مع صديقة في كافيتريا

من موسوعة الأدب العربي
مراجعة ١٤:٤٢، ٢ أكتوبر ٢٠٢١ بواسطة imported>Al-Adab
(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى:تصفح، ابحث

أبيات قصيدة مع صديقة في كافيتريا لـ نزار قباني

1
ومن بعد خمسين عاما
دخلت وإياك أرض الشتات
دخلنا إلى زمن عربي
تخاف به الكلمات من الكلمات
حقائبنا سرقت في الطريق
فليس لدينا شطيرة خبز
وليس لدينا شطيرة حب
وليس لدينا قميص من الصوف نلبسه
حين يأتي الشتاء
وليس لدينا كلام جميل
وليس لدينا شفاه .. ولا مفردات

2
… ومن بعد خمسين عاما
أحس بأني أسافر ضد البلاد
وضد الكلام
وضد اللغات
قد احترق الوطن الآن ..
واحترق البحر , والشعر , والنثر
واحترقت أجمل الأغنيات
وأصبحت ِ أنت البديل ..
وأصبحت ِ أنت النخيل ..
وأصبحت ُ أقرأ في شفتيك ِ..
كتاب الطفولة والذكريات

3
ومن بعد خمسين عاما
أجيئك , مثل العصافير , من غير ريش
ومن غير صوت ..
لكي أتعلم منك البكاء
ومن بعد خمسين عاما
أحاول أن أتذكر كيف أحب النساء
وأن أتذكر شكل الأنوثة فيك ِ..
وعطر السفرجل ..
والكستناء ْ..
وكيف أقدم للسيدات ولائي
وكيف أؤدي لهن فروض الصلاة ..
دعيني أحبك ..
كي أتبارك ..
كي أتماسك ..
كي أتجمع من بعد هذا الشتات
دعيني أحبك ..
حتى أحول بالحب مجرى الحياة …

4
قد انفجر الوطن الآن َ ..
أي الدروب سنسلك ليلا ؟
وقد لغموا منزل الله ..
باعوا ثياب الرسول ..
وباعوا الصباح , وباعوا المساء
قد انفجر الوطن الآن ..
ماذا سنكتب ؟
إن أصابعنا من زجاج
وإن قصائدنا من زجاج
فهل دخل الشعر أيضا
زمان الشتات؟

5
هم أعدموا قمر الليل شنقا
فماذا سنفعل بعد اغتيال القمر؟
وهم أحرقوا شجر الورد والياسمين
فماذا سنلبس بعد احتراق قميص الشجر؟
وهم طعنوا بالخناجر كل الغيوم
فكيف سيأتي إلينا المطر؟
وهم أوقفوا الريح كي لا تمر علينا
فصرنا نسافر في عربات الغجر
وهم صادروا أدوات الكتابة منا
فصرنا نطرز أسماءنا في الحجر …

6
قد احترق الوطن الآن ..
ماذا سأفعل ؟
حتى أصحح هندسة العشق
ماذا سأفعل ؟
حتى أرمم هذا الخراب الكبير
الذي يتراكم تحت جفونك ِ..
ماذا سأفعل ؟
حتى أحرر نهديك ِ من عقدة الخوف ..
حتى أعيد إلى حلمتيك الثبات ؟؟

7
أيا امرأة ً ..
تستحم بماء المرايا
عليكِ السلام ُ
عليك السلام ْ
أحبك ِ ..
أكثر من أي يوم مضى ..
وأعنف من أي يوم مضى ..
وأشرس من أي يوم مضى ..
وأغمد ظفري
بلحمك أنت .. ولحم السماء ْ ..
أحاول أن أتمسك بالخصر حينا ً
وبالعنق حينا
وبالناهد المتشاوف حينا
وبالزغب المتناثر ..
مثل الحشيش الربيعي .. حينا ..
ولا أتنازل عن شهواتي
فتلك غريزة ُ حفظ البقاء ْ

8
… ومن بعد خمسين عاما
أراك بمقهى صغير هنا ..
عند بحر الشمال ْ
فنجلس مثل النوارس ِ , بعد الضياع الطويل ْ
و ننزف بين السؤال وبين السؤال
أحبك حيث تكونين َ..
يا أكثر َ السيدات شحوبا
ويا أكثر السيدات هدوءا
ويا أكثر السيدات انكسارا وحزنا
ويا آخر الشعر في دفتر البرتقال ْ

9
أحبك .. يا من على شفتيها
تلوح قلوع .. وتطوى قلوع
وتأتي بلاد .. وتمضي بلاد
أحبك ِ
يا امرأة كحمام الكنائس ،
يا لغة من رخام , وورد , وماء
أحبك ِ ..
يا امرأة تتجمع كل نهور الأنوثة فيها ..
وتسكن فيها جميع النساء ْ …

10
دعيني أحبك ِ..
كي أتخلص من فائض الحزن في داخلي
وكي أتحرر من زمن القبح والظلمات ْ
دعيني أنام بجوف يديك ِ قليلا
أيا أعذب الكائنات ْ
فبالحب , يمكنني أن أغير هندسة الكون ِ..
يمكنني أن أقاوم هذا الشتات …

عن نزار قباني

نزار قباني (1342 - 1419 هـ / 1923 - 1998 م) شاعر سوري معاصر من مواليد مدينة دمشق.

تعريفه من ويكيبيديا

نزار بن توفيق القباني (1342 - 1419 هـ / 1923 - 1998 م) دبلوماسي وشاعر سوري معاصر، ولد في 21 مارس 1923 من أسرة عربية دمشقية عريقة. إذ يعتبر جده أبو خليل القباني من رائدي المسرح العربي. درس الحقوق في الجامعة السورية وفور تخرجه منها عام 1945 انخرط في السلك الدبلوماسي متنقلًا بين عواصم مختلفة حتى قدّم استقالته عام 1966؛ أصدر أولى دواوينه عام 1944 بعنوان "قالت لي السمراء" وتابع عملية التأليف والنشر التي بلغت خلال نصف قرن 35 ديوانًا أبرزها "طفولة نهد" و"الرسم بالكلمات"، وقد أسس دار نشر لأعماله في بيروت باسم "منشورات نزار قباني" وكان لدمشق وبيروت حيِّزٌ خاصٌّ في أشعاره لعلَّ أبرزهما "القصيدة الدمشقية" و"يا ست الدنيا يا بيروت". أحدثت حرب 1967 والتي أسماها العرب "النكسة" مفترقًا حاسمًا في تجربته الشعرية والأدبية، إذ أخرجته من نمطه التقليدي بوصفه "شاعر الحب والمرأة" لتدخله معترك السياسة، وقد أثارت قصيدته "هوامش على دفتر النكسة" عاصفة في الوطن العربي وصلت إلى حد منع أشعاره في وسائل الإعلام.—قال عنه الشاعر الفلسطيني عز الدين المناصرة : (نزار كما عرفته في بيروت هو أكثر الشعراء تهذيبًا ولطفًا).

على الصعيد الشخصي، عرف قبّاني مآسي عديدة في حياته، منها مقتل زوجته بلقيس خلال تفجيرٍ انتحاري استهدف السفارة العراقية في بيروت حيث كانت تعمل، وصولًا إلى وفاة ابنه توفيق الذي رثاه في قصيدته "الأمير الخرافي توفيق قباني". عاش السنوات الأخيرة من حياته مقيمًا في لندن حيث مال أكثر نحو الشعر السياسي ومن أشهر قصائده الأخيرة "متى يعلنون وفاة العرب؟"، وقد وافته المنية في 30 أبريل 1998 ودفن في مسقط رأسه، دمشق.

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي