تبلج بالبشرى ولاحت مواكبه
أبيات قصيدة تبلج بالبشرى ولاحت مواكبه لـ علي الجارم

تَبَلّجَ بالْبُشْرَى وَلاحَتْ مَوَاكِبُهْ
ورَفَّتْ بِأَنْفَاسِ النَّسِيمِ سَبَائِبُهْ
أَطَلَّ صَبَاحُ الْعِيدِ جَذْلاَنَ ضاحِكاً
يُمازِحُ وَسْنَانَ الدُّجَى ويُلاعِبُه
وَكَيْفَ يَنَامُ اللَّيْلُ في صَحْوةِ الْمُنَى
وَقَدْ سَهِرتْ شَوْقاً إِلَيْها كَوَاكِبُه
تُنَاجِيهِ أَلْحَانُ الهَوَى فَيُجِيبُها
وَتَسْتُر لَوْعَاتِ المحبِّ غَيَاهِبُه
تَرَدَّى مُسُوحَ النُّسْكِ في زِيِّ راهبٍ
وَطَارَتْ تَسُدُّ الْخافِقَيْنِ ذَوَائِبه
وَأَعْجَبَه أَنْ دَارَتِ الأَرْضُ تَحْتَه
كَدَوْرِ شَرِيطٍ ما تَنَاهَى عَجَائِبُهْ
إِذَا أَبْصَرَ الإِحْسَانَ فيها تَلأْلأَتْ
أَسَارِيرُه واهْتَزّ بالعُجْبِ جَانِبُه
يَمُوجُ فَيْعُلو البَرَّ والبَحْرَ مَوْجُه
وتَمْلِك أَرْجَاءَ الفَضَاءِ مَذَاهِبُه
عَلَيْهِ النُّجُومُ السَّابِحَاتُ سَفَائنٌ
يُغالِبُها أَذِيُّه وتُغَالِبُه
سَفَائِنُ لَمْ يَعْرِفْ لَهَا الدَّهْرُ ساحِلاً
وسَفْرٌ عَلَى الأَيَّامِ مَا مَلَّ دَائِبُهْ
رآهُ سَلِيلُ الطّينِ يَجْتَابُ لَيْلَه
فَهَلْ هَدَأَتْ دُون المَسِيرِ جَوائِبُه
تَلَقَّاه فَجْرُ العِيدِ في عُنْفُوَانِه
تَصُولُ بشُهْبِ الصَّافِنَاتِ كَتائبُه
تأَلَّق كالحَقِّ الْمُبِيِن إذَا بَدَا
تَولَّى ظَلاَمُ الشَّكِّ وارْتاعَ شَاحِبُه
وللصُّبح عِنْدي مِنَّةٌ كُلَّمَا نَبَا
بي اللَّيْلُ أَوْ طَالَتْ عليّ هَيَادِبُهْ
أَرَاهُ فأَلْقَى البِشْرَ في قَسَمَاتِه
طَهُوراً كثَغْر الطِّفْلِ حين تُدَاعِبُه
وأَشْعُرُ أَنّ الْكَوْنَ عَأدَتْ حَيَاتُه
إِليهِ وَأَنّ الأُنْسَ قَدْ آبَ غَائِبُه
يَهَشُّ إِليه كُلُّ حَيٍ كَأَنَّما
أَشِعَّتُه حُلْمُ الصِّبَا وَرَغَائِبه
وتَصْحُو لَه الأَزْهَارُ مِنْ وسَنَاتِهَا
تُضَاحِكه وَالطَّلُّ لَم يَجْرِ ذَائِبُه
وتَسْتَقْبِل الأَطْيَارُ بَسْمَةَ نُورِه
فَيبْهَرُنا مِنْ كُلِّ لَحْنٍ غَرَائِبُه
تَرَاهَا على الأَفْنَانِ سَكْرَى من السَّنا
يُناغِي أَلِيفٌ إِلْفَه فَيُجَاوِبُه
قِيَانٌ أدَقَّ اللّهُ أَوْتارَ عُودِهَا
فأَحْيَتْ أَغانِيه وَأَشْجَتْ مَضَارِبه
كأَنَ ضِيَاءَ الصُّبْحِ والكَوْنُ مُشْرِقٌ
سَنَا طَلْعَةِ الفَارُوقِ لاحَتْ رَكائِبُه
أَطَلّ هِلاَلُ العِيدِ يَحْظَى بنَظْرَةٍ
فأَبْصرَ نوراً يَبْهَرُ النُّورَ ثاقِبُه
وشاهَدَ في طُهْر المَلاَئِكِ سَيِّداً
سَمَتْ فَوْقَ أَفْلاَكِ السَّمَاءِ مَناسِبُه
تَراه فَتَلْقَى أمَّةً في شَبَابِها
وتُصْغِي إلى الآمَالِ حِينَ تُخَاطِبُهْ
أصَالةُ رَأْيٍ في ابِتْسَام سَمَاحَةٍ
وصَوْلَةُ عَزْمٍ يُرْهِبُ الدَّهْرَ قاطِبُه
تَأَثَّر خَطْوَ الْحَزْمِ في كُلِّ مَطْلَبٍ
وهَلْ يَعْظُم المَطْلُوبُ والْحَزمُ طَالِبُه
مَلِيكٌ من الأَفْلاَذِ أَعْوَادُ عَرْشِه
فَمنْ ذَا يُدَانِيه ومَنْ ذَا يُقَارِبُه
مَحَبَّتُه في كُلِّ قَلْبٍ شَغَافُه
وإِحْسَانُه في كُلِّ كَفٍ رَوَاجِبُه
حَوَت رِيشَةُ الرَّسامِ بَعْضَ سِمَاتِه
وعَزَّتْ عَلَى رِيش القرِيضِ مَناقِبُه
لكُلِّ خَيالٍ في فَمِ الشِّعرِ غَايةٌ
ولا تَنْتَهِي غَاياتُه ومآرِبُه
صِفِ البحْرَ في أَمواجِهِ وكُنُوزِه
وقُلْ هَذهِ آلاؤُه ومَوَاهِبُه
صِفِ الهمَمَ الْجُرْدَ التي تقنِصُ المُنَى
وقُلْ هَذهِ أَفْرَاسُه ونَجائِبُه
صِفِ السُّحْبَ أيْنَ السُّحْبُ من فَيْضِ جُودِه
إِذا وَكَفَت للبَائِسِين سَحَائِبُه
تَمنَّتْ زُهُورُ الرَّوْضِ لو أَنّ طِيبَها
له نَفْحَةُ الذِّكْرِ الذِي هُو كَاسِبُه
فمَا كَرَمٌ إِلاَّ ومِنْه انْبِعَاثهُ
ولا شَرَفٌ إِلاَّ وفاروقُ صَاحِبُهْ
إِذَا اصطَنَع اللّهُ أمْرأً جَلّ سَعْيُهُ
وَعَمَّتْ أيَادِيِه وطَابَتْ نَقَائِبُه
به ازْدَادَ دِينُ اللّهِ عزّاً ورَدَّدَتْ
مَنَابِرُه آلاءَه ومَحارِبُهْ
وَقُورٌ بدَرْسِ الدِّينِ يُطْرِق خاشِعاً
من النُّسْكِ يَرْجُو ربَّه ويُرَاقِبُه
بجانبِه الشَّعبُ الوَفيُّ يَحُوطُه
وتَزْحَمُه أَعْضادُه ومَناكِبُه
وجِبْريلُ يَهْفُو فَوْقَه بجَنَاحِه
حَنَاناًن وفَيْضُ اللّهِ يَنْهَلُّ سَاكِبُه
تَجَلَّى به عَصْرُ الرَّشِيدِ وعِزُّه
وسالِفُ عَهْدِ الرَّاشِدِين وذَاهِبُه
إِذا الشَّعْبُ وَالاَه فَذلِك فَرْضُهُ
وإِنْ هُوَ فَدَّاه فَذلِك واجِبُهْ
شَهِدْتُك يَوْمَ العِيد والشَّعْبُ حاشِدٌ
تَهِيمُ بِهِ أَشْوَاقُه وتُجاذِبُه
له صَوْتُ صِدْقٍ بالدُّعَاءِ مُجَلْجِلٍ
يُفَتِّحُ أبوابَ السَّمَواتِ صاخِبُه
فَعيْن اشْتِياقٍ تَرْتَجِي لُقْيَة المُنَى
وصَدْرُ وَلاَءٍ خافِق القَلْبِ واجِبُه
رأيتُ كَأَنَّ البَحْر مُدَّ بِمِثْلِهِ
وقَدْ زَأَرَتْ اَمْوَاجُهْ وغَوارِبُه
هُنَاك بَدَا العِيدَانِ وَجْهُكَ والضُّحَى
مَشَارِقُه وضَّاءَةٌ ومَغَارِبه
طَلَعْتَ فَأَبْصَرْنَا الْجَلاَلَ مُصَوَّراً
نَرَاه فيُغْضِي طَرْفُنَا وَهُو هَائِبُه
لَكَ البَسْمَةُ الزَّهْراءُ تَخْتَلِبُ النُّهَى
ويُمْحَى بهَا مِنْ كُلِّ هَم شَوَائِبه
طَلَعْتَ فقُلْنَا خَيْرُ مَنْ سَاسَ أُمَّةً
وأَشْرَفُ مَنْ شُدَّتْ عَلَيه عَصَائِبه
لَدَى مَوْكِبٍ لْلمُلْكِ عَزَّ مِثَالُه
تُحيِطُ به فُرْسَانُه وكَواكِبُهْ
يُشاهِدُه التَّارِيخُ والعُجْبُ مِلْؤُه
فَيَذْهَلُ عَنْ حَصْرِ الذِي هُو كاتِبُه
فَمنْ شَاء مَجْدَ المُلْكِ في بُعْدِ شَأْوِه
فَهذِي عَوالِيهِ وتِلْكَ قَوَاضِبه
وَهَاذا الذَّكَاءُ العَبْقَرِيُّ مَلِيكُه
وهَذِي الْجُنُودُ الزَّاخِرَاتُ مَواكِبُهْ
مَلِيكٌ له عَزْمُ الصِّبَا ووُثُوبُه
وآرَاءُ ما بَعْد الصِّبَا وتَجارِبُه
تَخَطَّر شَهْرُ الصَّوْمِ يَسْحَب ثَوْبَه
فتَنْشُرُ مِسْكاً في الفَضَاءِ مَسَاحِبُه
تَحمَّل للفَارُوقِ أَجْرَ مُجَاهِدٍ
يَتِيه به إِنْ حَاوَلَ العَدَّ حاسِبُه
وعَادَ إِلى مَوْلاَه جَمّاً ثَوابُه
مَلِيئاً مِنَ الإِحْسَان بُجْراً حَقَائِبُه
تَحَدَّثت في المِذْيَاعِ عن فَضْلِ صَوْمِه
وكَمْ مَثَلٍ عالِي الذُّرَا أَنْتَ ضارِبُهْ
هَنِيئاً لك العِيدُ الذّي بِكَ أَشْرَقَتْ
منازِلُه بِشْراً وضَاءَتْ رَحائبهُ
رَأَتْ فِيه مِصْرٌ همَّةً عَلَويّةً
يَرى كُلُّ بَأْسٍ عَزْمَها فيُجَانِبُه
وأَبْصَر فِيه النِّيلُ خَيْرَ مُمَلَّكٍ
تَجِلُّ مَسَاعِيه وتَصْفُو مَشَارِبُه
بَصِيرٌ إِذا سَاسَ الأُمُور تكَشَّفَتْ
وبانَ لَهُ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ عَوَاقِبه
يُزَاوِلها مِنْه حَصِيفٌ مُدَرَّبٌ
بَعِيدُ المَرامِي صَادِقُ الرَّأْيِ صَائِبه
إِذا مَدَّ زَنْدَ العَزْمِ في إِثْرِ مَطْلَبٍ
تَدَانَتْ أَقَاصِيه ولاَنَتْ مَصَاعِبُه
نَعِمْنا بالاسْتِقْلاَلِ في يُمْنِ عَهْده
وَأَسْفَر لَيْلٌ لم يَنَمْ فيه ناصِبُهْ
وَعزَّ حِمَى مِصْرٍ بجُهْدِ رجَالِها
وعادَ لهَا من لامِعِ المَجْد عَازِبُهْ
فعِشْ للهُدَى والمَكْرُمَاتِ فإِنَّما
سَجَايَاكَ آياتُ الهُدَى وجَوالِبُه
شرح ومعاني كلمات قصيدة تبلج بالبشرى ولاحت مواكبه
قصيدة تبلج بالبشرى ولاحت مواكبه لـ علي الجارم وعدد أبياتها تسعة و ستون.
عن علي الجارم
علي بن صالح بن عبد الفتاح الجارم. أديب مصري، من رجال التعليم له شعر ونظم كثير، ولد في رشيد، وتعلم في القاهرة وإنجلترة، واختير ليكون كبير مفتشي اللغة العربية بمصر. ثم وكيلاً لدار العلوم حتى عام (1942) ، مثل مصر في بعض المؤتمرات العلمية والثقافية، وكان من أعضاء المجمع اللغوي. وتوفي بالقاهرة فجأة، وهو مصغ إلى أحد أبنائه يلقي قصيدة له في حفلة تأبين لمحمود فهمي النقراش. له (ديوان الجارم-ط) أربعة أجزاء، (قصة العرب في إسبانيا - ط) ترجمة عن الإنكليزية. و (فارس بن حمدان-ط) ، (شاعر ملك-ط) ، وقد شارك في تأليف كتب أدبية منها: (المجمل-ط) ، و (المفصل-ط) وكتب مدرسية في النحو والتربية.[١]
تعريف علي الجارم في ويكيبيديا
علي بن صالح بن عبد الفتاح الجارم أديب وشاعر وكاتب، ولد عام 1881 في مدينة رشيد في مصر. بدأ تعليمه القراءة والكتابة في إحدى مدارسها ثم أكمل تعليمه الثانوي في القاهرة، بعدها سافر إلى إنكلترا لإكمال دراسته ثم عاد إلى مصر حيث كان محباً لها كما دفعه شعوره القومي إلى العمل بقوة وإخلاص لوطنه، وقد شغل عدداً من الوظائف ذات الطابع التربوي والتعليمي، فعُيِّن بمنصب كبير مفتشي اللغة العربية ثم عُيِّن وكيلاً لدار العلوم وبقي فيها حتى عام 1924، كما اختير عضواً في مجمع اللغة العربية، وقد شارك في كثير من المؤتمرات العلمية والثقافية.كتب عنه في موقع إسلام سيفلايزيشن للشاعر العراقي فالح الحجية:
وله ديوان في أربعة أجزاء، وله كتب أخرى منها فارس بني حمدان وشاعر وملك وغارة الرشيد.[٢]
- ↑ معجم الشعراء العرب
- ↑ علي الجارم - ويكيبيديا