عرش ينوح أسى على سلطانه
أبيات قصيدة عرش ينوح أسى على سلطانه لـ علي الجارم

عرشٌ ينوح أسى على سلطانهِ
قد غاب كسرى الشعر عن إيوانِهِ
طوت المنون من الفصاحة دولةً
ما شادها هارون في بغدانه
في ذمة الفن المقدسّ عازف
لقي الحِمام على صدى ألحانه
لمّا تهامست الصفوف بنعيه
كاد الفؤد يكفّ عن خفقانه
ساءلت حين قضى عليٌّ فجأة
هل حلّ يومُ الحشرِ قبل أوانه
سقد المؤبّنُ وهو يسمع شعره
من ذا يؤبّنه بمثل بيانه
وصف الزمان لنا وجاد بنفسه
لتكون برهاناً على حدثانه
قال احذروا غدر الحمام معزّزاً
بحياته ما قاله بلسانه
لا تعجبوا من موْته في حفله
إنّ الشجاع يموت في ميْدانه
بطلُ المنابر ما له من فوْقها
يهوي وكمْ عرفت ثبات جنانه
إن خانه ضعف المشيب فطالما
قهر المنابر وهو في ريعانه
كلاّ لعمري لم يخنه مشيبه
لكنّ حمّى المرء من خوّانه
لم يجنها إلا رقيقُ شعوره
والمرهفُ الحساس من وجدانه
حرٌّ قضى متأثراً ببيانه
ولكم جنى فنٌّ على فنّانه
يا شاعراً طار اسمه بقوادم
من عبقريته ومن اتقانهِ
ما دان يوماً للصغار بصيته
أو دان للزُّلفى برفعة شانه
والمجد منه زائفٌ وممحصٌ
لا تخلطوا بلوره بجمانه
ما كل لمّاع ببرقٍ ممطرٍ
البرق غير الال في لمعانه
عرشُ القوافي بعد موتك شاغرٌ
يا طول ما يلقاه من أشجانه
قل للذي يومي إليه بلحظه
هذا مجال لست من فرسانه
لا هُمّ حكمك في الورى جارٍ وما
من حيلةٍ للعبد في جريانه
الطير ملء الروض أشكالاً فما
للسهم لا يُصمي سوى كروانه
يمضي العظيمُ من الرجال فينبري
لمكنه خلفاء من أقرانه
والشاعرُ الموهوب فلتة دهره
إن مات أعيا الدهر سدّ مكانه
قل للرياض قضى عليٌّ نحبه
ولطيرها الشادي على أفنانهِ
الشاعرُ الغرد المحلّق في السها
بجناحه قد كفّ عن طيرانه
بكت اللآلىءُ بعده لالها
وتساءل الياقوت عن دهقانه
وتساءل التاريخ عمن شعره
كان السجل لحادثات زمانه
بكت الكنانةُ في عليٍّ شاعراً
جعل اسمها كالنجم في دورانه
عفُّ اللسان مؤدبُ الأوزان لم
يتلق وحي الشعر عن شيطانه
بل كان نفح الخلد أمتعنا به
حيناً وعاد به إلى رضوانه
للنيل شاد بشعره ما لم يشدْ
فرعونُ والهرمان من بنيانه
من كلِّ بيتٍ في السُّها شرفاته
تتلألأ الأضواءُ في أركانه
يعيي الفراعنةَ الشدادَ أساسهُ
ويحار ذو القرنين في جدرانه
شعرٌ إذا غُني به لم يبْق من
لم يروْه كالبرق في سريانه
غنى الطروبُ به على قيثاره
وترنمّ المحزون في أحزانه
بهر العذارى حسنَه فوددْن لو
صيغت قلائدهنّ من عقيانه
ويكاد سامعه يفسّر لفظه
من قبل أن يسري إلى آذانهِ
تغري سلاستهُ الغريرَ فيقتفي
آثاره سيراً على قضبانه
حتى إذا هدَّ المسيرُ كيانَه
حصب الورى بالصلد من صّوانه
يا رُب ديوانِ تأنّق ربه
في طبعه وافتن في عنوانه
لا يسمع اليقظان وقع قريضه
حتى يدبَّ النومُ في أجفانه
والشعرُ إما خالدٌ أو مدرجٌ
من ليلة الميلاد في أكفانه
قالوا عليٌّ شاعرٌ فأجبت بل
ساقٍ عصير الرم ملء دنانه
قمْ سائل الفقهاء هل في شرعهم
حرجٌ على ثملٍ بخمرة حانه
كم خطّ من صوّر الحياة مدادهُ
ما لم يخطّ مصوّر بدهانه
ببراعةٍ لو أدركت موسى رأى
من سحرها ما غاب عن ثعبانه
أين القصائد كالخرائد كلّها
بكرٌ وبكر الشعر غير عوانه
أحيا لنا ابن ربيعة تشبيبها
وأعاد للأذهان عهدَ حسانه
شيخٌ يحس الشيخ عند نسيبه
بدم الشباب يسيل في شريانه
وإذا تحمّس قلت حيدرة انبرى
تحت العجاجة فوق ظهر حصانه
وإذا تبدّى قلت لابس بردةٍ
قد جاء من وادي العقيق وبانه
وإذا تحضّر قلت نسمةُ روضة
من فرط رقّته وفرط حنانه
يا طالما حمل الأثيرُ نشيدَهُ
وكأنّما هو عازفٌ بكمانه
بغدادُ مصغيةٌ إلى أنغامه
ودمشقُ راقصةٌ على عيدانه
وكأنّما الحرمان عند هتافه
سمعا بلالاً هاتفاً بأذانه
يُثني على الفاروق تحسبه فتى
ذبيان قد أثنى على نعمانه
والملكُ يظهر بالثناء جلاله
والشعر مثل الدرّ في تيجانه
والشعر مرآة النفوس يذيع ما
طويت قرارتها على كتمانه
من أحرفٍ سوداء إلا أنه
نقشٌ يُريك الطيفَ في ألوانه
والشاعرُ الموهوب تقرأ شعره
فترى جمالَ اللّه في أكوانهِ
يا ويح قومي كم أشاهد بينهم
من شاعرٍ هو شاعرٌ بهوانه
يا راثي الموتى ومُخلد ذكرهم
بالخالد السيّار من أوزانه
أرثيك حفظاً للجميل وإنّه
دينٌ أعيذ النفس من نُكرانه
ماذا يؤمّل شاعرٌ من راحلٍ
أتره يطمع منه في إحسانه
وأنا الذي ما سمت شعري ذلةً
أو بعته بالبخس من أثمانه
يا رب بيت قد ضننت ببذله
ضناً على من ليس من سُكّانه
أقسمت ما جاوزت فيك عقيدتي
قسم الأمين البر في إيمانه
دارُ العلوم بنتك حصناً شامخاً
للضاد تلقى الأمن في أحضانه
رزئت لعمري فيك رزء الدوح في
كروانه والفلك في ربّانه
دارٌ قد انتظمت أياديها الحمى
أشياخه والنشىء من ولدانه
دارُ العلوم ونيلُ مصر كلاهما
بنميره يروي صدى ظمآنه
فاضا على الوادي فكان العلمُ من
فيضانها والماءُ من فيضانه
يا خادمَ الفصحى وكمْ من خادمٍ
تعتز ساداتٌ بلثم بنانه
أفنيت عمرك زائداً عن حوْضها
ذود الكريم الحرِّ عن أوطانه
أنصفتها من معشرٍ مستعجم
الغرب أصبح آخذاً بعنانه
والضاد حسب الضاد فخراً أنها
كانت لسان اللّه في فرقانه
هي سؤدد العربي يوم فخاره
وقوامُ نهضته وسرُّ كيانه
من ذاد عنها ذاد عن أحسابه
بل عن عقيدته وعن إيمانه
نم يا عليّ جوار ربك آمناً
لك عنده ما شئت من غفرانه
لك عند رب العرش أجر مجاهدٍ
فانعم برحمته وعدن جنانه
كم من شهيدٍ مات فوق فراشه
جمد الدمُ السيّال في جثمانه
إن المجاهد من أغار بفكره
لا من أغار بسيفه وسنانه
سيظل شعرك يا عليّ مردداً
ما غرّد القمري في بستانه
أقسمت ما نال البلى من شاعرٍ
يحيا حياة الخلد في ديوانه
شرح ومعاني كلمات قصيدة عرش ينوح أسى على سلطانه
قصيدة عرش ينوح أسى على سلطانه لـ علي الجارم وعدد أبياتها خمسة و ثمانون.
عن علي الجارم
علي بن صالح بن عبد الفتاح الجارم. أديب مصري، من رجال التعليم له شعر ونظم كثير، ولد في رشيد، وتعلم في القاهرة وإنجلترة، واختير ليكون كبير مفتشي اللغة العربية بمصر. ثم وكيلاً لدار العلوم حتى عام (1942) ، مثل مصر في بعض المؤتمرات العلمية والثقافية، وكان من أعضاء المجمع اللغوي. وتوفي بالقاهرة فجأة، وهو مصغ إلى أحد أبنائه يلقي قصيدة له في حفلة تأبين لمحمود فهمي النقراش. له (ديوان الجارم-ط) أربعة أجزاء، (قصة العرب في إسبانيا - ط) ترجمة عن الإنكليزية. و (فارس بن حمدان-ط) ، (شاعر ملك-ط) ، وقد شارك في تأليف كتب أدبية منها: (المجمل-ط) ، و (المفصل-ط) وكتب مدرسية في النحو والتربية.[١]
تعريف علي الجارم في ويكيبيديا
علي بن صالح بن عبد الفتاح الجارم أديب وشاعر وكاتب، ولد عام 1881 في مدينة رشيد في مصر. بدأ تعليمه القراءة والكتابة في إحدى مدارسها ثم أكمل تعليمه الثانوي في القاهرة، بعدها سافر إلى إنكلترا لإكمال دراسته ثم عاد إلى مصر حيث كان محباً لها كما دفعه شعوره القومي إلى العمل بقوة وإخلاص لوطنه، وقد شغل عدداً من الوظائف ذات الطابع التربوي والتعليمي، فعُيِّن بمنصب كبير مفتشي اللغة العربية ثم عُيِّن وكيلاً لدار العلوم وبقي فيها حتى عام 1924، كما اختير عضواً في مجمع اللغة العربية، وقد شارك في كثير من المؤتمرات العلمية والثقافية.كتب عنه في موقع إسلام سيفلايزيشن للشاعر العراقي فالح الحجية:
وله ديوان في أربعة أجزاء، وله كتب أخرى منها فارس بني حمدان وشاعر وملك وغارة الرشيد.[٢]
- ↑ معجم الشعراء العرب
- ↑ علي الجارم - ويكيبيديا