخراز قَالَ حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن بشار قَالَ صَحِبت إِبْرَاهِيم بن أدهم بِالشَّام أَنا وَأبي يُوسُف الغسولي وَأبي عبد الله السنجاري فَقلت يَا ابا إِسْحَاق خبرني عَن بَدْء أَمرك كَيفَ كَانَ قَالَ كَانَ أبي من مُلُوك خُرَاسَان وَكنت شَابًّا فركبت إِلَى الصَّيْد فَخرجت يَوْمًا على دَابَّة لي وَمَعِي كلب فأثرت أرنبا أَو ثعلبا فَبينا أَنا أطلبه إِذا هتف بِي هَاتِف لَا أرَاهُ فَقَالَ يَا إِبْرَاهِيم أَلِهَذَا خلقت أم بِهَذَا أمرت فَفَزِعت ووقفت ثمَّ عدت فركضت الثَّانِيَة فَفعل بِي مثل ذَلِك ثَلَاث مَرَّات ثمَّ هتف بِي هَاتِف من قربوس السرج وَالله مَا لهَذَا خلقت وَلَا بِهَذَا أمرت قَالَ فَنزلت فصادفت رَاعيا لأبي يرْعَى الْغنم فاخذت جبته الصُّوف فلبستها وَدفعت إِلَيْهِ الْفرس وَمَا كَانَ معي وتوجهت إِلَى مَكَّة. فَبينا أَنا فِي الْبَادِيَة إِذا أَنا بِرَجُل يسير لَيْسَ مَعَه إِنَاء وَلَا زَاد فَلَمَّا أَمْسَى وَصلى الْمغرب حرك شَفَتَيْه بِكَلَام لم أفهمهُ فَإِذا أَنا بِإِنَاء فِيهِ طَعَام وإناء فِيهِ شراب فَأكلت وشربت وَكنت مَعَه على هَذَا أَيَّامًا وَعَلمنِي اسْم الله الْأَعْظَم ثمَّ غَابَ عني وَبقيت وحدي فَبينا أَنا ذَات يَوْم مستوحش من الْوحدَة دَعَوْت الله بِهِ فَإِذا أَنا بشخص آخذ بحجزتي وَقَالَ سل تعطه فراعني قَوْله، فَقَالَ لَا روع عَلَيْك وَلَا بَأْس عَلَيْك أَنا أَخُوك الْخضر إِن أخي دَاوُد علمك اسْم الله الْأَعْظَم فَلَا تدع بِهِ على أحد بَيْنك وَبَينه شَحْنَاء فتهلكه هَلَاك الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَلَكِن ادْع الله أَن يشجع بِهِ جَنْبك ويقوى بِهِ ضعفك وَيُؤْنس بِهِ وحشتك ويجدد بِهِ فِي كل سَاعَة رغبتك ثمَّ انْصَرف وَتَرَكَنِي.

وَسمعت مُحَمَّد بن الْحسن الْبَغْدَادِيّ يَقُول سَمِعت عَليّ بن مُحَمَّد بن أَحْمد الْمصْرِيّ يَقُول سَمِعت أَحْمد بن عِيسَى الخراز قَالَ حَدثنِي غير وَاحِد من أَصْحَابنَا مِنْهُم سعيد بن جَعْفَر الْوراق وَهَارُون الأدمِيّ وَعُثْمَان التمار قَالُوا حَدثنَا عُثْمَان بن عمَارَة قَالَ حَدثنِي إِبْرَاهِيم بن أدهم عَن رجل من أهل إسكندرية يُقَال لَهُ أسلم بن يزِيد الْجُهَنِيّ قَالَ لَقيته بالإسكندرية فَقَالَ لي من أَنْت يَا غُلَام قلت شَاب من أهل خُرَاسَان قَالَ مَا حملك على الْخُرُوج من الدُّنْيَا قلت زهدا فِيهَا ورجاء لثواب الله تَعَالَى فَقَالَ إِن العَبْد لَا يتم رجاؤه لثواب الله تَعَالَى حَتَّى يحمل نَفسه على الصَّبْر فَقَالَ رجل مِمَّن كَانَ مَعَه وَأي شَيْء الصَّبْر فَقَالَ إِن أدنى منَازِل الصَّبْر أَن يروض العَبْد نَفسه على احْتِمَال مكاره الْأَنْفس قَالَ قلت ثمَّ مَه قَالَ إِذا كَانَ مُحْتملا للمكاره أورث الله قلبه نورا قلت وَمَا ذَلِك النُّور قَالَ سراج يكون فِي قلبه يفرق بِهِ بَين الْحق وَالْبَاطِل والناسخ والمتشابه قلت هَذِه صفة أَوْلِيَاء رب الْعَالمين قَالَ أسْتَغْفر الله صدق عِيسَى ابْن مَرْيَم عَلَيْهِ السَّلَام حِين قَالَ لَا تضعوا الْحِكْمَة عِنْد غير أَهلهَا فتضيعوها وَلَا تمنعوها أَهلهَا فتظلموها فبصبصت إِلَيْهِ وَطلبت إِلَيْهِ وَطلب معي أَصْحَابه إِلَيْهِ فَقَالَ عِنْد ذَلِك يَا غُلَام إياك إِذا صَحِبت الأخيار أَو حادثت الْأَبْرَار أَن تغضبهم عَلَيْك فَإِن الله يغْضب لغضبهم ويرضى لرضاهم وَذَلِكَ أَن الْحُكَمَاء هم الْعلمَاء وهم الراضون عَن الله عز وَجل إِذا سخط النَّاس وهم جلساء الله غَدا بعد النَّبِيين وَالصديقين يَا غُلَام احفظ عني واعقل وَاحْتمل وَلَا تعجل فَإِن التأني مَعَه الْحلم وَالْحيَاء وَإِن السَّفه مَعَه الْخرق والشؤم قَالَ فَسَأَلت عَيْني وَقلت وَالله مَا حَملَنِي على مُفَارقَة أبي وَالْخُرُوج من مَالِي إِلَّا حب الأثرة لله وَمَعَ ذَلِك الزّهْد فِي الدُّنْيَا وَالرَّغْبَة فِي جوَار الله تَعَالَى

فَقَالَ إياك وَالْبخل قلت مَا الْبُخْل فَقَالَ أما الْبُخْل عِنْد أهل الدُّنْيَا فَهُوَ أَن يكون الرجل بَخِيلًا بِمَالِه وَأما الَّذِي عِنْد أهل الْآخِرَة فَهُوَ الَّذِي يبخل بِنَفسِهِ عَن الله تَعَالَى أَلا وَإِن العَبْد إِذا جاد بِنَفسِهِ لله أورث قلبه الْهدى والتقى وَأعْطي السكينَة وَالْوَقار وَالْعلم الْكَامِل وَمَعَ ذَلِك تفتح لَهُ أبواب السَّمَاء فَهُوَ ينظر إِلَى أبوابهَا بِقَلْبِه كَيفَ تفتح وَإِن كَانَ فِي طَرِيق الدُّنْيَا مطروحا فَقَالَ لَهُ رجل من أَصْحَابه اضربه فأوجعه فَإنَّا نرَاهُ غُلَاما قد وفْق لولاية الله تَعَالَى قَالَ فتعجب الشَّيْخ من قَول أَصْحَابه قد وفْق لولاية الله تَعَالَى فَقَالَ لي يَا غُلَام أما إِنَّك ستصحب الأخيار فَكُن لَهُم أَرضًا يطأون عَلَيْك وَإِن ضربوك وشتموك وطردوك وأسمعوك الْقَبِيح فَإِذا فعلوا بك ذَلِك ففكر فِي نَفسك من أَيْن أتيت فَإنَّك إِذا فعلت ذَلِك يؤيدك الله بنصره وَيقبل بقلوبهم عَلَيْك اعْلَم أَن العَبْد إِذا قلاه الأخيار واجتنب صحبته الورعون وأبغضه الزاهدون فَإِن ذَلِك استعتاب من الله تَعَالَى لكَي يعتبه فَإِن أَعتب الله عز وَجل أقبل بقلوبهم عَلَيْهِ وَإِن تمرد على الله أورث قلبه الضَّلَالَة مَعَ حرمَان الرزق وجفاء من الْأَهْل ومقت من الْمَلَائِكَة وإعراض من الرُّسُل بِوُجُوهِهِمْ ثمَّ لم يبال فِي أَي وَاد يهلكه قَالَ قلت إِنِّي صَحِبت وَأَنا ماش بَين الْكُوفَة وَمَكَّة رجلا فرأيته إِذا أَمْسَى يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ فيهمَا تجَاوز ثمَّ يتَكَلَّم بِكَلَام خَفِي بَينه وَبَين نَفسه فَإِذا جَفْنَة من ثريد عَن يَمِينه وكوز من مَاء فَكَانَ يَأْكُل ويطعمني قَالَ فَبكى الشَّيْخ عِنْد ذَلِك وَبكى من حوله ثمَّ قَالَ يَا بني أَو يَا أخي ذَاك أخي دَاوُد ومسكنه من وَرَاء بَلخ بقرية يُقَال لَهَا الْبَارِدَة الطّيبَة وَذَلِكَ أَن الْبِقَاع تفاخرت بكينونة دَاوُد فِيهَا يَا غُلَام مَا قَالَ لَك وَمَا علمك

قَالَ قلت عَلمنِي اسْم الله الْأَعْظَم فَسَأَلَ الشَّيْخ مَا هُوَ فَقلت إِنَّه يتعاظم عَليّ أَن أنطق بِهِ فَإِنِّي سَأَلت بِهِ مرّة فَإِذا بِرَجُل آخذ بحجزتي وَقَالَ سل تعطه فراعني فَقَالَ لَا روع عَلَيْك أَنا أَخُوك الْخضر إِن أخي دَاوُد علمك إِيَّاه فإياك أَن تَدْعُو بِهِ إِلَّا فِي بر ثمَّ قَالَ يَا غُلَام إِن الزاهدين فِي الدُّنْيَا قد اتَّخذُوا الرِّضَا عَن الله لباسا وحبه دثارا والأثرة لَهُ شعارا فتفضل الله تَعَالَى عَلَيْهِم لَيْسَ كتفضله على غَيرهم ثمَّ ذهب عني فتعجب الشَّيْخ من قولي ثمَّ قَالَ إِن الله سيبلغ بِمن كَانَ فِي مثالك وَمن تبعك من المهتدين ثمَّ قَالَ يَا غُلَام إِنَّا قد أفدناك ومهدناك وعلمناك علما ثمَّ قَالَ بَعضهم لَا تطمع فِي السهر مَعَ الشِّبَع وَلَا تطمع فِي الْحزن مَعَ كَثْرَة النّوم وَلَا تطمع فِي الْخَوْف لله مَعَ الرَّغْبَة فِي الدُّنْيَا وَلَا تطمع فِي الْأنس بِاللَّه مَعَ الْأنس بالمخلوقين وَلَا تطمع فِي إلهام الْحِكْمَة مَعَ ترك التَّقْوَى وَلَا تطمع فِي الصِّحَّة فِي أمورك مَعَ مُوَافقَة الظلمَة وَلَا تطمع فِي حب الله مَعَ محبَّة المَال والشرف وَلَا تطمع فِي لين الْقلب مَعَ الْجفَاء للْيَتِيم والأرملة والمسكين وَلَا تطمع فِي الرقة مَعَ فضول الْكَلَام وَلَا تطمع فِي رَحْمَة الله مَعَ ترك الرَّحْمَة للمخلوقين وَلَا تطمع فِي الرشد مَعَ ترك مجالسة الْعلمَاء وَلَا تطمع فِي الْحبّ لله مَعَ حب المدحة وَلَا تطمع فِي الْوَرع مَعَ الْحِرْص فِي الدُّنْيَا وَلَا تطمع فِي الرِّضَا والقناعة مَعَ قلَّة الْوَرع ثمَّ قَالَ بَعضهم يَا إلهنا احجبه عَنَّا واحجبنا عَنهُ قَالَ إِبْرَاهِيم فَمَا أَدْرِي أَيْن ذَهَبُوا. سَمِعت أَحْمد بن عَليّ بن الْحسن الْمُقْرِئ يَقُول سَمِعت مُحَمَّد بن غَالب التمتام يَقُول كتب إِبْرَاهِيم بن أدهم إِلَى سُفْيَان الثَّوْريّ من عرف مَا يطْلب هان عَلَيْهِ مَا يبْذل وَمن أطلق بَصَره طَال أسفه وَمن أطلق أمله سَاءَ عمله وَمن أطلق لِسَانه قتل نَفسه سَمِعت أَبَا الْعَبَّاس الْبَغْدَادِيّ يَقُول حَدثنَا عَليّ بن مُحَمَّد بن أَحْمد الْمصْرِيّ حَدثنَا يُوسُف بن مُوسَى حَدثنَا عبد الله بن خبيق حَدثنِي خلف بن تَمِيم سَمِعت أَبَا الْأَحْوَص يَقُول رَأَيْت خَمْسَة مَا رَأَيْت مثلهم قطّ إِبْرَاهِيم بن أدهم ويوسف بن أَسْبَاط وَحُذَيْفَة بن قَتَادَة وهشيم الْعجلِيّ وَأبي يُونُس الْقوي أخبرنَا عَليّ بن بنْدَار قَالَ أخبرنَا مُحَمَّد بن شريك قَالَ أخبرنَا ابْن أبي الدُّنْيَا قَالَ أَخْبرنِي مُحَمَّد بن إِسْحَاق قَالَ أَخْبرنِي أبي قَالَ قلت لإِبْرَاهِيم بن أدهم أوصني فَقَالَ اتخذ الله صاحبا وذر النَّاس جانبا

سَمِعت مَنْصُور بن عبد الله يَقُول سَمِعت مُحَمَّد بن حَامِد يَقُول سَمِعت أَحْمد بن خضرويه يَقُول قَالَ إِبْرَاهِيم بن أدهم لرجل فِي الطّواف اعْلَم أَنَّك لَا تنَال دَرَجَة الصَّالِحين حَتَّى تجوز سِتّ عِقَاب أولاها أَن تغلق بَاب النِّعْمَة وتفتح بَاب الشدَّة وَالثَّانيِة أَن تغلق بَاب الْعِزّ وتفتح بَاب الذل وَالثَّالِثَة أَن تغلق بَاب الرَّاحَة وتفتح بَاب الْجهد وَالرَّابِعَة أَن تغلق بَاب النّوم وتفتح بَاب السهر وَالْخَامِسَة أَن تغلق بَاب الْغنى وتفتح بَاب الْفقر وَالسَّادِسَة أَن تغلق بَاب الأمل وتفتح بَاب الاستعداد للْمَوْت.

طبقات الصوفية - لأبي عبد الرحمن السلمي.

 

 

إبراهيم بن أدهم بن منصور بن يزيد بن جابر، القُدْوَةُ، الإِمَامُ، العَارِفُ، سَيِّدُ الزُّهَّادِ، أبي إِسْحَاقَ العِجْلِيُّ -وَقِيْلَ: التَّمِيْمِيُّ- الخُرَاسَانِيُّ، البَلْخي، نَزِيْلُ الشَّامِ. مولده فِي حُدُوْدِ المائَةِ. حَدَّثَ عَنْ: أَبِيْهِ، وَمُحَمَّدِ بنِ زِيَادٍ الجُمَحي -صَاحِبِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيْعِيِّ، وَمَنْصُوْرِ بنِ المُعْتَمِرِ، وَمَالِكِ بنِ دِيْنَارٍ، وَأَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ، وَسُلَيْمَانَ الأَعْمَشِ، وَابْنِ عَجلان، وَمُقَاتِلِ بنِ حَيَّان. حَدَّثَ عَنْهُ: رَفِيْقُهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَشَقِيْقٌ البَلخي، وَبَقِيَّةُ بنُ الوَلِيْدِ، وَضَمْرَةُ بنُ رَبِيْعَةَ، وَمُحَمَّدُ بنُ حِمْيَر، وَخَلَفُ بنُ تَمِيْمٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ الفِرْيَابِيُّ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ بَشَّارٍ الخُرَاسَانِيُّ -خَادِمُهُ- وَسَهْلُ بنُ هَاشِمٍ، وَعُتْبَةُ بنُ السَّكَنِ، وَحَكَى عَنْهُ الأَوْزَاعِيُّ، وَأبي إِسْحَاقَ الفَزَارِيُّ. قَالَ البُخَارِيُّ: قَالَ لِي قُتَيْبَةُ: إِبْرَاهِيْمُ بنُ أَدْهَمَ تَمِيْمِيٌّ، يَرْوِي عَنْ مَنْصُوْرٍ. قَالَ: وَيُقَالُ لَهُ: العِجلي. وَقَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ: هُوَ مِنْ بَنِي عِجْلٍ. وَذَكَرَ المُفَضَّلُ الغَلاَبِيُّ: أَنَّهُ هَرَبَ مِنْ أَبِي مُسْلِمٍ، صَاحِبِ الدَّعْوَةِ. قَالَ النَّسَائِيُّ: هُوَ ثِقَةٌ، مَأْمُوْنٌ، أَحَدُ الزُّهَّادِ. وَعَنِ الفَضْلِ بنِ مُوْسَى، قَالَ: حَجَّ وَالِدُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ أَدْهَمَ وَزَوْجَتُهُ، فَوَلَدَتْ لَهُ إِبْرَاهِيْمَ بِمَكَّةَ. وَعَنْ يُوْنُسَ البَلْخي، قَالَ: كَانَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ أَدْهَمَ مِنَ الأَشْرَافِ، وَكَانَ أبيهُ كَثِيْرَ المَالِ وَالخَدَمِ، وَالمَرَاكِبِ وَالجنَائِبِ وَالبُزَاةِ، فَبَيْنَا إِبْرَاهِيْمُ فِي الصَّيْدِ عَلَى فَرَسِه يُرْكِضُه، إِذَا هُوَ بِصَوْتٍ مِنْ فَوْقِه: يَا إِبْرَاهِيْمُ! مَا هَذَا العَبَثُ? {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا} [المؤمنون: 115] ، اتَّقِ اللهَ، عَلَيْكَ بِالزَّادِ لِيَوْمِ الفَاقَةِ. فَنَزَلَ عَنْ دَابَّتِه، وَرَفَضَ الدُّنْيَا. وَفِي "رِسَالَةِ" القُشَيري، قَالَ: هُوَ مِنْ كُورة بَلْخ، مِنْ أَبْنَاءِ المُلُوْكِ، أَثَارَ ثَعْلَباً أَوْ أَرْنَباً، فَهَتَفَ بِهِ هاتف: ألهذا خُلِقتَ? أَمْ بِهَذَا أُمِرتَ? فَنَزَلَ، وَصَادفَ رَاعِياً لأَبِيْهِ، فَأَخَذَ عَبَاءتَه وَأَعْطَاهُ فَرَسَه، وَمَا مَعَهُ، وَدَخَلَ البَادِيَةَ، وَصَحِبَ الثَّوْرِيَّ، وَالفُضَيْلَ بنَ عِيَاضٍ، وَدَخَلَ الشَّامَ، وَكَانَ يَأْكُلُ مِنَ الحَصَادِ وَحِفْظِ البَسَاتِيْنِ، وَرَأَى فِي البَادِيَةِ رَجُلاً، عَلَّمَهُ الاسْمَ الأَعْظَمَ فَدَعَا بِهِ، فَرَأَى الخَضِرَ، وَقَالَ: إِنَّمَا عَلَّمَكَ أَخِي دَاوُدُ. رَوَاهَا عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ المِصْرِيُّ الوَاعِظُ. حَدَّثَنَا أبي سَعِيْدٍ الخَرَّاز، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيْمُ بنُ أَدْهَمَ بِذَلِكَ، لَمَّا سَأَلْتُه عَنْ بَدْءِ أَمرِهِ. ورُويَت عَنِ ابْنِ بَشَّارٍ بِإِسْنَادٍ آخَرَ، وَزَادَ، قَالَ: فَسَأَلْتُ بَعْضَ المَشَايِخِ عَنِ الحَلاَلِ، فَقَالَ: عَلَيْكُم بِالشَّامِ. فَصِرتُ إِلَى المصِّيصَة، فَعَمِلتُ بِهَا أَيَّاماً، ثُمَّ قِيْلَ لِي: عَلَيْك بِطَرَسُوْسَ، فَإِنَّ بِهَا المُبَاحَاتِ، فَبَيْنَا أَنَا عَلَى بَابِ البَحْرِ، اكْتَرَانِي رَجُلٌ أَنْطُرُ بُسْتَانَه، فَمَكَثتُ مُدَّةً. قَالَ المُسَيَّبُ بنُ وَاضِحٍ: حَدَّثَنَا أبي عُتْبَة الخَوَّاص: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ بنَ أَدْهَمَ يَقُوْلُ: مَنْ أَرَادَ التَّوبَةَ، فَلْيَخرُجْ مِنَ المَظَالِمِ، وَلْيَدَعْ مُخَالطَةَ النَّاسِ، وَإِلاَّ لَمْ يَنَلْ مَا يُرِيْدُ. قَالَ خَلَفُ بنُ تَمِيْمٍ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ يَقُوْلُ: رَآنِي ابْنُ عَجلان، فَاسْتَقْبَلَ القِبْلَةَ سَاجِداً، وَقَالَ: سَجَدتُ للهِ شُكْراً حِيْنَ رَأَيتُكَ. قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ: قُلْتُ لابْنِ المُبَارَكِ: إِبْرَاهِيْمُ بنُ أَدْهَمَ مِمَّنْ سَمِعَ? قَالَ: قَدْ سَمِعَ مِنَ النَّاسِ، وَلَهُ فَضْلٌ فِي نَفْسِهِ، صَاحِبُ سَرَائِرَ، وَمَا رَأَيتُهُ يُظْهِرُ تَسبِيْحاً، وَلاَ شَيْئاً مِنَ الخَيْرِ، وَلاَ أَكَلَ مَعَ قَوْمٍ قَطُّ، إِلاَّ كَانَ آخِرَ مَنْ يَرْفَعُ يَدَه. أبي نُعَيْمٍ: سَمِعْتُ سُفْيَانَ يَقُوْلُ: كَانَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ أَدْهَمَ يُشْبِهُ إِبْرَاهِيْمَ الخَلِيْلَ، وَلَوْ كَانَ فِي الصَّحَابَةِ، لَكَانَ رَجُلاً فَاضِلاً. قَالَ بِشْرٌ الحَافِي: مَا أَعْرِفُ عَالِماً إِلاَّ وَقَدْ أَكَلَ بِدِيْنِهِ، إِلاَّ وُهَيْبَ بنَ الوَرْدِ، وَإِبْرَاهِيْمَ بنَ أَدْهَمَ، وَيُوْسُفَ بنَ أَسْبَاطٍ، وَسَلْمَ الخَوَّاص. قَالَ شَقِيْقُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ: قُلْتُ لإِبْرَاهِيْمَ بنِ أَدْهَمَ: تَرَكتَ خُرَاسَانَ? قَالَ: مَا تَهنَّأتُ بِالعَيْشِ إِلاَّ فِي الشَّامِ، أَفِرُّ بِدِيْنِي مِنْ شَاهِقٍ إِلَى شَاهِقٍ، فَمَنْ رَآنِي يَقُوْلُ: موسوس، ومن رآني يقول: جمال، يا شقي! مَا نَبُلَ عِنْدَنَا مَنْ نَبُلَ بِالجِهَادِ وَلاَ بالحج، بل كان يعقل مَا يَدْخُلُ بَطْنَه. قَالَ خَلَفُ بنُ تَمِيْمٍ: سَأَلْتُ إِبْرَاهِيْمَ: مُنْذُ كَمْ قَدِمتَ الشَّامَ? قَالَ: مُنْذُ أَرْبَعٍ وَعِشْرِيْنَ سَنَةً، مَا جِئْتُ لِربَاطٍ وَلاَ لِجِهَادٍ، جِئْتُ لأَشبَعَ مِنْ خُبْزِ الحَلاَلِ.

وَعَنْ إِبْرَاهِيْمَ، قَالَ: الزُّهْدُ فَرضٌ، وَهُوَ الزُّهْدُ فِي الحَرَامِ، وَزُهْدُ سَلاَمَةٍ وَهُوَ: الزُّهْدُ فِي الشُّبُهَاتِ، وَزُهْدُ فَضْلٍ، وَهُوَ الزُّهْدُ فِي الحَلاَلِ. يَحْيَى بنُ عُثْمَانَ البَغْدَادِيُّ: حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ، قَالَ: دَعَانِي إِبْرَاهِيْمُ بنُ أَدْهَمَ إِلَى طَعَامِه، فَأَتَيْتُهُ، فَجَلَسَ، فَوَضَعَ رِجْلَه اليُسْرَى تَحْتَ أَلْيَتِه، وَنَصَبَ اليُمْنَى، وَوَضَعَ مِرْفَقَهُ عَلَيْهَا، ثُمَّ قَالَ: هَذِهِ جِلْسَةُ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَجْلِسُ جِلْسَةَ العَبْدِ، خُذُوا بِسْمِ اللهِ. فَلَمَّا أَكَلْنَا، قُلْتُ لِرَفِيْقِه: أَخْبِرْنِي عَنْ أَشدِّ شَيْءٍ مَرَّ بِكَ مُنْذُ صَحِبْتَه. قَالَ: كُنَّا صِيَاماً، فَلَمْ يَكُنْ لَنَا مَا نُفطِرُ عَلَيْهِ، فَأَصْبَحْنَا، فَقُلْتُ: هَلْ لَكَ يَا أَبَا إِسْحَاقَ أَنْ نَأْتِيَ الرَّسْتن، فَنكْرِي أَنْفُسَنَا مَعَ الحَصَّادين؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَاكْتَرَانِي رَجُلٌ بِدِرْهَمٍ. فَقُلْتُ: وَصَاحِبِي? قَالَ: لاَ حَاجَةَ لِي فِيْهِ، أَرَاهُ ضَعِيْفاً. فَمَا زِلتُ بِهِ حَتَّى اكْتَرَاهُ بِثُلُثَيْنِ، فَاشْتَرَيتُ مِنْ كِرَائِي حَاجَتِي، وَتَصَدَّقتُ بِالبَاقِي، فَقرَّبتُ إِلَيْهِ الزَّادَ، فَبَكَى، وَقَالَ: أَمَّا نَحْنُ فَاسْتَوفَيْنَا أُجُورَنَا، فَلَيْتَ شِعْرِي أَوَفَّيْنَا صَاحِبَنَا أَم لاَ? فَغضِبتُ، فَقَالَ: أَتَضْمَنُ لِي أَنَّا وَفَّيْنَاهُ، فَأَخَذتُ الطَّعَامَ، فَتصَدَّقتُ بِهِ. وَبِالإِسْنَادِ عَنْ بَقِيَّةَ، قَالَ: كُنَّا مَعَ إِبْرَاهِيْمَ فِي البَحْرِ، فَهَاجَتْ رِيْحٌ، وَاضْطَرَبتْ السَّفِيْنَةُ، وَبَكَوْا، فَقُلْنَا: يَا أَبَا إِسْحَاقَ! مَا تَرَى? فَقَالَ: يَا حَيُّ حِيْنَ لاَ حَيَّ، وَيَا حَيُّ قَبْلَ كُلِّ حَيٍّ، وَيَا حَيُّ بَعْدَ كُلِّ حَيٍّ، يَا حَيُّ، يَا قَيُّومُ، يَا مُحْسِنُ، يَا مُجْمِل! قَدْ أَرَيْتَنَا قُدْرَتَكَ، فَأَرِنَا عَفْوَكَ، فَهَدَأَتِ السَّفِيْنَةُ مِنْ سَاعَتِه. ضَمْرَةُ: سَمِعْتُ ابْنَ أَدْهَمَ، قَالَ: أَخَافُ أَنْ لاَ أُؤْجَرَ فِي تَرْكِي أَطَايِبَ الطَّعَامِ، لأَنِّيْ لاَ أَشْتَهِيهِ. وَكَانَ إِذَا جَلَسَ عَلَى طَعَامٍ طيب، قدم إلى أصحابه، وَقَنَعَ بِالخُبْزِ وَالزَّيْتُوْنِ. مُحَمَّدُ بنُ مَيْمُوْنٍ المَكِّيُّ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ، قَالَ: قِيْلَ لإِبْرَاهِيْمَ ابن أَدْهَمَ: لَوْ تَزَوَّجتَ? قَالَ: لَوْ أَمْكَنَنِي أَنْ أُطَلِّقَ نَفْسِي، لَفَعَلْتُ. عَنْ خَلَفِ بنِ تَمِيْمٍ، قَالَ: دَخَلَ إِبْرَاهِيْمُ الجَبَلَ، وَاشْتَرَى فَأْساً، فَقَطَعَ حَطَباً، وَبَاعَهُ، وَاشْتَرَى نَاطِفاً، وَقَدَّمَه إِلَى أَصْحَابِهِ، فَأَكَلُوا، فَقَالَ: يُبَاسِطُهُم: كَأَنَّكُم تَأْكُلُوْنَ فِي رَهْنٍ. عِصَامُ بنُ رَوَّادِ بنِ الجَرَّاحِ: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ: كُنْتُ لَيْلَةً مَعَ إِبْرَاهِيْمَ بنِ أَدْهَمَ، فَأَتَاهُ رَجُلٌ بِبَاكُورَةٍ، فَنَظَرَ حَوْلَهُ هَلْ يَرَى مَا يُكَافِئُه، فَنَظَرَ إِلَى سَرْجِي، فَقَالَ: خُذْ ذَاكَ السَّرْجَ فَأَخَذَهُ فَسُرِرتُ حِيْنَ نَزَلَ مَالِي بِمَنْزِلَةِ مَالِهِ. قَالَ عَلِيُّ بنُ بَكَّار: كَانَ إِبْرَاهِيْمُ مِنْ بَنِي عِجْلٍ، كَرِيْمَ الحَسَبِ، وَإِذَا حَصدَ، ارْتَجَزَ، وَقَالَ: اتَّخِذِ اللهَ صَاحِبا ... ودَعِ النَّاسَ جَانِبا

وَكَانَ يَلْبَس فَرْواً بِلاَ قَمِيْصٍ، وَفِي الصَّيْفِ شَقَّتَيْنِ بِأَرْبَعَةِ دَرَاهِمَ: إِزَارٌ وَرِدَاءٌ، وَيَصُومُ فِي الحَضَرِ وَالسَّفَرِ، وَلاَ يَنَامُ اللَّيْلَ وَكَانَ يَتفكَّرُ، وَيَقْبِضُ أَصْحَابُهُ أُجرَتَه، فَلاَ يَمَسُّهَا بِيَدِهِ، وَيَقُوْلُ: كلوا بها شهواتكم وكان ينطر، وَكَانَ يَطحَنُ بِيَدٍ وَاحِدَةٍ مُدَّيْنِ مِنْ قَمْحٍ. قَالَ أبي يُوْسُفَ الغَسُّوْلِيُّ: دَعَا الأَوْزَاعِيُّ إِبْرَاهِيْمَ بنَ أَدْهَمَ، فَقصَّرَ فِي الأَكلِ، فَقَالَ: لِمَ قَصَّرتَ? قَالَ: رَأَيتُكَ قَصَّرتَ فِي الطَّعَامِ. بِشْرٌ الحَافِي: حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ يَمَانٍ، قَالَ: كَانَ سُفْيَانُ إِذَا قَعَدَ مَعَ إِبْرَاهِيْمَ بنِ أَدْهَمَ، تَحرَّزَ مِنَ الكَلاَمِ. عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ طَالُوْتَ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ بنَ أَدْهَم يَقُوْلُ: مَا صَدَقَ اللهَ عبدٌ أَحَبَّ الشُّهْرَةَ. قُلْتُ: عَلاَمَةُ المُخْلِصِ الَّذِي قَدْ يُحبُّ شُهرَةً، وَلاَ يَشعُرُ بِهَا، أَنَّهُ إِذَا عُوتِبَ فِي ذَلِكَ، لاَ يحرَدُ وَلاَ يبرِّئ نَفْسَه، بَلْ يَعترِفُ، وَيَقُوْلُ: رَحِمَ اللهُ مَنْ أَهدَى إليَّ عُيُوبِي، وَلاَ يَكُنْ مُعجَباً بِنَفْسِهِ، لاَ يَشعرُ بِعُيُوبِهَا، بَلْ لاَ يَشعرُ أَنَّهُ لاَ يَشعرُ، فَإِنَّ هَذَا دَاءٌ مُزْمن. عِصَامُ بنَ روَّاد: سَمِعْتُ عِيْسَى بنَ حَازِمٍ النَّيْسَأبيرِيَّ يَقُوْلُ: كُنَّا بِمَكَّةَ مَعَ إِبْرَاهِيْمَ بنِ أَدْهَمَ فَنَظَرَ إِلَى أَبِي قُبَيْس، فَقَالَ: لَوْ أَنَّ مُؤْمِناً، مُسْتكمِلَ الإِيْمَانِ، يَهزُّ الجَبَلَ لَتَحَرَكَ فَتَحَرَّكَ أبي قُبَيْسٍ، فَقَالَ: اسْكُنْ، لَيْسَ إِيَّاكَ أَرَدْتُ. قَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ مَنْصُوْرٍ، حَدَّثَنَا الحَارِثُ بنُ النُّعْمَانِ، قَالَ: كَانَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ أَدْهَم يجتني الرطب من شجر البَلُّوط. وَعَنْ مَكِّيِّ بنِ إِبْرَاهِيْمَ، قَالَ: قِيْلَ لابْنِ أَدْهَم. مَا تَبلُغُ مِنْ كَرَامَةِ المُؤْمِنِ? قَالَ: أَنْ يَقُوْلَ لِلْجَبَلِ: تَحرَّكْ، فَيَتحَرَّكُ. قَالَ: فَتَحَرَّكَ الجَبَلُ، فَقَالَ: مَا إِيَّاكَ عَنَيْتُ. وَعَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ أَدْهَمَ، قَالَ: كُلُّ مَلِك لاَ يَكُوْنُ عَادِلاً، فَهُوَ وَاللِّصُّ سَوَاءٌ، وَكُلُّ عَالِمٍ لاَ يَكُوْنُ تَقِيّاً، فَهُوَ وَالذِّئْبُ سَوَاءٌ، وَكُلُّ مَنْ ذَلَّ لِغَيْرِ اللهِ، فَهُوَ وَالكَلْبُ سَوَاءٌ. أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الجُلُوْدِيُّ، وَغَيْرُهُ: أَنَّ عَبْدَ الله بنَ اللَّتِّي أَخْبَرَهُم، قَالَ: أَنْبَأَنَا جَعْفَرُ بنُ المُتَوَكِّلِ، أَنْبَأَنَا أبي الحَسَنِ بنُ العَلاَّفِ، حَدَّثَنَا الحَمَّامي، حَدَّثَنَا جَعْفَرٌ الخُلْدي، حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيْمُ بنُ نَصْرٍ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ بَشَّارٍ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ بنَ أَدْهَمَ يَقُوْلُ: وَأَيُّ دِيْنٍ لَوْ كَانَ لَهُ رِجَالٌ! مَنْ طَلَبَ العِلْمَ للهِ، كَانَ الخُمُوْلُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنَ التَّطَاوُلِ، وَاللهِ مَا الحَيَاةُ بِثِقَةٍ، فَيُرْجَى نَوْمُهَا، وَلاَ المَنِيَّةُ بِعُذرٍ، فَيُؤمَنُ عُذْرُهَا، فَفِيْمَ التَّفْرِيطُ وَالتَّقْصِيْرُ وَالاتِّكَالُ وَالإِبطَاءُ? قَدْ رَضِينَا مِنْ أَعْمَالِنَا بِالمَعَانِي، وَمِنْ طَلَبِ التَّوبَةِ بِالتَّوَانِي، وَمِنَ العَيْشِ البَاقِي بِالعَيْشِ الفاني.

وَبِهِ قَالَ ابْنُ بَشَّار: أَمْسَينَا مَعَ إِبْرَاهِيْمَ لَيْلَةً، لَيْسَ لَنَا مَا نَفطَرُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: يَا ابْنَ بَشَّارٍ! مَاذَا أَنْعَمَ اللهُ عَلَى الفُقَرَاءِ وَالمَسَاكِيْنِ مِنَ النَّعِيْمِ وَالرَّاحَةِ، لاَ يَسْأَلُهُم يَوْمَ القِيَامَةَ عَنْ زَكَاةٍ، وَلاَ حَجٍّ، وَلاَ صَدَقَةٍ، وَلاَ صِلَةِ رَحِمٍ! لاَ تَغتمَّ، فَرِزقُ اللهِ سَيَأْتِيْكَ نَحْنُ -وَاللهِ- المُلُوْكُ الأَغْنِيَاءُ، تعجلُنَا الرَّاحَة، لاَ نُبَالِي عَلَى أَيِّ حَالٍ كُنَّا إِذَا أَطَعنَا اللهَ. ثُمَّ قَامَ إِلَى صَلاَتِه، وَقُمْتُ إِلَى صَلاَتِي، فَإِذَا بِرَجُلٍ قَدْ جَاءَ بِثَمَانِيَةِ أَرْغِفَةٍ، وَتَمْرٍ كَثِيْرٍ، فَوَضَعَهُ، فَقَالَ: كُلْ يا مغموم. فَدَخَلَ سَائِلٌ، فَأَعْطَاهُ ثَلاَثَةَ أَرغِفَةٍ مَعَ تَمْرٍ، وَأَعْطَانِي ثَلاَثَةً، وَأَكَلَ رَغِيْفَيْنِ. وَكُنْتُ مَعَهُ، فَأَتَيْنَا عَلَى قَبْرٍ مُسَنَّم، فَترحَّمَ عَلَيْهِ، وَقَالَ: هَذَا قَبْرُ حُمَيْدِ بنِ جَابِرٍ، أَمِيْرِ هَذِهِ المُدُنِ كُلِّهَا، كَانَ غَارِقاً فِي بِحَارِ الدُّنْيَا، ثُمَّ أَخْرَجَهُ اللهُ مِنْهَا. بَلَغَنِي أَنَّهُ سُرَّ ذَاتَ يَوْمٍ بِشَيْءٍ، وَنَامَ، فَرَأَى رَجُلاً بِيَدِهِ كِتَابٌ، فَفَتَحَهُ، فَإِذَا هُوَ كِتَابٌ بِالذَّهَبِ: لاَ تُؤثِرَنَّ فَانِياً عَلَى بَاقٍ، وَلاَ تَغتَرَّنَّ بِمُلْكِكَ، فَإِنَّ مَا أَنْتَ فِيْهِ جَسِيْمٌ لَوْلاَ أَنَّهُ عَدِيْمٌ، وَهُوَ مُلْكٌ لَوْلاَ أَنَّ بَعْدَهُ هُلْكٌ، وَفَرَحٌ وَسُرُوْرٌ، لَوْلاَ أَنَّهُ غُرُوْرٌ، وَهُوَ يَوْمٌ لَوْ كَانَ يُوثَقُ لَهُ بَعْدُ، فَسَارِعْ إِلَى أَمْرِ اللهِ، فَإِنَّ اللهَ قَالَ: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [آلُ عِمْرَانَ: 133] . فَانتَبَهُ فَزَعاً، وَقَالَ: هَذَا تَنْبِيْهٌ مِنَ اللهِ وَمَوْعِظَةٌ. فَخَرَجَ مِنْ مُلْكِهِ، وَقَصَدَ هَذَا الجَبَلَ، فَعَبَدَ اللهَ فِيْهِ حَتَّى مَاتَ. وَرُوِيَ أَنَّ إِبْرَاهِيْمَ بنَ أَدْهَمَ حَصدَ لَيْلَةً مَا يَحصُدُهُ عَشَرَةٌ، فَأَخَذَ أُجْرَتَهُ دِيْنَاراً. أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بنُ سَلاَمَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحِيْمِ بنُ مُحَمَّدٍ، أَنْبَأَنَا الحَدَّادُ، أَنْبَأَنَا أبي نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا السَّرَّاجُ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ بنَ بَشَّارٍ يَقُوْلُ: قُلْتُ لإِبْرَاهِيْمَ بنِ أَدْهَمَ: كَيْفَ كَانَ بَدءُ أَمرِكَ? قَالَ: غَيْرُ ذَا أَوْلَى بِكَ. قَالَ: قُلْتُ: أَخْبِرْنِي لَعَلَّ اللهَ أَنْ يَنْفَعَنَا بِهِ يَوْماً. قَالَ: كَانَ أَبِي مِنَ المُلُوْكِ المَيَاسِيْرِ، وحُبِّبَ إِلَيْنَا الصيدُ، فركبتُ، فَثَارَ أَرْنَبٌ أَوْ ثَعْلَبٌ، فَحرَّكتُ فَرَسِي، فَسَمِعْتُ نِدَاءً مِنْ وَرَائِي: لَيْسَ لِذَا خُلِقْتَ، وَلاَ بِذَا أُمِرْتَ. فَوَقَفتُ أَنظُرُ يَمنَةً يَمنَةً وَيَسْرَةً، فَلَمْ أَرَ أَحَداً، فَقُلْتُ: لَعَنَ اللهُ إِبْلِيسَ ثُمَّ حَرَّكتُ فَرَسِي، فَأَسْمَعُ نِدَاءً أَجْهَرَ مِنْ ذَلِكَ. يَا إِبْرَاهِيْمُ! لَيْسَ لِذَا خُلِقتَ، وَلاَ بِذَا أُمِرتَ. فَوَقَفتُ أَنظُرُ فَلاَ أَرَى أَحَداً، فَقُلْتُ: لَعَنَ اللهُ إِبْلِيسَ. فَأَسْمَعُ نداءً من قُرْبوس سرجي بِذَاكَ، فَقُلْتُ: أُنْبِهْتُ، أُنْبِهْتُ، جَاءنِي نَذِيرٌ، وَاللهِ لاَ عَصَيتُ اللهَ بَعْدَ يَوْمِي مَا عَصَمنِي اللهُ فَرَجَعْتُ إِلَى أَهْلِي فَخَلَّيتُ فَرَسِي ثُمَّ جِئْتُ إِلَى رُعَاةٍ لأَبِي، فَأَخَذتُ جُبَّةً كِسَاءً، وَأَلقَيْتُ ثِيَابِي إِلَيْهِ، ثُمَّ أَقْبَلتُ إِلَى العِرَاقِ، فَعَمِلتُ بِهَا أَيَّاماً، فَلَمْ يصفُ لِي مِنْهَا الحَلاَلُ، فَقِيْلَ لِي: عَلَيْكَ بِالشَّامِ ... ، فَذَكَرَ حِكَايَةَ نِطَارَتِه الرُّمَّان وَقَالَ الخَادِمُ لَهُ: أَنْتَ تَأْكُلُ فَاكِهَتنَا، وَلاَ تَعْرِفُ الحُلْوَ مِنَ الحَامِضِ? قُلْتُ: وَاللهِ مَا ذُقْتُهَا. فَقَالَ:أَتُرَاكَ لَوْ أَنَّكَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ أَدْهَمَ فَانْصَرَفَ، فَلَمَّا كَانَ مِنَ الغَدِ، ذَكَرَ صِفَتِي فِي المَسْجِدِ، فَعَرَفَنِي بَعْضُ النَّاسِ، فَجَاءَ الخَادِمُ وَمَعَهُ عُنُقٌ مِنَ النَّاسِ، فَاخْتَفَيْتُ خَلْفَ الشَّجرِ، وَالنَّاسُ دَاخِلُوْنَ، فَاخْتلَطْتُ مَعَهُم وَأَنَا هَاربٌ.

قَدْ سُقْتُ أَخْبَارَ إِبْرَاهِيْمَ فِي "تَارِيْخِي" أَزْيَدَ مِمَّا هُنَا، وَأَخْبَارَهُ فِي: "تَارِيْخِ دِمَشْقَ" وَفِي: "الحِلْيَة"؛ وَتَآلِيْفَ لابْنِ جَوْصَا، وَأَخْبَارَهُ الَّتِي رَوَاهَا ابْنُ اللَّتِّيِّ، وَأَشْيَاءَ. وثَّقهُ الدَّارَقُطْنِيُّ. وَتُوُفِّيَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَسِتِّيْنَ وَمائَةٍ، وَقَبْرُهُ يُزَار. وَتَرْجَمَتُه فِي "تَارِيْخِ دِمَشْقَ" في ثلاثة وثلاثين ورقة.

سير أعلام النبلاء - لشمس الدين أبي عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قَايْماز الذهبي

 

 

سلطان العارفين أبو إسحق إبراهيم بن أدهم بن منصور بن عامر بن يزيد بن جابر بن ثعلبة بن سعد بن حلام بن غزية بن أسامة بن ربيعة بن ضبيعة بن عجل بن لخم التميمي العجلي البلخي، المتوفى مرابطاً بسواحل الشام سنة 162 اثنتين وستين ومائة وهو المحفوظ في تاريخ وفاته على ما ذكره الحافظ ابن عساكر. قال: وذكروا أنه توفي بجزيرة من جزائر بحر الروم وهو مرابط ثم حمل ودفن بصور. انتهى كان أبوه من أعيان بلخ وكان من ملوك خراسان على ما نقله صاحب "مجمع الأخبار" من رواية عن خادمه إبراهيم بن بشار أنه سأله عن بدء أمره، فحكى ذلك وأنه تاب في شبابه وتنسك، فحجّ ورجع إلى الشام للكسب والجهاد، فأقام بطرسوس ومصّيصة فعمل بها في بستان أياماً ثم عاد إلى رملة. وحج وصحب سفيان الثوري وفضيل بن عياض بمكة، ثم رجع إلى الشام وأقام بها أربعاً وعشرين سنة يحصد الزرع ويحفظ البساتين ويغزو إلى أن توفي. قال: أقمت بها لا لجهاد ورباط وإنما نزلتها لأشبع من خبز حلال. وكان كبير الشان في الورع من سادات التابعين وقدوة العارفين. قال يوماً لشقيق كيف حال أصحابكم؟ قال: إن رزقوا أكلوا وإن مُنعوا صبروا، قال: هكذا يفعل كلاب بلخ، فسأل شقيق عنه فقال: إذا رزقنا آثرنا وإذا منعنا شكرنا، فقام وجلس بين يديه وقال: أنت أستاذنا وأستاذ مشايخنا. قيل له: فلان يتعلم النحو. قال: هو إلى تعلم الصمت أحوج. وكان قد حدَّث عن الأعمش ومقاتل وشعبة ومالك بن دينار والأوزاعي وربما يتسامر هو والثوري الليلة التامة، فروى عنه خلق، ثم ترك الرواية وتزهد ووثَّقه الترمذي والنسائي وشهد ابن المبارك بجلالة قدره وهذا خلاصة ما ذكروا في التواريخ. سلم الوصول إلى طبقات الفحول - حاجي خليفة.

 

 

ابراهيم بن أدهم [أبوإسحاق إبراهيم بن منصور بن زيد بن جابر العجلي ويقال التميمي؛ أصله من بلخ وكان من أولاد الملوك، روى عن جماعة من التابعين كأبي إسحاق السبيعي وأبي حازم وقتادة ومالك بن دينار والأعمش وأبان، واشتغل بالزهد عن الرواية وكان يكون بالكوفة ثم بالشام؛ مر به يوماً بريد وهو ينطر كرماً فقال: ناولني من هذا العنب، فقال: ما أذن لي صاحبه، فقلب السوط وجعل يقنع رأسه، فطأطأ إبراهيم رأسه وقال: اضرب رأساً طال ما قد عصى الله، قال: فانخذل ومضى. وقال شقيق البلخي: قال لي إبراهيم أخبرني عما أنت عليه، فقلت: إذا رزقت أكلت وإذا منعت صبرت، قال: هكذا تعمل كلاب بلخ عندنا. قلت له: فكيف تعمل أنت قال: إذا رزقت آثرت وإذا منعت شكرت. وكان إبراهيم في البحر وهبت ريح واضطربت السفن وبكى الناس فقيل لبعضهم: هذا إبراهيم بن أدهم لو سألته أن يدعو الله، وكان قائما في ناحية من السفينة ملفوف رأسه، فدنا إليه وقال: يا أبا إسحاق، ماترى ما فيه الناس فرفع رأسه وقال: اللهم قد أريتنا قدرتك فأرنا رحمتك، فهدأت السفن. قال رجل لبشر بن الحارث: إني أحب أن أسلك طريق إبراهيم بن أدهم، قال: لا تقوى، قال: ولم قال: لأن إبراهيم بن أدهم عمل ولم يقل وأنت قلت ولم تعمل. قال أبو سليمان الداراني: صلى إبراهيم خمس عشرة صلاة بوضوء واحد، وتوفي سنة140في الجزيرة وحمل إلى صور فدفن هناك، رحمه الله تعالى ونفعنا ببركاته، إنه على مايشاء قدير.

وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان - لأبو العباس شمس الدين أحمد ابن خلكان البرمكي الإربلي

 

 

إبراهيم بن أدهم بن منصور، التميمي البلخي أبي إسحاق: زاهد مشهور. كان أبيه من أهل الغنى في بلخ، فتفقه ورحل إلى بغداد، وجال في العراق والشام والحجاز. وأخذ عن كثير من علماء الأقطار الثلاثة. وكان يعيش من العمل بالحصاد وحفظ البساتين والحمل والطحن ويشترك مع الغزاة في قتال الروم. وجاءه إلى المصيصة (من أرض كيليكيا) عبد لأبيه يحمل إليه عشرة آلاف درهم ويخبره أن أباه قد مات في بلخ وخلف له مالا عظيما، فأعتق العبد ووهبه الدراهم ولم يعبأ بمال أبيه. وكان يلبس في الشتاء فروا لا قميص تحته ولا يتعمم في الصيف ولا يحتذي، يصوم في السفر والإقامة، وينطق بالعربية الفصحى لا يلحن. وكان إذا حضر مجلس سفيان الثوري وهو يعظ أوجز سفيان في كلامه مخافة أن يزل. أخباره كثيرة وفيها اضطراب واختلاف في نسبته ومسكنه ومتوفاه. ولعل الراجح أنه مات ودفن في سوفنن (حصن من بلاد الروم) كما في تاريخ ابن عساكر. وفي المكتبة الظاهرية بدمشق (سيرة السلطان إبراهيم ابن أدهم - خ) قصة عامية.  وروى عنْ جماعة من التابعين كأبي إسحاق السبيعي، وأبي حازم، توفّي بالجزيرة، وحمل إلى صور فدفن هناك. ينظر: المنتظم في تاريخ الملوك والامم / باب، 849 ابراهيم بن ادهم / 8 / 240 ، والبداية والنهاية / باب ابراهيم بن ادهم / 10 / 135.  - الأعلام للزركلي.

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي