يوميات هارب من الجندية ..

من موسوعة الأدب العربي
مراجعة ١٥:٤٢، ٢ أكتوبر ٢٠٢١ بواسطة imported>Al-Adab
(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى:تصفح، ابحث

أبيات قصيدة يوميات هارب من الجندية .. لـ نزار قباني

1
أعذريني ..
إن توقفتُ عن العشق ،
وأغمدت سيوفي العربية …
لم تعد عندي الشهية ..
كي أحب امرأة أخرى ..
وأفنى مرة أخرى
على جمر الشفاه البدوية ..

2
واعذريني .. مرة ثانية
إن تلعثمت قليلاً
وأنا أتلو صلاتي ، وفروضي المدرسية .
لم يعد يمكن أن أطعمك التفاح .. واللوز ..
وأحصي عدد الشامات ..
فوق الظهر .. والبطن .. وكثبان الرمال الساحلية ..
لم يعد يمكنني ..
أن أقرأ الشعر على سجادة النهدين ..
ليلاً ونهاراً ..
بعدما أنهيت يا سيدتي
خدماتي العسكرية !! ..

3
واعذريني .. مرة ثالثة .
لم يعد في العمر عمر
كي ألم الزغب الناعم عن جسم رباب .
وألم الكحل عن عيني بهية .
لم يعد في العمر ما يكفي ، لأبقى ساهراً
أشعل الشمع بأعماق العيون الفاطمية .
إنني آخر نافورة ماء
تتهجى اللغة الأندلسية ..
وأنا آخر سيف ذهبي
في الفتوح الأموية !! .

4
واعذريني .. مرة رابعة .
إن رفضت الشغل بالسخرة ، يا سيدتي .
ورفضت المسرحية .
لم يعد يمكنني أن ألعب الدور الدرامي الذي ألعبه
منذ خمسين سنة ..
لم يعد يمكنني أن أقرأ النص الذي أحفظه
منذ خمسين سنة ..
لم يعد يمكنني التجريب
في الحب .. وفي الجنس .. وفي الشعر ..
وفي كل الشؤون العاطفية !! ..

5
واعذريني .. مرة خامسة .
لم يعد يمكنني أن أتعرى دون إحساس ..
ولا تأجير صوتي دون إحساس ..
ولا تأجير جسمي دون إحساس ..
ولا تعليق أشعاري على خيمة ليلى العامرية !! .

6
سقطت مملكة العشق التي عمرتها .
فأنا الآن على المسرح وحدي .
ملك دون رعية …
لم يعد يمكنني إخضاع نهد واحد ..
لاجتهاداتي التي لا تنتهي …
وحماقاتي التي لا تنتهي ..
ونموري الورقية …

7
لم يعد يمكنني أن أفعل الحب .. بلا حب ..
ولا أن أكتب الشعر .. بلا شعر ..
ولا أن أتسلى برنين الكلمات المعدنية ..
هل من الممكن ، يا سيدتي ، أن تعشقيني
وأنا من غير تاريخ .. ومن غير هوية ..
فضعي الشال على صدرك .. كي لا تبردي
فأنا أخجل من تقبيل ثغر المجدلية !! …

8
اجلسي إن شئت .. أو لا تجلسي ..
لم يعد جسمك عنواناً كبيراً .. أو قضية ..
اخلعي ثوبك .. أو لا تخلعي ..
لم أعد أهتم في جمع التماثيل ..
ولا جمع الفراشات .. ولا جمع المليحات ..
ولا جمع الأواني الخزفية !! .

9
أنبيذ أحمر؟ . أم نبيذ أبيض ؟
لم يعد يسكرني شيء .. ولا يطربني شيء .. ولا
يدهشني شيء ..
فصبي ما تريدين بكأسي ..
ضعفت ذاكرة الألوان عندي .
فأنا لا أعرف الفارق ما بين العيون الزرق ..
أو بين العيون العسلية …
إنني أخلط دوماً بين أسماء حبيباتي
فكم ناديتُ في الأحلام ليلى :
فأجابتني سمية …

10
واقفاً عند مهب الريح وحدي .
رافضاً أصلي ، وفصلي ، وجذوري القبلية ..
من أنا في زمن لم يستطع مضغ خيط واحد من كبريائي ؟؟
هل تراني رائداً ؟ . أم محدثاً ؟ . أم كاشفاً ؟
أم تراني شاعراً من شعراء الجاهلية ؟؟

11
واقفاً ما بين نهديك .. ولا من ملجأ ..
تحت أمطار الشتاء الهمجية ..
لغتي خائفة من نفسها .
ويدي باحثة عن يدها .
فعلى أي مقام سأغني ؟
وأنا ضيعت نفسي .. وصديقاتي ..
وبيتي .. وعناويني ..
وضيعت الحروف الأبجدية !! ..
إنني أتركك الآن بحفظ الله .. يا سيدتي .
تاركاً خلفي رمادي .. ودخاني .. وثيابي المسرحية ..
انتهت حربي التي أعلنتها
باسم آلاف الجميلات ..
وأغلقت ملفات القضية !! .

عن نزار قباني

نزار قباني (1342 - 1419 هـ / 1923 - 1998 م) شاعر سوري معاصر من مواليد مدينة دمشق.

تعريفه من ويكيبيديا

نزار بن توفيق القباني (1342 - 1419 هـ / 1923 - 1998 م) دبلوماسي وشاعر سوري معاصر، ولد في 21 مارس 1923 من أسرة عربية دمشقية عريقة. إذ يعتبر جده أبو خليل القباني من رائدي المسرح العربي. درس الحقوق في الجامعة السورية وفور تخرجه منها عام 1945 انخرط في السلك الدبلوماسي متنقلًا بين عواصم مختلفة حتى قدّم استقالته عام 1966؛ أصدر أولى دواوينه عام 1944 بعنوان "قالت لي السمراء" وتابع عملية التأليف والنشر التي بلغت خلال نصف قرن 35 ديوانًا أبرزها "طفولة نهد" و"الرسم بالكلمات"، وقد أسس دار نشر لأعماله في بيروت باسم "منشورات نزار قباني" وكان لدمشق وبيروت حيِّزٌ خاصٌّ في أشعاره لعلَّ أبرزهما "القصيدة الدمشقية" و"يا ست الدنيا يا بيروت". أحدثت حرب 1967 والتي أسماها العرب "النكسة" مفترقًا حاسمًا في تجربته الشعرية والأدبية، إذ أخرجته من نمطه التقليدي بوصفه "شاعر الحب والمرأة" لتدخله معترك السياسة، وقد أثارت قصيدته "هوامش على دفتر النكسة" عاصفة في الوطن العربي وصلت إلى حد منع أشعاره في وسائل الإعلام.—قال عنه الشاعر الفلسطيني عز الدين المناصرة : (نزار كما عرفته في بيروت هو أكثر الشعراء تهذيبًا ولطفًا).

على الصعيد الشخصي، عرف قبّاني مآسي عديدة في حياته، منها مقتل زوجته بلقيس خلال تفجيرٍ انتحاري استهدف السفارة العراقية في بيروت حيث كانت تعمل، وصولًا إلى وفاة ابنه توفيق الذي رثاه في قصيدته "الأمير الخرافي توفيق قباني". عاش السنوات الأخيرة من حياته مقيمًا في لندن حيث مال أكثر نحو الشعر السياسي ومن أشهر قصائده الأخيرة "متى يعلنون وفاة العرب؟"، وقد وافته المنية في 30 أبريل 1998 ودفن في مسقط رأسه، دمشق.

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي