أنا يا صديقة متعب بعروبتي

من موسوعة الأدب العربي
مراجعة ١٤:٤١، ٢ أكتوبر ٢٠٢١ بواسطة imported>Al-Adab
(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى:تصفح، ابحث

أبيات قصيدة أنا يا صديقة متعب بعروبتي لـ نزار قباني

1
يا تونس الخضراء .. جئتك عاشقاً
وعلى جبيني وردة وكتاب

إني الدمشقي الذي احترف الهوى
فاخضوضرت بغنائه الأعشاب

أحرقت من خلفي جميع مراكبي
إن الهوى أن لا يكون إياب

أنا فوق أجفان النساء مكسر
قطعاً , فعمري الموج والأخشاب

لم أنسَ أسماء النساء .. وإنما
للحسن أسبابٌ , ولي أسباب

يا ساكنات البحر .. في قرطاجة
جف الشذا , وتفرّق الأصحاب

أين اللواتي حبهن عبادة
وغيابهنَّ , وقربهنَّ , عذاب

اللابسات قصائدي ومدامعي
عاتبتهن فما أفاد عتاب

أحببتهن , وهن ما أحببنني
وصدقتهن , ووعدهنَّ كذاب

إني لأشعرُ بالدوار .. فناهد
لي يطمئن .. وناهد يرتاب

هل دولة الحب التي أسستها
سقطت عليَّ .. وسُدت الأبواب

تبكي الكؤوس ، فبعد ثغر حبيبتي
حلفت بأن لا تُسكر الأعناب

أيصدني نهد تعبت برسمه ؟
وتخونني الأقراط والأثواب ؟

ماذا جرى لممالكي وبيارقي ؟
أدعو رباب .. فلا تجيب رباب

أأحاسب امرأة على نسيانها
ومتى استقام مع النساء حساب ؟

ما تُبْتُ عن عِشقي .. ولا استغفرتُهُ
ما أسخف العشاق لو هم تابوا …

2
قمر دمشقي يسافر في دمي
وبلابل .. وسنابل .. وقباب

الفل يبدأ من دمشق بياضُه
وبعطرها تتطيب الأطياب

والماء يبدأ من دمشق .. فحيثما
أسندت رأسك جدول ينساب

والشعر عصفور يمد جناحه
فوق الشام .. وشاعر جواب

والحب يبدأ من دمشق .. فأهلنا
عبدوا الجمال وذوبوه .. وذابوا ..

والخيل تبدأ من دمشق مسارها
وتشد للفتح الكبير ركاب

والدهر يبدأ من دمشق .. وعندها
تبقى اللغات وتحفظ الأنساب

ودمشق تعطي للعروبة شكلها
وبأرضها , تتشكل الأحقاب

3
بدأ الزفاف , فمَن تكون مضيفتي
هذا المساء , ومن هو العراب ؟

أأنا مُغني القصر .. يا قرطاجة
كيف الحضور ؟ وما عليَّ ثياب

ماذا أقول ؟ فمي يفتش عن فمي
والمفردات حجارة وتراب ..

فمآدب عربيةٌ .. وقصائدٌ
همزيَّةٌ .. ووسائدٌ وحُبَاب

لا الكأس تنسينا مساحة حزننا
يوماً .. ولا كلُّ الشراب شراب

من أين يأتي الشعر يا قرطاجةٌ
واللهُ ماتَ .. وعادتِ الأنصابُ

من أين يأتي الشعر ؟ حين نهارنا
قمعٌ ، وحين مساؤنا إرهابُ

سرقوا أصابعنا .. وعطر حروفنا
فبأي شيء يكتب الكُـتـَّاب ؟

والحُكم شرطيٌ يسير وراءنا
سراً .. فنكهة خبزنا استجواب

الشعر .. رغم سياطهم وسجونهم
ملكٌ .. وهم في بابه حُجَّاب ..

4
من أين أدخل في القصيدة يا ترى ؟
وحدائق الشعر الجميل .. خراب

لم يبق في دار البلابل بلبل
لا البحتري هنا .. ولا زرياب

شعراء هذا اليوم , جنسٌ ثالثٌ
فالقول فوضى .. والكلام ضباب

يتكلمون مع الفارغ .. فما هم
عجمٌ إذا نطقوا .. ولا أعراب

اللاهثون على هوامش عمرنا
سيان إن حضروا وإن هم غابوا ..

يتهكمون على النبيذ معتقاً
وهم على سطح النبيذ ذباب

الخمر تبقى , إن تقادم عهدها
خمراً .. وقد تتغير الأكواب

5
مِن أين أدخل في القصيدة يا ترى ؟
والشمس فوق رؤوسنا سرداب

إن القصيدة ليس ما كتبت يدي
لكنها ما تكتب الأهداب ..

نار الكتابة أحرقت أعمارنا
فحياتنا الكبريت والأحطاب

ما الشعر؟ ما وجع الكتابة ؟ ما الرؤى؟
أولى ضحايانا هم الكـُـتــَّاب

يعطوننا الفرح الجميل .. وحظهم
حظ البغايا .. ما لهن ثواب

يا تونس الخضراء .. هذا عالمٌ
يثرى به الأمي .. والنصاب ..

فمن الخليج إلى المحيط .. قبائل
بَطِرَت , فلا فكر ولا آداب

في عصر زيت الكاز .. يطلب شاعر
ثوباً وترفل بالحرير قـِحابُ !!!

6
هل في العيون التونسية شاطيء
ترتاح فوق رماله الأعصاب ؟

أنا يا صديقة متعب بعروبتي
فهل العروبة لعنة وعقاب ؟

أمشي على ورق الخريطة خائفاً
فعلى الخريطة كلنا أغراب ..

أتكلم الفصحى أمام عشيرتي
وأعيد .. لكن ما هناك جواب

لولا العباءات التي التفوا بها
ما كنت أحسب أنهم أعراب ..

يتقاتلون على بقايا تمرة
فخناجر مرفوعةٌ وحرابُ

قبلاتهم عربيةٌ .. مَن ذا رأى

فيما رأى , قــُـبَلاً لها أنياب

7
يا تونس الخضراء .. كأسي علقم
أَعَلَى الهزيمة تـُشربُ الأنخابُ ؟

وخريطة الوطن الكبير فضيحةٌ
فحواجزٌ .. ومخافرٌ .. وكلابُ

والعالم العربيُّ .. إما نعجةٌ
مذبوحةٌ , أو حاكمٌ قصَّابُ

والعالم العربي يرهُنُ سَيْفَهُ
فحكايةُ الشَرَف الرفيع سرابُ

والعالم العربيُّ يخزنُ نفطهُ
في خِصيتيهِ .. وربُّكَ الوهَّابُ

والناسُ قَبْلَ النفط أو من بعده ,
مستنزفونَ , فسادةٌ ودَوَابُ

8
يا تونس الخضراء .. كيف خلاصنا ؟
لم يبق من كُتُب السماء كِتابُ ..

ماتَتْ خيولُ بني أمية كلها
خجلاً .. وظلَّ الصَرْفُ والإعرابُ

فكأنما كتب التراث خرافةٌ
كُبرى ، فلا عمرٌ .. ولا خطَّابُ

وبيارقُ ابن العاص تمسحُ دمعها
وعزيز مصر بالفصام مصاب

مَن ذا يصدقُ أن مصرَ تهودتْ
فمقام سيدنا الحسين يَبَابُ

ما هَذِهِ مصرٌ .. فإن صلاتها
عبريةٌ .. وإمامها كذَّاب

ما هذه مصرٌ .. فإن سماءها
صغُرتْ , وإن نساءها أسلابُ

إنْ جاء كافورٌ .. فكم مِن حاكم
قهر الشعوبَ , وتاجه قبقاب ...

9
بحرية العينين .. يا قرطاجة
شاخ الزمان , وأنتِ بعد شباب

هل لي بعرض البحر نصف جزيرة ؟
أم أن حبي التونسيَّ سرابُ

أنا متعبٌ .. ودفاتري تعبت معي
هل للدفاتر يا ترى أعصاب ؟

حزني بنفسجة يبللها الندى
وضفافُ جرحي روضةٌ مِنعشاب

لا تعذليني .. إنْ كشفتُ مواجعي
وجهُ الحقيقةِ ما عليه نقاب

إنَّ الجنونَ وراء نصف قصائدي
أوليس في بعض الجنون صوابُ ؟

فتحملي غضبي الجميل , فربما
ثارت على أمر السماء هضاب

فإذا صرختُ بوجه مَن أحببتهم
فلكِ يعيش الحب والأحباب

وإذا قسوتُ على العروبة مرةً
فلقد تضيقُ بكُحلها الأهدابُ

فلربما تجدُ العروبةُ نفسها
ويضيء في قلب الظلام شهابُ

ولقد تطير مِن العقال حمامة
ومِن العباءة تطلع الأعشاب

10
قرطاجةٌ .. قرطاجةٌ .. قرطاجةٌ ..
هل لي لصدركِ رجعة ومتاب ؟

لا تغضبي منّي .. إذا غَلَبَ الهوى
إنَّ الهوى في طبعه غلاب

فذنوب شعري كلها مغفورةُ
والله - جل جلالهُ - التوَّابُ ..

عن نزار قباني

نزار قباني (1342 - 1419 هـ / 1923 - 1998 م) شاعر سوري معاصر من مواليد مدينة دمشق.

تعريفه من ويكيبيديا

نزار بن توفيق القباني (1342 - 1419 هـ / 1923 - 1998 م) دبلوماسي وشاعر سوري معاصر، ولد في 21 مارس 1923 من أسرة عربية دمشقية عريقة. إذ يعتبر جده أبو خليل القباني من رائدي المسرح العربي. درس الحقوق في الجامعة السورية وفور تخرجه منها عام 1945 انخرط في السلك الدبلوماسي متنقلًا بين عواصم مختلفة حتى قدّم استقالته عام 1966؛ أصدر أولى دواوينه عام 1944 بعنوان "قالت لي السمراء" وتابع عملية التأليف والنشر التي بلغت خلال نصف قرن 35 ديوانًا أبرزها "طفولة نهد" و"الرسم بالكلمات"، وقد أسس دار نشر لأعماله في بيروت باسم "منشورات نزار قباني" وكان لدمشق وبيروت حيِّزٌ خاصٌّ في أشعاره لعلَّ أبرزهما "القصيدة الدمشقية" و"يا ست الدنيا يا بيروت". أحدثت حرب 1967 والتي أسماها العرب "النكسة" مفترقًا حاسمًا في تجربته الشعرية والأدبية، إذ أخرجته من نمطه التقليدي بوصفه "شاعر الحب والمرأة" لتدخله معترك السياسة، وقد أثارت قصيدته "هوامش على دفتر النكسة" عاصفة في الوطن العربي وصلت إلى حد منع أشعاره في وسائل الإعلام.—قال عنه الشاعر الفلسطيني عز الدين المناصرة : (نزار كما عرفته في بيروت هو أكثر الشعراء تهذيبًا ولطفًا).

على الصعيد الشخصي، عرف قبّاني مآسي عديدة في حياته، منها مقتل زوجته بلقيس خلال تفجيرٍ انتحاري استهدف السفارة العراقية في بيروت حيث كانت تعمل، وصولًا إلى وفاة ابنه توفيق الذي رثاه في قصيدته "الأمير الخرافي توفيق قباني". عاش السنوات الأخيرة من حياته مقيمًا في لندن حيث مال أكثر نحو الشعر السياسي ومن أشهر قصائده الأخيرة "متى يعلنون وفاة العرب؟"، وقد وافته المنية في 30 أبريل 1998 ودفن في مسقط رأسه، دمشق.

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي