درس في الرسم

من موسوعة الأدب العربي
مراجعة ٠١:٢٤، ٢٠ يونيو ٢٠٢٢ بواسطة Adab (نقاش | مساهمات) (اضافة تصنيف)
(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى:تصفح، ابحث

أبيات قصيدة درس في الرسم لـ نزار قباني

1
يَضَعُ إبني ألوانه أَمامي
ويطلُبُ مني أن أرسمَ لهُ عُصْفُوراً..
أغطُّ الفرشاةَ باللون الرماديّْ
وأرسُمُ له مربَّعاً عليه قِفْلٌ.. وقُضْبَانْ
يقولُ لي إبني، والدَهْشَةُ تملأ عينيْه:
".. ولكنَّ هذا سِجْنٌ..
ألا تعرفُ ، يا أبي ، كيف ترسُمُ عُصْفُوراً؟؟"
أقول له: يا وَلَدي.. لا تُؤاخذني
فقد نسيتُ شكلَ العصافيرْ...

2
يَضَعُ إبني عُلْبَةَ أقلامِهِ أمامي
ويطلُبُ منّي أن أرسمَ له بَحْراً..
آخُذُ قَلَمَ الرصاصْ،
وأرسُمُ له دائرةً سَوْدَاءْ..
يقولُ لي إبني:
"ولكنَّ هذه دائرةٌ سوداءُ، يا أبي..
ألا تعرفُ أن ترسمَ بحراً؟
ثم ألا تعرفُ أن لونَ البحر أزْرَقْ؟.."
أقولُ له: يا وَلَدي.
كنتُ في زماني شاطراً في رَسْم البِحارْ
أما اليومَ.. فقد أخذُوا مني الصُنَّارةَ
وقاربَ الصيد..
وَمَنَعُوني من الحوار مع اللون الأزرقْ..
واصطيادِ سَمَكِ الحرّية.

3
يَضَعُ إبني كرّاسَةَ الرَسْم أمامي..
ويطلبُ منّي أن أرسُمَ له سُنبُلَة قَمحْ.
أُمْسِكُ القلم..
وأرسُمُ له مسدَّساً..
يسخرُ إبني من جهلي في فنّ الرسمْ
ويقولُ مستغرباً:
ألا تعرف يا أبي الفرقَ بين السُنْبُلَةِ .. والمُسدَّسْ؟
أقولُ يا وَلَدي..
كنتُ أعرف في الماضي شكْل السنبلَهْ
وشَكْلَ الرغيفْ
وشَكْلَ الوردَهْ..
أما في هذا الزمن المعدنيّ
الذي انضمَّت فيه أشجارُ الغابة
إلى رجال الميليشْيَاتْ
وأصبحت فيه الوردةُ تلبس الملابسَ المُرقَّطَهْ..
في زمن السنابلِ المسلَّحهْ
والعصافيرِ المسلَّحهْ
والديانةِ المسلّحهْ..
فلا رغيفَ أشتريه..
إلا وأجدُ في داخله مسدَّساً
ولا وردةً أقطفُها من الحقل
إلا وترفع سلاحَها في وجهي
ولا كتابَ أشتريه من المكتبهْ
إلا وينفجر بين أصابعي...

4
يجلسُ إبني على طرف سريري
ويطلُبُ مني أن أسمعَهُ قصيدَهْ
تسْقُطُ مني دمعةٌ على الوسادَهْ
فيلتقطها مذهولاً.. ويقول:
" ولكنَّ هذه دمعةٌ ، يا أبي ، وليست قصيدَهْ".
أقولُ له:
عندما تكبُرُ يا وَلَدي..
وتقرأُ ديوانَ الشعر العربيّْ
سوفَ تعرفُ أن الكلمةَ والدمعةَ شقيقتانْ
وأن القصيدةَ العربيّهْ..
ليستْ سوى دمعةٍ تخرجُ من بين الأصابعْ..

5
يضعُ إبني أقلامَهُ ، وعلبةَ ألوانه أمامي
ويطلب منّي أن أرسمَ له وَطَناً..
تهتزُّ الفرْشَاةُ في يدي..
وأَسْقُطُ باكياً...

عن نزار قباني

نزار قباني (1342 - 1419 هـ / 1923 - 1998 م) شاعر سوري معاصر من مواليد مدينة دمشق.

تعريفه من ويكيبيديا

نزار بن توفيق القباني (1342 - 1419 هـ / 1923 - 1998 م) دبلوماسي وشاعر سوري معاصر، ولد في 21 مارس 1923 من أسرة عربية دمشقية عريقة. إذ يعتبر جده أبو خليل القباني من رائدي المسرح العربي. درس الحقوق في الجامعة السورية وفور تخرجه منها عام 1945 انخرط في السلك الدبلوماسي متنقلًا بين عواصم مختلفة حتى قدّم استقالته عام 1966؛ أصدر أولى دواوينه عام 1944 بعنوان "قالت لي السمراء" وتابع عملية التأليف والنشر التي بلغت خلال نصف قرن 35 ديوانًا أبرزها "طفولة نهد" و"الرسم بالكلمات"، وقد أسس دار نشر لأعماله في بيروت باسم "منشورات نزار قباني" وكان لدمشق وبيروت حيِّزٌ خاصٌّ في أشعاره لعلَّ أبرزهما "القصيدة الدمشقية" و"يا ست الدنيا يا بيروت". أحدثت حرب 1967 والتي أسماها العرب "النكسة" مفترقًا حاسمًا في تجربته الشعرية والأدبية، إذ أخرجته من نمطه التقليدي بوصفه "شاعر الحب والمرأة" لتدخله معترك السياسة، وقد أثارت قصيدته "هوامش على دفتر النكسة" عاصفة في الوطن العربي وصلت إلى حد منع أشعاره في وسائل الإعلام.—قال عنه الشاعر الفلسطيني عز الدين المناصرة : (نزار كما عرفته في بيروت هو أكثر الشعراء تهذيبًا ولطفًا).

على الصعيد الشخصي، عرف قبّاني مآسي عديدة في حياته، منها مقتل زوجته بلقيس خلال تفجيرٍ انتحاري استهدف السفارة العراقية في بيروت حيث كانت تعمل، وصولًا إلى وفاة ابنه توفيق الذي رثاه في قصيدته "الأمير الخرافي توفيق قباني". عاش السنوات الأخيرة من حياته مقيمًا في لندن حيث مال أكثر نحو الشعر السياسي ومن أشهر قصائده الأخيرة "متى يعلنون وفاة العرب؟"، وقد وافته المنية في 30 أبريل 1998 ودفن في مسقط رأسه، دمشق.

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي