آنوك بن محمد بن قلاوون سيف الدين

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

آنوك بن محمد بن قلاوون سيف الدين

تعريف وتراجم لـ آنوك بن محمد بن قلاوون سيف الدين

آنُوْك بألف ممدودة مفتوحة، ونون مضمومة، وواو ساكنة، وكاف: ابن محمد بن قلاوون هو سيف الدين ابن السلطان الملك الناصر ابن الملك المنصور من الخوندة طُغَاي الآتي ذكرها في مكانه إن شاء الله تعالى.

لم يكن عند أبيه أعزُّ منه على كَثرة أولاده، وهو أحسنُ الإخوة، كان أخوه الناصر أحمد والمنصور أبو بكر وإبراهيم أكبر سناً منه، وهو وحده أمير مئة مقدَّم ألف، والباقون أمراء أربعين، وكان يحمل رَنْك جَدِّه المنصور.

وزوّجه السلطان وهو ابن عَشر سنين أو دونها بنت الأمير سيف الدين بَكْتُمر الساقي، وكان له عُرس عظيمٌ ليلة الجمعة حادي عشر شعبان سنة اثنتين وثلاثين وسبع مئة حَضَرَهُ الأمير سيف الدين تنكز نائب الشام، والأمير سيف الدين طَيْنال نائب طرابلس فيما أظن، ونصبَ الأمير سيف الدين قوصون صاريَيْن في الرحَبة قدّام الإيوان، عليهما أنواعٌ من الصور والبارود والنفط غَرِمَ عليهما ثلاثين ألف درهم، واجتمع الشمع بالنهار في الإيوان من قبل الظهر، وعُرض على السلطان وهو جالسٌ على باب القصر على المصطبة الواحدة، وآنوك على المصطبة الأخرى، وإذا عَرَض الأمير الشمع المختصّ به باس الأرض وباس يدَ السلطان ثم يبوس يد آنوك فُعِل ذلك أربع خَمْسَ مِرار، ثم مَنَعَ السلطان من بوس يد آنوك، ولم يزل الشمع يُعرَض إلى بعد المغرب، ولم يكمل عَرضُه، وكان مهمّاً عظيماً.

ورأيتُ أنا أبا العَروس وهو الأمير سيف الدين بَكْتُمر الساقي وقد شدَّ وسْطَه وفي يده عصا، لا لأنه أبو العروس، بل لأنه عرسُ ابن أستاذه، ورأيت الجَهاز لمّا حُمل من دار أبي العُروس التي على بِرْكة الفيل ممدوداً على رُؤوس الحمّالين، وكان ثماني مئة حَمّال وستة وثلاثين قطاراً، غير الحُليّ والمصاغ والجواهر، وسيأتي ذكر ذلك في ترجمة بَكْتُمر في حرف الباء. ولمّا صمدوا الشُّوار المذكور دخل السلطان ورآه فما أعجبه، وقال: أنا رأيت شُوار بنت سُلاّر وهو أكثر من هذا وأحسَنُ، على أن هذا يا أمير ما يقابل بن آنوك، والتفت إلى الأمير سيف الدين طُقُزْتُمر والأمير سيف الدين أقْبُغا وقال: جهّزا بنتيكما، ولا تتخاسّا مثل الأمير.

قلت: أخبرني المهذّب كاتب بكتمر أن الذهب الذي دخل في الزَّركش والمصاغ ثمانون قنطاراً، يعني بالمصري، وكان القاضي شرف الدين ناظر الخاص كاتب آنوك، والأمير سيف الدولة ألطُنْقُش أُستادار السلطان أستاذ داره.

وأخبرني من لفظه شرف الدين النشّو ناظر الخاص قال: الذي تحت يدي لسيدي آنوك، ويد خزنداره ست مئة ألف دينار غير ماله تحت يدي من المتاجر في جميع الأصناف.

وكان إخوته الكبار يركبون وينزلون في خدمته ويخلع عليهم ويعطيهم.

وُصِفَ له ابن قيران الأعمى وهو من أهل القاهرة يلعب الشطرنج عاليَة، فعجب منه وأحضره ولعب قدامه فأعجبه وأثنى عليه، فقال له يا خوند: لأي شيء ما تلعب الشطرنج؟ فقال: الملوك ما يصلح لهم الشطرنج حسام الدين لاجين ما قُتل إلاّ وهو يلعب الشطرنج.

وكان كثير الميل إلى اقتناء الأبقار والأغنام والإوز والبط، وما أشبه ذلك. سمعته وهو يقول لمجد الدين رزق الله أخي النشّو: والله يا رزق الله أنا أحبّ البقر أكثر من الخيل.

وكان كثيرَ الحركة سريعَ التنقُّل ما له قرارٌ على الأرض ولا لبْثٌ، وجُدّر فتغيّرت محاسنُه.

وتوفي قبل والده بما يقارب نصف سنة، ووَجِد عليه وَجْداً كثيراً وذلك في سنة أربعين وسبع مئة.

وكان رحمه الله تعالى ذا صورة تروي الأقمارُ المحاسن عنها، ويستمد النهارُ ضياءَه منها، لم ترَ عيني مثلَ حلاوة عينه المجذّبة ولا مثلَ امتداد حواجبه المقوسة - واحتجت لأجل السجع أن أقول: المحدَّبة - ولا وقع ناظري على مثله في أولاد الأتراك، ولا دارت في عصره على مثله الأفلاك، كأنّ محاجره أثَرُ ظُفر في تفاحة، ونَكْهَتَه شَذا زهرات نفّاحة، يَبْسم عن دُرٍّ صَدفُه مَرْجان، ويسيل سالفه مسكاً ضمّه من كافور خديه مَرْجان. إذا خطا قلت: هذا غصنُ بان، يميس من أردافه على كثبان، تعلوه مهابة الملك وبهاؤه، وتلوحُ عليه عظمته - على صغر سنه - وسناؤه، هذا إلى شكل قد أتم الله خَلْقَه، وزيّنه لمّا لطّف خَلقهْ.

كان جسمه من الزَّبد مجمَّد، وكمال جماله مَنْ رآه صلى على محمد، رأيته ليلةً وقد أمر السلطان للنشّو أن يَعمَل له مولداً للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ويجمعَ له الفقراء بعد الختم في جامع القلعة فصنع له ذلك وجاءت مشايخ الصوفية، وعملوا سماعاً على باب دور السلطان، والنشّو واقف، وذلك في شهر ربيع الأول سنة ثمان وثلاثين وسبع مئة، ووقف أقبغا عبد الواحد وألطنقش الأُستاذ دار في خدمته طول تلك الليلة، ودخل هو ورقَص، وحكاه البدرُ فزاد والبَدر نَقَص، ما خطر إلا وبانت خَجْلَةُ الأغصان، ولا تَثَنّى إلاّ وقُلتُ: هذا قضيب النقا وأوراقه القُمصان، ورقص إخوته جُملةً معه. ونظرهم الناس فقالوا: هذه كواكب السماء مجتمعة، ولم يَنَم تلك الليلة فرحاً بما رآه، ولا استقر على الأرض لِمَا فارقه من الحجر علي ونآه.

وخلَع في تلك الليلة على جماعة المغاني والذين قرؤوا القرآن والسبع المثاني، ونقّط بجمل من الذهب، وفاق الريح لما جاء ووَهَبْ، وكانت ليلة ما عهد الناس مثلها في عصرهم ولا رأوه لك الوقت في مصرهم. ولكنه تجدّر قبل موته بقليل، وتحدّر ذاك الحبّ اللؤلؤي على خدّه الأسيل. فأطلع الله النجوم على صفحة البدر، وضمّ ذاك الجوهر على وجهه وكأنه حليّ نثر في صدر، فغَيَّرتْ من محاسنه شيئاً، ونسخت من ظلها فيئاً، ولكن معالم جماله كما هِيْ، وتخاطيط وجهه للشموس والأقمار تضاهي. ولمّا توفي رحمه الله تعالى وَجد أبوه عليه وَجْداً عظيماً، وكتم حزنه وأسفه عليه حتى راح كظيماً، ونثر عليه عِقدَ دموعٍ كان في عينيه نظيماً.

وقلت أنا فيه:

مضيتَ وكنتَ للدنيا جَمالاً ... وجَرّعْتَ الكواكبَ فيك فَقْدَكْ

ومنْ عَجَب الليالي فيك أن لا ... يموت أبوك يا آنوك بَعْدَكْ

وكان ذلك منّي كِهانة في حقه، ولم يكمل من السنة نصفها حتى لحقَه، وصَرَفه صَرف الزمان فيما احتاج إليه من النفقة.

أعيان العصر وأعوان النصر- صلاح الدين خليل بن أيبك الصفدي (المتوفى: 764هـ).

 

 

آنوك بن مُحَمَّد بن قلاون سيف الدّين ابْن النَّاصِر ابْن الْمَنْصُور ولد فِي رَجَب سنة 23 وَنَشَأ جميلاً إِلَى الْغَايَة فَأمره أَبوهُ مائَة وَقدمه على إخْوَته وهم أسن مِنْهُ مثل أبي بكر وَإِبْرَاهِيم وَأحمد فَكَانُوا أربعينات وزوجه بنت بكتمر وَكَانَ عرسه مُعظما جدا وَكَانَ الجهاز على ثَمَانمِائَة جمل وَسِتَّة وَثَلَاثِينَ قطاراً من البغال وَذكر الْمُهَذّب كَاتب بكتمر أَن الذَّهَب الَّذِي وجد فِي الزركش والمصاغ ثَمَانُون بالقنطار الْمصْرِيّ وَمَعَ ذَلِك فَلَمَّا رَآهُ السُّلْطَان فَلم يُعجبهُ فَقَالَ رَأَيْت شوار بنت سلار أحسن من هَذَا وَأكْثر وَمثل هَذَا مَا يُقَابل بِهِ آنوك والتفت إِلَى طقزدمر وآقبغا فَقَالَ لَهما جهزا ابنتيكما وَلَا تتباخلا كَمَا صنع بكتمر وأتفق أَن آنوك أحب مغنية يُقَال لَهَا زهرَة فَبلغ السُّلْطَان فَأمر بمنعها مِنْهُ فَمَرض وَكَاد يتْلف إِلَى أَن أغضى عَنهُ أَبوهُ وساءه مَا صنع وَخرج عَلَيْهِ ليضربه فحمته أمه مِنْهُ فحصلت لَهُ من ذَلِك رَجْفَة فَكَانَت سَبَب ضعفه وَاسْتمرّ إِلَى أَن مَاتَ وَكَانَ كثير الْحَرَكَة وتجدر قبل مَوته بِقَلِيل وَمَات فِي ربيع الأول سنة 740 وَوجد عَلَيْهِ أَبوهُ وجدا عَظِيما واستمرت أمه تعْمل على قَبره فِي كل لَيْلَة جُمُعَة ختمة بالناصرية بَين القصرين وَوجد لَهُ تَحت يَد خازنداره سِتّمائَة ألف دِينَار سوى أَصْنَاف المتاجر والغلال وَكَانَ يحب اقتناء الْبَقر والإوز والبط

-الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة لابن حجر العسقلاني-

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي