ديوان المعاني/التهاني

من موسوعة الأدب العربي
< ديوان المعاني
مراجعة ١٥:٤٠، ٢٢ سبتمبر ٢٠٢٢ بواسطة Adab (نقاش | مساهمات) (التهاني)
(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى:تصفح، ابحث

التهاني

التهاني - ديوان المعاني

التهاني

لم تكن من الأقسام التي كانت العرب تصوغ فيها شعراً، وإنما كانت أقسام الشعر في الجاهلية خمسة: المديح والهجاء والوصف والتشبب والمراثي، حتى زاد النابغة فيها قسماً سادساً وهو، الاعتذار، فأحسن فيه ولا أعرف أحداً من المحدثين بلغ مبلغه فيه إلا البحتري، فانه قد أجاد القول في صنوفه، وأحسن وأبلغ، ولم يذر لأحد مزيداً، حتى قال بعضهم: هو في هذا النوع النابغة الثاني. ولا أعرف للعرب شيئاً ينسب إلى التهاني، ومهما جاء عنهم من شكلها شيء فهو عند العلماء معدود في جملة المديح، مثل قول أبي الصلت الثقفي يذكر سيف بن ذي يزن وإتيانه بالفرس ومحاربته بهم الحبشة حتى أزالهم عن أرضه، وهو قوله بعد ذكر الفرس:

فاشرب هنيئاً عليك التاجُ مرتفقاً

في رأس غُمدانَ دار منك مِحْلالا

تلك المكارمُ لأقعبانِ من لَبَنٍ

شيبا بماءٍ فعادا بعدُ أبوالا

أخذه بعض شعراء الجبل فقال في بعض رؤسائه:

فاشرب هنيئاً عليك التاجُ مرتفقاً

في شاذ مهر ودع غمدانَ لليمنِ

فأنت أولى بتاج الملكِ تقصدُهُ

من هوذة بن عليّ وابن ذي يزن

ولست أختار من التهاني بالأعياد على أبيات أشجع شيئاً:

لا زلت تنشر أعياداً وتطويها

تمضي بها لك أيام وتثنيها

مستقبلاً غرة الدنيا وبهجتَها

أيامها لك نظمٌ في لياليها

العيد والعيد والأيام بينهما

موصولةٌ لك لا تفنى وتفُنيها

ولا تقضتْ بك الدنيا ولا برحت

تطوي بك الدهر أياماً وتطويها

وليهنكَ النصرُ والأيامُ مقبلةٌ

إليك بالفتحِ معقودٌ نواصيها

أمست هرقلةُ تدمي من جوانبها

وناصرُ الملكِ والإسلامِ مُدميها

إن الخليفةَ سيفٌ لا يجردُهُ

إلا الذي يملك الدنيا وما فيها

ما قارعَ الدين والدنيا عدوهما

بمثل هارون راعيه وراعيها

وقلت:

ما لليالي والأيامِ منقبةٌ

غراءُ تسمو بها إلا مَساعيكا

ربي يبقِّيك ما تهوَى على فرحٍ

كما يُلقِّيك ما تهوى ويعليكا

لألف فصل كهذا الفصل تبلغه

باليُمنِ والخير تبليهِ وينميكا

ولا تزالُ لك الأيامُ موطأة

تمضي قضاياكَ منها في أمانيكا

ووجدت بخط أبي أحمد من أجود ما قيل في التهنئة بالنوروز قول هارون بن علي لعلي بن محمد الحواري:

عليُّ يا ذا الجودِ والمعالي

يا معدنَ الإنعام والإفضالِ

يا مَن به نيطت عُرى الآمال

فحكمَّ الآمال في الاموالِ

جودٌ بلا منٍّ ولا اعتلالِ

مبتدأ يُغني عن السؤال

قابله النوروزُ بالإقبالِ

ونِعَمٌ تأتي على اتصالِ

محروسةً مأمونةُ الزوالِ

شبهك في تَصُّرفِ الأحوالِ

فليلهُ أزهرُ ذو اشتعالِ

كأنه وجهك في الجمال

وصحبهُ بالمالِ ذو انهمال

يحكي ندَى كفّك ذا الأسيالِ

جرى بماءٍ وجرت بمالَ

ومنها:

قولٌ غدا يوفي على الأقوالِ

كمثل ما توفي على الرجال

فاشتبهَ الاجوادُ بالبُخَّالِ

وعدت مسروراً رَضِيَّ البالِ

في نعمةٍ ضافية الأذيالِ

بعزِّ ذي العزةِ والجلال

وأخبرني بعض أصحابنا قال: كتب أحمد بن أبي طاهر إلى إسماعيل بن بلبل:أنا وإن كنت في عدد الحشم والأتباع الذين يخرجون من تفضيل الخاصة، ويرتفعون عن الدخول في جملة العامة، فإني في وسط القلادة منهم، وبمكان من نظام نعمتك التي تجمعهم، وقوادهم وكتابهم، بالإهداء إليهم وقبول ما أهدوه منهم، ليعرف مكان التشريف في مرتبته، من مكان المنحط عن منزلته، وموضع النعم من المنعم عليه، في التقدم بقبول ما يهديه إليه، وكل يهدي على قدر بضاعته ورتبته، ومقداره في نفسه وهمته، وعلى حسب موضعه من سيده ومالكه، وما يحويه ملكه وتبلغه مقدرته، وكرهت أن أمسك عن البر، فأخرج عن جملة العبيد والحشم، وأهدي ما يقصر عن الواجب اللازم والحق المفترض، فجعلت هبتي مع الثقة بعذرك، والاعتماد على تفضيلك وصفحك، أبياتاً اقتصرت فيها على الدعاء لك، والثناء عليك، أسأل الله تعالى أن يقرنه بالإجابة فيك، كما قرن مدحي لك بالتصديق. فقلت:

أبا الصقرِ لا زالتِ من اللَّه نِعمةٌ

تجدِّدُها الأيام عندك والدهرُ

ولا زالتِ الأعيادُ تَمْضِي وتَنقضي

وتبقى لنا أيامُك الغُررُ الزُّهر

فإنَّك للدنيا جمالٌ وزينةٌ

وإنَّك للأحرارِ ذخرٌ هو الذخر

رأيت الهدايا كلها دونَ قدرهِ

وليس لشيءٍ عند مقداره قدر

فلا فضلَ إلاَّ وهو من فضل جُودهِ

ولا بِرَّ إلاَّ دونَهُ ذلك البِرُّ

فأهديتُ من حَلْي المديحَ جَواهراً

منصلةً يزهى بها النظمُ والنثر

مدائح تبقَى بعد ما نفد الدهر

وتبهى بها الأيامُ ما اتصل العمرُ

شكرتُ لإسماعيل حُسنَ بلائِه

وأفضل ما تُجزى به النعمُ الشكرُ

أخبرنا أبو أحمد عن أبيه، عن أحمد بن أبي طاهر، عن أبي هفان، قال: دخلت على سعيد بن حميد في يوم نيروز وهو مستعد يكتب إلى إخوانه، فقرأت عليه كتابك وشعرك إلى أبي الصقر - يعني الكتاب والشعر الذي تقدم - فكتب وأنا حاضر إلى الحسن بن مخلد:أيها السيد النجيب، عشت أطول الأعمار في زيادة من النعم، موصولة بقرائنها من الشكر، لا تقضي حق نعمة حتى تتجدد لك أخرى، ولا يمر بك يوم إلا كان موفياً على ما قبله، مقصراً عما بعده، قد تصحفت أحوال الأتباع الذين تجب عليهم الهدايا إلى السادة في هذا اليوم، والتمست التأسي بهم في الإهداء إليك، وإن قصرت الحال عن الواجب لك، فرأيتني أن أهديت نفسي، فهي لك لاحظ فيها لغيرك، ورميت بطرفي إلى كرائم مالي، فوجدتها منك، فكنت ان أهديت شيئاً كمهدي مالك إليك، ولم يزد على أن نبه على نعمتك، واقتضى نفسه بشكرك، وفرغت إلى مودتي وشكري، فوجدتهما لك خالصتين قديمتين غير مستجدتين، وإني إن جعلتهما هديتي، لم أجدد لهذا اليوم براً ولا لطفاً، ولم أقس منزلة شكري بمنزلةٍ من نعمتك، إلا كان الشكر مقصراً عن الحق، والنعمة زائدة على ما لم تبلغه الطاقة، ولم أسلك سبيلا ألتمس بها ما أعتد به في مجازاتك، إلا وجدت فضلك قد سبقني إليها، فقدم لك الحق وأحرز لك السبق، فجعلت الاعتراف بالتقصير عن حقك هدية إليك تفي ما يجب لك، والعذر في العجز عن برك براً أتوصل به إليك:

إنْ أُهدِ نفسي فهو مالكها

ولهُ أصونُ كرائمَ الذُّخْرِ

أو أُهدِ مالاً فهو واهبهْ

وأنا الحقيقُ عليه بالشكرِ

أو أهدِ شُكري فهو مُرتهنٌ

بجميلِ فعلك آخرَ الدهرِ

والشمسُ تَستغني إذا طلعت

أن تستضيء بسنة البدرِ

ثم قرأه علي فقلت: أبا عثمان ! الساعة قرأت عليك لابن أبي طاهر هذه المعاني بأعيانها، قال: والساعة عملتها وليس بيننا حشمة. ولا أعرف لهاتين الرسالتين في هذا الباب نظيراً في رقة معانيها وحسن تخريجها، ورسالة سعيد بن حميد أكثرهما معاني. وأول من افتتح المكاتبة في التهاني بالنوروز والمهرجان أحمد بن يوسف، أهدى إلى المأمون سفط ذهب فيه قطعة عود هندي، في طوله وعرضه، وكتب معها: هذا يوم جرت فيه العادة بألطاف العبيد السادة. وقد قلت:

على العبد حقٌّ فهو لا شكَّ فاعُلْه

وإن عَظمَ المولى وجلت فضائِلُهْ

ألم ترنا نُهدِي إلى اللّه مالَهُ

وإن كان عنهُ غِنىً فهو قابِلُهْ

ولو كان يُهدَى للجليل بقدرهِ

لقصر علُّ البحر عنك وناهلُهْ

ولكننا نُهدي إلى من نُجِلُّهُ

وإن لم يكن في وُسعنا ما يُشاكُلهْ

فأخذ سعيد بن حميد هذه المعاني وكتب إلى ابن صالح بن يزداد:النفس لك، والمال منك، والرجاء موقوف عليك، والأمر مصروف إليك، فما عسانا أن نهدي لك في هذا اليوم ؟ وهو يوم شملت فيه العدة للأتباع الأولياء. بإهدائهم إلى السادة العظماء، وكرهنا أن تحليه من سننه فنكون من المقصرين، أو ندعي أن في وسعنا ما يفي بحقك علينا، فنكون من الكاذبين، فاقتصرنا على هدية تقضي بعض الحق وتقوم عندك مقام أجمل البر، وهي الثناء الجميل والدعاء الحسن فقلت:لا زلت أيها السيد الكريم، دائم السرور والعطية، في أتم العافية وأعلى منازل الكرامة، تمر بك الأيام المفرحة والأعياد الصالحة، فتخلقها وأنت جديد. فأول كلامه مأخوذ من قول المعلى بن أيوب للمعتصم:النفس لأمير المؤمنين والمال منه، وليس فيما أوجبه الحق نقيصة، ولا على أحد فيه غضاضة، وباقيه من كلام أحمد بن يوسف، والدعاء الذي في آخره لعلي بن عبيدة الريحاني لم يزد سعيد بن حميد فيه شيئاً. وأحسن ما سمعت من الدعاء قول علي بن هارون بن يحيى المنجم:أمتع الله الأمير بما خوله، واستقبل به من العمر اسره وأطوله، وملأه من العز وأمده وأكمله، وألبسه من الإنعام أسبغه وأجزله، ومهد له من العيش أرغده وأفضله، وجمع له من الخبر آخره وأوله. وللصاحب أبي القاسم إسماعيل بن عياد فصول في التهاني قليلة النظير، منها ما كتب بهنىء بالوزارة:أنا أهنىء أطال الله بقاء سيدي الوزارة بإلقائها إلى فضله مقادتها، وبلوغها في ظله ارادتها، وانحيازها إلى ذراه واضحة المجد والفخر، وتوشحها من كفايته بغرة سائلة على وجه الدهر، واشكر له حسن أثره عليها، وعطفه عنان الفكر إليها، حتى قرت لديه قرارها، وأثقبت بيديه نارها، بعد أن هفا قلبها إشفاقاً من استشراف أيادي النقص لها، وحرج صدرها من تحدث احلاس الجهل بها، ولا غرو فهي وليدة ذراه، قد آلت لا تخطت خطته، وعاهدت لا برحت ساحته، فالحمد لله الذي أقر عين الفضل، ووطأ مهاد المجد، وترك الحساد يتعثرون في ذيول الخيبة، ويتسقطون في فضول الحسرة، حمداً يديم أيام مولانا ويطيل بقاءه، ويحرس عزه وينصر لواءه، فقد شرح صدور المجالس وشد ظهور المحامد بتقوبض الصدر إلى من وليه بحقين: قديم وحديث، وبفضلين: مكتسب وموروث. وكتب:الأستاذ الربيع الذي يتصل مطره من حيث يؤمن ضرره، ويدوم زهره من حيث يتعجل ثمره، لا زالت الأيام مسعودة بقرعها إلى إنفاذ وتقديره، والأزمان محسودة بانحيازها إلى إمضائه وتدبيره، فما اكتسى الدهر حلة أبهى من حصول عنانه في يديه، ومثوله من جملة العبيد لديه، لا زال آمراً ناهياً، سامياً عالياً، تتهنأ الأعياد بمصادفة سلطانه، وتستفيد المحاسن من رياض إحسانه. وكتب:الأستاذ عيد الزمان وربيع الأيام، وهذا الفضل الجامع لأحكام الفضل معتز إليه، معتز بما لديه، فغيثه متشبه بكفه، واعتداله مضاهٍ لخلقه، وزهره موازٍ لنشره، وان تسعد به سعادات لا يبلغ حدها ولا يحصر عدها، وهو - أطال الله بقاءه - يحظر المهاداة بما يحضر، ما خلا الكتب التي لا يترفع عنها كبير، ولا يمتنع منها خطير، ولا زال جنابة موروداً بالعلم، ومتحملا عنه بالغنم. ومثله ما كتب:قد أقبل النوروز إلى الأستاذ ناشراً حلله التي استعارها من شيمته، ومبدياً حليه التي أخذها من سجيته، ومستصحباً من أنواره ما اكتساه من محاسن أيامه، ومن أمطاره ما اقتبسه من جوده وإنعامه، مؤكداً الوعد بطول بقائه، حتى يتحلى العمر، ويستغرق الدهر، ويستكمل من الرتب أعلاها، ويحل من المنازل أسماها، ويرى السادة الفتيان قد اقتفروا سعيه واقتفوا هديه، وأسعده سعادة تستوفي معها الهمة، وما ترتقي إليه، والأمل وما يشرف عليه. وكتب:أما بعد تهناء سيدي الموهبة التي ساقها إليه ومد رواقها عليه، إذ كانت من عقائل المواهب، مسفرة عن خصائص المراتب، وكيف لا تكون كذلك وقد صدرت عن مالك الأرض، وولي البسط والقبض، ومصرف الثقلين ومدبر الخافقين، أدام الله سلطانه وأيد أعوانه، مكنوفة بكرم رأيه وشرف اختصاصه واجتنائه، وخطبتها عناية مولانا الأمير أدام الله أيامه، ونصر أعلامه، وحلت من سيدي محل الإيجاب والاستيجاب، والاستحقاق دون الاتفاق، فعرفه الله ميامن أغزر شريعة بأشرف ذريعة، وأبرع فضيلة حصلها بأرفع وسيلة. وكتب في فصل له يهنىء فيه عضد الدولة، وقد ولد له ابنان توأمان:وصل كتاب الأمير بالبشرى التي أبت النعمة بها أن تقع مفردة، وامتنعت العارفة فيها أن تسنح موحدة، حتى تيسرت منحتان في موطن، وانتظمت موهبتان في قرن، وطلع من النجيبين أبي القاسم وأبي كالنجار، أدام الله عزهما، طالعاً ملكٍ، ونجماً سعدٍ، وشهابا عزٍ، وكوكبا مجدٍ، فتأهلت بهما رباع المحاسن، ووطئت لهما أكناف المكارم، واستشرفت إليهما صدور الأسرة والمنابر، وفهمته وشكرت الله تعالى شكر من نادى الآمال فأجابته مكبة، ودعا الأماني فأجابته مصحبة، وحمدته حمداً مكافئاً جسيم ما أتاح وعظيم ما أفاد، واكتنفني من السرور ما فسح مناهج الغبطة، وسهل موارد وسعت ما ورد اتساعه، شرحت صدور الأولياء بمسارها، وأزعجت قلوب الأعداء عن مقارها، وسألت الله اتمام ما أدناه من الأميرين السيدين من سعادة لا يهتدي إليها الاختيار علواً، ولا ترتقي إليها الأفكار سمواً، وسلطان تضيق البحار عن اتساعه، وتنخفض الأفلاك عن ارتفاعه، وتبليغهما أفضل ما تقسمه السعود وتعلو به الجدود، حتى يستغرقا مع السابقين أخويهما مساعي الفضل، ويشيدا قواعد الفخر، ويرحما صروف الدهر، ويغبطا أطراف الأرض، وهو تعالى قريب مجيب. وله تهنئة بتجدد رتبة:وصل كتاب الأستاذ من الحضرة البهية، يشير أن آنسها الله وحرسها بذكر ما لقاه كرم مولانا ورقاه إليه من مراتب تشريف لا تكمل القرائح لاقتراحها واستداعائها، ولا تتسع الخواطر لالتماسها واقتضائها، فحمدت الله ولي الحمد والشكر، وأخذت بالحظ من قوة القلب وانشراح الصدر، وسألته أن يطيل بقاء مولانا في العز الراهن، والسلطان القاطن، ويعرف الاستاذ بركة ما درعه من شرف لا يرحل مقيمه، ولا يتحيف عميمه، إنه فعال لما يريد. وكتب في تهنئة بالسلامة من الغرق:لولا أن الله تعالى، عز اسمه، حماني عن سماع المكروه إلا في ضمان المحبوب، حتى تقدم نبأ التبشير ذكر السبب المحذور، لما وجدت في التماسك به بصيرة، ولا من ترك التهالك ذخيرة، إلا أن لطف الله وعطفه عجلا إلي خبر البشرى، فانتفت الروعة قبل استقرارها، وانتقلت الوحشة قبل استمرارها، فتلقيت جميل صنع الله بالحمد صنع الله بالحمد لله رب العالمين، أفضل ما قوبلت به النعم، وشكرت الرغائب والقسم. وللبحتري تهنئة للمتوكل ببلوغ المعتز يقول فيها:

يا كالىءَ الإسلامِ في غَفَلاتهِ

ومقيمَ نَهجَيْ حَجِّه وجهادِهِ

يهنيكَ في المعتزَّ بشرى بّينَتْ

فينا فضيلةَ هديهِ ورشادهِ

قد أدركَ الحِلمَ الذي أبدى لنا

عن حِلْمِهِ ووقارهِ وسَدَادِهِ

ومباركٌ ميلادُ مْلكك مخبرٌ

بقريب عهدٍ كان مِن ميلادِهِ

تمت لنا النعماءُ فيك مُمتَّعا

بعلوِّ همّته وَوَرْي زنادِهِ

وَبَقَيتَ حتى تستضيءَ برأيه

وترى الكهول الشيبَ من أولادِهِ

وقلت في تهنئة لمولود:

قد زادني عددُ الكرام كريمٌ

محضٌ صريحٌ في الكرامِ ضَميمُ

عالي المحلةِ لا يزالُ كأنه

للعزِّ قرنٌ والسَّماكُ نديمُ

فلأمره التتميم كيف تصرفت

حالاته ولشأنِهِ التفخيمُ

فأبشر فقد وافاك يومَ رُزقته

حظٌ بتخليدِ السرور زعيمُ

َفرْعٌ تكفَّلَ دهرُهُ بنمائه

حتى يكرَّ الدهرُ وهو أروم

إن الهلالَ يصيرُ مدة كاملاً

ويهد سدَّ الليلِ وهو بهيم

وهو الوجيهُ إذا تبدَّى وجههُ

وغداً إذا نزل العظيمُ عظيمُ

وجهٌ كتنويرِ الرياضِ وتحته

خلقٌ لمحسود الرياحِ وخيمُ

فلأهله شرفٌ به مُتوطدُ

ولديهمُ شرفٌ أشمُّ عميمُ

فاقْرِرْ به عيناً فإنَّ خلالهُ

تصفو وتسلسُ أو يقال نسيمُ

ولحده التصميمُ حين تلاحقت

أقرانهُ ولشأوه التقديمُ

ومن أعجب ما جاء في التهنئة والتعزية قول عبد الملك بن صالح: أخبرنا أبو أحمد عن الصولي قال: قيل للرشيد: إن عبد الملك بن صالح يعد كلامه، فأنكر الرشيد ذلك وقال: بل هو طبع فيه، حتى جلس يوماً ودخل عبد الملك، فقال للفضل: قل له: ولد لأمير المؤمنين في هذه الليلة ابن، ومات له ابن، ففعل الفضل ذلك، فدنا عبد الملك فقال: يا أمير المؤمنين ! سرك الله فيما ساءك، ولا ساءك فيما سرك، وجعلها واحدة بواحدة: ثواب الشاكر وأجر الصابر. فقال الرشيد: أهذا الذي زعموا أنه يصنع الكلام ؟ ما رأى الناس أطبع من عبد الملك في الفصاحة ؟وقلت في تهنئة بمولود:

فاستقبل الخيرَ في نجيب

عما يَعيبُ الورى نزيهِ

شمسُ نهار وبدرُ ليلٍ

يَملك أبصارَ ناظريهِ

يملأها بهجة إذا ما

كشفَ عن وجهه الوجيهِ

رُزقته كاملاً سوياً

تكثر علات عائبيهِ

جنىً لذيذُ المذاق حُلوٌ

يقربُ من كفِّ مجتنيهِ

وعن قليلٍ يصيرُ شهما

يشقى به جد كاشحيهِ

ألا فعش في ضمانِ خيرٍ

حتى ترى الشيبَ من بنيهِ

وقلت في تهنئة بإملاك:

تجلى لك الأملاكُ عما تحبه

فإنك قد فصَّلتَ بالتبر جوهرا

فَصَيَّرتهُ للدهرِ عِقداً مفصَّلا

وطيَّرتهُ في الأفق نَشراً مُعطَّرا

هو اليُمن لم يعدِمْك محبوبةً دنت

ومكروهةً شطت وصعباً تيسرا

ومن عجائب المعاني تهنئة لأبي اسحاق الصابىء مشوبة بالعقد لرجل زوج أمه:قد جعلك الله، وله الحمد، من أهل التحصيل والرأي الأصيل، وخلوص اليقين، فكما أنك لا تتبع الشهوة في محظور تحله، فكذلك لا تطيع الأنفة في مباح تحظره، ويأوي إلينا من ايقاعك العقد بين الوالدة - نفس الله لها في مدتك وأحسن بالبقية منها امتاعك - وبين فلان، ما علمنا أنك فيه بين طاعة الديانة توخيتها، ومشقة فيها تجشمتها، وانك قد جدعت أنف الغيرة لها، وأضرعت خد الحمية فيها، وأسخطت نفسك بارضائها، وعصيت هواك لرأيها، فنحن نعزيك على فائت مرادك، ونسأل الله الخيرة لك، وان يجعلها أبداً معك، فيما شئت وأتيت، وتجنبت وأنبت، والسلام. قال الشيخ أبو هلال رحمه الله تعالى: جدعت أنفي الغيرة، من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد رأى علياً وفاطمة عليهما السلام في بيت فرد عليهما الباب وقال: جدع الحلال أنف الغيرة'. وهنأ بعضهم بخروج اللحية، وهو أبو نصر بن هبة الله:الحمد لله الذي له عند خلقه في الأحوال التي يتصرفون فيها، والطبقات التي ينتقلون بينها، والمراتب التي يندرجون عليها لطائف من حكمه، وفوائد من نعمه، توافق مصالحهم وتطابق حوائجهم في تصاريف نشوهم، الطفولية والإيفاع، والشبيبة والاجتماع، والبلوغ والاكتهال، والانتهاء والكمال، وجعل لكل واحد منهم في كل حد من الحدود، وسن من الأسنان، قدراً من الأسر والقوة، وصنفاً من اللون والصورة، ومسافةً في السعي والهمة، وغايةً في الطلب والبغية، يكون به قوام عيشه وسداد أمره، محطوطاً من الاضطراب بزيادة في بعض ذلك يعطاها، قبل بلوغ أدواته منتهاها، يناقص سائره وينافي نظائره، فيفتح بالزيادة في الزوائد صورته، ويظهر بالنقصان في الناقص آفته، حتى إذا تعالى في المراتب أمد النهاية، وتوافت إليه أقسامه في الكفاية، كمل الله إحسانه إليه، وأتم إنعامه عليه، ولله المنة والفضل، وبه القوة والحول، الحمد لله الذي كساك باللحية حلة الوقار، ورداك بها رداء الأبرار، وصانك عن ميسم الصبا، ومطالع أهل الهوى، ما جلك من الهيبة البهية، وألبسك من لباس ذوي اللب والروية، وألحقك في متصرفاتك بمن يستقبل بنفسه ساعيا، ويستغني عمن يصحبه حافظاً، وجعلك بما جمل من صورتك، وكمل من اداتك وآلتك، قرناً لمن جاذبك، وخصماً لمن نازعك، ونفى عنك ذلة الاحتقار من أهل المراتب والأخطار، تستوي معهم في المجالس الحافلة، وتجري مجراهم في المشاهد الجامعة، مسموعاً قولك إذا قلت، مصغي لك إذا نطقت، آمناً من انصراف الأبصار عنك لقرب ولادك، ونبو الاستماع من حديثك لقلة الثقة بسدادك، وجارياً مجرى جلة الرجال على الحملة، إلى أن تكشف مخابرك بالمحنة، وتعطي المهابة من الذاعر العادي، ومن السبع الضاري، إذا اتفق لكما مقام يخلو فيه كل واحد منكما من رفد يمده، وناصر يؤيده، يملكه الاشفاق من صاحبه، ويقطعه من مواليه إليه، من ترك إبقائه في السطوة عليه، ولو كان عاريا من هذه الكسوة الشريفة، والحلية النفسية، لسبقت إليه بالازدراء الأعين، وبالاستصغار القلوب والألسن، وبالطمع أصناف الحيوان، من البهيمة والإنسان، ثم لا يحسن من نفسه قوة على الدفع عنها، ولا من حريمه قدرة على ما يدها منها، وتلك نعمة من الله حباك بمزيتها في جمال غشاك، وكمال أتاك، فليصدق بها اعترافك وشكرك، وليحسن ثناؤك ونشرك، قضاءً لحق الله عليك، واستدراراً للمزيد في إحسانه إليك. وكتب الصاحب تهنئة بتزوج أم وتعزية بموت أب:الأيام - أطال الله بقاءك - تجري على أنحاء مختلفة وشعب متفرقة، وأحكامها تتفاوت بيننا بما يسوء ويسر، وينفع ويضر، وبلغني من نفوذ قضاء الله في شيخك، رحمه الله تعالى، ما أزعجني، وأبهم طرق السلوة دوني، وان كان من خلفك غير خارج عن رؤية الأحياء، ولا حاصل في زمرة الأموات، والله يأسو كلمك، ويسد ثلمك، وقد فعل ذاك بأن أتاح الله لك، بعد أبيك أباً، لا يقصر عنه شفقة عليك وحنواً، وإيثاراً لك وبراً، وقد لعمري وفقت حين وصلت بحبلك حبله، وأسكنت الكبيرة - حرسها الله - ظله، لئلا تفقد من الماضي، عفا الله عنه، إلا شخصه، فالحمد لله الذي أرشدك لما يعيد الشمل مجتمعا بعد فراقه، والعدد موفوراً بعد انتقاصه، حمداً يقضي لك بالمسرة، ويحسم دونك مواد الوحشة، ويلقيك ثواب ما قضيته من الحق، وتحملته فيه من الأرق، إنه فعال لما يريد. وكتب تهنئة بقدوم:قد جدد الله، وله الحمد، جمال الدنيا وضاعف بهاءها، وزادها محاسن ترفل في حللها وتتبختر في حليها، واكتنفها بميامن يمرع جنابها ويفتح بالخيرات أبوابها، ما استأنف - جل اسمه - من النعمة الشاملة، والمنة الكاملة، في تقريب ركاب مولانا - أطال الله بقاءه - وكبت أعداءه وكب حساده، وزادهم رغماً بزيادته تعالى إياه، نعما لا يرحل مقيمها ولا يتحيف عميمها، ما اختلف العصران وتعاقب النيران، واستقبل به في وفدته ما ينقاد له أقصر الأبيار، ويحتوي عليه أربعة غايات الاختيار، بمنه وجوده.

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله، حمداً لا يبلغ نداه، ولا ينفصل أخراه من أولاه، حتى يستغرق نعمه، ويستوفي فواضله وقسمه، وأني ذلك وهي متطرفة إلى غير غاية، وممدودة إلى غير نهاية، لا يتخطى إلى شكر بعضها إلا بتجدد أمثاله من جملتها، وترادف نظائره من جماعتها، والحمد لله الذي أعطى كثيراً، وقبل من الشكر قليلا، وأوجب به مزيدا، والصلاة على نبيه محمد وآله وسلم كثيراً، وهو حسبنا ونعم الوكيل. ^

الباب الثاني من كتاب ديوان المعاني

كتاب المبالغة

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي