أدب الندماء ولطائف الظرفاء (كشاجم)/السَّمَاع

من موسوعة الأدب العربي
< أدب الندماء ولطائف الظرفاء (كشاجم)
مراجعة ١٧:٤٩، ٢ سبتمبر ٢٠٢٢ بواسطة Adab (نقاش | مساهمات) (السَّمَاع)
(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى:تصفح، ابحث

السَّمَاع

السَّمَاع - أدب الندماء ولطائف الظرفاء (كشاجم)

- فأمَّا ُ الطيِّبُ فلو اقْتَصَر به عليك داعيك مِنْ دون كُلِّ مأْكولٍ ومشروبٍ لقَضَى حقَّكَ، وأحسنَ تعويضك، ويشهدُ بتحقيق ذلك خَبرُ الرَّاعِي في البيتين الَّلذين سمعَه سامعٌ يتغنَّى بهما وهما:

وَكُنْتُ إِذَا مَا زُرْتُ لَيْلَى بِأَرْضِهَا

أرَى الْأَرْضَ تُطْوَى لِي وَيَدْنُو بَعِيْدُهَا

مِنْ الْخَفِرَاتِ الْبِيْضِ وَدَّ جَلِيْسُهَا

إِذَا مَا قَضَتْ أُحْدُوثَةً لَوْ تُعِيدُهَا

فأَطربَهُ وَأعْجبَهُ، حتّى مَالَ إِليه، فاستعاده فأَعادهما، وقال: والله لو كان عندي قِرىً ما أعدتهما. - وقال آخر:

لِأَبِي جَعْفَرٍ سَمَاعٌ عَجِيْبٌ

جَمَّعَ اللَّهْوَ فِيْهِ وَالإِطْرَابَا

فَالنَّدَامَى بِهِ غَنِيُّونَ عَنْ أَنْ

يَبْتَغِي مطْعَماً لَهُمْ وَشَرَابَا

- وذلك أنَّ الغناءَ شيءٌ يخصُّ النّفسَ دون الجسم فيشغلها عن مصَالِح الجسم، كما أنَّ لذّةَ المأْكولِ والمشروبِ تخص الجسمَ دون النّفس. - وقالت الحكماءُ: الغناءُ فضلة في المنطق أشْكَلتْ على النفس فأخرجَتْهَا ألحانًا.فأَقول: إِنَّها إِلى الأَلحانِ أمْيلُ، إِذ كانت هذه سبيلها أشدّ إِصغاءٍ منها إِلى أن قد تميز لها، وصحّ معناه عندها مِنْ سائِرِ منطقها، حرصاً على معرفة غامضها، وشوقاً إِلى استفتاح منغلقها، وهي إِلى تَعَرُّف ما لم تَعرف أتْوَقُ منها إِلى ما قد عَرَفَتْ. - وكذلك المثلُ العجيبُ والبيتُ النادرُ كلَّما دَقَّ معناه، ولَطُف حتّى يُحْتاجَ إِلى إِخراجه بِغوصِ الفكر عليه، وإِجالةِ الذهنِ فيه كانت النّفسُ بما يَظْهر لها منه أكثرَ التذاذًا، وأشدَّ استماعًا ممّا تَفْهمه في أولِ وَهْلة، ولا يُحتاجُ فيه إِلى نظرٍ وفطنةٍ، وليس إِلاّ لشرفها، وبُعْدِ غَايتها. - وأقول أيضاً: كما أنَّ الأَلحانَ أشرفُ المنظومِ فكذلك النّفسُ الطَرُوب إِليها المستخفّ لها أشرفُ الأَنْفس، وكلُّ ذي ذهنٍ لطيف، ونَفْسٍ فاضلة أحرصُ على السّماعِ، وأحَنُّ إِليه بالمشاكلة. - وكتبتُ إِلى بعضِ مَنْ كان يَزْهدُ في السماعِ:

إِنْ كُنْتَ تُنْكِرُ أنَّ فِي الْ

أَلْحَانِ فَائِدَةً وَنَفْعَا

فَانْظُرْ إِلَى الْإِبِلِ الَّتِي

هِيَ - وِيْكَ - أغْلَظُ مِنْكَ طَبْعَا

تُصْغِي لِأَصْوَاتِ الْحُدَا

ةِ فَتَقْطَعُ الْفَلَوَاتِ قَطْعَا

وَمِنَ الْعَجَائِبِ أنَّهُمْ

يُظْمُونَهَا خَمْسًا وَرَبْعَا

فَإِذَا تَوَرَّدَتِ الْحِيَا

ضَ وَشَارَفَتْ فِي الْمَاءِ كَرْعَا

وَتَشَوَّفَتْ لِلصَّوْتِ مِنْ

حَادٍ تُصِيخُ إِلَيْهِ سَمْعَا

ذَهِلَتْ عَنِ الْمَاءِ الَّذِي

تَلْتَذُّهُ بَرْداً وَنَفْعَا

شَوْقًا إِلَى النَّغَمِ الَّتِي

أطْرَبْنَهَا لَحْنًا وَسَمْعَا

- وَحَقُّ مَنْ أمتعكَ بسماعِهِ، وأشرَكَكَ في أخَصِّ لَذَّاتِهِ وَسَوَّى بينك وبينه في استماعِ نَغَمِهِ مَنْ لعلّه يَغَارُ عليه من ظلِّه، أنْ تجعلَ ثوابَهُ على هذه التّكرمَةِ غَضَّ طرْفِك عن الجهةِ التي تلي السِّتارة، والنّاحيةِ التي تأْتي منها النغمةُ، حتّى لا يكون باطنُ السِّتارة بأَخفى عنك من ظاهرها، ولا تحتاج أن يخرجَ بك الطربُ عن حدِّ الحريةِ والأَدبِ فتلج بالافتراح، وتتحقق بالعلم بالغناءِ، والحذق بالإِعراب فتتَّبع العَثْرة، وتترصَّد الهفوة، فإن سمعت مَجَازًا لحَّنته، وإن مرَّ بك زحافٌ عيَّرته ووزنْتَه، وقد قيل: النصحُ بين الملأ تقريعٌ، ومن قلَّ علمُه كَثُر رَدُّه. - والعربيّةُ أكثرُ من أن يخطئ فيها متكلّم، وأنْفُسُ القيانِ أبيَّة، ومعهنَّ أنفة وحميَّة، فمَن استعملَ معهنَّ هذا فهو أبداً عليهن ثَقيل، وعندهنَّ مقيت، لا يعدم أن تُرَاقبه الواحدةُ وتكايده، فتَعَالل إِنْ حضر، وتعدل عمّا استحسن، فتقطع الصوت عند انتحائه، وتتربص بجيِّد الغناء لانصرافه. - ولبعض أصحابنا في غَضِّ الطَّرْف عن السِّتارة:

إِنِّي عَلَى مَا فِيَّ مِنْ

عَهْدِ الشَّبِيْبَةِ وَالنَّضَارَهْ

لأَغُضُّ مِنْ طَرْفِي وَيَأْ

مَنُنِي النَّدِيْمُ عَلَى السِّتَارَهْ

وَأعَفُّ خَلْقِ اللهِ عَنْ

جَارٍ أُصَافِيْهِ وَجَارَهْ

- وكتبتُ إِلى بعضِ أصدقائِنَا، وكانَ له سماعٌ مطربٌ وغيرةٌ مفرطةٌ:

إِنْ شِئْتَ فَاسْتُرْ عَلَى سَمَاعِكَ أوْ

إِنْ شِئْتَ يَوْمًا فَعَطِّلِ السِّتْرَا

فَإِنَّ عِنْدِي مِنَ الْعَفَافَةِ مَا

تَحْمَدُهُ مَنْظَراً وَمُخْتَبَرَا

أُمْكِنُ أُذْنِي مِنَ ِ وَلَا

أُمْكِنُ ألْحَاظَ عَيْنِيَ النَّظَرَا

^

باب

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي