إلى امرأة تحت الصفر …

من موسوعة الأدب العربي
مراجعة ١٥:٤٢، ٢ أكتوبر ٢٠٢١ بواسطة imported>Al-Adab
(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى:تصفح، ابحث

أبيات قصيدة إلى امرأة تحت الصفر … لـ نزار قباني

1
باردٌ حبكِ .. كالقطب الشمالي
فلا تستغربي مني برودي ..
باردٌ عقلك .. كالنصل النحاسي
فلا تبكي بروقي ، ورعودي .
لم أعد أعرف من أنت ..
بعلم الكيمياء ؟
مِن نحاس أنت .. أم من خشب ..
أم من حديد ؟
فاعذريني ، إن تمردتُ على أمر الهوى
فأنا لا أصنع الحب بتاريخي
على لوح جليد !! ..

2
كل شيء فيك ، تحت الصفر ، يا سيدتي .
من أعالي الرأس ، حتى القدمين ..
من روابي النهد ، حتى الركبتين ..
كل ما تبصره عيني ..
قماشٌ .. وخِرَق ..
كل ما تلمسه كفي
فتافيت ورق …
كل شيء في كواليس الهوى
باهتٌ .. أو شاحب .. أو كاذب ..
أو بين بين …

3
أبيضٌ صوتك كالثلج ..
وإني أكره الثلج الذي
يسقط من صوت النساء ..
أكره الصوت الحيادي الذي
ليس في أوتاره حب ولا كره ..
ولا غيم ولا صحو ..
ولا موج ولا بحر ..
ولا برق ولا رعد ..
ولا بحة مزمار ..
ولا قطرة ماء …

4
مضجرٌ صوتك ، يا سيدتي ، حتى العَيَاء ..
فهو منفى آخرٌ ..
واغترابٌ آخرٌ ..
ورحيل آخر دون رجاء .
وأنا أرجف من بردي ، ومن خوفي ،
ومن شدة إحباطي ..
ولا أدري إلى أين المصير ؟

5
مالحٌ صوتك ، يا سيدتي .
فهو لا يحمل شيئاً من غوايات الأنوثة ..
وارتعاشات الحرير .
وهو لا يصلح للشعر ، ولا يصلح للنثر ..
ولا يوقظ شهواتي .. وشهوات السرير ..
كيف يا سيدتي أكتب شِعراً ..
تحت هذا الزمهرير ؟؟

6
افتحي ثلاجة الحب ..
التي عشتُ كأسرى الحرب فيها
منذ أعوام طويلة ..
فأنا اشتقتُ إلى جسمي .. إلى صوتي .. إلى حريتي ..
وإلى رائحة الأنثى .. وإحساس الرجولة ..
وإلى العشب الذي كان يغطي جسدي ..
وإلى أخبار عفراء ولبنى ..
وإلى ورد الشفاه المستحيلة ..
وإلى الشِعر الذي علـَّقته ..
قمراً من فضة ..
في سماوات القبيلة …

7
أرجعي لي .. وجع الإبداع يا سيدتي
والأعاصير التي كانت تغني في عيوني .
أرجعي لي قلقي .
وانسكاب العرق .
من مسامات جبيني …
أرجعي كل حماقاتي ..
وثوراتي ..
ونوبات جنوني ..
لن تكوني امرأة يذكرها التاريخ ..
إن لم تشربي
من ينابيع جنوني !! …

8
يا التي تجلس في القطب الشمالي .. على إيوانها .
من ترى يقنعني أنك أنثى .. لا حجر ؟ ..
من ترى يقنعني ؟
أن غاباتك ملأى بالعصافير .. وملأى بالشجر ؟ ..
من ترى يقنعني ؟
أن أعضاءك ترمي في شهور الصيف أنواع الثمر ؟
من ترى يقنعني ؟
أن نهديك يدوران على نفسيهما
مثل دورات القمر ؟؟ .

9
إنني في متحف الشمع .. أنادي في الدهاليز ،
ولا أسمع في أرجائها أي جواب .
أسمعيني جملة واحدة .. قصة واحدة ..
قبليني قبلة واحدة ..
قبل أن أحرق أوراقي .. وبيتي .. وثيابي …

10
يا عروس الشمع .. إني صرتُ شمعاً ..
وأنا أحفر أشعاري على نهديك ليلاً ونهارا .
كلما حاولتُ أن أدخل في أي حوار
في شؤون الحب .. أجهضتِ الحوارا ..
كلما حاولتُ أن أقنع نفسي
أنني أجلس قرب امرأة ..
لم أجد في جانبي إلا جدارا !! .

عن نزار قباني

نزار قباني (1342 - 1419 هـ / 1923 - 1998 م) شاعر سوري معاصر من مواليد مدينة دمشق.

تعريفه من ويكيبيديا

نزار بن توفيق القباني (1342 - 1419 هـ / 1923 - 1998 م) دبلوماسي وشاعر سوري معاصر، ولد في 21 مارس 1923 من أسرة عربية دمشقية عريقة. إذ يعتبر جده أبو خليل القباني من رائدي المسرح العربي. درس الحقوق في الجامعة السورية وفور تخرجه منها عام 1945 انخرط في السلك الدبلوماسي متنقلًا بين عواصم مختلفة حتى قدّم استقالته عام 1966؛ أصدر أولى دواوينه عام 1944 بعنوان "قالت لي السمراء" وتابع عملية التأليف والنشر التي بلغت خلال نصف قرن 35 ديوانًا أبرزها "طفولة نهد" و"الرسم بالكلمات"، وقد أسس دار نشر لأعماله في بيروت باسم "منشورات نزار قباني" وكان لدمشق وبيروت حيِّزٌ خاصٌّ في أشعاره لعلَّ أبرزهما "القصيدة الدمشقية" و"يا ست الدنيا يا بيروت". أحدثت حرب 1967 والتي أسماها العرب "النكسة" مفترقًا حاسمًا في تجربته الشعرية والأدبية، إذ أخرجته من نمطه التقليدي بوصفه "شاعر الحب والمرأة" لتدخله معترك السياسة، وقد أثارت قصيدته "هوامش على دفتر النكسة" عاصفة في الوطن العربي وصلت إلى حد منع أشعاره في وسائل الإعلام.—قال عنه الشاعر الفلسطيني عز الدين المناصرة : (نزار كما عرفته في بيروت هو أكثر الشعراء تهذيبًا ولطفًا).

على الصعيد الشخصي، عرف قبّاني مآسي عديدة في حياته، منها مقتل زوجته بلقيس خلال تفجيرٍ انتحاري استهدف السفارة العراقية في بيروت حيث كانت تعمل، وصولًا إلى وفاة ابنه توفيق الذي رثاه في قصيدته "الأمير الخرافي توفيق قباني". عاش السنوات الأخيرة من حياته مقيمًا في لندن حيث مال أكثر نحو الشعر السياسي ومن أشهر قصائده الأخيرة "متى يعلنون وفاة العرب؟"، وقد وافته المنية في 30 أبريل 1998 ودفن في مسقط رأسه، دمشق.

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي